تسويق هرمي في العصر الرقمي: قصة تطبيق الرمال البيضاء في مصر

5 دقائق
الرمال البيضاء
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تصدر الحديث عن تطبيق يدعى “الرمال البيضاء” (White Sands) وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت في مصر، بعدما أعلن المئات عبر حساباتهم خسارتهم أموالهم عبر هذا التطبيق الذي تم إغلاقه بشكل مفاجئ بداية يناير الجاري.

القصة بدأت بظهور التطبيق منذ عدة أشهر، والذي جرى وصفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنه أسرع طرق تحقيق الربح من الإنترنت، عن طريق القيام بدفع اشتراك شهري مقابل إسناد التطبيق لمستخدميه مهام تتعلق بزيادة التفاعل على بعض الصفحات والحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم تلقي مقابل مادي يفوق الاشتراك الشهري الذي دفعوه. إضافة إلى عمولة إضافية لكل مشترك جديد وافد عن طريق المستخدم، ونسبة إضافية لا تقل عن 1% من مكاسب المستخدم الجديد.

هذه الطريقة قد تتشابه بدرجة كبيرة مع مكائد بونزي، فما هي طريقة بونزي، وكيف تطورت مع الثورة التقنية والعملات المشفرة، وكيف تمكن تطبيق الرمال البيضاء من جمع مليارات الجنيهات بهذه السرعة قبل اختفائه؟

ما هي مكائد بونزي؟

لا يحتاج المحتال أكثر من خطة محكمة، وطُعم جيد، وشخص يحلم بالثراء السريع دون مجهود. هذه الخلطة تفلح في أغلب الأوقات مع مكائد بونزي، أو الاحتيال الهرمي. فعلى سبيل المثال، تروج جهة، ممثلة بشركة أو شخص، على أنها تستثمر في أحد القطاعات كالعملات أو النفط وغيرها، وتعد الأشخاص بأن استثمار مبلغ معين من أموالهم سيدر عليهم أرباحاً مؤكدة بعد فترة محددة، وهو ما تحققه هذه الجهة فعلاً في البداية، إذ تفي بوعودها لأكثر من دورة، فيطمئن المستثمرون ويضاعفون استثماراتهم. وعند نقطة ما، يختفي كل شيء.

ما يحدث هو أن الجهة المحتالة تحصل على الأموال من المستثمرين، ثم تدفع لهم من أموال المستثمرين الجدد الذين استثمروا بعدهم. وبهذه الطريقة، لا شك أن المخطط سيصل إلى مرحلة ما لا يستطيع خلالها تأمين المبالغ التي وُعد المستثمرون بها. وفي هذه المرحلة، يكون الأشخاص قد دفعوا مبالغ أكبر بكثير وجلبوا المزيد من المستثمرين بسبب ثقتهم. وفجأة يهرب صاحب الفكرة بكل الأموال.

استمر خداع الملايين من الأشخاص حول العالم بهذه الطريقة لأكثر من مائة عام، على الرغم من أن المئات من العمليات الشهيرة التي وقع في براثنها البسطاء ورجال الأعمال على حد سواء غدت ذائعة الصيت، وقد احتلت هذه العمليات الاحتيالية الصدارة ضمن أساليب الاحتيال، حيث شكلت الأموال المجموعة باستخدام هذه الاحتيالات 92% من الأموال المسروقة.

تعزى تسمية طريقة الاحتيال هذه بـ “بونزي” إلى الإيطالي المهاجر تشارلز بونزي، الذي نفذ هذا المخطط في عام 1920 في الولايات المتحدة، حيث وعد المستثمرين بوعود ربحية كبرى وفائدة تصل إلى نسبة 50% كل 45 يوماً أو نسبة فائدة تصل إلى 100% كل 90 يوماً، وأجبرت هذه النسبة العديد من الشركات الائتمانية على الإغلاق، حتى جمع بونزي ما يقارب 20 مليون دولار في عام واحد. لكن هناك من تخطى هذا الرقم، وهو الأمريكي برنارد مادوف، الذي نفّذ أكبر مخطط بونزي في التاريخ، وجمع 65 مليار دولار في عملية شملت آلاف المستثمرين، وتم الكشف عنها في عام 2008، وأخيراً أبلغ نجله السلطات بشأنه، ليودع السجن ويُحكم عليه بـ 150 عاماً من السجن.

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي سيبدأ بترصد عمليات الاحتيال في أكبر سوق للأسهم في العالم

مكائد بونزي عن طريق العملات المشفرة

مع ظهور العملات المشفرة، وجد المحتالون فيها فرصة لخداع العديد من الأشخاص مستغلين حقيقة أن التعامل بالعملات المشفرة مازال أمراً غير مألوف بالنسبة للكثيرين. وتشمل طرق الاحتيال المختلفة بيعَ عملاتٍ مزيفة والاحتيال بالابتزاز وخدماتٍ وهمية تقدِّم وعوداً بدمج عملات المستخدم مع عملات الآخرين من أجل زيادة صعوبة تتبع المعاملات المالية؛ وكل ذلك حتى يتمكن المحتالون من الهرب بالأموال عوضاً عن تحقيق تلك الوعود.

وفقاً لمقال بعنوان “كيف يقع ملايين الأشخاص ضحية مكائد بونزي للعملات المشفرة؟“، تمكن محتالو العملات المشفرة من جمع أموالٍ رقمية بقيمة 4.3 مليار دولار في عام 2019، أي أكثر من 3 أضعاف غنائمهم في عام 2018، حسب البيانات المنشورة عبر تشيناليسيس المتخصصة بتحليلات البلوك تشين.

