كيف يساعد تطوير الكابلات البحرية على استشعار أمواج التسونامي بكفاءة أعلى؟

4 دقائق
كيف يساعد تطوير الكابلات البحرية على استشعار أمواج التسونامي بكفاءة أعلى؟
موقع تيليجيوغرافي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عانى سكان دولة فانوتاو المؤلفة من عدة جُزُر والواقعة في جنوب المحيط الهادئ، الكثيرَ من الفيضانات عبر تاريخهم. يهتز قاع المحيط حول هذه الجزر بشكل متكرر نتيجة للزلازل التي تتسبب بتشكّل أمواج التسونامي.

يمكن أن تساعد أنظمة الإنذار المبكر على منح السكان بعض الوقت للوصول إلى الأماكن المرتفعة قبل أن تضرب هذه الأمواج؛ ما قد ينقذ الكثير من الأرواح. لكن عوّامات أعماق المحيط النشطة البالغ عددها 65 عوّامة في العالم؛ والتي تم تصميمها لاستشعار أمواج التسونامي، موزّعة بشكل متباعد لدرجة أنه لا يمكن استخدامها لتوفير هذه الإنذارات المبكرة لسكان جزر فانواتاو.

اقرأ أيضاً: كيف تعمل أنظمة الإنذار المبكر بالزلازل؟ ومتى تكون فعالة؟

تزويد الكابلات البحرية بمستشعرات

تهدف مبادرة الكابلات البحرية التابعة لفرقة العمل المشتركة للمراقبة العلمية ونظم الاتصالات عن بعد الموثوقة أو مبادرة كابلات سمارت البحرية اختصاراً (Science Monitoring and Reliable Telecommunications Subsea Cables. SMART Subsea Cables)، وهي مبادرة أطلقتها منظمة الأمم المتحدة، إلى حل هذه المشكلة من خلال تزويد الكابلات البحرية الجديدة المستخدمة في نظم الاتصالات عن بعد بمستشعرات بسيطة تقيس الضغط وتسارع المياه ودرجة الحرارة. يمكن إضافة المستشعرات إلى مكررات الإشارة (أو مرددات الإشارة، وهي أجهزة تتلقى الإشارات وتعيد بثها) في كابلات الألياف الضوئية.

هذه المكررات هي أجهزة أسطوانية كتيمة تحتوي على المعدات التي تُستخدم لتضخيم الإشارات وتبعد عن بعضها مسافة 50 كيلومتراً أو نحو ذلك. ستُزوّد المستشعرات بالطاقة بواسطة الكابلات نفسها كما سيتم نقل البيانات التي ستجمعها باستخدام هذه الكابلات، وبذلك سيتمكن العلماء من جمع المعلومات حول قاع البحر على نطاق غير مسبوق، ونقل البيانات المتعلقة بأمواج التسونامي التي قد تتشكل بسرعة أكبر بكثير من التي توفرها الأساليب المستخدمة حالياً.

إضافة المستشعرات إلى الكابلات البحرية ليست فكرة جديدة. على سبيل المثال، يدير الباحث في جامعة هاواي، بروس هاو (Bruce Howe) الذي يرأس فرقة العمل سابقة الذكر، أعمق مرصد علمي في العالم باستخدام كابل اتصالات خارج عن الخدمة يقع على بُعد 100 كيلومتر شمال جزيرة أواهو في ولاية هاواي الأميركية. ويقول هاو إنه مع ذلك، عانى الخبراء الكثير من الصعوبات خلال العقد المنصرم في إقناع قطاع الاتصالات البحرية الذي تبلغ قيمته السنوية 5 مليارات دولار، بتزويد الأجهزة باهظة الثمن التي يتم تركيبها بالمستشعرات العلمية (أي المخصصة لأغراض علمية).

اقرأ أيضاً: كيف تسهم التكنولوجيا في الوصول للمنكوبين وإدارة الكوارث الطبيعية؟

تحديات تزويد الكابلات البحرية بالمستشعرات

يتمثّل أحد التحديات التي تواجه هذه الفكرة في ضرورة تعديل الضغط في المكررات حتى تعمل بكفاءة في الظروف السائدة على عمق كيلومترات. تؤدي إضافة المستشعرات الخارجية التي يجب تزويدها بالطاقة من قِبل هذه المكررات؛ والتي يجب أيضاً أن تتبادل الإشارات مع المكررات، إلى زيادة تعقيد تصميم هذه الأجهزة. ولكن في عام 2022، صنعت شركة ناشئة تحمل اسم سب سي داتا سيستمز (Subsea Data Systems) وتتلقى التمويل من مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، نموذجاً أولياً لمكرر جديد تبين التجارب أنه قد يحل المشكلات السابقة.

