كيف تستعيد عافية دماغك المتضرر من الوباء؟

10 دقائق
كيف تصلح دماغك المنهك بسبب الوباء؟
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عادت التجمعات والحفلات الجماعية إلى سابق عهدها، أو على الأقل هذا ما يسعى المعلنون لإقناعك به. لجأت إحدى الشركات المنتجة للعلكة، التي انخفضت مبيعاتها خلال عام 2020 نظراً لانتفاء الحاجة للاهتمام برائحة أنفاسك عندما ترتدي كمامة، إلى نشر إعلان تجاري يصور نهاية الوباء على أنها حفلة صاخبة مجانية للجميع يحتضن فيها الناس بعضهم البعض ويتعانقون في الشوارع والحدائق.

لكن الواقع مختلف بعض الشيء عن ذلك التصور؛ فالأميركيون يخرجون من مرحلة الوباء ببطء، ولكن في أثناء ذلك، لا يزال هناك الكثير من الصدمات والتأثيرات التي ينبغي لهم التعامل معها. لم تقتصر هذه التأثيرات والتغيرات على عائلاتنا ومجتمعاتنا ووظائفنا فحسب؛ فقد تغيرت أدمغتنا أيضاً، وأصبحنا أشخاصاً مختلفين عما كنا عليه قبل 18 شهراً.

خلال شتاء 2020، أبلغ أكثر من 40% من الأميركيين عن معاناتهم من أعراض القلق أو الاكتئاب، أي ضعف معدل العام السابق له. وانخفض هذا الرقم إلى 30% في يونيو 2021 مع تزايد تلقي اللقاحات وتراجع حالات الإصابة بكوفيد-19، لكن ذلك الرقم يعني أن ما يقرب من واحد من كل ثلاثة أميركيين يعاني اضطرابات في صحته العقلية. وعلاوة على الأعراض القابلة للتشخيص، أفاد الكثير من الأشخاص بأنهم يعانون من ضبابية دماغية نتيجة الوباء، التي تشمل النسيان وصعوبة التركيز والتشويش العام.

والسؤال الأهم اليوم: هل يمكن لأدمغتنا أن تتغير مرة أخرى وتعود إلى ما كانت عليه قبل الوباء؟ وكيف يمكننا مساعدتها في ذلك؟

كيف يؤثر التوتر على الدماغ؟

تحدث كل تجربة تخوضها تغيراً في دماغك؛ فإما أن تساعدك على اكتساب نقاط تشابك عصبي جديدة؛ أي الروابط بين خلايا الدماغ، أو تتسبب في فقدانها. يُعرف هذا الأمر باسم المرونة العصبية، وهي الكيفية التي تتطور بها أدمغتنا خلال مراحل الطفولة والمراهقة. والمرونة العصبية هي وسيلتنا أيضاً لمواصلة التعلم وتشكيل الذكريات في مرحلة البلوغ، على الرغم من تراجع مرونة أدمغتنا مع تقدمنا في السن. وتلعب هذه العملية دوراً جوهرياً في التعلم والذاكرة والوظائف العامة للدماغ السليم.

لكن خوض العديد من التجارب يؤدي أيضاً إلى فقدان الدماغ لبعض الخلايا والارتباطات بينها التي كان من الأفضل أو من الضروري الاحتفاظ بها. على سبيل المثال، يمكن للتوتر، وهو حالة عانى منها الجميع تقريباً في أثناء الوباء، أن يدمر ليس نقاط الاشتباك العصبي الموجودة فحسب، بل قد يثبط نمو نقاط أخرى جديدة.

وتتمثل إحدى الطرق التي يتسبب التوتر من خلالها بذلك في تحفيز إفراز هرمونات تسمى الهرمونات القشرية السكرية، وعلى الأخص الكورتيزول. عندما تكون كميات الهرمونات القشرية السكرية قليلة، فإنها تساعد الدماغ والجسم على الاستجابة للضغوط (مثل اختيار المواجهة أو الهرب) عن طريق تغيير معدل ضربات القلب والتنفس والالتهاب وغير ذلك لزيادة احتمالات بقاء المرء على قيد الحياة. وبمجرد زوال أسباب التوتر، تنحسر مستويات هذه الهرمونات. لكن عند التعرض لتوتر مزمن، فإن مسببات التوتر تكون دائمة، ويتلقى الدماغ دفقات كبيرة من هذه المواد الكيميائية. وعلى المدى الطويل، يمكن أن تسبب المستويات المرتفعة من الهرمونات القشرية السكرية تغييرات قد تؤدي إلى الاكتئاب والقلق والنسيان وعدم الانتباه.