ويشير التقرير إلى واحدة من مكائد بونزي الاحتيالية في الصين، إذ وعدت شركة “بلس توكن”، التي تقدم خدمة محفظةٍ مفترَضة للعملات المشفرة زبائنها بعوائدَ ضخمة عند شراء عملتها المزيفة “بلس” باستخدام بيتكوين أو إيثيريوم. وسوقت الشركة لعمليتها الاحتيالية بحملة واسعة، وتمكنت من إقناع أكثر من 3 مليون شخص بالاستثمار لتحقق أكثر من 2 مليار دولار في العام الفائت.

ويذهب عدد من خبراء الاقتصاد إلى أن فكرة العملات المشفرة في الأساس تقوم على أسلوب احتيال “بونزي”، إذ أن الكثير من الأشخاص يتعاملون مع العملات المشفرة كنوع من الاستثمار لأن العملات المشفرة متقلبة. ويعزو الخبراء ترجيحهم إلى أن المستثمر إذا أراد استخراج أموال فعلية من النظام، عليه أن يجد شخصاً آخر على استعداد لشراء الرموز المميزة التي يمتلكها، ومن المرجح أنه سيجد هذا الشخص طالما أن الأخير أيضاً يعتقد أنه سيستطيع بيعها لشخص آخر سيدفع أكثر مقابلها، وهكذا”.

اقرأ أيضاً: احذر أكثر أنواع عمليات الاحتيال شيوعاً في سوق العملة الرقمية المشفرة

كيف جمع تطبيق الرمال البيضاء الأموال بهذه السرعة؟

عاد الحديث عن مكائد بونزي للواجهة بعد الحديث عن تطبيق “الرمال البيضاء” (White Sands) والذي استطاع القائمون عليه وفق المصادر، إقناع 6 ملايين شخص بالاشتراك في التطبيق، وفقاً لآخر منشورات مدراء التطبيق، قبل حذفه.

القصة بدأت بظهور التطبيق منذ عدة أشهر، ليظهر كشكل من أشكال التسويق الإلكتروني، إذ يعمل لصالح عملاء يملكون حسابات عبر فيسبوك ويوتيوب يهدفون لزيادة الإعجابات والمشاهدات. وهنا يأتي دور مستخدمي التطبيق الذين يُكلفون بمهام صغيرة يومية تتمثل في ضغط زر الإعجاب، أو مشاهدة فيديو عبر يوتيوب لقاء مقابل بسيط لكل مهمة. بمعنى أن التطبيق مجرد وسيط بين أصحاب الحسابات الذين يدفعون للمستخدمين مقابل زيادة انتشار صفحاتهم. هذه الحجة تبدو منطقية جداً إذ تقوم بها بالفعل عدة تطبيقات وكذلك العديد من المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن استطاع التطبيق جمع الأموال عن طريق الطلب من المستخدمين الذين يودون الاشتراك في التطبيق والقيام بهذه المهام شراء ما يدعى بـ “حزم أو باقات شهرية”، أي يدفع المستخدم، بشكل مسبق، لقاء عضوية شهرية، لتتيح له تنفيذ المهام، وفي أقل من شهر يتمكن المستخدم من الحصول على مبلغ الباقة مضافاً إليه نسبة من الفوائد، وفق ما وعد به القائمون على التطبيق

وقد تضمن التطبيق العديد من الباقات بأسعار مختلفة، فكلما زاد سعر الباقة التي يشتريها المستخدم، زادت المهام اليومية الموكلة له، وزاد مقابل المهمة الواحدة. وفقاً لجدول أسعار الحزم الذي تم تداوله عبر الإنترنت، هناك الحزمة الأولى، وهي الحزمة المجانية التي تتاح للمستخدم الجديد ولمرة واحدة، ويحصل خلالها على 30 جنيها مصرياً (دولارين). ويبدو أن هذه الباقة لإسالة لعاب المستخدمين الجدد المتطلعين لتحقيق مكاسب سريعة. ثم تبدأ الحزم المدفوعة من حزمة 300 جنيه شهرياً (19 دولار) وحتى 30 ألف جنيه (1900 دولار). وكلما كبُرت الحزمة كان عدد المهام يزداد وفق ما ورد، إذ يصل عدد المهام اليومية في هذه الباقة الأخيرة إلى 166 يومياً. كما أتاح التطبيق لمستخدميه عمولة إضافية لكل مشترك جديد وافد عن طريقه، ونسبة إضافية لا تقل عن 1% من مكاسب المستخدم الجديد.

ظل التطبيق منتظماً في تحويل المبالغ المالية مع نهاية كل شهر، ما طمأن المستخدمين القدامى وشجعهم على الاشتراك بحزم مالية أكبر، وأدى إلى جذب المزيد من المستخدمين الجدد. وبالفعل ضاعف المستخدمون باقاتهم لدرجة أن العديدين منهم وضع في التطبيق كل ما يملك، وفقاً للمصادر، بل واشتركوا بأكثر من حساب، حتى تأخر التحويل لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول. ثم اختفى التطبيق تماماً في 11 يناير، وحتى الآن، ليصدم كل المستخدمين الذين كانت من نصيبهم خسارة مزدوجة، سواء على صعيد المبالغ الكبرى المودعة، أو الوقت الضائع الذي قضوه في القيام بالمهام المزيفة، من مشاهدة فيديو أو التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لا شك أن وعيك بأساليب مكائد بونزي يمثل الخطوة الأولى لتجنب الوقوع في شركها، إلى جانب مقاومة إغراء طرق الربح السريعة الموعودة، خاصة إن مكائد بونزي وما على شاكلتها قد تأتي بطرق متعددة وحجج منطقية أكثر مما تتوقع.