ما هي أهم مزايا وتحديات التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية؟

5 دقائق
ما هي أهم مزايا وعيوب التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ ESB Professional
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في العقد الأخير، أصبحت التكنولوجيات الناشئة، مثل السحابة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء أدوات أساسية يتم استخدامها لإجراء عملية التحول الرقمي في جميع القطاعات على مستوى العالم، ولا يُعد قطاع الرعاية الصحية استثناءً، خاصةً عندما يتعلق الأمر بتبني تكنولوجيات جديدة ومبتكرة من شأنها إحداث تحول في العمليات وتحسين رعاية المرضى.

ومع ذلك، وفقاً للخبراء فإن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به. وهذا يعود بشكل رئيسي إلى اعتماد قطاع الرعاية الصحية على الأنظمة القديمة، إلى جانب المخاوف التنظيمية الكبيرة والتحديات الأمنية الرقمية التي تجعل الرحلة إلى التحول الرقمي في هذا القطاع تسير بوتيرة بطيئة ومعقدة للغاية.

ماذا نعنى بالتحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية؟

يتباين تعريف مفهوم التحول الرقمي (Digital Transformation) بحسب الغرض منه، ولكن بشكل عام يمكن تعريفه بأنه الاعتماد الفعال على تكنولوجيا المعلومات لتحسين أداء المؤسسة ووضعها التنافسي، أو استخدام التكنولوجيات الرقمية لإنشاء أو تعديل العمليات التجارية، والثقافة، وتجارب العملاء.

اقرأ أيضاً: جامعة إم آي تي تطور نظاماً قد يجعل أجهزة إنترنت الأشياء أكثر ذكاءً

أما فيما يتعلق بقطاع الرعاية الصحية، اتفق الخبراء على إنها القدرة على خدمة المرضى رقمياً بشكل أفضل، أينما كانوا. ويتضمن ذلك اعتماد التكنولوجيات الحديثة بهدف تحسين سير العمل والكفاءة ورعاية المرضى. حيث تساهم أنظمة مثل السجلات الصحية الإلكترونية، وحلول الخدمات الصحية عن بُعد وتقنيات الأمان السحابية في أن يصبح قطاع الرعاية الصحية جاهزاً لعمليات التحول الرقمي.

كيف ستغير عملية التحول الرقمي قطاع الرعاية الصحية

في الطب والرعاية الصحية، يمكن أن تساعد التكنولوجيا الرقمية في تحويل أنظمة الرعاية الصحية غير المستدامة إلى أنظمة مستدامة، وتوفير حلول أقل تكلفة وأسرع وأكثر فعالية لاكتشاف الأمراض وتقديم الخدمات، والنتيجة أفراد يتمتعون بصحة أفضل ويعيشون في مجتمعات أكثر صحة. وفيما يلي بعض الاتجاهات المهمة التي تقود التحول الرقمي في مؤسسات الرعاية الصحية:

  • تقديم الرعاية الصحية من أي مكان

لم يعد نموذج تقديم الرعاية الصحية مقصوراً على العيادات والمستشفيات المادية. حيث يمكن استخدام التكنولوجيا لتقديم الخدمات الطبية والرعاية عن بُعد. على سبيل المثال، يمكن للأطباء توجيه زملائهم أثناء الجراحة، وفحص المرضى وعلاجهم عن بعد، حيث أصبحت العديد من المستشفيات تقدم خدمة الاستشارات للمرضى عن بعد وخدمات العلاج القائمة على الفيديو.

اقرأ أيضاً: كيف ستنعكس رقمنة خدمة الوصفات الطبية على المرضى ومقدمي الرعاية الصحية؟

  • الاستفادة من ثورة البيانات

تجمع مؤسسات الرعاية الصحية كميات هائلة من البيانات، ويتم الاعتماد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا إنترنت الأشياء للاستفادة منها بشكل أفضل. حيث إن فوائد جمع البيانات المحسنة وتحليلها لا حصر لها، بما في ذلك تحسين التشخيص والعلاج، والوقاية من الأمراض، وإضفاء الطابع الشخصي على الخدمات الصحية للمرضى الأفراد. ويمكن لمؤسسات الرعاية الصحية الاستفادة من البيانات بعدة طرق، منها:

  • تتيح الأنظمة السحابية مشاركة البيانات وسهولة البحث والاسترجاع وإمكانية التشغيل بين الأنظمة الطبية وأجهزة إنترنت الأشياء والتطبيقات.
  • استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الطبية وبيانات السجلات الصحية الإلكترونية للتشخيص، واستبدال المتخصصين البشريين في العديد من المجالات، ومعالجة مجموعات البيانات الكبيرة بسرعة وفعالية.
  • الاستفادة من تحليلات البيانات الضخمة لمراقبة سجلات الصحة العامة ووسائل التواصل الاجتماعي ومصادر البيانات الأخرى لتحديد الرؤى ذات الصلة بمؤسسات الرعاية الصحية، مثل تقارير تفشي الأمراض والشكاوى ومراجعة خدمات الرعاية الصحية.