حتى الآن، لم يتمكن العلماء من دراسة هذه الأنواع من التغيرات الفيزيائية في الدماغ بشكل مباشر في أثناء الوباء، ولكن يمكنهم استخلاص استنتاجات من استطلاعات عديدة في الصحة العقلية أجريت على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية، بالإضافة إلى معلوماتهم حول التوتر والدماغ التي تستند إلى سنوات من الأبحاث السابقة.

على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين تعرضوا لضغوط مالية، مثل فقدان الوظيفة أو انعدام الأمن الاقتصادي في أثناء الوباء، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب. ويعد الحُصين أحد أكثر مناطق الدماغ تضرراً من التوتر المزمن، وهو منطقة مهمة بالنسبة لكل من الذاكرة والمزاج. كانت هذه الضغوط المالية تؤدي إلى إغراق الحُصين بالهرمونات القشرية السكرية على مدى عدة أشهر، ما يؤدي إلى إتلاف الخلايا وتدمير نقاط الاشتباك العصبي، ويفضي في النهاية إلى تقلص حجم هذه المنطقة من الدماغ. ويعتبر الحجم الصغير للحصين إحدى السمات المميزة للإصابة بالاكتئاب.

يمكن للتوتر المزمن أيضاً أن يحدث تبدلات في قشرة الفص الجبهي، وهو مركز التحكم التنفيذي في الدماغ، وفي اللوزة الدماغية، وهي مركز الخوف والقلق. ومن شأن التعرض للكثير من الهرمونات القشرية السكرية لفترة طويلة أن يضعف كلاً من الروابط داخل قشرة الفص الجبهي والروابط بينها وبين اللوزة الدماغية. نتيجة لذلك، تفقد قشرة الفص الجبهي قدرتها على التحكم في اللوزة الدماغية، تاركة مركز الخوف والقلق يعمل دون إشراف. ويعتبر هذا النمط من النشاط الدماغي (عندما تقوم اللوزة الدماغية بالكثير من العمل دون تواصل كافٍ مع قشرة الفص الجبهي) شائعاً لدى الأشخاص الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وقد ارتفع هذا النوع من الاضطرابات كثيراً في أثناء الوباء، لا سيما بين مقدمي الرعاية الصحية من العاملين في الخطوط الأمامية.

من المرجح أيضاً أن العزلة الاجتماعية التي فرضها الوباء قد لعبت دوراً ضاراً ببنية الدماغ ووظيفته. فقد أشارت دراسات سابقة إلى وجود صلة بين الوحدة وانخفاض حجم كل من الحُصين واللوزة الدماغية، بالإضافة إلى نقاط ارتباط أقل في قشرة الفص الجبهي. ربما ليس من المستغرب إذن أن يكون الأشخاص الذين عاشوا وحدهم في أثناء الوباء قد عانوا من معدلات أعلى من الاكتئاب والقلق.

أخيراً، لا يقتصر تأثير الضرر الذي يلحق بمناطق الدماغ هذه على الأشخاص من الجانب العاطفي فحسب، بل يطال الجانب الإدراكي على حدٍّ سواء. عزا العديد من علماء النفس ضبابية الدماغ الناجمة عن الوباء إلى تأثير التوتر المزمن على قشرة الفص الجبهي، حيث يمكن أن يضعف التركيز والذاكرة النشطة.

عكس التأثيرات السلبية على الدماغ

إذن فالأخبار السيئة هي أن الوباء قد تسبب بأضرار كبيرة لأدمغتنا. ويمكن اختزال هذه التغيرات السلبية في نهاية المطاف إلى انخفاض في المرونة العصبية بفعل التوتر، أي فقدان الخلايا والتشابكات بدلاً من نمو خلايا وتشابكات جديدة. لكن لا تدعوا ذلك يحبطكم، فهناك بعض الأخبار الجيدة. عند الكثير من الأشخاص، يمكن للدماغ أن يستعيد مرونته تلقائياً بمجرد زوال التوتر. وإذا ما بدأت الحياة في العودة إلى طبيعتها، فقد يحدث الأمر نفسه لأدمغتنا.

يقول جيمس هيرمان، أستاذ الطب النفسي وعلم الأعصاب السلوكي بجامعة سينسيناتي: “في كثير من الحالات، تتراجع التغيرات الناجمة عن التوتر المزمن بمرور الوقت. وعلى مستوى الدماغ، يمكنك أن تشهد عكساً لكثير من هذه التأثيرات السلبية”.

