ما المتوقع في مجال الحوسبة إن نجحت آي بي إم ببناء حاسوب كمومي بسعة 100 ألف كيوبت؟

5 دقائق
هل ستنجح آي بي إم ببناء حاسوب كمومي بسعة 100 ألف كيوبت؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت/ إم آي تي تي آر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في أواخر العام الماضي، حققت شركة آي بي إم (IBM) الرقم القياسي بأكبر نظام حوسبة كمومية بمعالج يحتوي على 433 بت كمومي، أو كيوبت (qubits)، وهي اللبنات الأساسية في عملية معالجة المعلومات الكمومية. أما الآن، تطمح الشركة إلى تحقيق هدف أكبر بكثير، وهو بناء حاسوب كمومي بقوة 100 ألف كيوبت خلال 10 سنوات،

وكانت أعلنت عن ذلك في 22 مايو/ أيار ضمن مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع (G7) في هيروشيما اليابانية، وستتشارك آي بي إم مع جامعتَي طوكيو وشيكاغو في مبادرة بقيمة 100 مليون دولار لدفع الحوسبة الكمومية بما يسمح بالانتقال إلى مرحلة التطبيق العملي الواسع النطاق، إذ يمكن للتقنية أن تعالج المشكلات الملحة التي لا يمكن لأي كمبيوتر فائق قياسي حلها، أو على الأقل لا يمكنه حلها بمفرده.

تتمحور فكرة آي بي إم حول عمل 100،000 كيوبت جنباً إلى جنب مع أفضل أجهزة الكمبيوتر الفائقة “التقليدية” لتحقيق فتوحات جديدة في اكتشاف الأدوية وإنتاج الأسمدة وأداء البطاريات ومجموعة من التطبيقات الأخرى. قال نائب الرئيس المسؤول عن مجال الحوسبة الكمومية في شركة آي بي إم، جاي غامبيتا (Jay Gambetta)، في مقابلة لمجلة إم آي تي تكنولوجي ريفيو في لندن الأسبوع الماضي: “أسمي مشروعنا هذا الحوسبة الفائقة المرتكزة على الحوسبة الكمومية”.

اقرأ أيضاً: أقوى حاسوب كمومي من شركة هانيويل أصبح متوافراً للخدمة‎

مستقبل واعد للحوسبة الكمومية

تحتفظ الحوسبة الكمومية بالمعلومات وتعالجها بطريقة تسمح بالاستفادة من الخصائص الفريدة للجسيمات الأساسية، إذ يمكن أن توجد الإلكترونات والذرات والجزيئات الصغيرة في حالات طاقة متعددة في وقت واحد وهي ظاهرة تُعرف باسم التراكب، ويمكن أن تترابط حالات الجسيمات أو يتشابك بعضها مع بعض. هذا يعني أنه يمكن تشفير المعلومات ومعالجتها بطرائق جديدة، ما يفتح الباب أمام مجموعة من مهام الحوسبة التي يستحيل الوصول إليها بالطريقة التقليدية.

حتى الآن، لم تحقق أجهزة الكمبيوتر الكمومية أي خطوة مفيدة لا يمكن لأجهزة الكمبيوتر الفائقة تحقيقها، وأهم سبب لذلك هو عدم امتلاك أجهزة الكمبيوتر الكمومية كيوبتات كافية ولأن الأنظمة تتعطل بسهولة بسبب التقلبات الصغيرة في بيئتها التي يسميها الفيزيائيون الضجيج الكمومي.

يعمل الباحثون على اكتشاف طرائق للتعامل مع ظاهرة الضجيج في الأنظمة الكمومية، لكن يرى الكثيرون أنه يجب توسيع هذه الأنظمة على نحو كبير لتكون مجدية فعلاً، ومن ثم تخصيص جزء كبير من الكيوبتات فيها لتصحيح الأخطاء الناجمة عن الضجيج.

