عباس صيداوي أحد الفائزين بجائزة مبتكرون دون 35 يسخِّر الروبوتات لمواجهة كورونا

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

استجابة للأزمة العالمية التي سببها فيروس كورونا، هبَّ الباحثون والمبتكرون من شتى الحقول العلمية ليركّزوا أبحاثهم ويطوِّعوا ابتكاراتهم من أجل مواجهة الوباء الخطير. ومثّلت التكنولوجيا رأس الحربة، ليس فقط كأداة للإسراع في تطوير اللقاحات والأدوية، وإنما أيضاً للحد من انتقال عدوى كوفيد-19 وحماية الناس من الإصابة به.

وكان عباس صيداوي، وهو أحد الفائزين بجائزة مبتكرون دون 35 العالمية من إم آي تي تكنولوجي ريفيو  عام 2019 والتي تنظم بالشراكة مع مؤسسة دبي للمستقبل عن ابتكاره لروبوت فيليكس الذي يستخدم في أغراض الدعاية والإعلان، واحداً من المبتكرين الذين أعادوا توجيه عملهم وإبداعهم في هذا الاتجاه؛ ففي 2018، أسس مع زميله وسيم الحريري شركة ريفوتونيكس المختصة في تطوير الروبوتات المتنقلة وحلول الميكاترونيات، وكانت من أوائل الشركات الناشئة في لبنان والمنطقة العربية التي تقوم بتصميم وتصنيع روبوتات قادرة على التعايش في بيئة البشر وتأدية وظائف معينة وتحسين جودة حياة الناس. 

ومع بداية الأزمة، عكف صيداوي وفريقه على التفكير في كيفية تكييف هذه الروبوتات وتطويرها؛ حتى تتمكن من أداء مهام جديدة بما يساعد المستشفيات والشركات في محاربة الوباء، وتخفيف مخاطر انتقال العدوى إلى الأشخاص والكوادر الطبية، بالإضافة إلى المساعدة في تعقيم المستشفيات والمؤسسات التعليمية وغيرها من الأماكن العامة.

وتمخضت جهود صيداوي وشركائه عن روبوتين اثنين: ساشا وزينزوي؛ الأول لتوصيل الطعام إلى المرضى داخل المستشفيات، والثاني لتعقيم الغرف في مختلف الأماكن باستخدام الأشعة فوق البنفسجية.

ساشا: روبوت توصيل الطعام إلى المرضى داخل المستشفيات

بدأت حكاية ساشا منذ بضعة أعوام؛ حيث قامت شركة ريفوتونيكس بتصميمه وإنتاجه بشكل كامل من الصفر، وقامت بتصنيع عتاده الصلب في ألمانيا. وهو روبوت ذاتي التحكم، يقدّم خدمة توزيع الطعام إلى المرضى في المستشفيات. ويقول صيداوي إنه عند إطلاق ساشا أول مرة في 2017، لم يتوافر إدراك كافٍ لدى الجمهور وصناع القرار لأهمية الروبوتات وقدرتها على تخفيف المخاطر وزيادة الفاعلية. لكن كوفيد-19 أدى إلى إحداث تغيير جذري في الوعي العام بالدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيا عموماً -والروبوتات على وجه الخصوص- في تقليل فرص انتقال العدوى وحماية العاملين في المستشفيات. فارتأى صيداوي أنه الوقت المناسب لإعادة إطلاق ساشا بقدرات إضافية متطورة.

الروبوت ساشا.

ويتيح هذا الروبوت أتمتة عملية توزيع الطعام في المستشفيات بكاملها بدءاً من رفوف المطبخ ووصولاً إلى طاولة المريض داخل غرفته، ومن دون الحاجة لإجراء أي تغيير في البنية التحتية للمستشفى. 

ويشرح صيداوي تسلسل عمل الروبوت على النحو التالي: يباشر ساشا عمله عند توليد طلب جديد بتوصيل الطعام، وتوفر شركة ريفوتونيكس عدة طرق لتوجيه أمر التحرك إلى الروبوت، وهي:

  1. باستخدام تطبيق خاص على جهاز لوحي. 
  2. عن طريق ربط الروبوت بنظام إدارة المستشفى.
  3. من خلال ضغط زر “التوزيع” الموجود ضمن هيكل الروبوت.

وما أن يتم توليد الطلب، ينطلق ساشا متجولاً بين أروقة المستشفى متجنباً العقبات من دون أي تحكم خارجي، حتى يصل إلى رفوف المطبخ. فيقوم بالتقاط الوجبات التي قد يصل وزنها حتى 50 كيلوجراماً، ووضعها ضمن مساند الروبوت. ثم يغادر متوجهاً إلى غرف المرضى ليوصل الوجبة الصحيحة ويضعها على طاولة المريض المحدد، لتنتهي رحلته متمنياً يوماً سعيداً للمريض.

الروبوت ساشا أثناء تأدية مهمته في توزيع الطعام.