بعبارة أخرى، عندما يعود روتينك إلى ما كان عليه قبل الوباء، من المفترض أن يعود دماغك أيضاً إلى حالته السابقة. سوف تنحسر هرمونات التوتر مع استمرار التطعيمات وانحسار القلق بشأن الموت بسبب فيروس جديد (أو تسببه بموت شخص آخر). وبينما تبدأ محاولات الخروج إلى العالم مرة أخرى، فإن كل الأشياء الصغيرة التي كانت تمنحك السعادة أو تمثل تحديات إيجابية في طريقك ستعود إلى حياتك مرة أخرى، مما يساعد عقلك على إصلاح الروابط المفقودة التي شكّلتها تلك السلوكيات من قبل. على سبيل المثال، مثلما تضر العزلة الاجتماعية بالدماغ، فإن التفاعل الاجتماعي يحمل فوائد كبرى له. يتسم الأشخاص المرتبطين بشبكات اجتماعية أكبر حجماً بامتلاكهم لتشابكات وحجوم أكبر في قشرة الفص الجبهي واللوزة الدماغية ومناطق أخرى في الدماغ.

حتى إذا كنت لا ترغب في استئناف نشاطك الاجتماعي بعد، ربما سيكون من الجيد أن تدفع نفسك لبذل جهد إضافي في هذا المجال. لا تقدم على فعل أي شيء يمنحك شعوراً بأنه غير آمن، لكن علاج بعض الأمراض العقلية ينطوي على جانب من “تصنع القيام بأمر ما حتى تقوم به حقاً”. وبلغة الطب، يطلق على ذلك اسم “التنشيط السلوكي“، والذي يركز على أهمية الخروج من المنزل والقيام ببعض الأنشطة حتى لو لم تكن ترغب بذلك. بادئ الأمر، قد لا تشعر بنفس مشاعر الفرح أو الاستمتاع التي اعتدت الإحساس بها عند الذهاب إلى مطعم أو حفلة شواء في الفناء الخلفي. ولكن إذا التزمت بها، فغالباً ما تصبح ممارسة هذه الأنشطة أكثر سهولة وربما تساعدك في التخلص من مشاعر الاكتئاب.

تقول ريبيكا برايس، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي وعلم النفس بجامعة بيتسبرغ، إن التنشيط السلوكي قد ينجح من خلال إثراء بيئتك، وهو ما يعرف العلماء أنه يؤدي- على الأقل عند الحيوانات- إلى نمو خلايا دماغية جديدة. وتضيف: “سيتفاعل عقلك مع البيئة التي تضعه فيها، لذلك إذا كنت في بيئة محرومة وغير غنية لأنك عالق في المنزل بمفردك، فمن المحتمل أن يتسبب ذلك في تراجع عدد المسارات المتاحة. إذا أنشأت لنفسك بيئة أكثر ثراءً حيث يكون لديك المزيد من المدخلات والتفاعلات والمحفزات الممكنة، سوف يستجيب [دماغك] لذلك”. لذا انهض عن أريكتك، واخرج لزيارة متحف أو حديقة نباتية أو الاستمتاع بحفلة موسيقية في الهواء الطلق، سيشكرك دماغك على ذلك.

من شأن ممارسة التمارين الرياضية أن تساعد أيضاً؛ فالتوتر المزمن يستنفد مستويات مادة كيميائية مهمة تسمى عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ أو بي دي إن إف (BDNF) التي تساعد على تعزيز المرونة العصبية. من دون بي دي إن إف، تتراجع قدرة الدماغ على إصلاح أو استبدال الخلايا والتشابكات التي فقدت بسبب التوتر المزمن. وهنا يأتي دور التمارين الرياضية التي تزيد مستويات بي دي إن إف، خاصة في الحُصين وقشرة الفص الجبهي، وهو ما يفسر جزئياً على الأقل السبب وراء تعزيز التمارين الرياضية للإدراك والمزاج.