لم تكن شركة آي بي إم أول من فكر في تطوير نظام حوسبة كمومية بهذا الحجم، إذ قالت شركة جوجل إنها تهدف إلى الوصول لسعة مليون كيوبت بحلول نهاية العقد، على الرغم من أن تصحيح الخطأ يعني أن 10,000 كيوبت فقط ستكون متاحة لعمليات الحوسبة. وتهدف شركة آيون كيو (IonQ) التي تتخذ من ولاية ماريلاند في الولايات المتحدة مقراً لها إلى الحصول على 1,024 “كيوبت منطقي”، يبنى كل منها من دارة تصحيح أخطاء مكونة من 13 كيوبت فيزيائي، وإجراء عمليات حوسبة بحلول عام 2028. أما شركة ساي كوانتوم (PsiQuantum) التي تقع في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا، فإنها كما جوجل، تهدف إلى بناء حاسوب كمومي بسعة مليون كيوبت، لكنها لم تكشف عن نطاقه الزمني أو متطلبات تصحيح الأخطاء الخاصة به.

وبسبب هذه المتطلبات، فإن الاستشهاد بعدد الكيوبتات الفيزيائية مضلل نوعاً ما، إذ إن تفاصيل بنائها مهمة للغاية لأنها تؤثر في عدة عناصر مثل قدرة الكيوبتات على مقاومة الضجيج وسهولة تشغيلها، ولذلك تقدم الشركات المعنية عادةً مقاييس إضافية للأداء، مثل “الحجم الكمومي” وعدد “الكيوبتات الخوارزمية”. في العقد القادم، سنشهد تطوراً في القدرة على تصحيح الأخطاء وأداء الكيوبت، وإجراءات الحد من الأخطاء القائمة على البرمجيات، بالإضافة إلى الفروق الكبيرة بين الأنواع المختلفة من الكيوبتات، وهي عوامل قد تصعِّب على الشركات البقاء في المنافسة.

اقرأ أيضاً: دليلك الشامل: ما هو الحاسوب الكمومي؟

تحسين عتاد أجهزة الكمبيوتر الكمومية

تُصنع كيوبتات شركة آي بي إم حالياً من حلقات من معدن فائق التوصيل، وتنطبق عليها القواعد ذاتها التي تنطبق على الذرات عند تشغيلها في درجات حرارة ضمن حدود الميلي كلفن، أو ما يتجاوز الصفر المطلق بأجزاء صغيرة من الدرجة المئوية. من الناحية النظرية، يمكن تشغيل هذه الكيوبتات في مجموعة كبيرة، ولكن وفقاً لخطة شركة آي بي إم، فإن أجهزة الكمبيوتر الكمومية التي تصنعها لا يمكنها العمل بنطاق يتجاوز 5,000 كيوبت في ضوء التكنولوجيا المستخدمة حالياً، ويقول معظم الخبراء إن هذا الرقم ليس كبيراً بما يكفي للحصول على نتائج مجدية من الحوسبة، ولبناء أجهزة كمبيوتر كمومية قوية، سيتعين على المهندسين زيادة هذا الرقم، الأمر الذي يتطلب تكنولوجيا جديدة.

من المتطلبات في هذا الخصوص، رفع الكفاءة من حيث الطاقة في أنشطة التحكم بالكيوبتات، ففي الوقت الحالي يتطلب عمل كل وحدة كيوبت فائقة التوصيل من شركة آي بي إم نحو 65 واطاً من الطاقة، ومن ثم يتطلب تشغيل 100 ألف كيوبت الكثير من الطاقة؛ ويقول غامبيتا: “سأحتاج إلى مساحة بحجم مبنى، ومحطة طاقة نووية ومليار دولار، لصنع آلة واحدة، وهذا لا شك مثير للسخرية”.

للانتقال من تشغيل 5,000 كيوبت إلى 100 ألف كيوبت فنحن نحتاج بالتأكيد إلى الابتكار، وقد أجرت شركة آي بي إم بالفعل تجارب لإثبات صحة المبدأ فأوضحت أنه يمكن تثبيت الدارات المتكاملة القائمة على تقنية “أشباه الموصّلات ذات الأكاسيد المعدنية المُتتامة” (CMOS) بجوار الكيوبتات الباردة للتحكم فيها بطاقة لا تتجاوز عشرات الميلي واط. علاوة على ذلك، يوضح غامبيتا أن التكنولوجيا المطلوبة لصناعة حوسبة فائقة ترتكز على الحوسبة الكمومية غير موجودة بعد، ولهذا السبب يمثل البحث الأكاديمي جزءاً حيوياً من المشروع.

