ماذا عليك أن تفعل إذا علمت أن بعض أعضاء جسمك أكبر عمراً منك؟

5 دقائق
ماذا عليك أن تفعل إذا علمت أن بعض أعضاء جسمك أكبر عمراً منك؟
حقوق الصورة: ستيفاني آرنيت. إم آي تي تي آر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حل فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي. انتشرت أزهار النرجس البري والتوليب والياقوتيّة في المتنزهات وعلى النوافذ في كل مكان في المنطقة التي أعيش فيها في مدينة لندن. حتى إنني رأيت عدداً من الحملان في العطلة. ولكن ها أنا أفكر في موعد اقتراب موتي.

خضعت لاختبار يحدد عمري الحيوي في عام 2022. تهدف هذه الاختبارات التي تتضمن تحليل بعض المؤشرات الكيميائية على الحمض النووي إلى تقدير مدى تلف الجسم، كما أنها تحدد عدد سنوات العمر المتبقية.

بلغتُ 35 عاماً من العمر عندما خضعت لهذا الاختبار. وبيّنت النتائج أن عمري الحيوي هو 35 عاماً أيضاً. يشير ذلك إلى أن معدل تقدّمي في العمر طبيعي مقارنة بالأشخاص الآخرين الذين جُمعت بياناتهم. لكن الشركة التي أجرت الاختبار حدّثته منذ ذلك الحين. وفي أوائل عام 2023، أعاد الخبراء فيها تحليل نتائج الاختبار الأول بهدف تحديد العمر الحيوي لكل من 9 أعضاء وأجهزة في جسمي، مثل الدماغ والكبد والقلب والدم.

هل نتائج اختبار العمر الحيوي للأعضاء مهمة فعلاً؟

شعرتُ بخيبة الأمل العام الماضي عندما علمت أنني لست أكثر شباباً من الناحية الحيوية من المتوسط على الرغم من أنني أتبع نظاماً غذائياً نباتياً وأمارس اليوغا بانتظام. لذلك يمكنك التخيل كم كان اكتشاف أن العمر الحيوي لدماغي يتجاوز عمري الزمني بأربع سنوات مزعجاً. ما فاجأني هو أن العمر الحيوي لكبدي أكبر من عمري الزمني بسبع سنوات. لا أعتقد أني أتناول كمية من الكحول أكبر من اللازم، على الرغم من أنني بريطانية! لأي مدى يمكننا اعتبار أن هذه النتائج مهمة؟

صُممت أولى ساعات التقدم في العمر (تحمل أيضاً اسم الساعات العمرية أو الساعات فوق الوراثية)، التي طُوّرت منذ نحو عقد من الزمن، لتحليل المؤشرات فوق الوراثية الموجودة على جزيئات الحمض النووي في عينات اللعاب. هذه المؤشرات هي مواد كيميائية ترتبط بالحمض النووي البشري وتتحكم في الطريقة التي تركّب فيها المورثات البروتينات. بيّنت الأبحاث أن الأنماط في هذه المؤشرات ترتبط بالعمر. ويستطيع العلماء تدريب الخوارزميات لتقدير عمر الأشخاص بمجرد تحليل هذه المؤشرات.

اقرأ أيضاً: مقابلة مع البروفيسور جوزيبي موتشي: هل يمكن للخلايا الجذعية أن تعيد إليك شبابك؟

ساعات التقدم في العمر

حسّن العلماء كفاءة هذه التكنولوجيا منذ تطويرها. وتحلل الساعات الجديدة المؤشرات فوق الوراثية بالإضافة إلى مجموعة من المؤشرات الحيوية الصحية الأخرى مثل مستويات السكر في الدم وعدد خلايا الدم البيضاء. قد تعطينا هذه الاختبارات فكرة عن العمر الحيوي للشخص، ليس فقط عدد أعياد الميلاد التي مرت منذ ولادته، بل عدد السنوات التي سيتمتع فيها بصحة جيدة قبل أن يموت.

هناك العديد من ساعات التقدّم في العمر المتوفرة حالياً. طُوّر بعضها لقياس عمر أعضاء معينة، بينما طُوّر البعض الآخر لتقدير أعمار أنواع حيوانية أخرى. يحلل بعض هذه الساعات عينات الدم، بينما يقيّم بعضها الآخر حالة الميكروبيوم. يحلل الاختبار الذي خضعت له العام الماضي، الذي طوّرته شركة إيليسيوم (Elysium)، عينات اللعاب ويقيّم المؤشرات فوق الوراثية.