اقرأ أيضاً: كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية؟

  • التكنولوجيا القابلة للارتداء المتكاملة

تم اعتماد الأجهزة القابلة للارتداء على نطاق واسع من قبل المستهلكين، وقد تقدمت التكنولوجيا إلى ما هو أبعد من تتبع اللياقة البدنية. حيث يتم الآن دمج الأجهزة القابلة للارتداء بشكل آمن مع السجلات الصحية الإلكترونية، ما يتيح المراقبة عن بُعد لمقاييس المريض والوقاية من المخاطر الصحية. ومن ثم ستوفر هذه الأجهزة مقاييس أكثر ثراءً وقيمة، وستكون لها قدرات تنبؤية، ما يسمح للأطباء بتحديد المشكلات الصحية ومعالجتها في وقت مبكر.

  • الواقع الافتراضي

تعمل تكنولوجيا الواقع الافتراضي على تغيير حياة المرضى والأطباء على حدٍ سواء، حيث يتم استخدامها لتدريب الجراحين المستقبليين، وقد أظهرت دراسة حديثة أن الجراحين الذين يتم تدريبهم بتكنولوجيا الواقع الافتراضي لديهم تحسن بنسبة 230% في أدائهم العام، من حيث السرعة والدقة في إجراء العمليات الجراحية، مقارنة بنظرائهم المدربين بشكل تقليدي. كما وجدت دراسة أن المرضى الذين يعانون من آلام ما بعد الجراحة شهدوا انخفاضاً في مستويات الألم عند استخدام نظارات الواقع الافتراضي.

اقرأ أيضاً: ما فوائد استخدام الواقع الافتراضي في تدريب طلاب الطب ومتخصصي الرعاية الصحية؟

  • روبوتات الرعاية الصحية

تعتبر الروبوتات واحدة من أكثر مجالات الرعاية الصحية إثارة وأسرعها نمواً. حيث تتنوع تطبيقاتها من الروبوتات الجراحية، وروبوتات الأدوية الصيدلانية، والروبوتات المطهرة، والروبوتات المرافقة للمرضى التي تساعد في تخفيف الشعور بالوحدة أو علاج مشكلات الصحة العقلية أو حتى مساعدة الأطفال المصابين بأمراض مزمنة.

تحديات التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية

ينطوي التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية على إمكانات هائلة، حيث تعد صناعة الرعاية الصحية أكبر القطاعات نمواً من حيث الإيرادات، على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأميركية من المتوقع أن يصل سوق الرعاية الصحية إلى 504.4 مليار دولار أمريكي في عام 2025، ولكنه يواجه أيضاً تحديات كبيرة تجعل من الصعب على صناعة الرعاية الصحية رقمنة خدماتها. منها:

  • إدارة البيانات

تعد معالجة البيانات وتحليلها تحدياً كبيراً في مجال الرعاية الصحية. جزء من المشكلة هو الكم الهائل من البيانات التي تجمعها المستشفيات والعيادات والمتخصصون بشكل مستمر، ما يصعب معالجتها في الوقت الفعلي، ومن ثم دون وجود نموذج ذكاء اصطناعي قادر على تحليل هذه البيانات، يصعب على المؤسسات تقديم رعاية صحية شخصية أفضل.

كما يعد جمع البيانات ومزامنتها تحدياً مهماً آخر، حيث يجعل التطبيب عن بعد من الصعب على المهنيين الطبيين تحديث السجلات الصحية للمرضى، أثناء العمل من مواقع مختلفة على أنظمة مختلفة. وهذا يتطلب وجود طرق فعالة لتسجيل وتحديث السجلات الصحية، سواء عند الزيارات الشخصية وجهاً لوجه، أو الزيارات الافتراضية.

