قانون أجور جديد لسائقي أوبر في نيويورك يعد مثالاً يحتذى به في مدن العالم

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصدرت مدينة نيويورك مؤخراً قانوناً للحد الأدنى من الأجور لسائقي أوبر وليفت، وهو الأول من نوعه لسائقي السيارات العاملة بالطلبات الإلكترونية “ride-hail” في الولايات المتحدة. وأردت أن أعرف أثر هذا القانون على هؤلاء السائقين في كافة أنحاء العالم، ولهذا عندما كنت في نيويورك، جلست مع أليكس روزينبلات (مؤلفة كتاب “Uberland: How Algorithms Are Rewriting the Rules of Work”)، حيث تتخصص روزينبلات في دراسة التوجهات التكنولوجية المختلفة، وقد ركبتْ مع سائقي أوبر لمسافات يزيد مجموعها على 8,000 كيلومتر حتى تكتشف كيف تؤدي التكنولوجيا إلى تحولات في العمل. وتحدثنا سوية عن نتائج هذا القانون الجديد، وسلطة نيويورك الفريدة من نوعها على أوبر، وكيف يمكن أن تلعب الخوارزمية دور رب العمل.

ما رأيك في قرار مدينة نيويورك الجديد بوضع حد أدنى للأجور لسائقي أوبر؟ هل سيُحدث أثراً بالنسبة لهؤلاء السائقين؟

أجل. أعتقد أنه يمثل سابقة مثيرة للإعجاب، ليس فقط بالنسبة للسائقين، بل لوضع مثال تحتذي به المدن الأخرى حول العالم، التي تواجه صعوبات في تنظيم شركات الطلب الإلكتروني للسيارات، وشركات التكنولوجيا بشكل عام. إن تحديد حد أدنى للأجور أمر هام، ولكن نيويورك تعتبر أيضاً حالة فريدة من نوعها. ففي الكثير من الحالات، تمكنت أوبر من موازنة نفسها بين القوانين التي تنطبق على سائقي سيارات الأجرة العادية من جهة والقوانين التي تنطبق على سائقي أوبر من جهة أخرى، وذلك بحجة أنها شركة تكنولوجية، وليست شركة للنقل.

هل تعتقدين أن مدينة نيويورك تتمتع بحيز إضافي من النفوذ قد لا تتمتع به مدنٌ أخرى بسبب العدد الكبير من سائقي أوبر فيها؟

إن الكثير من المدن لا تعرف حتى عدد سائقي أوبر في شوارعها، فقد اضطرت سان فرانسيسكو مثلاً إلى استخدام أسلوب غير مباشر لمعرفة عدد السائقين؛ حيث استعانت بخدمات أحد المختصين في علوم الحاسوب. كما قامت سياتل بشن هجوم قضائي هائل للحصول على بيانات رموز المناطق التي كانت أوبر وليفت تقدمان الخدمات فيها.

إذن فإن الفارق الكبير في الإنجازات التي تمكنت نيويورك من تحقيقها يعود إلى أمرين: الأول هو مكانتها بصفتها سوقاً لهذه الخدمات، والثاني هو البيانات التي يتيح لها القانون أن تجمعها. وهو ما يمنحها القدرة على المفاوضة والمساومة مع الشركات بشكل يفوق المدن الثانية حتى الآن.

مصدر الصورة: تقدمة من أليكس روزينبلات

ما المدن التي رأيت فيها تفاوتاً كهذا في النفوذ؟

تمثل مدينة أوستن واحدة من أكثر الحالات التي رأيتها وضوحاً، فقد حاولت فرض قانون داخلي بلدي يتطلب -من ضمن أمور أخرى- تدقيق السجل العدلي للسائقين وفق بصمات الأصابع. وحاولت أوبر أن تواجه هذا القانون بالاستعانة بذريعة أخلاقية تقول إن الأشخاص ذوي البشرة غير البيضاء يتأثرون بالجرائم أكثر من ذوي البشرة البيضاء، ولهذا فإن هذا التدقيق سيؤثر عليهم سلباً بشكل أكبر.