وسّع الخبراء في هذه الشركة نطاق هذا الاختبار منذ ذلك الحين. وما عليك سوى إرسال أنبوب مصغّر مملوء باللعاب لتكتشف عمرك الحيوي العام والأعمار الحيوية المحددة لقلبك ودماغك وكبدك وكليتيك ودمك، بالإضافة إلى أعمار الأجهزة مثل الجهاز الاستقلابي والمناعي والهرموني، وما يُطلق عليه اسم الجهاز الالتهابي أيضاً.

اقرأ أيضاً: كيف يحاول العلماء تجديد شبابك؟

يقول كبير العلماء والمؤسس في شركة إيليسيوم، ليني غوارينتيه (Lenny Guarente)، إن الخبراء يحددون هذه الأعمار من خلال تقييم كيفية ارتباط المؤشرات الحيوية المختلفة بصحة تلك الأنظمة الفردية. شمل العلماء في هذه الشركة بيانات الصحة والوفيات المستمدة من الدراسات الكبيرة التي أجريت على المتطوعين (ولم يحددوا عدد المتطوعين) في عملية تطوير هذا الاختبار. حددت هذه الدراسات المؤشرات الحيوية التي تعطينا فكرة عن صحة الأعضاء الفردية. وتستطيع الخوارزميات التي تعود ملكيتها إلى هذه الشركة تقدير الأعمار الحيوية لكل جهاز أو عضو جسدي من خلال ربط أنماط المؤشرات الحيوية بالمؤشرات اللاوراثية التي تقع على عينات الحمض النووي.

كشف تحليل شركة إيليسيوم لعينة اللعاب التي أرسلتها العام الماضي أنه على الرغم من أن عمري الحيوي يطابق عمري الزمني في ذلك الوقت، فإن أعمار الأجهزة في جسدي متفاوتة.

وفقاً للاختبار، كان العمر الحيوي لدماغي 39 عاماً، بينما بلغ عمر كبدي 42 عاماً. وأيضاً، بلغ عمر جهازي الهرموني 41 عاماً. من ناحية أخرى، بلغ عمر كل من كليتي وجهازي الالتهابي والدموي 34 عاماً، أقل بقليل من عمري الزمني. تمتع قلبي بالنتيجة الأفضل، إذ بلغ عمره الحيوي 31 عاماً. واجهت صعوبة في منع دماغي من استهلاك الكثير من الطاقة في محاولة تفسير هذه النتائج بعد حصولي عليها.

لا شك في أن دماغي متقدم في العمر لأني أعاني من التوتر ولا أستطيع الحصول على قسط كافٍ من النوم. ربما أنني أتناول كمية من المشروبات الكحولية أكبر من اللازم، أو أنني تناولت كمية كبيرة من المسكنات على مر السنين وأجهدتُ كبدي. هل يمكن أن تؤثر حقيقة أنني مصابة بالانتباذ البطاني الرحمي في الطريقة التي يركّب فيها جسمي الهرمونات ويستجيب لها؟ فاجأتني نتيجة أن قلبي أكثر شباباً لأن الأمراض القلبية منتشرة في عائلتي. ولكنها تسرّني بالطبع.

اقرأ أيضاً: نموذج تعلم عميق من جوجل يتنبأ بالإصابة بالشيخوخة البيولوجية من صور شبكية العين

كيف يمكن التعامل مع نتائج الاختبارات الحيوية؟

تتمثل الخطوة التالية في وضع خطة للتعامل مع هذه النتائج. توفّر شركة إيليسيوم مجموعة من التوصيات الخاصة بكل نتيجة إفرادية للاختبار. عندما يتعلق الأمر بالدماغ، يوصي خبراء الشركة بممارسة المزيد من التمارين والتواصل مع الآخرين أكثر والحصول على قسط كافٍ من النوم وتجنّب التدخين وتناول الكحول. كما أنهم يوصون بتناول المكملات الغذائية التي تبيعها الشركة على موقعها.