  • الأمن السيبراني

تعتبر معالجة مخاطر الهجمات السيبرانية من أهم التحديات التي تواجهها مؤسسات الرعاية الصحية، حيث يعد قطاع الرعاية الصحية واحداً من أبرز القطاعات التي تستهدفها الهجمات السيبرانية، حيث تتزايد المخاطر بسبب العدد الكبير من الأجهزة المتصلة بالإنترنت، مثل أجهزة إنترنت الأشياء الطبية (Internet of Medical Things)، وحجم وتوافر البيانات الطبية وبيانات المرضى، بالإضافة إلى أمان السحابة، حيث تقوم مؤسسات الرعاية الصحية بتخزين البيانات بشكل متزايد في السحابة لتعزيز التعاون ومشاركة البيانات.

  • خصوصية البيانات

مع انتقال صناعة الرعاية الصحية إلى مفهوم الرعاية الصحية التعاونية، فإن هناك مخاطر متزايدة بخصوص كشف بيانات المرضى، وهذا يعود إلى أن البيانات والمعلومات غالباً ما تكون متاحة عبر البيئات الطبية المعقدة، ما يجعلها في متناول العديد من المستخدمين عبر أجهزة ومواقع متعددة، ودون وجود ضوابط خصوصية البيانات المناسبة، سيزداد بشكل كبير خطر فقدان البيانات الشخصية ما يجعل المرضى معرضين لخطر انتهاك خصوصيتهم.

إلا أن وجود لوائح صارمة أدى إلى حذر معظم المؤسسات الصحية عند التعامل مع عمليات التحول الرقمي، أو تعاملها بحذر وبطء كبيرين، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية التي تنظم كيفية جمع المؤسسات للبيانات الشخصية واستخدامها وحمايتها. وفي حالة المخالفة فإنها تفرض غرامات تصل إلى 20 مليون يورو أو 4% من المبيعات السنوية. بناءً على ذلك تعمل مؤسسات الرعاية الصحية على تقييم ممارسات خصوصية البيانات الخاصة بها بحذر للامتثال إلى هذه اللوائح وأي معايير أخرى معمول بها.

اقرأ أيضاً: 10 طرق لتسريع الانتفاع بخدمات الصحة الرقمية في المملكة العربية السعودية

بطء التحول الرقمي في القطاع الصحي لا يعود لأسباب تكنولوجية فقط

بلا شك فإن الخدمات الرقمية تؤدي دوراً حاسماً في نمو أي قطاع، فمؤسسات الرعاية الصحية التي تتكيف مع التوجهات الرقمية لديها فرصة كبرى للتمتع بميزة تنافسية على أقرانها، ومع ذلك، تظهر الأبحاث أن التحول الرقمي في الرعاية الصحية لا يسير بنفس الوتيرة كما هو الحال في الصناعات الأخرى. والعقبة الرئيسية وفقاً للخبراء ليست تكنولوجية فقط، بل مزيج من المتطلبات الفريدة التي تميز قطاع الرعاية الصحية، مثل الحساسية العالية وتأثير التحول على حياة المرضى، وثقافة مؤسسات الرعاية الصحية والتي غالباً ما تعيق التغيير التكنولوجي.

ولكن عند التغلب على هذه العقبات، ستكون لدى مؤسسات الرعاية الصحية فرصة كبيرة للاستفادة من التكنولوجيا بطريقة لم يسبق لها مثيل، بما في ذلك:

  • إدخال الأنماط الجديدة لتقديم خدمات الرعاية الصحية، مثل التطبيب عن بعد.
  • تحسين كفاءة العمليات الجراحية الحالية في مرافق الرعاية الصحية.
  • تحسين التعاون بين ممارسي الرعاية الصحية.
  • تحسين مراقبة المريض والتواصل باستخدام الأجهزة القابلة للارتداء وتطبيقات الأجهزة المحمولة.
  • تحسين استخدام البيانات لإضفاء الطابع الشخصي على خدمات الرعاية الصحية وتحسين العلاج وإنشاء تنبؤات للطب الوقائي.
  • توفير الوقت وتقليل الأعمال الورقية.

ختاماً، نجد أن انتشار جائحة كوفيد-19 كان عاملاً إضافياً في تسريع التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية، حيث أصبحت المستشفيات والمؤسسات الصحية أكثر استعداداً في التكيف مع عمليات التحول الرقمي، والتي أصبحت ضرورة وليست خياراً، ومع ذلك يحتاج مقدمو الرعاية الصحية إلى فهم أن مواكبة التحول الرقمي في الرعاية الصحية يمكن أن تكون أمراً مربكاً، لذا من المهم تحديد التكنولوجيا التي تستحق الاستثمار فيها لدعم التحول الصحي الرقمي الناجح.