لماذا لم يعد بإمكاننا تجاهل خيار التكيّف المناخي؟

10 دقائق
لماذا لم يعد بإمكاننا تجاهل خيار التكيّف المناخي؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ C Model
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أواخر الخمسينيات، كان إيان بورتون مختصاً بالجغرافيا في جامعة شيكاغو، وقد أدرك وجود مشكلة مقلقة تتعلق بالحواجز المائية. فقد كانت تلك الحواجز الاستراتيجية المكلفة والتي تتطلب عملاً هندسياً ضخماً –وكانت الحل المفضل لدى فيلق القوات البرية الأميركي الهندسي لكبح جماح الفيضانات على طول السهول الفيضية للأنهار الكبيرة- نافعة بشكل جيد للتصدي لكميات متوسطة من المياه. ولكنها منحت الناس شعوراً زائفاً بالأمان. فبعد بناء حاجز مائي، كان الناس في بعض الأحيان يبنون مساكنهم في المنطقة الواقعة خلفه وينتقلون إليها. وبعدها، إذا أفاض سيل كبير من فوق حافة الحاجز المائي في نهاية المطاف، أو تمكن من اختراقه، يمكن أن تؤدي الكارثة إلى تدمير الممتلكات والتسبب بالفوضى بشكل يتجاوز ما يمكن أن يحدث قبل أن يبدأ المهندسون عملهم.

لقد تحولت هذه المفارقة إلى درس كلاسيكي في عدم التكيّف مع الأخطار الطبيعية التي يمكن أن تهاجم البيئة التي بناها البشر. كما كانت عبرة مهمة لأخذ الحذر من مجموعة أكثر ضخامة من الكوارث والمشكلات الناجمة عن التغيّر المناخي. (ظهرت المشكلة بكامل أبعادها عندما فشلت الحواجز المائية في نيو أورليانز في عملها في 2005 خلال إعصار كاترينا، ما أدى إلى غمر مناطق من منطقة الدائرة التاسعة الأدنى بما يصل إلى 4.5 متر من الماء وفقاً لبعض التقديرات. كما تفاقمت العاصفة بسبب تغيّر الظروف المناخية وارتفاع مستويات سطح البحر).

التكيف مع التغير المناخي لا يعني استسلاماً

بدأ بورتون عمله على التغيّر المناخي في تسعينيات القرن الماضي. وقرر أن يتخصص في مجال ناشئ –وإن كان غير مكتمل إلى درجة ما- يسمى “التكيّف مع التغيّر المناخي”، وهو دراسة الأساليب والسياسات التي تسمح للعالم بالاستعداد للكوارث والأخطار الجديدة التي سيجلبها الاحترار على كوكب الأرض، والتكيّف معها. ومن بين جميع زملاء بورتون، كنت الوحيد الذي رفع يده للعمل على التكيّف، كما يقول الآن.

كان معظم الباحثين الآخرين في مجال التكيف المناخي مشغولين بالتساؤل حول كيفية التخفيف من الانبعاثات الكربونية التي كانت تضغط بصورة زائدة على المناخ العالمي، وهو المجال البحثي المعروف باسم “التخفيف من التغيّر المناخي”، ولكن بورتون شعر أن الناس يحتاجون أيضاً إلى التعامل مع الظروف القاسية وغير المستقرة التي يمكن أن يحملها المستقبل، بحيث لا يبدؤون ببناء حواجز مائية غير كافية أو مصدّات بحرية ضعيفة الأداء، أو غيرها من استراتيجيات التصدي الهزيلة التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الكوارث لاحقاً.

