كيف بنت الصين كاشفاً للفوتونات المنفردة يستطيع العمل في الفضاء؟

4 دقائق
مصدر الصورة: أنسبلاش/ جريجوري هايز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من أحدث الاستخدامات الجديدة للفوتونات المنفردة: تحميلها بالمعلومات الكمومية وإرسالها إلى مكان آخر. تسمى هذه التقنية بالاتصال الكمومي، وتستغل قوانين الفيزياء لحماية سرية المعلومات ومنع أي محاولة للتنصت عليها.

ولكن من أهم التحديات في هذه التقنية هو العثور على وسائل لإرسال هذه المعلومات الكمومية حول العالم. وتعود صعوبة هذا الأمر إلى حساسية هذه المعلومات، حيث إنها تُدمَّر إثر أي تفاعل بين الفوتونات وبيئتها المحيطة. لا يمكن للفوتونات أن تقطع مسافة تزيد عن 100 كيلومتر تقريباً عبر الغلاف الجوي أو الألياف البصرية من دون أن تُدمَّر المعلومات الكمومية التي تحملها.

ولهذا توصل فيزيائيون صينيون إلى طريقة للالتفاف حول المشكلة، وهي: بث الفوتونات إلى قمر اصطناعي يدور حول الأرض، الذي يحولها بدوره إلى مكان آخر على سطح الأرض. وبهذا يمكن تقليل المسافة الخطرة التي تقطعها الفوتونات عبر الغلاف الجوي. وإذا تم بث الفوتونات من محطات أرضية مرتفعة، فستكون معظم مسافة الرحلة في خلاء الفضاء.

ولكن هناك مشكلة! حيث يتطلب الاتصال الكمومي كواشف قادرة على كشف وقياس الفوتونات المنفردة. وفي السنوات الأخيرة، قام الفيزيائيون بتصميم وبناء أجهزة حساسة تستطيع تحقيق هذا الأمر، غير أن هذه الحساسية تجعل هذه الأجهزة أيضاً معرضة لأي نوع من الضجيج الخلفي، الذي يمكن أن يغمر إشارة الفوتونات نفسها، كما أن الفضاء مليء بالضجيج غير المرغوب فيه، مثل الجسيمات عالية الطاقة، ودرجات الحرارة المتطرفة، والضوء الخارجي من مصادر مثل الشمس. ولهذا، فإن بناء كواشف للفوتونات المنفردة للعمل في هذه البيئة يمثل تحدياً صعباً، وليس من المفاجئ أنه كان مصدر حيرة للفيزيائيين منذ بعض الوقت.

أما الآن، يقول مينج يانج وزملاؤه في جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية في هيفي إنهم تمكنوا من حل المشكلة، وقد اختبروا آلتهم على مدى السنتين الماضيتين على قمر اصطناعي يدور حول الأرض، ويقولون إنها تعمل بشكل جيد.

يعتمد الكاشف الذي بناه الفريق على ظاهرة تعرف باسم: انهمار الشحنات “Avalanche Breakdown”، وهي تحدث في شرائح أنصاف النواقل ضمن شروط محددة. ينقل نصف الناقل، مثل السيليكون، التيار الكهربائي على شكل إلكترونات وثقوب حرة يمكن أن تتحرك ضمن البلورة تحت تأثير حقل كهربائي.

ضمن الشروط الطبيعية، ترتبط حاملات الشحنة هذه بالشبكة البلورية، ولا تستطيع أن تتحرك، وعندها تكون المادة عازلة. ولكن إذا تمكنا من تحرير أحد الإلكترونات، ربما بالتقلبات الحرارية أو بدفعة من فوتون عرضي، فسيصبح قادراً على الانتقال ضمن المادة، وتشكيل تيار. وفي هذه الحالة، تصبح المادة ناقلة.

بطبيعة الحال، فإن التيار الكهربائي الناتج عن تحرير إلكترون واحد بهذه الطريقة سيكون صغيراً. ولهذا تكمن الحيلة في مفعول الشلال بتطبيق جهد كهربائي يستطيع إيصال الإلكترون الحر إلى سرعات عالية بما يكفي لتحرير إلكترونات ناقلة أخرى، وهو ما يؤدي إلى تفاعل متسلسل -ومن هنا أتى اسم الشلال- ينتج عنه تيار أكثر شدة ويمكن كشفه بسهولة.

في السنوات الأخيرة، تمكن الفيزيائيون من زيادة فعالية هذه الأجهزة إلى درجة أن فوتوناً واحداً بطول موجي معين يستطيع إطلاق هذا النوع من الشلال، وهكذا أصبح لدينا كاشف للفوتونات المنفردة يستطيع كشف أغلب الفوتونات التي تصطدم به.

غير أن هذه الحساسية ليست من دون ثمن؛ فمن السهل أن ندرك أن الجسيمات عالية الطاقة يمكن أن تخترق الديود الفوتوني السيليكوني وتحرر الإلكترونات وتطلق مفعول الشلال. وفي الفضاء، فإن هذا الأثر يؤدي إلى ضجيج خلفي شديد -يسمى معدل قياس الظلام- يكفي لغمر إشارة الفوتونات التي يحاول الفيزيائيون قياسها.