زينزوي: روبوت التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية

بدأت شركة ريفوتونيكس العمل على هذا الروبوت منذ أقل من شهرين، ووحَّدت جهودها مع شركتي آستي (ASTI) وبوس (BOOS) لتطوير هذا الروبوت. ويصف صيداوي هذا الروبوت بأنه مشروع تعاوني بين عدة شركات؛ حيث تتولى شركة آستي تصنيع العتاد الصلب للروبوت وتزويده بالنظام اللازم لرسم خريطة البيئة التي يعمل فيها، فيما تقوم شركة بوس بتزويده بتكنولوجيا التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية. أما شركة ريفوتونيكس فهي تضطلع بمسؤولية التوزيع والتنفيذ في منطقة الشرق الأوسط.

الروبوت زينزوي.

ويساهم هذا الروبوت بشكل فعّال في تخفيض معدل انتقال العدوى، من خلال تعقيم الغرف داخل المستشفيات والمطارات والشركات وغيرها من الأماكن العامة، باستخدام تكنولوجيا الأشعة فوق البنفسجية التي أثبتت فاعليتها في القضاء على العوامل المُمرِضة بحسب صيداوي.

وأشار صيداوي إلى أنه قد تم اختبار هذا الروبوت في وكالة الفضاء الإسبانية وأثبت قدرته على القضاء على فيروس كورونا وتعقيم غرفة مساحتها 25 متراً مربعاً خلال 8 دقائق فقط، وهو زمن قصير جداً مقارنة بالزمن الذي تحتاجه روبوتات الشركات المنافسة لتعقيم نفس المساحة. وعلى غرار أخيه الأكبر، يستطيع زينزوي التنقل بشكل مستقل من دون تغيير البنية التحتية، مع تجنب العقبات الثابتة والمتحركة وفق المعايير العالمية للأمان؛ حيث يعتمد كل منهما على تكنولوجيا المسح والتحديد المتزامن للمواقع (SLAM) باستخدام ماسحات ليزرية وجيروسكوب، ليرسم خريطة للبيئة التي يعمل فيها ويحدد موقعه ضمنها. وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع بتخطيط مسار ديناميكي يتكيف مع المتغيرات في البيئة.

الروبوت زينزوي أثناء قيامه بمهمة التعقيم.

المواصفات الفنية للروبوتين:

أهم مميزات الروبوتين: ساشا وزينزوي

يتمتع الروبوتان بمجموعة من المزايا الجديرة بالاهتمام، والتي من شأنها أن تكسبهما ثقة الزبائن في استخدامهما داخل المستشفيات والشركات والأماكن العامة. وأهم هذه المزايا هي:

  1. الأمان
    أولت شركة ريفوتونيكس اهتماماً كبيراً بجانب الأمان؛ حيث زودت الروبوتين بماسحات ليزرية وكاميرات تمكنهما من رسم ما يسميه صيداوي “مجال افتراضي للأمان”. وبمجرد أن تسجل هذه الحساسات وجود عقبة في الطريق، يقوم الروبوت بتخفيض سرعته محاولاً الالتفاف حول العقبة. وإذا ما اقترب شخص من الروبوت داخل مجال الأمان الافتراضي، فإنه يتوقف تماماً عن الحركة وينتظر حتى يبتعد الشخص ليعاود الروبوت سيرَه من جديد.
    والأهم من ذلك، يتمتع الروبوتان بالقدرة على تعديل مجال الأمان بشكل ديناميكي، بما يتناسب مع سرعة تحركهما، مما يمنحهما قدرة كبيرة على التنقل وتجنب العقبات في بيئة المستشفى المزدحمة ودائمة التغير. وتجدر الإشارة إلى أن الروبوتين قد حازا على شهادات عالمية تؤكد قدرتهما على العمل بأمان في محيط البشر.
    وعند سؤال صيداوي عن الإجراءات المتبعة لتجنب مخاطر تعرض الأشخاص للأشعة فوق البنفسجية عند استخدام الروبوت زينزوي، أكد أن فريق التطوير قد أخذ هذا الأمر في الحسبان. حيث تنصح ريفوتونيكس زبائنها بتشغيل الروبوت خارج أوقات الدوام، كما أن الروبوت نفسه يوقف تلقائياً عملية التعقيم في حال وجود أي شخص في محيط عمله.

  2. الدقة
    يتمتع ساشا بدقة كبيرة في تعامله مع عمليتي التقاط الوجبات عن رفوف المطبخ ووضعها على طاولة المريض، وبهامش خطأ لا يتجاوز سنتيمتراً واحداً وفق ما جاء في ملفه التقني. أما تقنية التعقيم بالأشعة فوق البنفسجية التي يستخدمها زينزوي، فهي تقضي على العوامل المُمرِضة كالبكتيريا والفيروسات بنسبة فعالية تصل إلى 99,99% بحسب صيداوي.

