باحثون يجرون أول عملية حسابية دون أخطاء باستخدام حاسوب كمومي

3 دقائق
باحثون يجرون أول عملية حسابية دون أخطاء باستخدام حاسوب كمومي
حقوق الصورة: shutterstock.com/Bartlomiej K. Wroblewski
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تطورت الحواسيب بشكل كبير وأصبحنا قادرين على استخدامها دون أن نقلق من حدوث أخطاء أثناء معالجة البيانات، ونظراً لأن الأخطاء البسيطة وغير المعروفة يمكن أن تؤدي إلى أضرار كبيرة، تحتوي كل الحواسيب على أدوات خاصة مهمتها الكشف عن الأخطاء بشكلٍ تلقائي وحلها دون الحاجة لتدخل المستخدم.

حالياً، تعمل الكثير من الشركات على تطوير الحواسيب الكمومية التي تعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم. وبسبب طبيعة ميكانيكا الكم، تكون هذه الحواسيب عرضة للأخطاء التي تزداد بشكلٍ لا يمكن السيطرة عليه، ما يسبب فقدان البيانات. لذلك، ستحتاج دائماً إلى آلية لتصحيح الأخطاء، ويمكن أن يؤدي توفر هذه الآلية إلى جعل ثورة الحوسبة الكمومية في المتناول.

مؤخراً، نجح فريق من باحثي “أكتيون” (AQTION)، وهو مشروع بحثي ممول من قبل الاتحاد الأوروبي لتطوير تكنولوجيا الكم، في إجراء أول عملية حسابية بدون أخطاء على حاسوب كمومي بعد برمجة خوارزمية تضمن ألا تؤدي الأخطاء إلى تغيير النتيجة.

خلال عملهم، تمكن الباحثون من حماية الحواسيب الكمومية من الضجيج عن طريق تشفير المعلومات الكمية بشكل متكرر إلى عدة كيوبتات. بذلك نجحوا في منع انتشار الأخطاء الناتجة عن العمليات غير المكتملة بشكلٍ لا يمكن السيطرة عليه، وأدى ذلك لجعل تنفيذ العمليات أكثر تعقيداً، لكنه أعطى نتائج صحيحة.

نشرت النتائج على موقع مجلة نيتشر، ويرى الباحثون أنهم قد يتمكنون قريباً من إنشاء آلية فعّالة لتصحيح أخطاء الحواسيب الكمومية تجعلها قادرة على العمل بثبات وإعطاء نتائج صحيحة وموثوقة.

اقرأ أيضاً: تويست Twist: لغة برمجة جديدة للحوسبة الكمومية

ما الذي يجعل الحواسيب الكمومية عرضة للأخطاء؟

السبب الرئيسي الذي يجعلنا غير قادرين على تطوير حواسيب كمومية قابلة للاستخدام هي الأخطاء التي تحدث بسبب ظاهرة الضجيج الكمومي.

يصف مصطلح “الضجيج الكمومي” (Quantum noise) الأشياء التي تسبب تداخلاً في عمل الحاسوب الكمومي. فكما يمكن أن يحدث حين نجري مكالمة هاتفية في مكان صاخب، يتأثر عمل الكمبيوتر الكمومي بالعديد من العوامل، مثل الإشارات الكهرومغناطيسية القادمة من شبكة الواي فاي أو الاضطرابات في المجال المغناطيسي لكوكب الأرض.

عندما تتعرض البتات الكمومية في الحاسوب الكمومي لهذا النوع من الضجيج، فإن المعلومات الموجودة فيها تتفكك تماماً مثلما تتأثر جودة الصوت في المكالمة الهاتفية بسبب الضجيج. تعرف هذه الظاهرة باسم “إزالة الترابط الكمومي” (Quantum decoherence).

تعتبر الحواسيب الكمومية عند مقارنتها مع الحواسيب العادية شديدة التأثر بالضجيج، إذ يمكن أن يعمل الترانزستور في معالج الحاسوب العادي لمدة مليار سنة مع إجراء مليار عملية في الثانية دون أن يحدث أي خلل في الجهاز. على العكس من ذلك، تصبح البتات الكمومية عشوائية خلال جزء من الألف من الثانية ولا يمكن السيطرة عليها.

