مشروع السكرينوم البشري يقوم على تسجيل كل ما نفعله على هواتفنا

4 دقائق
مصدر الصورة: ميس تيك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا حقق بايرون ريفز رؤيته، فإن فكرة “وقت الشاشة” –أي الزمن الذي يمضيه الشخص في استخدام هاتفه الذكي- ستصبح عتيقة وباطلة، وسيكون الأهم هو “السكرينوم”، وهي تسمية مستوحاة وضوحاً من الجينوم.

يشغل ريفز منصب بروفسور في جامعة ستانفورد، وقد أعلن بالاشتراك مع اثنين من زملائه مؤخراً عن إطلاق مشروع السكرينوم البشري في مجلة Nature. يهدف المشروع إلى التقاط بصماتنا الرقمية بدقة أكبر بأسلوب مثير للشك والجدل: برنامج يعمل في الخلفية ويقوم بأخذ لقطات للشاشة لهاتف المتطوع كل خمس ثوانٍ طوال فترة تفعيله. وتقول الفكرة بشكل عام إنه يمكن للبيانات الكبيرة أن تعطينا فكرة أفضل عن العلاقة ما بين التكنولوجيا ومشاكلنا الاجتماعية، تماماً كما أدت الجينات ومشروع الجينوم البشري إلى تغيير تصورنا وفهمنا للأمراض.

لقطات من شاشة هاتف أحد المتطوعين على مدى 3 دقائق.

مصدر الفيديو: مشروع السكرينوم البشري، جامعة ستانفورد

لا شك في أن وقت الشاشة أصبح في حاجة إلى إعادة نظر؛ فقد استُخدم هذا المعيار لفترة طويلة لقياس مدى تفاعل الأطفال والمراهقين مع أجهزتهم الرقمية، وبما أن الأطفال لم يتمكنوا من الوصول إلى التكنولوجيا على نطاق واسع إلا مؤخراً، فقد كانت الأبحاث بطيئة، ومحيرة أيضاً. لقد رُبط وقت الشاشة مع عدة نتائج سلبية مثل الاكتئاب وضعف مهارات القراءة والكتابة لدى الأطفال. وفي نفس الوقت، فقد اعتُبر مفيداً من قبل بعض خبراء التعليم (بشرط مراقبة أولياء الأمور للاستخدام)، وكما يشهد أي ولي أمر، فإن الأجهزة الذكية يمكن أن تلعب دور علاج مؤقت لنوبات الغضب والعصبية لدى الأطفال.

تقول ميمي إيتو، وهي أخصائية بعلم الانسان الثقافي وتدرس استخدام التكنولوجيا في جامعة كاليفورنيا: “يُعتبر وقت الشاشة من المعايير السائدة التي انتقلت من سياق الحقبة السابقة التي كانت تتمحور حول التلفاز، وقد تم تطويره لدراسة النواحي الصحية ولأخذ مخاوف الأهالي بعين الاعتبار”، حتى أن الجمعية الأميركية لطب الأطفال -التي كانت أولَ من نشر هذا المصطلح على نطاق واسع- ابتعدت عن وقت الشاشة كمعيار أساسي، كما تضيف إيتو.

يبدو أن هذا المفهوم أيضاً يتغاضى عن بعض البيانات الاجتماعية الأكثر دقة، فقد وصف ريفز في بحثه صبيَّين بعمر 14 سنة يعيشان في نفس البلدة في نورث كارولينا، وقد سُجل نشاطهما على الهاتف الخليوي منذ الاستيقاظ حتى النوم. للوهلة الأولى، قد يبدو نشاط الصبيين متطابقاً، ولكن تحليل السكرينوم لريفز يشير إلى شيء آخر؛ فقد خاض أحد الصبيين 186 جلسة تدوم كل منها حوالي دقيقة، على حين أن الآخر خاض حوالي 26 جلسة يومية فقط، تدوم كل منها حوالي ثلاث دقائق. أمضى الأول الكثير من الوقت في التراسل على سناب تشات وإنستغرام، في حين أمضى الآخر نصف وقته على يوتيوب، والتقاط صور الشاشة للمأكولات. يقدم لنا هذا المثال فكرة أفضل حول اختلاف “النظام الغذائي للوسائط” بين الصبيين (أحدهما أكثر استهلاكاً للمحتوى، والآخر أكثر إنتاجاً له)، كما يبين لنا كيف يمكن لشخصين أن يستخدما جهازيهما بطرق متباينة للغاية، على الرغم من أنهما متطابقان من وجهة نظر البيانات. ويعتقد فريق ريفز أن كل مستخدم يمتلك بصمة رقمية على شكل “عادة مميزة”.

