هل أصبحت السياحة الفضائية التي لطالما وُعدنا بها حقيقة واقعة أخيراً؟

4 دقائق
مستقبل السياحة الفضائية وسبيس إكس
صورة بعثة كرو-1 من سبيس إكس التي أخذت رواد الفضاء إلى الفضاء في نوفمبر 2020.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تمكنت سبيس إكس من تجاوز هجمة وباء كوفيد-19 في العام الماضي حتى تصبح أول شركة خاصة ترسل رواداً إلى الفضاء باستخدام مركبة فضائية تجارية.

وأصبحت مستعدة للاستفادة من ذلك النجاح للوصول إلى مرحلة مفصلية هامة للغاية قبل انتهاء 2021؛ فقد أعلنت الشركة مؤخراً أنها تخطط لإطلاق أول بعثة “مدنية بالكامل” إلى المدار بحلول نهاية السنة. تحمل البعثة اسم إنسبايريشن 4، وتتضمن الملياردير جاريد أيزاكمان، وهو طيار متمرن والرئيس التنفيذي لشركة الدفع الرقمي شيفت فور بيمينت، إضافة إلى ثلاثة أشخاص آخرين، حيث ستحملهم إلى المدار الأرضي المنخفض في مركبة كرو دراجون لمدة تتراوح من يومين إلى أربعة أيام، وربما أكثر.

تتضمن بعثة إنسبايريشن 4 جانباً يتعلق بالأعمال الخيرية: حيث إن أيزاكمان (وهو المشتري الوحيد للبعثة و”قائدها”) تبرع بمبلغ 100 مليون دولار لمستشفى سان جود البحثي للأطفال في ميمفيس، ويحاول جمع 100 مليون دولار إضافية على الأقل من العامة. وسيقدَّم أحد مقاعد الرحلة إلى “سفير من سان جود” تم اختياره سابقاً. غير أن المقعدين الآخرين ما زالا متاحين، فسوف يقدم أحدهما إلى شخص سيتبرع على الأقل بمبلغ 10 مليون دولار لسان جود، أما الآخر فسوف يقدَّم إلى رائد أعمال سيتم اختياره عبر منافسة تقيمها شيفت فور بيمينت.

قال الرئيس التنفيذي لسبيس إكس إيلون ماسك للصحافيين: “تمثل هذه البعثة مرحلة مفصلية هامة نحو إتاحة الوصول إلى الفضاء أمام الجميع. ولن نتمكن من تخفيض التكاليف مع الوقت ونجعل الفضاء مفتوحاً أمام الجميع إلا عن طريق بعثات كهذه”.

تمثل إنسبايريشن 4 البعثة الخاصة الرابعة التي تخطط سبيس إكس لإطلاقها خلال السنوات القليلة المقبلة. أما البعثات الثلاث الأخرى فهي عبارة عن بعثة مشتركة مع شركة أكسيوم سبيس لاستخدام كرو دراجون لنقل أربعة أشخاص لقضاء ثمانية أيام على متن محطة الفضاء الدولية (ويمكن أن تنطلق في يناير 2022)، كما توجد رحلة أخرى لكرو دراجون في وقت لاحق من هذه السنة لأربع مواطنين عاديين عبر شركة السياحة الفضائية سبيس أدفنتشرز، إضافة إلى بعثة ‎#dearMoon حول القمر في 2023 للملياردير يوساكو مايزاوا وعشرة أشخاص آخرين على متن المركبة الفضائية ستارشيب.

لم تقدم سبيس إكس نفسها قط كشركة سياحة فضائية بنفس وضوح وإصرار شركتي بلو أوريجين وفيرجن جالاكتيك. وفي حين أن كرو دراجون تصل إلى المدار الأرضي المنخفض، فإن سبيس شيب تو من فيرجن جالاكتيك ونيو شيبرد من بلو أوريجين تصلان فقط إلى الفضاء تحت المداري، بحيث تسمحان للركاب بتجربة الجاذبية الصغرى إضافة إلى لمحة للأرض من ارتفاع كبير لبضع دقائق وحسب، ولكن مقابل مبلغ أقل بكثير. وعلى الرغم من هذا، وخلال بناء بعثات تستهدف الذهاب إلى مسافات أبعد مع عمليات إطلاق ذات تكاليف أكبر وتحتاج إلى صواريخ أكثر قوة، فإن سبيس إكس تمكنت من تجاوز أية شركة أخرى بمقدار أربع بعثات خاصة شبه مؤكدة.

عندما حملت مركبة كرو دراجون رواد الفضاء من ناسا إلى الفضاء في السنة الماضية، كان أحد أكبر التساؤلات التي ظهرت حينها ما إذا كان الزبائن من خارج ناسا مهتمين بالذهاب إلى الفضاء أيضاً.

