الزرعوني: الأطفال أكثر وعياً بخصوصيتهم وعلينا إعدادهم لوظائف المستقبل

5 دقائق
حوار مع الدكتور عادل الزرعوني حول إدراج التكنولوجيا المتقدمة في سن مدرسية مبكرة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ WHYFRAME
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لم يشهد العالم من قبل هذه الوتيرة المتسارعة من التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أصبح يقاس بالأيام والأشهر عوضاً عن الأعوام والعقود. وليس التطور في مجال الذكاء الاصطناعي إلا مثالاً صارخاً على هذه السرعة. وبدأت انعكاسات ذلك على الوظائف، بل تعيد التكنولوجيا حالياً تحديد ماهية المهارات التي يجب أن نمتلكها اليوم لمواصلة أو حتى تغيير مساراتنا المهنية. وهذا يطرح بقوة التساؤل التالي: كيف ينبغي تعليم الأطفال هذه التقنيات؟ وما أهمية تزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة للعمل في عالم شديد المنافسة في المستقبل؟

في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات وتسليط الضوء على أهمية تنشئة جيل من الشباب القادرين على مواجهة المستقبل بثقة، أجرينا حواراً مع الدكتور عادل الزرعوني، مؤسس مدرسة سيتيزنز، حول استراتيجية المدرسة لإعداد التلاميذ وتزويدهم بمهارات وطرق تفكير تمنحهم ميزة تنافسية في المستقبل.

اقرأ أيضاً: ما هي أبرز استخدامات التكنولوجيا الحديثة في التعليم؟

ما أهمية توظيف التقنيات المتقدمة في المدارس لتزويد التلاميذ بالمهارات اللازمة في المستقبل؟

أصبحت التقنيات المتقدمة مهارات مهمة من أجل النجاح في المستقبل، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي وعلوم الروبوتات والأتمتة والتصنيع المتقدم والواقع الافتراضي والواقع المعزز والبيانات الكبيرة والطاقة البديلة وإدارة النفايات.

وسنشهد بمرور الوقت تسارع ونمو موجة الابتكار الحالية، لنصل إلى مرحلة نرى فيها وظائف جديدة لم نسمع عنها أو نتصورها يوماً، ويرى تقرير “مستقبل الوظائف” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن 65% من الأطفال الذين يدخلون المدرسة الابتدائية اليوم، سينتهي بهم المطاف بالعمل في وظائف جديدة كلياً لم تخلق بعد.

ولذلك فإنه من الضروري أن يتخذ المعلمون خطوات سريعة تضمن جهوزية التلاميذ وقدرتهم على النجاح، بحيث يمكنهم الاستفادة من التقنيات الجديدة وصقل مهاراتهم بسرعة ليتمكنوا من النجاح في سوق العمل العالمية شديدة التنافسية في المستقبل.

كيف يمكن تعليم التلاميذ في سن صغيرة كيفية استخدام الأجهزة الحديثة مثل نظارات الواقع الافتراضي؟

إن الخطوة الأولى لتعليم التلاميذ تبدأ من تدريب المعلمين أنفسهم على استخدام الأجهزة الحديثة في الصفوف الدراسية. فعند نشر تقنيات الواقع الافتراضي في الصفوف، على سبيل المثال، يمكن للمعلمين تصميم تجارب غامرة ومشوقة تشدّ اهتمام طلابهم. كما يمكنهم استخدام محتوى متوافق مع المنهاج الدراسي ووضع خطط عمل تتماشى مع تقنية الواقع الافتراضي لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم التعليمية، فمثلاً، إذا كان التلاميذ يدرسون الجغرافيا أو التاريخ، يمكن أن تنقلهم تقنية الواقع الافتراضي إلى معالم شهيرة من حول العالم لتُتيح لهم الفرصة للتعرف إليها عن كثب، كما لو أنهم قاموا برحلة إليها، ما سيترك بصمة أكبر من مجرد القراءة عن الموضوع في كتاب. وفضلاً عن ذلك، يمكن أن تساعد هذه التجربة الطلاب على اكتساب مهارات التعامل مع الأجهزة الجديدة مثل نظارات وسماعات الواقع الافتراضي.