وفي تلك اللحظة، دخل بورتون أيضاً إلى مجال من الجدل وسوء التفاهم الذي ربما أدى في نهاية المطاف إلى تأخير العمل على التغيّر المناخي لفترة سنوات أو عقود كاملة. فقد شعر بعض خبراء التغيّر المناخي أن أي حديث حول التكيّف يؤدي إلى تشتيت الانتباه عن العمل اللازم لتنظيف الغلاف الجوي من التلوث، وبالنسبة لهم، بدا هذا العمل أقرب إلى الاستسلام منه إلى آلية للتكيف. ويستذكر قائلاً بسخرية: “عندما كنت أحاول إقناع الآخرين بأهمية التكيّف، كان المختصون في تخفيف التغيّر المناخي يطلبون مني مغادرة المكان، فهم ليسوا بحاجة إليّ، كما أن عملي يمثل تقويضاً لعملهم. ولهذا، فهم يفضّلون عدم الإصغاء إليّ. لقد كنت عدواً بالنسبة لهم”.

وبشكل أساسي، كان الخبراء على كلا الجانبين يحاولون رسم مسار للحفاظ على البشرية وحمايتها في وجه أزمة عالمية متفاقمة، ولكنهم لم يكونوا يعملون معاً على الدوام.

ومنذ أواخر الثمانينيات على الأقل، وعندما لم يكن التغيّر المناخي واضح الأثر كما هو حالياً، أدرك العلماء أن البشر قاموا بضخ ما يكفي من ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي لدرجة أننا سنشعر جميعاً بأثرها في وقت لاحق، حتى لو لم يكونوا مدركين لشدة هذا الأثر بعد. ونظراً لترجيح وجود “زمن تأخير بين الانبعاثات والتغيّر المناخي اللاحق”، فمن المحتمل أن العالم قد يكون مجبراً منذ الآن على التعاطي مع درجة معينة من التغيير، كما أوردت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيّر المناخي، وهي الهيئة العلمية الرائدة التي تدرس هذه الأزمة، في تقريرها الكبير الأول في 1990.

اقرأ أيضاً: هل تمثل موجات الحر الأخيرة دليلاً على تسارع وتيرة التغير المناخي؟

ضرورة التكيف مع التغير المناخي

ولهذا، فإن التكيّف قد يكون ضرورياً، كما استنتج التقرير. وفي 1993، عندما أصبح بيل كلينتون رئيساً للولايات المتحدة، قام مكتب الكونغرس لتقييم التكنولوجيا (والذي لم يعد موجوداً) بنشر تقرير استشار في محتواه العشرات من العلماء والخبراء، حيث ورد في التقرير: “إذا كان التغيّر المناخي حتمياً، فإن التكيّف مع التغيّر المناخي حتمي أيضاً”. كتب مؤلفو التقرير أن تخفيف الانبعاثات الكربونية ما زال علاجاً أساسياً، ولكن يجب أن يستعد الناس للتغيّر والعوامل المجهولة، خصوصاً فيما يتعلق بمسائل البنى طويلة الأمد أو الأنظمة الطبيعية بطيئة التكيف.

ولكن كانت هناك أيضاً خلافات عديدة حول وجوب التكيّف وكيفية تطبيق التكيّف، بل وحتى معنى التكيّف. ففي بداية التسعينيات، عندما اتفقت الأوساط الدبلوماسية الدولية حول إحدى أهم المعاهدات حول التغيّر المناخي -اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي (UNFCCC)، والتي ستؤدي لاحقاً إلى اتفاقية باريس لعام 2015- كان العديد من القادة من الدول الأقل تطوراً في المنطقة الجنوبية من العالم، خصوصاً الجزر، يستغيثون مطالبين بالدعم المالي والتقني لمساعدتهم على التكيّف. وتعرضت هذه البلدان إلى آثار التغيّر المناخي بعنف، حيث اجتاحت الفيضانات مساحات كبيرة من بنغلاديش، كما أن الدول المؤلفة من جزر، مثل المالديف، أصبحت مهددة بمستويات كارثية من الغمر.

الشمال الغني المسبب للأضرار مقابل الجنوب الذي سيتحمل التبعات

ولكن معظم البلدان المتطورة في المنطقة الشمالية من الكرة الأرضية حاولت تفادي هذه النقاشات خوفاً على مصالحها الاقتصادية، كما تستذكر العالمة الاجتماعية ليزا شيبر، والتي حضرت الكثير من هذه المفاوضات في بداية حياتها المهنية. وتقول: “كانوا يقومون بكتم أي نقاش يمكن أن يوحي بأنهم مسؤولون عما يحدث للمناخ”.