بالنسبة لريفز، فإن تحديد التتابعات الدقيقة في النشاط على الهاتف الذكي أمر هام لفهم كيفية استخدام الناس لأجهزتهم الرقمية بشكل فعلي من أجل التواصل وخوض حياتهم الفعلية. ويقول: “الأمر الهام هو كيف يصل الناس بين أجزاء متفرقة تبدو مشتتة وبلا ترابط؛ فقد ينتقل الشخص من قراءة منشورات الأصدقاء على فيسبوك إلى الاطلاع على أخبار الحملة الانتخابية الرئاسية إلى العمل البنكي، وكل هذا في نفس الدقيقة. وهذا لا يتعلق بمقدار الوقت الذي أمضاه الشخص في استخدام جهازه الرقمي”.

إن هذه المسارات (من تطبيق إلى آخر، ومن منشور إلى آخر، ومن مهمة إلى نشاط) تعكس حياتنا الحقيقية وتؤثر فيها، كما يقول ريفز. ويمكن أن يقدم السكرينوم وسيلة لدراسة أنماط استخدام الهواتف والألواح الذكية وعلاقتها بمسائل مثل الإدمان على التواصل الاجتماعي ومشاكل الصحة العقلية. ما زال المشروع في بداياته، ولكن حتى الآن، وجد فريق ريف أن طريقة استخدام الناس لأجهزتهم يمكن أن تساعد على تفسير انتشار الأخبار المزيفة، وتلعب دوراً مشابهاً للمؤشر الوبائي لداء السكري.

غير أن إيتو ليست واثقة من أن “السكرينوم” سيجيب عن السؤال الأساسي، وهو كيفية تأثير الشاشات على نشاطاتنا واهتماماتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، وتقول إنه لا يتضمن جميع المعلومات غير المتعلقة بالإنترنت التي تؤثر على سلوكنا على الإنترنت أيضاً.

تمثل المخاوف المتعلقة بالخصوصية إحدى أهم المشاكل التي يُرجح أن تعيق نجاح المشروع، فليس من السهل أن تقنع شخصاً ما بوضع تطبيق على جهازه لتسجيل نشاطه خفيةً كل خمس ثوانٍ. وقد رأينا خلال السنوات القليلة الماضية أن كل نشاطاتنا على الإنترنت خاضعة للتتبع والمراقبة، حتى أكثرها تفاهة. وتُباع هذه المعلومات في أفضل الأحوال إلى المُعلنين، وفي أسوأ الأحوال، إلى القراصنة وحملات المعلومات المزيفة. وتبين لنا فضيحة كامبريدج أناليتيكا -على سبيل المثال- أن اختبارات الشخصية التي يتشاركها المعارف على فيسبوك استُخدمت كسلاح روسي في انتخابات الرئاسة الأميركية في 2016.

إضافة إلى هذا، يجب أن نفكر فيما يمر على شاشات هواتفنا يومياً: معلومات الحسابات البنكية، ورسائل بالبريد الإلكتروني تتضمن بيانات شخصية، ومسارات مشاركة السيارات مع العناوين ووجهات التنقّل، وطلبات توصيل الطعام، ورسائل نصية إلى أحبائنا، وصور وفيديوهات للأطفال، بل حتى المواد الإباحية وتداولات العملة المشفرة والنشاطات الخبيثة.

يقر ريفز بهذا قائلاً: “هناك الكثير من المعلومات الحساسة”، وقد قام فريقه بجمع حوالي 30 مليون لقطة شاشة من متطوعين في الولايات المتحدة والصين وميانمار، ويقول إنه مدرك تماماً لحساسية مسألة الخصوصية، وأن الصور المضغوطة تُرسل عبر مخدم مشفر محمي في ستانفورد.

يعتقد أندرو برزيلسكي، وهو مدير الأبحاث في معهد الإنترنت في أكسفورد، أن مسائل الخصوصية هذه قد تُفشل المشروع، ويقول: “أعتقد أنها طريقة مبتكرة، ولكنها محكومة بالفشل إذا لم يعتمد البحث على مبادئ علمية راسخة تتصف بالشفافية والانفتاح”.

على الرغم من أن مشروع السكرينوم ما زال في مراحله المبكرة، فإن البيانات التي جُمعت حتى الآن من مئات المتطوعين “مثيرة للذهول”. وعندما سُؤل ريفز عن شعوره عند رؤية هذه اللقطات، قال إن تصفحها أمر مغرٍ ومثير: “إنه أمر رائع، ويجعلك تشعر وكأنك تتعرف على هذ الشخص فعلياً”.