وفي مدرسة “سيتيزنز” دبي، نركّز بشكلٍ كبير على إعداد المعلمين، الذين نُطلق عليهم اسم مشرفين، ليتمكنوا من استخدام أحدث أساليب التعليم واعتماد أحدث التقنيات للارتقاء بالتجربة التعليمية لطلابهم بصورة مستمرة. في الواقع، نُطلق على الصفوف الدراسية اسم “مناطق التعلم”، فنحن نرغب في تحويل التركيز بعيداً عن المعدلات والدرجات العالية، نحو التعليم العملي وتطبيق المفاهيم التعليمية على أرض الواقع.

اقرأ أيضاً: كيف تحول تقنية الهولوجرام التعليم إلى عملية ممتعة وفعالة؟

ما الأسلوب الأمثل لشرح مفاهيم مثل الميتافيرس أو التعلم الآلي أو الواقع المعزز لتلاميذ في سن مبكرة؟

هناك العديد من الطرق للقيام بذلك، لكن أولاً، لا بُدّ من تصميم أنشطة عملية ومناسبة لسن الطفل باستخدام هذه المنصات والتقنيات، بحيث يمكنهم التعلم من خلال التجربة، وتحت إشراف معلميهم.

ويمكن للمدرسين أو أولياء الأمور استخدام كتب ممتعة وغنية بالأنشطة التقنية التعليمية وتقنيات الترميز أو تصميم الألعاب أو المتاهات وغيرها، لمساعدة الصغار على استيعاب مفاهيم التكنولوجيا الجديدة، ويمكن أيضاً ممارسة أنشطة لعب الأدوار على أساس المهن المستقبلية المرتبطة بهذه المجالات.

اقرأ أيضاً: ما هي الإمكانات التي يقدمها عالم الميتافيرس في مجال التعليم؟

إلى أي مدى يسهم تعليم الأطفال أهمية حماية البيانات في تمكينهم من حماية خصوصيتهم في المستقبل؟

عندما نقرر إعطاء الطفل أجهزة رقمية، فإنه من الضروري جداً أن يكون على دراية كافية بأهمية حماية خصوصية البيانات عبر الإنترنت. وقد كشفت دراسة أجرتها الأستاذة سونيا ليفينغستون من كلية لندن للاقتصاد تحت عنوان “بيانات وخصوصية الطفل على الإنترنت: النمو في العصر الرقمي”، أن الأطفال هم اليوم أكثر وعياً بالاستخدامات التجارية والمؤسسية لبياناتهم، وأكثر اهتماماً بخصوصيتهم. ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الثغرات المهمة التي يجب التركيز عليها فيما يتعلق بالمهارات الرقمية ومحو الأمية في مجالات الوسائط.

ولذلك، يجب علينا تعليم الأطفال حول طرق إنشاء وتسجيل وتتبع وتجميع وتحليل وتوزيع وتطبيق واستخدام وتسويق الوسائط والبيانات. وقد وجدت الدراسة أن الأطفال يفهمون الخصوصية في سياق العلاقات الشخصية والمشاركة المتعمدة للبيانات، وبالتالي يجب أن يتعلموا كيفية توقع الجوانب التجارية والمؤسسية للخصوصية والتعامل معها.

اقرأ أيضاً: لماذا يحتاج الأطفال إلى حماية خاصة من تأثير الذكاء الاصطناعي؟

ما التحديات التي تواجه إدخال التقنيات الحديثة والمفاهيم التكنولوجية المتقدمة إلى المدارس مثل الحفاظ على الهوية المحلية الثقافية واللغة الأم؟

من بين أكبر التحديات التي تواجه العديد من المدارس عند تقديم التقنيات الحديثة والمتقدمة، هي الافتقار للتدريب المهني المناسب، والقدرة على دمج التقنيات الجديدة مع المناهج الدراسية، ومقاومة المعلمين وأولياء الأمور، وقيود الميزانية، وبنية الشبكات/ تكنولوجيا المعلومات الضعيفة أو غير الموثوقة. 