وفي نهاية المطاف، نجحت البلدان الجنوبية في تثبيت تعهد في الاتفاقية ينص على “مساعدة البلدان النامية المعرضة بشكل خاص لأسوأ آثار التغيّر المناخي على تحمل تكاليف التكيّف”. ولكن التساؤلات حول مدى مسؤولية الشمال أمام الجنوب عن الأضرار المناخية بقيت موضوع جدل مستمراً في المفاوضات الدولية لعدة سنوات.

إضافة إلى ذلك، وفي الثمانينيات والتسعينيات، بدأت بعض المجموعات اليمينية ومجموعات الضغط الصناعية، وعلى وجه الخصوص صناعة الوقود الأحفوري، بنشر المعلومات الزائفة حول المناخ، محاولةً تقويض مصداقية الأبحاث العلمية التي بينت أسباب وعواقب التغيّر المناخي. وتعمدت الكثير من هذه المجموعات تجاهل الجدل حول التكيّف المناخي، لأن هذا يتطلب الاعتراف الفعلي بدخول الكوكب في حالة احترار.

الشمال الغني المسبب للأضرار مقابل الجنوب الذي سيتحمل التبعات
مصدر الصورة: سيد محمدور رحمان/ نيورفوتو عبر أسوشييتد برس

تخفيض الانبعاثات أكثر أهمية من التكيف مع التغير المناخي

وعلى العكس من هذا، فقد شعر معظم العلماء المختصين بالتكيّف أن تخفيضات الانبعاثات أكثر أهمية. ولكن كانت هناك بعض الأصوات، مثل الباحثة في جامعة روكفيلر جيسي أوسوبيل، التي قالت إن البشر قادرون على التكيّف، وإنهم بلغوا مسبقاً مرحلة بناء مجتمعات” مضادة للآثار المناخية”. وكتب أوسوبيل قائلاً إن الأنظمة البشرية أصبحت “أقل عرضة لآثار المناخ” في تعليق ضمن مجلة نيتشر (Nature) في عام 1991، مع انتقال الاقتصاد والتوظيف إلى العمل في المكاتب والمعامل”. وقال إن المجتمعات يجب أن تركز على “العبقرية الابتكارية، والقوة الاقتصادية، والكفاءة الإدارية، والتي تجعل التكنولوجيات الكثيرة المفيدة في التكيّف مع المناخ متاحة لمعظم الناس”. وفي نفس السنة، ناقش أيضاً أهمية التخفيف من الانبعاثات الكربونية في بحث آخر.

أما نائب الرئيس الأميركي آل غور، وفي كتابه الذي يعود إلى عام 1992: الأرض في الميزان (Earth in the Balance)، فقد عبّر عن ردة فعل عنيفة ضد الفكرة التي تقول إننا “قادرون على التكيّف مع أي شيء تقريباً”، مشككاً على ما يبدو في هذا الحقل بأكمله، فقد أسماه “شكلاً من أشكال الكسل، وثقة مغرورة بقدرتنا على اتخاذ ما يجب من إجراءات في الوقت المناسب لإنقاذ أنفسنا”.

يقول بعض باحثي التكيّف الآن، إن كل هذه الانقسامات أدت ربما إلى إعاقة الجهود المناخية في مرحلة مبكرة، وتسببت بتأخيرات دفعت العالم لاحقاً إلى محاولة التكيّف مع الحر والحرائق البرية والعواصف وعدم الاستقرار.

