تقرير خاص

إضاءة على جهود باحثة في مجال المعالجة الحاسوبية للغة العربية

4 دقيقة
اتجاه جديد في معالجة اللغات الطبيعية من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة للغات منخفضة الموارد
حقوق الصورة: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

معالجة اللغات كالإنسان

من منّا لا يطلب من هاتفه المحمول أو مكبرات الصوت الذكية الاتصال بصديق أو تشغيل أغنية أو توجيهه إلى أقرب محطة وقود. إلا أن هؤلاء المساعدين الافتراضيين لا يتمتعون بنفس الفعالية في مختلف اللغات، فإذا كنت تتحدث إلى مساعدك الافتراضي باللغة الإنجليزية، فمن المحتمل أن تحصل على النتيجة التي تبحث عنها. لكن معدل الخطأ في التعرف التلقائي على الكلام يزداد بشكل كبير في اللغات الأخرى. لذا لا بُدّ من تحسين عملية التعرف الآلي على الكلام على نطاق واسع في العديد من اللغات، قبل أن نتمكن من تقديم نتائج موثوقة للمستخدمين.

في هذا الإطار، تهتم الدكتورة حنان الدرمكي، الأستاذة المساعدة في قسم معالجة اللغات الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بتحسين التعرف الآلي على الكلام في اللغات التي تُسمى علمياً باللغات منخفضة الموارد. وهي لغات تفتقر إلى البيانات التي يمكن استخدامها في تدريب النماذج الحاسوبية التي تعتبر أساساً للتعرف الآلي الدقيق على الكلام.

فقد أصبح التقدم في مجال التعرف الآلي على الكلام، على مدار العقد الماضي، ممكناً من خلال تقنية تسمى التعلُّم الموجّه. إذ تتيح هذه التقنية تغذية مجموعات البيانات الكبيرة من اللغة المنطوقة والنصوص المقابلة، والمعروفة باسم البيانات الموسومة، في نماذج حسابية تُسمى الشبكات العصبونية. وعند توفير بيانات كافية، تقيم هذه الشبكات العصبونية، بشكل دقيق، علاقات بين اللغة المنطوقة والنص المكتوب في لغة معينة، الأمر الذي يؤدي إلى التعرف الآلي الدقيق على الكلام.

تعليقاً على الموضوع، قالت الدكتورة حنان الدرمكي: “تتحدث الشعوب المختلفة آلاف اللغات التي لا تمتلك بيانات موسومة كتلك التي تمتلكها لغة مثل اللغة الإنجليزية والتي يمكن استخدامها لتدريب النماذج. وحتى في حال توفر بعض هذه الموارد، فغالباً ما لا تتطابق تسجيلات هذه اللغات مع ما هو متاح في النص”.

اللغة العربية الفصحى الحديثة: لغة من دون توجيه

تقلّ فعالية نماذج التدريب عند غياب التطابق بين النص والصوت. ولا يخلو الأمر من تعقيدات إضافية أيضاً، ينحصر بعضها بلغات مثل اللغة العربية. فتنوّع اللهجات العربية مثلاً يجعل من الصعب استعمال هذه اللغة في التعرف الآلي على الكلام. علاوة على ذلك، يتوفر عدد محدود من الموارد المكتوبة التي تتوافق مع اللهجات العربية المتعددة التي يتحدث بها ملايين الأشخاص كل يوم.

وتقول الدكتورة حنان الدرمكي: “تُكتب النصوص باللغة العربية الفصحى الحديثة، ولكن لا أحد يتحدث بالفصحى، ونحن نريد أن نكون قادرين على معالجة اللغة وفقاً للطريقة التي يتحدث بها الناس. إذ لا يمكننا ببساطة إلقاء البيانات التي نملكها حول هذه اللغات على شبكة عصبونية. ومن أجل اكتشاف الأنماط التي تنطوي عليها هذه اللغات ووضع مخطط واضح لها، علينا القيام بأمور كثيرة بشكل يختلف عما نفعله مع لغات أخرى، مثل الإنجليزية”.

لذا، وسعياً إلى معالجة هذا النقص على صعيد اللغات التي لا تتوفر موارد كافية لها، ركّزت الدكتورة الدرمكي في بحثها الأخير على تقنية تسمّى التعرف غير الموجَّه على الكلام، وشاركت في تأليف مقال مراجعة حول هذا الموضوع في مجلة سبيتش كومينيكاشن (Speech Communication) في وقت سابق من هذا العام.

تكوين بيانات اللغة عبر تضمين الكلمات

تحاول تقنية التعرف غير الموجَّه على الكلام تحديد الوحدات المهمة في اللغة المحكية دون وجود نص مقابل لها. وهذا ممكن بفضل مفهوم “تضمين الكلمات” الذي تم استخدامه في البداية لجمع مفردات اللغات المختلفة دون إدخال المعرفة المتعلقة بهذه اللغات إلى النموذج الحاسوبي.