تكمن الفكرة المهمة في أنني أعلم بالفعل أنني يجب أن أحصل على المزيد من النوم وأمارس المزيد من التمارين الرياضية. وأراهن أن الجميع يدرك الحاجة لذلك. هل سيغيّر العمر الحيوي المقدّر سلوكنا؟ بالنسبة لي، لن يحدث ذلك؛ إذ إنني كنت سأمارس المزيد من التمارين الرياضية وأحصل على المزيد من النوم بالفعل لو كان لدي ما يكفي من الوقت لذلك. سألتُ نائب رئيس شركة إيليسيوم للمعلوماتية الحيوية، دايل سامبسون (Dayle Sampson)، عما إذا غيّرت معرفته بالأعمار الحيوية لأجهزته وأعضائه أي شيء بالنسبة له. وقال لي إنها لم تفعل.

أخبرني سامبسون أنه يبلغ من العمر 38 عاماً، وأن عمره الحيوي هو 36 عاماً وفقاً لاختبار شركة إيليسيوم. مع ذلك، بلغ عمر دماغه الحيوي 43 عاماً. يعتقد سامبسون أنه يمارس تمارين رياضية أكثر من اللازم، وهي عادة بيّن بعض الدراسات أنها ترتبط بارتفاع معدل التقدم في العمر. ولكنه قال إليّ إنه لم يقلل من كمية التمارين الرياضية التي يمارسها منذ الحصول على النتائج.

على أي حال، نحن لا نعرف مدى دقة هذه الاختبارات. الخبراء في شركة إيليسيوم هم أول من يعترف بأن الاختبار الذي طوّروه لا يأخذ العديد من العوامل المعروفة بأنها تؤثر في التقدم في العمر في الاعتبار. على سبيل المثال، لا يأخذ هذا الاختبار الدور الذي يؤديه الميكروبيوم في الاعتبار. كما أنه لا يأخذ في الاعتبار العملية التي تحمل اسم الشيخوخة الخلوية (senescence)، التي تنتج وفقها الخلايا المتقدمة في العمر مزيجاً ساماً من المواد الكيميائية الالتهابية القادرة على محاصرة الأنسجة وإتلافها.

اقرأ أيضاً: البروفيسور ديفيد سنكلير أمام مجلس محمد بن زايد يكشف عن جديد العلم في إطالة عمر الإنسان

تقييم آلية عمل اختبار العمر الحيوي

من الصعب أيضاً تقييم آلية عمل هذه الاختبار، لأن الشركة لا تصرّح بالكثير من المعلومات. رفضت الشركة إخباري ما المؤشرات الحيوية التي أخذها الفريق البحثي بعين الاعتبار وكيف ترتبط هذه المؤشرات الحيوية بالتلف في أي عضو معين؟ وكيف تترافق مع المؤشرات فوق الوراثية التي يمكن قياسها في عينات اللعاب؟

وفقاً للباحث، بول شيلز (Paul Shiels)، الذي يدرس الساعات الحيوية في جامعة غلاسكو في اسكتلندا، عندما يتعلق الأمر بتقدير عمر دماغ شخص ما، فمن غير المرجح أن تقدّم الاختبارات المعتمدة على المؤشرات فوق الوراثية صورة كاملة. يقول شيلز: “اعتقدت أن الأشخاص سيرغبون في تقييم أدائهم”. على سبيل المثال، طوّر العلماء الكثير من الاختبارات التي تقيّم الإدراك والذاكرة والذكاء. ولم يؤخذ أي من هذه العوامل في الاعتبار لتقدير عمر دماغي.

وفقاً لشيلز، الذي يبحث حالياً في صحة الكلى مع تقدمها في العمر، ينطبق الانتقاد نفسه على تقدير أعمار الأعضاء الأخرى. يقول شيلز: “لا يمكن استخدام عينة من اللعاب سريرياً للتوصل إلى أي [معلومات حول] القدرة الوظيفية للكلى”. ويجب إجراء اختبارات الدم والبول لتقييم الكفاءة الوظيفية للكلى.

اقرأ أيضاً: تجارب جينية خطيرة لإطالة عمر الإنسان بمدينة من نوع خاص

لا يعني هذا أن الأبحاث التي يجريها الباحثون في شركة إيليسيوم وغيرها ليست ذات قيمة، إذ إن هذا المجال البحثي العلمي مذهل ولا يزال حديث العهد. يقول الباحثون في هذه الشركة إن الاختبار الذي طوروه هو الأول من نوعه، وإنه لا يزال قيد التطوير. يقول غوارينتيه: “يجب ألّا ننظر إلى هذه الساعات على أنها مكتملة؛ إذ إنها أدوات نسعى لتحسينها، ونعتقد أنها ستتطور وتصبح أكثر جودة”.