اقرأ أيضاً: التغير المناخي يفرض العمل باتجاه إزالة الكربون من الجو لا التوقف عن إصداره فقط

كما أن الاستقطاب ما بين التكيّف والتخفيف أدى ربما إلى ظهور فجوات في وجهات النظر بشكل زاد من صعوبة التحرك نحو اتخاذ سياسات فعّالة لتبريد الكوكب. وعلى سبيل المثال، فإن العلماء الذين درسوا الانبعاثات والغلاف الجوي كانوا عادة خبراء في عدة مجالات من العلوم الفيزيائية، مثل الفيزياء والكيمياء وعلوم المحيطات. أما باحثو التكيّف فقد كانوا في أغلب الأحيان يأتون من مجالات تتعامل مع الأنظمة البشرية ونواقصها، مثل إدارة الطوارئ والجغرافيا والتخطيط الحضري وعلم الاجتماع. لقد قامت المجموعة الأولى من العلماء بوضع نماذج معقدة لنظام الغلاف الجوي للكوكب وحاولت التوصل إلى توقعات مبنية على افتراضات حول ما يمكن أن يختار البشر فعله.

أما صناع السياسات والدبلوماسيون الذين حاولوا تفسير هذه النماذج فقد توصلوا في بعض الأحيان إلى استنتاجات متفائلة بشكل مبالغ فيه، ويعود هذا جزئياً إلى النجاح الكبير الذي حققه العالم في الثمانينيات في حظر الغازات التي كانت تؤذي طبقة الأوزون التي تحمي الأرض. ولكن التغيّر المناخي يعد مشكلة أكثر صعوبة بكثير، وتتطلب الابتعاد عن استخدام كافة أنواع الوقود الأحفوري الذي يعتبر أساس عمل نسبة كبيرة من الاقتصاد العالمي. تطلبت هذه المشكلة مواجهة الفوضى والتعقيد عند البشر.

صناعة سياسات لا مسائل علمية

ومع انتقال العالم نحو مزيد من التكيف “أدركنا حاجتنا إلى نماذج لاتخاذ القرار، أي أننا أصبحنا في مواجهة مشكلة تتعلق بمسائل القرار، لا بالمسائل العلمية”، كما يقول توماس داونينغ، والذي بدأ حياته المهنية بدراسة الاستجابة للكوارث، وانتقل بعدها إلى أبحاث التكيف في التسعينيات. كانت التوقعات الأولية للمناخ العالمي تشير إلى “نموذج مثالي للعالم، وكأن التغير المناخي مجرد ظاهرة محدودة يمكننا التلاعب بها”. ولو تمكن خبراء التكيّف والتخفيف من التفاهم، لكان من المحتمل أن يتوصلوا إلى فهم أفضل لكيفية مواجهة السياسات العالمية العصية والمتشابكة. ولكان من المحتمل أن يتمكنوا من التغلب على المزيد من العوائق في وقت أقرب.

وعلى الرغم من أن التكيّف مع التغيّر المناخي مجال بحثي احترافي، فقد بقي يعاني من التجاهل وسوء الفهم والضعف خلال بدايات العقد الأول من القرن الجديد، عندما بدأت لارا هانسن، والتي حازت على تدريب في مجال السموم البيئية، بالعمل على هذا الموضوع لصالح الصندوق العالمي للطبيعة. وكانت هانسن تمزح مع زملائها قائلين إن جميع خبراء وباحثي التكيّف في العالم “يمكن وضعهم ضمن مصعد واحد”. ولكن، وبعد فترة قصيرة، بدأ هذا الحقل بالانتشار والتوسع. فمن ناحية، أصبح من الواضح أن الانبعاثات لم تبدأ بالانخفاض، خصوصاً بعد إعلان إدارة جورج بوش في 2001 أنها لن تطبق بروتوكول كيوتو، وهو اتفاقية دولية أخرى لدفع البلدان إلى كبح جماح إطلاق الكربون في الغلاف الجوي.

لقد أدى هذا التعطيل الرئاسي إلى إرباك المفاوضات الدولية، ما ساهم في زيادة الإجراءات التكيفية إلى درجة أعلى من قبل بكثير ضمن معاهدة أخرى صاغتها الأمم المتحدة تحت اسم اتفاقيات مراكش. فإذا كانت الولايات المتحدة تنوي مواصلة ضخ الكربون في السماء دون حدود، فيجب على العالم بأسره أن يستعد للتكيف مع المزيد من الظواهر والمشكلات.