ستوضع الكيوبتات على شريحة متعددة الوحدات، بدأت تتبلور للتو في مختبرات آي بي إم، وهذا النهج التجميعي أساسي حينما يستحيل وضع عدد كاف من الكيوبتات على رقاقة واحدة، وهو يتطلب وصلات بينية تنقل المعلومات الكمومية بين الوحدات، وتعمل آي بي إم حالياً على تطوير معالج “كوكابورا” “Kookaburra”، وهو معالج متعدد الشرائح بقوة 1,386 كيوبت مع رابط اتصال كمومي، ومن المقرر إطلاقه في عام 2025.

اقرأ أيضاً: أبوظبي تبدأ بناء أول حاسوب كمومي في الشرق الأوسط

أما عند الحديث عن الابتكارات الضرورية الأخرى، فيأتي دور الجامعات، يقول غامبيتا إن الباحثين في جامعة طوكيو وجامعة شيكاغو قطعوا بالفعل خطوات كبيرة في مجالات مثل المكونات وابتكارات الاتصالات التي يمكن أن تكون أجزاءً حيوية من المنتج النهائي، ويعتقد أنه من المحتمل أن يكون هنالك المزيد من التعاون بين قطاع الحوسبة الكمومية والأكاديميين خلال العقد المقبل، يقول: “علينا مساعدة الباحثين في الجامعات على فعل ما يبرعون فيه”، وتتفق شركة جوجل مع هذا الرأي، إذ خصصت في اتفاق مستقل 50 مليون دولار لتمويل أبحاث الحوسبة الكمومية في الجامعتين المذكورتين.

ضرورة دعم الابتكار في الحوسبة الكمومية

يقول غامبيتا إن الحوسبة الكمومية تحتاج أيضاً إلى المزيد من “علماء الحوسبة الكمومية”، الذين يبرعون في سد الفجوة بين الفيزيائيين الذين يصنعون الآلة والمطورين الذين يتطلعون إلى تصميم خوارزميات مفيدة وتنفيذها.

كما ستكون للبرمجيات التي تعمل على أجهزة الكمبيوتر الكمومية أهمية حيوية أيضاً، يقول غامبيتا: “نريد إنشاء الحوسبة الكمومية بأسرع ما يمكن، وأفضل طريقة لذلك هي تحفيز المطورين على تطوير ما يعادل مكتبات البرمجيات التقليدية لدينا”. ولهذا السبب عملت شركة آي بي إم على إتاحة أنظمتها للباحثين الأكاديميين خلال السنوات القليلة الماضية، ويتابع: “يمكن تشغيل معالجات آي بي إم الكمومية عبر السحابة باستخدام واجهات مصممة خصيصاً لا يتطلب التعامل معها إلا الحد الأدنى من الفهم لتقنيات الحوسبة الكمومية”، ويضيف أن نحو 2,000 ورقة بحثية كُتبت حتى الآن حول التجارب التي أجريت باستخدام الأجهزة الكمومية للشركة، ويرى أن هذا دليل قوي على وجود الابتكار.

ليس هناك ما يضمن أن مبلغ 100 مليون دولار المخصص لهذا المشروع سيكون كافياً لتحقيق هدف الوصول إلى كمبيوتر كمومي بقوة 100,000 كيوبت، إذ ينطوي الأمر على مخاطر بكل تأكيد.

اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر الحواسيب الكمومية مستقبلنا؟

وهو ما ذهب إليه أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة هورايزون كوانتوم (Horizon Quantum)، المتخصصة بتطوير البرمجيات الكمومية ومقرها سنغافورة، جو فيتزسيمونز (Joe Fitzsimons)، إذ يقول: “لا بد أننا سنواجه عثرات ومفاجآت في رحلتنا هذه، ولكنها مخاطرة يجب تحمُّلها”، ويضيف أنه على قطاع الحوسبة الكمومية مواجهة الخوف من الفشل، وبذل جهد لمحاولة التغلب على التحديات التقنية التي تواجه بناء الحوسبة الكمومية العملاقة، ويرى أن خطة آي بي إم تبدو معقولة على الرغم من وجود الكثير من العقبات المحتملة، ويختتم قائلاً: “ستكون أنظمة التحكم في الحوسبة الكمومية العملاقة عاملاً مقيِّداً، وستحتاج إلى تطوير كبير لدعم مثل هذا العدد الهائل من الكيوبتات بكفاءة معقولة”.