من المخطط أن يتم إجراء أولى التجارب تحت المائية على التكنولوجيا الجديدة في عام 2023 بعد تركيب 3 مكررات تجريبية قبالة ساحل جزيرة صقلية الإيطالية، وبدأت الحكومات العالمية والشركات في التخطيط لتطبيق هذه التكنولوجيا.

مؤخراً، أعلنت شركة كابلات الاتصالات الكبيرة، ألكاتيل (Alcatel) عن أنها ستكون جاهزة لتطبيق تكنولوجيا كابلات سمارت بحلول عام 2025. وتخطط البرتغال لبدء العمل في عام 2025 على مشروع يحمل اسم سي أيه إم (CAM)؛ وهو مشروع بقيمة 150 مليون يورور يهدف إلى استخدام كابلات سمارت تحت البحرية لوصل مدينة لشبونة بجزيرة ماديرا وجزر الأزور في البرتغال. وكذلك خصص الاتحاد الأوروبي ميزانية قدرها 100 مليون يورو لإنشاء البنى التحتية الخاصة بالتواصل الرقمي؛ والتي تشمل مشروعات الكابلات المعتمدة على التكنولوجيا الجديدة.

اقرا أيضاً: إليك أبرز التطبيقات التي ترصد الزلازل قبل وقوعها

هذه التطورات مشجّعة بالنسبة إلى العلماء المهتمين في زيادة قدرة البشر على دراسة المحيط والتغيرات التي تطرأ عليه، وهي عملية تُجرى حالياً في معظمها من الفضاء وباستخدام سفن الأبحاث.

تكنولوجيا قد تحدث تغيرات كبيرة في مجال السلامة العامة

إذا تم استخدام هذه التكنولوجيا في الجزر مثل فانوتاو وكاليدونيا الجديدة (وهي دولة جزرية تقع في جوار جزر فانوتاو)، فقد تؤدي إلى إحداث تغيرات كبيرة في مجال السلامة العامة.

تفصل بين هاتين الدولتَين الصغيرتَين منطقة يغوص فيها أحد أقسام قاع المحيط بشكل مستمر تحت القسم المجاور له؛ ما يتسبب في الزلازل وتشكُّل أمواج التسونامي بشكل متكرر، وقد تكون لدى سكان هاتَين الدولتَين مهلة تمتد بضع دقائق أو حتى ثوانٍ فقط للاستجابة لإنذارات تشكّل أمواج التسونامي.

وفقاً لنموذج حاسوبي جديد أنشأه الخبراء في فرقة العمل سابقة الذكر وتم تقديمه في مؤتمر الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي الذي عُقد في مدينة شيكاغو في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022، يمكن أن يساعد تمديد كابلات سمارت عبر ما يدعى بمنطقة الاندساس (أي المنطقة التي تغوص فيها طبقة من قاع المحيط تحت طبقة أخرى) على زيادة مهلة الاستجابة للكوارث إلى 12 دقيقة. وسيوفر ذلك لسكان جزر فانوتاو اتصالاً ثانياً عالي السرعة مع دول العالم؛ ما يخفف عواقب حوادث انقطاع الاتصالات مثل ذلك الذي حدث في عام 2022 في تونغا عندما تسبب ثوران بركاني في قطع كابل الاتصالات الوحيد في البلاد.

تقول عضوة فرقة العمل سابقة الذكر ومديرة مركز معلومات التسونامي الدولي (وهو مشروع مشترك بين منظّمة اليونيسكو والإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي)، لورا كونغ (Laura Kong): “إذا تمكنا من زيادة مهلة الاستجابة بمقدار 5 أو 10 دقائق، فسيُحدث ذلك فرقاً كبيراً”.

لدى الباحثين آمال كبيرة في استخدام كابلات سمارت، وهم يضعون العديد من الخطط لتمديدها. بالإضافة إلى تمديد الكابلات التي ستغطي منطقة جزر فانوتاو وكاليدونيا الجديدة، اقترح الباحثون في مبادرة كابلات سمارت تحت البحرية إجراء مشروعات في نيوزيلندا والبحر الأبيض المتوسط والدول الاسكندنافية وحتى القطب الجنوبي.

يقول هاو: “تمثّل هذه المشروعات الخطوة الأولى في تنفيذ خطة طويلة الأجل تهدف لتوزيع أجهزة الاستشعار في قاع البحر لأغراض متعلقة بدراسة المناخ وتوفير الإنذارات المبكرة”، ويضيف: “هذه هي المرة الأولى التي ستتصل مناطق مختلفة من المحيط العميق ببعضها على هذا النحو”.