ولكن المجموعات البيئية كانت لا تزال مترددة في أغلب الأحيان بشأن الخوض في الموضوع، وهي فرصة ضائعة، كما تعتقد هانسن. وتقول: “لطالما قلت منذ زمن إن التكيّف مدخل نحو التخفيف. فعندما ترى مدى المشكلة بالنسبة للمجتمع، ومدى التغيّر الذي يمكن أن يؤثر على حياتك، ستقتنع بضخامة الأزمة، وسيصبح من الواضح بالنسبة لك. أنه قد يكون من الأسهل بكثير أن نتوقف ببساطة عن إطلاق ثنائي أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي”.

اقرأ أيضاً: مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي

جهود شعبية

وفي 2006، وضمن قاعة للحفلات الراقصة في أحد فنادق فلوريدا، ترأست هانسن ورشة عمل لما يقرب من 200 شخص للتحدث عن الحفاظ على الشعاب المرجانية، بما فيها شركات الصيد التجارية وشركات السياحة التي لم تكن مطلعة على آثار التغيّر المناخي. وفي تلك الأمسية، وفي صالة محلية، نظم مشرفو ورشة العمل عرضاً للفيلم الوثائقي لآل غور حول التغيّر المناخي باسم الحقيقة المرة (An Inconvenient Truth) كما قاموا ببث مقطع فيديو يتضمن محاكاة للفيضانات المتوقعة في المستقبل في جنوب فلوريدا. وتستذكر هانسن قائلة: “عندما قربت اللقطة إلى مجموعة جزر فلوريدا كيز، أصبح بالإمكان رؤية ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار مترين مع اشتداد عاصفة إعصار من الفئة الأولى، ولم يكن هناك أي شيء ما زال قائماً في الجزر سوى بضعة جسور على الطريق السريع ومقبرة كي ويست”. وطلب الجمهور إعادة مشاهدة المقطع ثلاث مرات. بعد ذلك، قالت هانسن إنها سمعت بتزايد الاهتمام بجهود التخفيف من قبل الناس في تلك المنطقة.

وفي السنوات اللاحقة، تزايد عدد خبراء التكيّف بصورة متواصلة ومتسارعة. وفي 2008، شاركت هانسن في تأسيس منظمة إيكو أدابت (EcoAdapt)، وهي أشبه بمركز تجميع لتقارير التكيف ودروسه، ومقر اجتماع للخبراء من كافة أنحاء البلاد. وعندما طلبت إدارة أوباما من الوكالات الفيدرالية تطوير خطط للتكيف، تسبب هذا باندفاع العديد من المؤسسات الأخرى إلى القيام بهذا أيضاً. تقول هانسن: “من المرجح أن هذا العمل دفع بالمزيد من حكومات الولايات والحكومات المحلية إلى التفكير بالتكيف أكثر من أي شيء آخر من قبل”.

قيود مفروضة على التكيف المناخي

ولكن عمل التكيّف ما زال على الأرجح يعاني من بعض القيود التي ناء بحملها منذ البداية. وعلى سبيل المثال، فإن إنشاء البنى التحتية يجري بوتيرة بطيئة، وبالتالي فإن التأخير في الاستيعاب والتقبل يعني أن مسؤولي التخطيط لم يتمكنوا من مجاراة هذا المجال بعد بالضرورة. وكان بورتون قد أشار إلى أن بعض السكك الحديدية في المملكة المتحدة كانت غير مصممة لتحمل موجات الحر التي أصابت المنطقة مؤخراً. وقال باستياء: “لقد تم تصميم هذه السكك الحديدية حتى تكون ملائمة للمناخ الذي كان سائداً في السنوات الخمسين الماضية”، لا للمناخ الحالي، أو للمناخ في المستقبل.

