علماء ينجحون بإنجاز أكبر وأدق محاكاة افتراضية لتطور الكون باستخدام حاسوب فائق

3 دقائق
محاكاة افتراضية لتطور الكون باستخدام حاسوب فائق
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن قمنا بضغط عمر الكون منذ نشأته في سنة أرضية واحدة، فإن ظهور البشر سيكون في الدقيقة الأخيرة من يوم 31 ديسمبر/كانون الأول. تخيل الأحداث الكونية التي فاتتنا دون أن نعرف عنها شيئاً.

من دون فهم ما حصل في كوننا خلال الـ 13.7 مليار سنة الماضية، لن نكون قادرين على فهم المسار الصحيح لتطوره، لذلك، يستعين العلماء اليوم بأجهزة الحواسيب الفائقة من أجل إنشاء كونٍ افتراضي يحاكي كوننا الحالي منذ نشأته حتى الآن.

إنشاء مساحة كونية افتراضية

مؤخراً، نجح فريق دولي من العلماء بقيادة جامعة هلسنكي الفنلندية في إنشاء مساحة كونية افتراضية كبيرة ودقيقة للغاية باستخدام حاسوب فائق، تعتبر هذه المحاكاة الأكبر من نوعها حتى الآن، ويمكن أن تساعدنا على فهم تطور الكون عبر الزمن من الماضي إلى الحاضر، وحتى التنبؤ بما سيحصل في المستقبل.

بالإضافة إلى ذلك، تمكن العلماء في هذا المحاكاة من إنشاء نماذج افتراضية لبعض الأشياء الغامضة في الكون، مثل المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي لا يُعرف عنها الكثير.

يقول العالم كارلوس فرينك المتخصص في علم الكونيات من جامعة دورهام البريطانية: “كشفت عمليات المحاكاة كيف تؤثر قوانين الفيزياء على المادة المظلمة والغازات الكونية منذ نشأة الكون الحالي”.

وأضاف قائلاً: “إن إنشاء نماذج افتراضية لبعض هياكل الكون الغامضة مثل المادة المظلمة قد يساعدنا في فهم كيفية تطور الكون”.

أُطلق على هذه المحاكاة اسم “سيبليس دارك” (SIBELIUS-DARK)، وهي تشمل منطقة من الكون تبلغ مساحتها نحو 600 مليون سنة ضوئية انطلاقاً من المجموعة الشمسية، في هذه المساحة، توجد الكثير من المجرات مثل عنقود العذراء (Virgo Cluster) الذي يضم نحو 1300 مجرة، وعنقود الهلبة (Coma Cluster) الذي يضم نحو 100 مجرة، وعنقود حامل رأس الغول (Perseus cluster)‏ الذي يضم آلاف المجرات في سحابة ضخمة من الغاز.

تشمل هذه المساحة أيضاً مجرة درب التبانة (Milky Way) ومجرات أندروميدا (Andromeda). والخلاء المحلي (Local Void)‏ الذي يبلغ قطره نحو 70 مليون سنة ضوئية وفيه عدد قليل من المجرات، والجاذب العظيم (Great Attractor) وهو منطقة في الفراغ بين المجرات يكون فيها تركيز المادة أكبر بملايين المرات من تركيز المادة في درب التبانة.

يُقدر عدد الأجسام التي تشغل هذه المساحة الكونية منذ 13.7 مليار سنة بنحو 130 مليار جسم، ومن أجل محاكاة هذا العدد الكبير جداً، استغرق الحاسوب الفائق كوسما (COSMA) في جامعة دورهام عدة أسابيع، وأنتج بيانات بحجم بيتابايت (مليون مليار بايت). والآن يجب على الباحثين تحليل هذه البيانات ومعالجتها ومقارنتها مع نتائج الدراسات التي أجراها العلماء على الكون الحقيقي.

بفضل هذه المحاكاة الافتراضية، سيتمكن العلماء قريباً من رسم خريطة أو مسار يوضح بدقة تطور الكون منذ نشأته حتى اليوم.

اقرأ أيضاً: هل سيوفر تلسكوب جيمس ويب إثباتاً لنظرية اقترحها باحثون عرب؟

ما الجديد في هذه المحاكاة؟

بالإضافة إلى أنها أكبر محاكاة افتراضية للكون وأكثرها دقة، ركز العلماء فيها على محاكاة الكون المرصود، وهي المنطقة المحيطة بنا من الكون التي يمكن رؤية ما فيها ورصدها باستخدام المراصد الفلكية، هذا يعني أننا سنكون قادرين على مقارنة نتائج المحاكاة مع ما تم رصده في الكون الحقيقي حولنا، ما يجعل النتائج أكثر دقة من عمليات المحاكاة الأخرى التي أجراها العلماء في الماضي.

ليس هذا فقط، كذلك فإن كثافة المادة في المساحة الكونية التي تمت محاكاتها أقل من متوسط كثافة المادة في الكون، ويسعى الباحثون إلى معرفة السبب وراء ذلك، وتحديد العوامل التي تؤثر على توزع المادة في الكون، بما في ذلك تأثير المادة المظلمة الغامضة التي يُعتقد أنها تشكل 80% من كوننا.

بينت المحاكاة أيضاً أن المساحة الكونية قليلة الكثافة التي تحيط بنا غير عادية، وربما لا تكون شائعة في الكون، وهذا ما يسعى العلماء إلى استكشافه في المستقبل.

اقرأ أيضاً: باحثون عرب يقترحون نظرية جديدة لنشأة الكون بديلة للانفجار العظيم

الدقة والحجم غير المسبوق للمساحة الكونية التي تمت محاكاتها ستساعد العلماء والباحثين على رؤية ماضي كوننا، بما في ذلك ظهور المجرات وتطورها، وكيف تساهم المادة المظلمة في تشكيل الكون.

حالياً، يُجري فريق العلماء تحليلاً للبيانات التي تم جمعها في هذه المحاكاة، وقد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً ريثما تنتهي عمليات التحليل والمعالجة.

يقول الفيزيائي ستيوارت ماك ألبين من جامعة هلسنكي: “من خلال محاكاة الكون المرصود من حولنا، فإننا نقترب خطوة إضافية من فهم طبيعة كوننا، هذا المشروع سيشكل حلقة وصل بين النظريات ونتائج الرصد الفلكي”.