  3. إمكانية التخصيص والتوسع
    يقول صيداوي إن شركة ريفوتونيكس تتولى توفير ميزات مخصصة في الروبوتين تبعاً لرغبة الزبون؛ حيث تتيح واجهات المستخدم المخصصة وحتى شكل وتصميم الروبوت الذي يفضله الزبون. ويضرب صيداوي مثالاً على روبوت ساشا؛ إذ يمكن تزويده بـ 30 منفذاً لوضع وجبات الطعام عوضاً عن المنافذ الثمانية الأساسية.
    وأوضح صيداوي أن ريفوتونيكس تعتمد على خبراتها السابقة في تصميم وتصنيع الروبوتات حتى تتمكن من توسيع قدرات ساشا وزينزوي تبعاً لمتطلبات الزبائن؛ إذ سبق للشركة أن طورت روبوتات تؤدي مهام متنوعة من قبيل تنظيف زجاج ناطحات السحاب، وحمل البضائع ونقلها، ونقل المستندات السرية بين المكاتب وتقديمها للموظفين بالاعتماد على بصمة الإصبع وتقنية التعرف على الوجوه. بالإضافة إلى أهم منتجاتها السابقة وهو روبوت فيليكس الذي زودته بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتقديم خدمات الإعلان الاستهدافي في المطارات.
    وعلى سبيل المثال، يؤكد صيداوي قدرة شركته على دمج مهام ساشا وزينزوي في روبوت واحد قادر على أداء مهمتي توزيع الطعام والتعقيم، أو لنشر رسائل التوعية وتعقيم المساحات العامة في نفس الوقت، أو قياس درجة حرارة المسافرين في المطار ومراقبة مدى التزامهم بالابتعاد الاجتماعي وإرسال التحذيرات إلى الجهات المعنية.

  4. الإعداد والتدريب والمتابعة
    توفر ريفوتونيكس تدريباً للزبون على الإعداد الأولي للروبوتات حتى تتمكن من رسم خريطة البيئة الجديدة التي ستمارس مهامها فيها. وعلاوة على ذلك، تقوم الشركة بتدريب الفريق التقني في المستشفى أو الشركة على عمليات الصيانة الدورية وتصحيح الأخطاء، وتوفر الدعم الفني لزبائنها عبر الإنترنت أو حتى من خلال إرسال فريقها التقني إلى مكان عمل الروبوت إن تطلب الأمر ذلك. كما تتولى القيام بمهام فحص دورية كل 6 أشهر للروبوتات لضمان الحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء.
    ويعتبر صيداوي أن توفير هذه المزايا هو جزء لا يتجزأ من ثقافة شركته الناشئة؛ فبالنسبة إليه، لا تنتهي العلاقة بالزبون عند شرائه الروبوت، وإنما تضطلع ريفوتونيكس بكامل عملية التشغيل والتدريب والصيانة في مسعى لتحقيق أقصى فائدة ممكنة من الروبوت.

  5. التزود التلقائي بالطاقة ومدة عمل طويلة على البطارية
    يتمتع الروبوتان بالقدرة على التوجه التلقائي إلى محطة الشحن من أجل التزود بالطاقة. وبحسب صيداوي، يستطيع ساشا أن يمارس مهامه في توصيل الطعام لمدة 6 ساعات متواصلة بعد ساعة واحدة من الشحن. أما زينزوي فيمكنه أن يعقم الغرف لمدة ساعتين ونصف -سترتفع هذه المدة إلى 4 ساعات في الإصدار القادم- بعد كل عملية شحن لمدة ساعة واحدة.

  6. تكنولوجيا إدارة الأسطول
    يحتوي نظام إدارة الروبوتات الذي تقدمه شركة ريفوتونيكس على برمجيات إدارة الأسطول التي تمكنه من إدارة 6 روبوتات في وقت واحد بالاعتماد على شبكة الواي فاي وتقنية اتصالات الجيل الرابع 4G، مما يتيح توزيع المهام فيما بينها وتنظيم حركتها لتحقيق أعلى فعالية ممكنة.

مستقبل الروبوتين

يرى صيداوي أن أهمية الروبوتين ستبقى قائمة حتى بعد انتهاء وباء كوفيد-19. فقد لمس الجمهور الفوائد الكبيرة للروبوتات في أداء المهام الروتينية وتوفير الكثير من وقت الكادر الصحي في المستشفيات والعاملين في مختلف المؤسسات.

وبالفعل، سيظل الروبوت ساشا وسيلة فعالة في أتمتة عملية توزيع الطعام على المرضى داخل أي مستشفى. وستبقى المستشفيات والمطارات والمستودعات وغيرها في حاجة إلى روبوت مثل زينزوي لتعقيم الغرف والقضاء على أي بكتيريا أو عوامل ممرضة أخرى، مما يضمن سلامة العاملين.

وفي نظرة أشمل، يقول صيداوي إن أزمة وباء كورونا تحمل في طياتها جانباً إيجابياً مهماً يتمثل في توعية الجمهور بقدرة الروبوتات على أداء المهام الرتيبة نيابة عنهم لتتيح لهم حياة أفضل ينصب التركيز فيها على جوانب الابتكار والإبداع.