إذن، تولى يانج وزملاؤه مهمة إيجاد طريقة لحماية وتحسين أداء كواشف الفوتونات المنفردة التجارية، بحيث تستطيع العمل في الفضاء. وتوصلوا في البداية إلى حل مباشر وبسيط: إحاطة الكاشف بدرع يصد الجسيمات عالية الطاقة، وهو أمر يحتاج إلى موازنة دقيقة؛ لأن التدريع ثقيل الوزن، ما يعني أن إرساله إلى الفضاء سيكلف الكثير. كما أن التفاعل بين الدرع والجسيمات عالية الطاقة يمكن أن يؤدي أيضاً إلى شلالات من الجسيمات الثانوية التي تفاقم من معدل قياس الظلام.

استقر يانج وزملاؤه في نهاية المطاف على درع يتألف من طبقتين. الطبقة الخارجية عبارة عن صفيحة من الألمنيوم بثخانة 12 مليمتر، أما الداخلية فهي صفيحة بثخانة 4 مليمتر من التانتالوم، وهو عنصر أكثر كثافة وثقلاً بكثير من الألمنيوم، وقد أدى هذا الدرع إلى تخفيض الجرعة الإشعاعية بمعامل 2.5.

يلعب الدرع أيضاً دور عازل حراري، مما يسمح للفريق بتخفيض درجة حرارة الكاشف إلى 15 درجة مئوية تحت الصفر، ويؤدي هذا أيضاً إلى تخفيض معدل الظلام عن طريق تقليل التقلبات الحرارية في الكاشف السيليكوني. وأخيراً، قام الفريق بتطوير أنظمة تحكم إلكترونية توقف عمل الكواشف خلال الفترات التي تكون فيها معرضة للضجيج الخلفي، وتحمل هذه التقنية اسم: مقاومة النبض اللاحق.

أدت هذه الطرق إلى تأثيرات كبيرة؛ ففي كواشف الفوتونات المنفردة غير المحمية، يبلغ معدل قياس الظلام أكثر من 200 مرة في الثانية، وهو رقم كبير بالنسبة للاتصال الكمومي في الفضاء، غير أن هذا الرقم في الكواشف المعدلة يبلغ فقط 0.54 مرة في الثانية، وهو أفضل من الرقم السابق بمرتبتين.

في 2016، أطلق يانج وزملاؤه كواشفهم على متن القمر الاصطناعي الصيني ميكيوس، وهو قمر اصطناعي كمومي تجريبي حقق عدداً من الإنجازات الهامة. وعلى سبيل المثال، كانت هذه الكواشف جزءاً هاماً في تحقيق أول عملية انتقال آني لجسم من الأرض إلى المدار، وهو فوتون واحد، في 2017. كما استُخدم هذا القمر الاصطناعي في أول اتصال مرئي كمومي التشفير بين القارات.

مهدت هذه التجارب لجيل جديد من الاتصالات الكمومية الفضائية. يقول يانج وزملاؤه: “إن كواشف الفوتونات المنفردة التي صممناها قد فتحت المجالَ أمام فرص جديدة في الأبحاث والتطبيقات الفضائية في الاتصالات الضوئية ضمن الفضاء العميق، وقياس المدى بالليزر أحادي الفوتون، إضافة إلى اختبار المبادئ الفيزيائية الأساسية في الفضاء”. في ذلك الوقت، كانت بقية الأوساط العلمية المختصة بالفيزياء الكمومية تنظر بحسد إلى الصينيين. فقد حققت الصين صدارة واضحة في الاتصال الكمومي الفضائي، وإن يكن بمساعدة من باحثين أوروبيين في بعض النقاط الأساسية.

تعمل أوروبا على قمر اصطناعي تجريبي كمومي باسم بعثة الأمن والتشفير، أو ساجا SAGA اختصاراً. وهذا جزء من خطة أكبر لبناء شبكة اتصالات كمومية عبر القارة، ولكن لم يُحدد موعد الإطلاق حتى الآن.

من ناحية أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة دخلت حالة من الجمود في هذا المجال؛ ففي 2012، أطلقت وكالة الأبحاث التكنولوجية العسكرية داربا برنامج كوينيس لاختبار تكنولوجيات الاتصال الكمومي في الفضاء، ولكن البرنامج -والمجال بأسره- تعرض إلى نقص حاد في التمويل.

يبقى السؤال المهم بالنسبة للعالم بأسره، والولايات المتحدة على وجه الخصوص: كيف يمكن اللحاق بالصينيين ومجاراتهم؟

المرجع: arxiv.org/abs/1910.08161
كواشف فوتونات منفردة فضائية منخفضة الضجيج للاتصالات الكمومية التي تعتمد على الأقمار الاصطناعية