لا يساعد بي دي إن إف في نمو التشابكات العصبية الجديدة فحسب، لكنه قد يساعد أيضاً في إنتاج خلايا عصبية جديدة في الحُصين. على مدى عقود خلت، اعتقد العلماء أن تشكيل الخلايا العصبية لدى البشر يتوقف بعد سن المراهقة، لكن الأبحاث الحديثة أظهرت وجود مؤشرات على نمو الخلايا العصبية حتى سن الشيخوخة (على الرغم من أن هذه المسألة لا تزال محل خلاف شديد). بغض النظر عما إذا كانت التمارين الرياضية تفيد في تشكل الخلايا العصبية أو لا، فمن المثبت مراراً وتكراراً أنها تحسِّن مزاج الناس وانتباههم وإدراكهم، ويوصي بعض المعالجين بها باعتباره وصفة طبية لعلاج الاكتئاب والقلق. إذن، حان الوقت للخروج من المنزل والشروع بممارسة الرياضة.

الجأ إلى العلاج النفسي

هناك الكثير من التباينات في كيفية تعافي أدمغة الناس من التوتر والصدمات، ولن يتعافى الجميع من تبعات الوباء بهذه السهولة.

تقول برايس: “يبدو أن بعض الأشخاص أكثر عرضة للدخول في حالة مزمنة حيث يقعون في أسر حالة مثل الاكتئاب أو القلق”. في هذه الحالات، قد يحتاج الأمر للعلاج النفسي أو تناول الأدوية.

ويعتقد بعض العلماء اليوم أن العلاج النفسي للاكتئاب والقلق يعمل على الأقل جزئياً عن طريق تغيير نشاط الدماغ، وأن تنشيط الدماغ في أنماط جديدة يمثل الخطوة الأولى لدفعه نحو بناء أنماط جديدة من التشابكات. وقد وجدت ورقة مراجعة حول تقييم العلاج النفسي لاضطرابات القلق المختلفة أن العلاج كان أكثر فاعلية لدى الأشخاص الذين أظهروا نشاطًا أكبر في قشرة الفص الجبهي بعد عدة أسابيع من العلاج مقارنةً بما كانوا عليه سابقًا، لا سيما عندما كانت المنطقة تفرض التحكم على مركز الخوف في الدماغ.

يحاول باحثون آخرون تغيير نشاط دماغ الناس باستخدام ألعاب الفيديو. فقد طور آدم جازالي، أستاذ علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، أول لعبة لتدريب الدماغ تحصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية لقدرتها على علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال. كما ثبت أن اللعبة تساعد على تحسين قدرات الانتباه لدى البالغين. علاوة على ذلك، كشفت دراسات تخطيط كهربية الدماغ عن وجود اتصال وظيفي أوثق يشمل قشرة الفص الجبهي، مما يشير إلى زيادة المرونة العصبية في المنطقة.

يريد جازالي الآن استخدام اللعبة في علاج الأشخاص المصابين بضبابية الدماغ الناجمة عن الوباء. ويقول: “نعتقد أنه فيما يتعلق بالتعافي من مرض كوفيد-19، هناك فرصة كبيرة للاستفادة من هذه اللعبة. أعتقد أن الانتباه باعتبارها نظاماً يمكن أن يساعد في جميع حالات [الصحة العقلية] والأعراض التي يعاني منها الناس، خاصة تلك الناجمة عن كوفيد”.

وفي حين أن تأثيرات ألعاب تدريب الدماغ على الصحة العقلية والمرونة العصبية لا تزال موضع نقاش، هناك أدلة وفيرة على فوائد الأدوية ذات التأثير العقلي. في عام 1996، كانت الطبيبة النفسية إيفيت شيلين، التي تعمل اليوم أستاذة في جامعة بنسلفانيا، أول من أثبت أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يمتلكون حصين أصغر بكثير من أولئك غير المصابين بالاكتئاب، وأن حجم منطقة الدماغ تلك كان مرتبطاً بمدة وحدّة إصابتهم. وبعد سبع سنوات، وجدت أنه إذا تناول الأشخاص المصابون بالاكتئاب مضادات الاكتئاب، فإنهم يتعرضون لفقدان أقل في حجم تلك المنطقة.