بما أن البتات الكمومية تتأثر بظاهرة الضجيج بسرعة وتصبح عشوائية، فكّر في خوارزمية كمومية تنفذ العديد من العمليات. سيؤدي الضجيج بكل تأكيد إلى جعل المعلومات عشوائية، وهذا يؤدي إلى أخطاء في الخوارزمية. وكلما زاد تأثير الضجيج، تحدث الأخطاء في الخوارزمية خلال فترة أقصر بعد تشغيلها، وستؤدي إلى نتيجة غير صحيحة أو عديمة الفائدة.

في الوقت الحالي، بدلاً من أن نكون قادرين على إجراء تريليونات العمليات الضرورية لتشغيل خوارزمية كمومية كاملة، نستطيع فقط إجراء العشرات من العمليات قبل أن يتسبب الضجيج في حدوث خطأ فادح.

اقرأ أيضاً: شركة آي بي إم تكشف عن خارطة طريق جديدة للتفوق في مجال الحوسبة الكمومية

متى ستكون الحواسيب الكمومية جاهزة للاستخدام؟

يمكننا أن نتخيل قدرات الحاسوب الكمومي، حيث يعتقد الخبراء أنه سيكون أسرع بملايين المرات من أقوى حاسوب عملاق على الأرض، ويمكنه خلال دقائق إجراء عمليات حسابية معقدة للغاية تحتاج الحواسيب العادية إلى آلاف السنين لإجرائها.

على الرغم من ذلك، هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها قبل أن تصبح الحوسبة الكمومية تكنولوجيا متاحة. فلكي يكون الكمبيوتر الكمومي متاحاً تجارياً بسعر معقول، يجب أن يكون قادراً على العمل في الظروف العادية مثل درجة حرارة الغرفة. في الوقت الحالي، لا يبدو أن ذلك سيحدث قريباً. تحتاج كل التجارب التي يقوم بها العلماء في مجال الحوسبة الكمومية إلى تشغيل الأجهزة بدرجات حرارة قريبة من الصفر المطلق. وذلك للحفاظ على التماسك الكمومي ومنع تأثير الضجيج لأطول فترة ممكنة.

تعمل الموصلات الحالية المتوفرة والتي نستخدمها في الحواسيب العادية جيداً في درجة حرارة الغرفة، لكن من أجل الحفاظ على التماسك الكمومي، سنحتاج إلى موصلات فائقة للتغلب على مشكلة الحرارة وجعل الحواسيب الكمومية قابلة للتشغيل بكفاءة في درجة حرارة الغرفة. حتى لو تم اكتشاف موصل فائق بهذه المواصفات، سيكون بكل تأكيد مكلفاً مادياً، لهذا السبب، من المؤكد أن الحواسيب الكمومية لن تكون في متناول الأفراد العاديين، وإنما ستكون متاحة فقط للشركات الكبرى والحكومات. ومن المتوقع أن يتمكن الأفراد من الاستفادة منها عن طريق ما يعرف باسم “الحوسبة الكمومية السحابية”.

اقرأ أيضاً: هل ما زالت الحوسبة الكمومية مجرد ضجيج إعلامي فارغ؟

بشكلٍ عام، لن تكون هناك أي فائدة من توفير الحواسيب الكمومية للأفراد العاديين، لأن استخدام هؤلاء الأفراد للحواسيب يقتصر على عمليات حوسبة بسيطة يمكن أن تجريها الحواسيب العادية، مثل تصفح الويب وتشغيل البرامج والألعاب، أما الحواسيب الكمومية، فستكون قدراتها الفائقة في خدمة العلماء والباحثين لإجراء أبحاث علمية وعمليات محاكاة للواقع بهدف تحقيق قفزات في مجالات مثل الطب وعلم الأحياء والفلك والفيزياء والكيمياء وغيرها.