ولكن الأمر الأقل وضوحاً كان الزمن الطويل الذي يستغرقه التدقيق؛ حيث إن التدقيق السطحي الذي تجريه شركتا أوبر وليفت يتيح للسائقين بدء العمل خلال أسبوع، وهو أمر رائع إذا كنت في حاجة إلى العمل بسرعة، كما أنه مناسب لنموذج الأعمال لهاتين الشركتين، الذي يتبدل فيه السائقون باستمرار.

فبعد ستة أشهر من العمل، يترك 68% من السائقين هذه الوظيفة. وبالتالي، إذا أصبح التدقيق يتطلب -فجأة- أربعة أشهر بدلاً من أسبوع، فهذا يؤدي إلى تقويض نموذج العمل. وقد حاولت أوستن فرض هذا القانون، وردَّت الشركتان عليها بالانسحاب من المدينة، وقامتا بإيقاف عمل التطبيق (عادت الشركتان لاحقاً بعد أن فرضت ولاية تكساس مجموعة من القوانين التي أدت إلى تعليق قوانين مدينة أوستن التي تتبع لها). وكان هذا الإجراء فعالاً؛ حيث إن الكثير من الشركات يمكن أن تقول: “إذا رفضتم مساومتنا سننقل معملنا إلى المكسيك أو ما وراء البحار”، غير أن عملية النقل هذه ضخمة وصعبة للغاية، أما أوبر وليفت فتستطيعان ببساطة إيقاف عمل التطبيق، مما يعطي الشركتين وسيلة ضغط في الأماكن التي يتمتع التطبيق فيها بشعبية كبيرة.

لقد تحدثت كثيراً في كتابك حول تحول الخوارزميات إلى أرباب عمل سائقي أوبر. هل تعتقدين أن هذه الصيغة ستحكم هذا المجال من العمل، أم أنها بدأت تحكمه فعلياً؟

لا أعتقد أن هذه المسألة تقتصر على العمل؛ حيث إن الخوارزميات تدير مستخدمي فيسبوك، لأن المنتج الأساسي لفيسبوك -وهو صفحة الأخبار الرئيسية- يخضع لتحكم الخوارزميات، وهو يعاني أيضاً من الكثير من مسائل انعدام الشفافية. فقد غضب المستخدمون مثلاً عندما علموا أن شركة فيسبوك كانت تجري تجارب على صفحاتهم الرئيسية عن طريق التركيز على المنشورات الأكثر إثارة للحزن أو السعادة، وهو ما يتضارب بشكل واضح مع الصورة الخرافية للخوارزميات الحيادية على منصة حيادية تدير ما تراه بشكل يتميز بالموضوعية والرقي.

وأعتقد أن هذه الحالة تنطبق على أوبر أيضاً، فهي تأخذ الكثير من ثقافة التكنولوجيا وتطبقها على عالم العمل. لقد وصفتْ أوبر منصتها بالحياد، وقالت إنها أشبه بمعالج البطاقة الائتمانية، حيث تلعب دور صلة الوصل ما بين سائق في حاجة إلى العمل وراكب في حاجة إلى وسيلة نقل. ويوجد رب عمل مباشر للسائقين، ولكنه ليس واضحاً؛ لأنه عبارة عن مجموعة من الخوارزميات التي تعمل ضمن نظام وُضعت قواعدُه بصيغة برمجية. وهو ما يصبح مثيراً للاهتمام عندما تجري أوبر تجارب على أجور السائقين بنفس الطريقة التي تجري بها فيسبوك تجارب على صفحتها الرئيسية.

لقد غيرت أوبر الشروط التي يحصل بها السائقون على أجورهم في سرية تامة، وإن هذا الأمر -من وجهة نظرها- يقع ضمن نطاق حقوقها القانونية، حيث إنها تختبر الكثير من الأشياء طوال الوقت، فما الذي يمنعها من إجراء اختبارات على الأجور أيضاً؟