غيّر هذا الاكتشاف وجهات نظر العديد من الباحثين حول كيفية مساعدة مضادات الاكتئاب التقليدية، وخاصة مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) للأشخاص المصابين بالاكتئاب والقلق. تستهدف مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، كما يوحي اسمها، السيروتونين الكيميائي العصبي، وتزيد من مستوياته في نقاط التشابك العصبي. يشارك السيروتونين في العديد من وظائف الجسم الأساسية بما في ذلك الهضم والنوم. كما أنه يساعد على تنظيم الحالة المزاجية، وقد افترض العلماء منذ فترة طويلة أن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الأدوية لعلاج الاكتئاب. بيد أن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية قد يكون لها أيضاً تأثير على المرونة العصبية من خلال تعزيز مادة بي دي إن إف، خاصة في الحُصين، مما قد يساعد في استعادة وظائف الدماغ السليم في المنطقة. كما يبدو أن الكيتامين، أحد أحدث مضادات الاكتئاب المعتمدة في الولايات المتحدة، يزيد أيضاً من مستويات بي دي إن إف ويعزز نمو نقاط التشابك العصبي في الدماغ، مما يوفر دعماً إضافياً لنظرية المرونة العصبية.

تتناول أحدث الأبحاث الصيدلانية حول الأمراض العقلية دراسة أدوية مخدرة تجريبية مثل إم دي إم إيه (MDMA) وبسيلوسيبين (psilocybin)، المكون النشط في أنواع الفطر التي تسبب الهلوسة. يعتقد بعض الباحثين أن هذه الأدوية تعزز أيضاً المرونة في الدماغ، وعندما تقترن بالعلاج النفسي يمكن أن تمثل علاجاً فعالاً.

لم تكن جميع التغييرات التي طرأت على أدمغتنا في العام الماضي سلبية التأثير؛ إذ يقول عالم الأعصاب ديفيد إيجلمان، مؤلف كتاب “تشابك مدى الحياة: القصة الخفية حول أدمغتنا دائمة التغيير”، إن بعض هذه التغييرات ربما حملت فوائد لأدمغتنا. فمن خلال إجبارنا على الخروج من روتيننا وتغيير عاداتنا اليومية، ربما تسبب الوباء في تمدد أدمغتنا ونموها بطرق جديدة.

يقول إيجلمان: “كانت الأشهر الأربعة عشر الماضية مثقلة بالكثير من التوتر والقلق والاكتئاب، لقد كانت صعبة حقاً على الجميع. إن الجانب الإيجابي لهذه التأثيرات هو من وجهة نظر مرونة الدماغ، لأننا تحدينا أدمغتنا للقيام بأشياء جديدة وإيجاد طرق جديدة للقيام بالأشياء. لو لم نمر بعام 2020، لكنا ما نزال نحتفظ بنموذج داخلي قديم للعالم، ولما كنا دفعنا أدمغتنا إلى إجراء التغييرات التي أجرتها بالفعل. ومن وجهة نظر علم الأعصاب، هذا هو الشيء الأكثر أهمية الذي يمكنك القيام به، أي التحدي المستمر لدماغك وبناء مسارات جديدة وإيجاد طرق جديدة لرؤية العالم”.

كيف تساعد عقلك على مساعدة نفسه

مع أن الدماغ يختلف من شخص لآخر، يمكنك تجربة هذه الأنشطة لمنح دماغك أفضل فرصة للتعافي من تأثيرات الوباء:

  1. اخرج من المنزل وعاشر الناس: يتسم الأشخاص المرتبطون بشبكات اجتماعية أكبر حجماً بامتلاكهم لتشابكات وحجوم أكبر في قشرة الفص الجبهي واللوزة الدماغية ومناطق أخرى في الدماغ.
  2. جرب ممارسة التمارين الرياضية: يزيد التمرين من مستويات بروتين يسمى بي دي إن إف الذي يساعد على تعزيز المرونة العصبية وقد يسهم في نمو خلايا عصبية جديدة.
  3. تحدث إلى معالج نفسي: يمكن أن يساعدك العلاج في رؤية نفسك من منظور مختلف، ويمكن أن يؤدي تغيير أنماط تفكيرك إلى تغيير أنماط دماغك.
  4. قم بإثراء بيئتك: اخرج من روتينك في أثناء الوباء وحفز دماغك من خلال زيارة المتحف أو الذهاب إلى حديقة نباتية أو الاستمتاع بحفلة موسيقية في الهواء الطلق.
  5. تناول بعض الأدوية التي يصفها الطبيب بالطبع: يُعتقد أن كلاً من الأدوية التقليدية المضادة للاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، والأدوية التجريبية مثل الكيتامين والأدوية المخدرة تعمل جزئياً عن طريق تعزيز المرونة العصبية.
  6. قم بتقوية قشرة الفص الجبهي من خلال ممارسة ضبط النفس. إذا لم تمتلك وصولاً إلى لعبة فيديو (معتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية) لزيادة الانتباه، فيمكن أن يساعدك التأمل في الحصول على فائدة مماثلة.