ونحن أيضاً بحاجة للعمل على المنتجات والخدمات والمناهج والمحتوى، وإعطائها طابعاً محلياً من أجل ضمان الحفاظ على اللغات المحلية والهوية الثقافية، مع الحرص على إعداد الطلاب بالمهارات التي تواكب التطورات العالمية. إن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأم لـ 6% فقط من سكان العالم، و75% منهم لا يتحدثون الإنجليزية على الإطلاق، وإن كل إنسان بحاجة لمحتوى وموارد تعليمية رفيعة المستوى ومتاحة عبر الإنترنت بلغته الأم.

تستخدم التكنولوجيا الحديثة أيضاً باعتبارها أدوات لشرح مفاهيم فيزيائية أو رياضية وتبسيطها للأطفال (مثل الواقع الافتراضي)، وتساعد على تخصيص العملية التعليمية بما يتناسب مع مستوى كل تلميذ (مثل الذكاء الاصطناعي)، ما الفوائد الكبرى لهذه الأدوات في هذا السياق؟

نعتبر في مدرسة “سيتيزنز” دبي أن التعليم هو تجربة فردية وجماعية في الوقت نفسه، ويمكن تحقيق هذا المزيج من خلال استخدام التقنيات الحديثة، وللتكنولوجيا دورٌ رئيسي في التعامل مع مسألة تفاوت مستويات المتعلمين وتسهيل إمكانية تخصيص التجربة التعليمية لبعض الوقت، إذ يمكن أن تساعد التقنيات المتقدمة على الارتقاء بالتجربة التعليمية لكل طالب وتخصيص رحلته بطريقة تسمح له باستخدام الأدوات الرقمية لاستيعاب المعلومات وتطبيق ما تعلمه بوتيرة تناسبه وحده. وحين تتوفر مفاهيم التعليم التجريبي، تسهم التقنيات المختلفة مثل الواقع الافتراضي، في تحسين قدرة الطلاب على استيعاب المفاهيم المعقدة والصعبة بالنسبة له.

وقد كشفت دراسة صادرة عن مرفق شراكات البنك الدولي في كوريا، أن التدريب على استخدام تقنيات الواقع الافتراضي هو بكفاءة التدريب نفسه بأسلوب التعليم التقليدي أو قد يفوقه أحياناً من حيث تحسين جودة النتائج. وسجل الطلاب الذين شاركوا في التجربة نقاطاً أعلى بنسبة 3% مقارنة بزملائهم الذين تلقوا التعليمات بالطريقة التقليدية، كما سجّل 20% من الطلاب مستويات أعلى من الثقة بعد إتمام الصفوف التعليمية.

اقرأ أيضاً: ما هي فوائد واستخدامات إنترنت الأشياء في التعليم؟

من شأن إدراج التقنيات الحديثة في مرحلة مبكرة من التعليم أن يساعد على بناء جيل مستعد للمستقبل ومزود بكل الإمكانات اللازمة للدخول بقوة إلى سوق العمل، ما يبرز أهمية التكامل مع المراحل التعليمية التالية وحتى الجامعية وبعدها سوق العمل. ما أهمية مواكبة القائمين على التعليم لأحدث التقنيات وإدراجها في المدارس ضمن رؤية مستقبلية شاملة؟

في ظل النمو الهائل لقنوات الوسائط الرقمية، أصبحت المعلومات والتقنيات على اختلافها في متناول الأطفال واليافعين أكثر من أي وقت مضى. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الأطفال اليوم يعتادون على الأجهزة الرقمية قبل الكُتب، ما يعقد الأمور أكثر بالنسبة للمعلمين، الذين يضطرون لمواكبة التطور لتفادي هذه الفجوة المعرفية والتواصل مع الطلاب وإرشادهم بأسلوب مناسب، والطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال تبني التقنيات والمنصات التي يستخدمها التلاميذ.