علاوة على ذلك، ونظراً للفصل بين جهود التخفيف وجهود التكيّف، فإن المشاريع المصممة للتخفيف من الانبعاثات غير مصممة في بعض الأحيان لتحمل الحرارة الزائدة أو العواصف أو ارتفاع منسوب المياه. وعلى سبيل المثال، إذا تم بناء سد لتعزيز الطاقة الكهرومائية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، فقد يفشل المشروع إذا أدى الجفاف وتراجع الغطاء الثلجي إلى ضعف تدفق مياه النهر. إضافة إلى ذلك، فقد يتسبب بناء السد في بعض الأماكن بزيادة تعداد البعوض الحامل للملاريا، ويعرض السكان القريبين إلى خطر الإصابة والموت.

قيود مفروضة على التكيف المناخي
مصدر الصورة: براندون بيل/ غيتي إيميدجيز

وباختصار، يمكن لمشروع تكيف سيئ التصميم أن يتسبب بتفاقم المعاناة البشرية بدلاً من التخلص منها. ولهذا، فإن الكثير من أبحاث التكيّف أصبحت الآن تتسم بأساس أخلاقي وعملي متين، ويعتمد على دراسة نقاط الضعف البشرية. فالآثار السلبية للتغيّر المناخي من حرارة مرتفعة أو توتر أو كوارث طبيعية ستضرب أولاً أولئك الذين يعيشون تحت عبء الفقر وعدم الاستقرار والمشكلات الطبية والتمييز والظروف السكنية السيئة وغيرها من المصاعب. وبالتالي، فإن الفشل في الحرص على مصالح الأشخاص والأماكن الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية قد يؤثر على صحة الجميع وأمانهم أيضاً.

وعلى المستوى الدولي، ما زال السياسيون والخبراء يتجاهلون التساؤلات الكبيرة حول كيفية مساعدة الضعفاء على التكيف، وذلك لتحقيق المصلحة الجماعية لغيرهم من البشر على سطح هذا الكوكب. فماذا سيحدث إذا اضطر سكان منطقة واسعة، أو حتى بلدان كاملة، لمغادرة موطنهم؟ وكيف سيؤدي هذا إلى إحداث اضطرابات سياسية في كل مكان، أو زعزعة مخزونات الغذاء العالمية؟

اقرأ أيضاً: هل أصبح التغير المناخي مصدر خطر على الطاقات المتجددة أيضاً؟

ما زالت هناك بعض الأصوات المتفرقة التي تصر على أن التكيّف قادر لوحده على حل مشكلاتنا المتفاقمة، وهي عادة أصوات “رجال فاحشي الثراء من ذوي البشرة البيضاء”، كما تقول شيبر ساخرة. لطالما أصر المختص الهولندي بعلوم الإحصاء والعلوم السياسية، بيورن لومبورغ، على أن الناس سيتكيفون بسهولة مع أي مستجدات مقبلة، مهما كانت خطيرة. وفي عدة أعمدة منشورة في مجلة وول ستريت (Wall Street)، كان لومبورغ يوجّه الانتقادات المتكررة إلى البيئيين وعلماء المناخ، ويعلق بسلبية على نتائجهم بعبارات مثل “التكيّف أكثر فعالية من فرض القواعد المناخية في التصدي لمخاطر الفيضانات”، كما ورد في أحد المقالات، و”البشر بارعون في التكيّف مع بيئتهم، حتى لو كانت متغيرة. لا تنسوا هذا عند قراءة عنوان رئيسي جديد يتقطر قلقاً حول الكوارث المناخية”، كما ورد في مقال آخر.

أما هانسن، والتي أمضت حتى الآن عقدين في العمل البحثي في استراتيجيات التكيّف، فتعتبر أن هذه الحجج “سخيفة بوضوح”. وتقول: “إذا تركنا التغيّر المناخي دون اتخاذ أي إجراءات، فسيصبح التكيّف معه مستحيلاً، لأنه سيؤدي بشكل أساسي إلى تغيير ملامح الكوكب بأسره”.