يقول هاورد ماكوردي، وهو خبير في السياسات الفضائية في الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة: “يعتقد الكثيرون أنه توجد سوق للسياحة الفضائية. ولكنها الآن تقتصر فقط على الزبائن الأكثر ثراء. ومع تحسن قدرات النقل، سيكون هناك أمل في تراجع التكاليف، وهو ما يطرح تساؤلاً آخر حول إمكانية استدامة شركة فضائية جديدة اعتماداً على السياحة الفضائية فقط. أعتقد أن هذا غير مؤكد”.

إذن، كيف يمكن أن نفسر نجاح سبيس إكس في التوسع نحو مشهد البعثات الفضائية الخاصة حتى الآن؟ من المؤكد أن جزءاً من هذا يُعزى إلى جاذبية علامتها التجارية كشريك في الأعمال. ولكن، حتى لو لم تظهر السوق بسرعة تكفي لتحول البعثات الخاصة إلى استثمار مربح، فليس هناك ما يدعو سبيس إكس إلى القلق. فلديها الكثير من الطرق المختلفة لجني الأرباح.

يقول ماكوردي: “لست واثقاً تماماً من اكتراث إيلون ماسك بجني الأموال من هذه البعثات. ولكنه بارع للغاية في الاستفادة من عملياته وتمويلها”. تقوم سبيس إكس بإطلاق الأقمار الاصطناعية للعملاء الحكوميين ومن القطاع الخاص في جميع أنحاء العالم، ووقعت عقوداً مع ناسا لنقل الحمولات ورواد الفضاء على حد سواء إلى محطة الفضاء الدولية، كما أنها تسرع عملية التقدم ببناء مجموعة أقمار ستارلينك، ومن المقرر أن تبدأ توفير خدمات الإنترنت في وقت لاحق من هذا العام.

يقول ماكوردي: “إذا كان لديك مصادر متعددة للإيرادات وأعمال لمشروع يعتمد على الطفرة الوحيدة التي حققتها تكنولوجيا الفضاء والصواريخ، فإن ذلك يحد كثيراً من المخاطر التي يمكن أن تتحملها. لم تصل سوق السياحة الفضائية إلى حجم يكفي لاستدامة شركة فضاء تجارية، ولكن عند جمعها مع عقود حكومية واستثمارات خاصة ومبيعات أجنبية، فستصبح الشركة مستدامة وقابلة للعمل وجني الأرباح”.

ستبقى السياحة الفضائية، خصوصاً نحو المدار الأرضي المنخفض، مكلفة إلى حد كبير للغاية في المستقبل المنظور؛ وهو ما يطرح مسألة المساواة. وكما يتساءل ماكوردي: “عندما يُقال إننا نجحنا في الذهاب إلى الفضاء، فمن المقصود بالضبط؟”. ويضيف: “هل المقصود طبقة أثرى الأثرياء من نخبة النخبة فقط؟”.

قد يمكن اللجوء إلى فكرة القرعة للتعامل مع هذه المشكلة إلى حد ما، وإتاحة الفرص أمام الأشخاص العاديين، ولكنها لن تكون كافية وحدها؛ حيث إن السياحة الفضائية، وصناعة الفضاء ككل، ما زالت في حاجة إلى نموذج مستدام يستطيع اجتذاب المزيد من الأشخاص نحو المشاركة.

في الوقت الحالي، يبدو أن سبيس إكس تقود حملة الترويج للسياحة الفضائية. وليس من الضروري للمنافسين أن يستنسخوا نموذج سبيس إكس لمجاراتها. ويلحظ روبرت جوليك، وهو خبير في السياحة الفضائية في ألمانيا في جامعة إمبري ريدل للطيران، أن السياحة الفضائية بحد ذاتها أصبحت متعددة الوجوه، حيث تشمل الرحلات تحت المدارية، والرحلات المدارية، والرحلات نحو محطة الفضاء الدولية، ورحلات الفنادق الفضائية، ورحلات القمر. وليس من الضروري أن تتعرض سوق الرحلات تحت المدارية مثلاً -وهي الأقل تكلفة- إلى نفس المشاكل والقيود التي تعاني منها الأنواع الأخرى.

على الرغم من هذا، ليس هناك شك في أن البعثات الفضائية الخاصة قد تصبح حقيقة واقعة في هذا العام. يقول ماكوردي: “لقد انتظرنا السياحة الفضائية ردحاً طويلاً من الزمن، “وستتسنى لنا هذه السنة الفرصة لنرى ما إذا كانت ستسير على النحو المتوقع”.