ما الذي يعوق اتخاذ تدابير لمواجهة التغير المناخي على أعلى المستويات؟

4 دقائق
ما الذي يعيق اتخاذ تدابير لمواجهة التغير المناخي على أعلى المستويات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ 24Novembers
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعني الاستدامة أن العالم يجب أن يلتزم بتحقيق أهداف محددة وفق جدول زمني محدد. فيجب أن يحقق الإجمالي الصفري للانبعاثات بحلول عام 2050. ويجب أن يحقق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. ويجب أن تستكمل الشركات عمليات التحول نحو الاستدامة بحلول عام 2025. هناك مواعيد محددة، وسيؤدي الفشل في الالتزام بها إلى عواقب وخيمة تتجاوز مسائل الأرباح والعائدات. فقدرة أي شركة أو أي بلد أو أي مجتمع على الازدهار ضمن ظروف غير مستقرة أو مؤكدة ستصبح مسألة أكثر صعوبة.

وبالتالي فإن العبء يقع على الحكومات والشركات لإيجاد طرق للعمل المشترك، ولكن بشكل أساسي، يقع العبء على عاتق الشركات لتحقيق تحولات فعّالة ومستدامة في نماذجها الأساسية بحيث تتوافق مع متطلبات التحولات المستدامة على الصعيدين الوطني والدولي. وقد انطلقت هذه العمليات بالفعل، بدءاً من تعديل أنظمة التصنيع وبناء المنصات للتوافق مع النماذج الدائرية، وصولاً إلى إحداث نقلات جوهرية في برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، وانتهاء بالاستراتيجيات الأساسية للشركات. 

اقرأ أيضاً: تعرف على العالم الفلسطيني الأميركي منذر الدحلة وإسهاماته في مجال المدن الذكية والتنمية المستدامة المستقبلية

معضلة اتخاذ القرارات

ولكن، وبالنسبة لكل من هذه العمليات، هناك تجربة مشتركة. فاتخاذ القرارات المتعلقة بالجداول الزمنية يستغرق زمناً طويلاً للغاية. حيث يبدأ بالجدل وينتقل إلى وضع السياسات ويصل إلى اتخاذ الإجراءات، ولكن هذه الانتقالات تتضارب بشكل أساسي مع الجداول الزمنية الخاصة بالاستدامة المطلوبة لتفادي الآثار الشديدة للتغير المناخي. ففي الولايات المتحدة، يمثل القانون المناخي الذي تم إقراره مؤخراً علامة فارقة في مجال العمل المناخي، وهو نتيجة سنوات من المفاوضات لتوزيع المليارات على مدى 10 سنوات. وبقيت مجموعة قرارات متعلقة بالسياسات عالقة في مكانها مدة 18 شهراً. إن أفكارنا حول الزمن المطلوب لإنجاز أي مهمة تتعلق بالتحولات في الشركات وبالتحولات في الاستدامة غير صحيحة تماماً. فعملية اتخاذ القرار غير متوافقة مع حالة الطوارئ التي نعيشها، ونحن ندرك ذلك. ولكن نقص الاستعجال لا يعود إلى تعقيد بنود المفاوضات، بل إلى الجمود التنظيمي للمؤسسات، والعمليات التاريخية والمؤسسات غير المناسبة لهذا الوضع، والهيكليات والأطر التي تحتاج إلى التغيير. 

ولكن تحقيق التوافق لا يتلخص بالحصول على استثمارات بقيمة مليار دولار، بل في العقود وتوزيع الأموال في الجدول الزمني للمرحلة اللاحقة للاتفاق. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني بين تمويل برامج بقيمة 10 ملايين دولار وتمويل البرنامج الفرعي الصحيح وصولاً إلى توسيع نطاق هذا البرنامج الفرعي لتحقيق التأثير المتوخى. فعمليات التحكيم الأكاديمي يمكن أن تستغرق من 6 إلى 12 شهراً في المجلات رفيعة المستوى، وذلك بسبب واقع العمل الأكاديمي. ويحتاج طلب التحكيم من الأكاديميين المشغولين إلى إيجاد ما يكفي من الوقت ضمن جدول مزدحم بالأعمال، ما يتسبب في حدوث تأخيرات، إضافة إلى الزمن المطلوب لمعالجة المقالة والتفكير فيها. 

هل المشكلة في اتخاذ القرارات أم تنفيذها؟

فإما أنه توجد مشكلة كبيرة في طريقة انتقالنا من الاتفاق إلى التنفيذ من حيث التمويل والتعاقد مع المستهلك المطلوب، وتدقيق المعايير البيئية ومعايير الجودة، وإما إننا على المستوى الأساسي، عاجزون بنيوياً عن التعامل مع التغير المناخي وفق الجدول الزمني المطلوب لتفادي التغيرات البيئية الكارثية. 

وهو ما يعيدنا دائماً إلى أحد أهم الألغاز الأساسية، وهو المفاضلة بين التسهيلات والمشروعية، وبين التدقيق والمرونة، وبين البساطة في عمليات اتخاذ القرار والمخاطر الأساسية التي قد لا ننتبه إليها. 