ويعني تضمين الكلمات ترجمة الكلمات إلى تسلسلات من الأرقام تدعى المتجهات. تعاين النماذج الإحصائية التي تقوم بهذه الترجمة مجموعات كبيرة من البيانات وتضع خريطة إحصائية تأخذ في الاعتبار عدد المرات التي تظهر فيها الكلمات بجانب بعضها بعضاً في الجُمل. ويتم تمثيل الكلمات التي تظهر في سياقات لغوية مماثلة بواسطة متجهات متشابهة ولكنها فريدة.

في هذا السياق، تقول الدكتورة الدرمكي: “ما لاحظناه عند النظر إلى تضمين الكلمات واحتساب المسافات بين الكلمات هو أن هذه المسافات ترتبط بالمعنى. فالمسافة بين الكلمة المستعملة لـ”طاولة” والكلمة المستعملة لـ”كرسي”، على سبيل المثال، تُظهر علاقة ما بين هاتين الكلمتين، وتتشابه هذه العلاقات بين اللغات المختلفة”.

والفكرة التي يمكن استخلاصها هنا هي التشابه بين العلاقة بين الأشياء في العالم وكيفية تمثيل هذه الأشياء في اللغات. وعلى الرغم أن مفهوم تضمين الكلمات قد جعل من الممكن رسم خريطة للكلمات بين اللغات المختلفة، فإنه من الممكن استخدامه أيضاً لتحسين التعرف الآلي على الكلام من دون الحاجة إلى مجموعات البيانات الهائلة التي كانت ضرورية لهذا العمل في الماضي.

أما فيما يتعلق بمستقبل مجال معالجة اللغات الطبيعية، فتعتقد الدرمكي أنه يسير في اتجاه مثير للاهتمام. وتقول في هذا الإطار: “ثمة مقتضيات فلسفية كثيرة تجعل من الصعب التنبؤ بالمستقبل. وقد شهدت معالجة اللغات الطبيعية تقدماً مهولاً، حتى في السنوات القليلة الماضية وحدها”.

مع ذلك، وعلى الرغم من الوتيرة السريعة التي يتطور بها هذا المجال، تُبدي الدكتورة الدرمكي موقفاً واقعياً عند الحديث عن التأثير الذي يمكن أن يحدِثه الباحثون أمثالها، بحيث تقول: “إن الذكاء الاصطناعي مجال عملي وعلينا الاهتمام بتطبيقاته”.

نبذة عن الدكتورة حنان الدرمكي

نبذة عن الدكتورة حنان الدرمكي
الدكتورة حنان الدرمكي

يركز عمل الدكتورة حنان الدرمكي على معالجة اللغات الطبيعية والتعرّف الآلي إلى الكلام في اللغات منخفضة الموارد. وتشمل الطرق التي تستخدمها: التعلّم غير الموجّه والتعلّم المنقول والتوجيه عن بُعد، والتي تهدف كلها إلى تكييف نماذج معالجة اللغات الطبيعية والتعرّف الآلي على الكلام للتعامل مع لغات ولهجات نادراً ما تتوفر لها البيانات الموسومة، ذلك في حال توفرت على الإطلاق. ويغطي عملها دراسة حالات الانتظام في النصوص وأنماط الكلام، سعياً إلى اكتشاف وتحديد المصطلحات عبر مختلف اللغات والصيغ، مثل استقراء القاموس غير الموجه، وتضمينات الكلام والنصوص عبر لغات متعددة، والتعيين غير الموجه لتحويل الكلام إلى نص.

شغلت الدكتورة الدرمكي منصب أستاذة مساعدة في قسم علم الحاسوب وهندسة البرمجيات في جامعة الإمارات العربية المتحدة، قبل انضمامها إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي. وأثناء إكمال درجة الدكتوراة، شغلت منصب أستاذة مساعدة ومحاضرة في جامعة جورج واشنطن، بالإضافة إلى مشاركتها كمتدربة في مشاريع بحثية في شركة أبل وخدمات الحوسبة السحابية في شركة أمازون. أما قبل بدء برنامج الدكتوراة، فعملت محللة إحصائية في مركز الإحصاء في أبوظبي، ومهندسة شبكات في هيئة كهرباء ومياه دبي.

يُذكر أنها حاصلة على شهادة الدكتوراة في علوم الحاسوب من جامعة جورج واشنطن، الولايات المتحدة الأميركية، والماجستير في تقنيات الكلام والنص والإنترنت الحاسوبية من جامعة كامبريدج، المملكة المتحدة، وبكالوريوس العلوم في هندسة الحاسوب من الجامعة الأميركية في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.