فالشركات والحكومات القادرة على إنتاج ابتكارات فعّالة في مجال أساسيات إدارة الجداول الزمنية ستؤدي دوراً محورياً في تحقيق التحول المستدام، بل وحتى ترسيخ القدرات اللازمة لتنفيذ تحولات متكررة وسهلة ومجدية ومشروعة وناجحة في إطار الفائدة الوطنية. ومن الأمثلة الإضافية على هذا الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وكالة داربا (DARPA) في الولايات المتحدة. ففي إطار سعيها لبناء ميزة استراتيجية في الذكاء الاصطناعي، انتقلت الوكالة من جدول زمني مفتوح للتعاقد إلى عقد اختياري مدة 90 يوماً مع جدول زمني للتسليم تصل مدته إلى 18 شهراً، حيث وضعت قيوداً على صعيد المعطيات الواردة لديها (معلومات طلبات التعاقد) تتعلق بأنواع الأشخاص المتقدمين مع التركيز على الجوانب المتعلقة بتحقيق الأثر الملموس والمخاطر المرتفعة نتيجة إبرام هذه العقود. ويمثل أسلوب داربا المبتكر في التعاقد جزءاً من قدرتها في العثور على المشروع عالي المخاطر الذي يعوّض عن نسبة فشل المشاريع الأخرى البالغة 85%. 

اقرأ أيضاً: هل تمثل موجات الحر الأخيرة دليلاً على تسارع وتيرة التغير المناخي؟

وبالتالي، لنفكر في الخيارات المتاحة لزيادة السرعة. ما هي النواحي التي تستحق اهتمامنا؟ 

كيف نركز بفعالية على ما هو مطلوب؟

أول نقطة مثيرة للقلق هي رشاقة المؤسسات نفسها. فعملية التعاقد في القطاع العام مصممة عموماً بأسلوب يجعل منها بطيئة للغاية، ويُعزى هذا بشكل كبير إلى أسباب وجيهة وجيدة، مثل تفادي الإنفاق غير المسؤول، أو على الأقل، تفادي توزيع التمويل الحكومي بشكل عام. ولكن هذا الهدف المزدوج يؤدي في نهاية المطاف إلى إنشاء أنظمة داخلية للإدارة تتماشى مع سيرورة العمل شديدة البطء. وهناك حاجة إلى إعادة هيكلة مؤسساتية لعملية التمويل والتعاقد المصممة لتسريع وتيرة التخلي عن الاعتماد على الكربون. فالتسهيلات يجب ألا تؤدي إلى التضحية بالمشروعية، ويجب أن تكون المؤسسات مستعدة لإحداث التوازن بينهما للحصول عليهما معاً.

أما النقطة الثانية فهي عدد الخطوات وعدد العاملين في كل خطوة ضمن أي عملية شراء. وهنا، قد نحتاج إلى حلول يطغى عليها الطابع الفني والتكنولوجي. فهناك حاجة إلى تنفيذ عملية مراقبة مؤتمتة لعمليات تعديل العقود، وطبيعة العقود نفسها، والحاجة إلى الموافقة والإقرار عند كل مرحلة. وتؤدي زيادة عدد الخطوات والعاملين إلى زيادة مستوى البطء الكامن في سيرورة العمل أساساً، والذي يمكن أن يتفاقم عند ظهور أي مصاعب أو تأخيرات عند أي من الشركاء. ويمكن أن يُطلب من جهات خارجية تدقيق النواحي المتعلقة بتوطيد أركان هذه العملية وأتمتتها.

أما النقطة الثالثة فهي احتمال وجود حاجة إلى مستوى أعلى من التجريب في عملية اتخاذ القرار المتعلقة بالتمويل المناخي إجمالاً، بدءاً من التخطيط ووضع القوانين وصولاً إلى إبرام العقود. علينا أن نتساءل عن مدى تضارب النماذج التقليدية مع الطابع الطارئ للوضع المناخي، أو بالأحرى، مدى تضارب عمليات التدقيق المطلوبة مع عملية تحتاج إلى المشروعية والتسهيلات في الوقت نفسه. وما هي النماذج البديلة في عملية تدقيق اتخاذ القرار وتدقيق التعاقدات، والتي يمكن أن تساعد على تنفيذ هذه الخطوات بشكل أفضل؟ نحن في حاجة إلى إجراء المزيد من التجارب في هذا المجال، وبالتحديد، نحن في حاجة إلى إجراء التجارب التي ستؤثر بشكل مباشر على قرارات رواد الأعمال في المجال المناخي بشأن ما يحتاجون إليه لتوسيع نطاق التطبيق والمواقع والمواعيد الملائمة لذلك.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي يفرض العمل باتجاه إزالة الكربون من الجو لا التوقف عن إصداره فقط

وإذا بقي التضارب موجوداً بين عمليات اتخاذ القرار والحالة المناخية الطارئة، فسوف تفشل أجندات تقليل الاعتماد على الكربون في تحقيق أهدافها. ولكن، إذا وصل مفعول التجارب والانتقالات إلى مستويات مبالغ فيها، فقد يؤدي هذا إلى تمويل مشاريع تمتص رأس المال الضروري لتحقيق تقليل الاعتماد على الكربون. ونحن في حاجة إلى كلا التوجهين معاً، ما يمثل واحدة من أكثر مجالات تجريب السياسات ضرورة وتفرداً في العقد المقبل.