تُرى ما الذي دعا الصين فجأة إلى الاهتمام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي؟

3 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تصدق أن الولايات المتحدة والصين اتفقتا على شيء ما أخيراً؟

أعلنت مجموعة من العلماء والمهندسين الصينيين مؤخراً عن نظام من الأخلاقيات للذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يشير إلى رغبة بكين في إعادة النظر إلى طريقة استخدامها للتكنولوجيا. وعلى الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وُجهت إلى الحكومة الصينية لاستخدامها الذكاء الاصطناعي في مراقبة المواطنين، إلا أن المبادئ الجديدة تبدو مماثلة إلى درجة كبيرة للهيكليات الأخلاقية التي وضعتها الشركات والحكومات الغربية.

تم الإعلان عن مبادئ بكين للذكاء الاصطناعي مؤخراً من قبل أكاديمية بكين للذكاء الاصطناعي (باي BAAI)، وهي منظمة تدعمها الوزارة الصينية للعلوم والتكنولوجيا وحكومة بكين المحلية. وتتضمن هذه الوثيقة إرشادات حول البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك “ضرورة تقديم القدر الوافي من الاحترام لخصوصية البشر وكرامتهم وحريتهم واستقلاليتهم وحقوقهم”.

وقد يكون من السهل أن نعتبر هذا الكلام عن الخصوصية والحريات الفردية محض خداع، ولكنه مع ذلك يشير إلى رغبة مفاجئة عند الأوساط الداخلية السياسية الصينية لمناقشة هذه المسائل. يقول ياشينج هوانج، وهو خبير في الأعمال والسياسات الصينية في مدرسة سلون للأعمال في جامعة إم آي تي: ” في الواقع، أعتقد أنه تطور جيد جداً. وأرحِّب دائماً بأية فرصة تقدمها الحكومة الصينية للحوار مع الولايات المتحدة حول مسائل مثل حقوق الانسان”.

هذا النظام تم تطويره بالتعاون مع أهم وأبرز المنظمات والشركات التكنولوجية التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين، بما فيها جامعة بكين، وجامعة تسينجوا، ومعهد الأتمتة ومعهد تكنولوجيا الحوسبة في الأكاديمية الصينية للعلوم، إضافة إلى الشركات التكنولوجية الثلاث الكبيرة في الصين: بايدو، علي بابا، وتينسينت.

ويقول زينج يي، مدير باي، للجريدة الرسمية للحزب الشيوعي الصيني بيبولز ديلي: “إن تطوير الذكاء الاصطناعي يمثل تحدياً مشتركاً للبشرية بأسرها، ولا يمكننا أن نبني الذكاء الاصطناعي بشكل نافع للبشرية والطبيعة إلا عبر التعاون على مستوى العالم. إن مبادئ بكين تعكس موقفنا ورؤيتنا وإرادتنا لإطلاق حوار مع المجتمع الدولي”.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في وجه الحرب التجارية

تمثل هذه الفترة من دون شك مرحلة حرجة بالنسبة للعلاقات الأميركية الصينية، خصوصاً فيما يتعلق بالتكنولوجيات الناشئة. فبسبب الذعر من التقدم الصيني في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والاتصالات من الجيل الخامس، استغلت إدارة ترامب نفوذها على التجارة العالمية لمهاجمة الشركات التكنولوجية الصينية الهامة، بل وعرقلة عمل أهمها في بعض الحالات. وعلى سبيل المثال، فقد تعرضت شركة الاتصالات العملاقة هواوي إلى الاستهداف بفرض قيود على الاستيراد والتصدير لتقويض عملها. وتؤدي هذه الممارسات إلى تهديم الثقة ونشر التفرقة التي تهدد بتصدعات جديدة في العالم التكنولوجي، الذي وصل إلى مرحلة النضج في عصر العولمة بفضل اعتماده على الانفتاح الاقتصادي المرافق لها.

ويُقال أيضاً إن الحكومة الأميركية تدرس فرض قيود على التصدير على شركات صينية تبيع تجهيزات وبرمجيات المراقبة، مثل هيكفيجين وداهوا تكنولوجي؛ وذلك بسبب دورها في مساعدة الحكومة الصينية على تطبيق المراقبة.

ويقول هوانج إن زيادة أهمية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي يقدم فرصة لفتح حوار بين الولايات المتحدة والصين حول مسائل مثل الحريات الشخصية، ويضيف أن من غير المعتاد أن تُبدي الحكومة مرونة في هذه المسائل، ويقول: “الأمر الهام هنا هو أن توصيف المسائل التي تمثل موضوعاً للحوار يمثل اعترافاً بأنها لا تقع تحت سيطرة الحكومة بالكامل، مما يمثل شيئاً حساساً بالنسبة لتلك الثقافة السياسية”.

وعلى الرغم من اضطرام الحرب التجارية بين البلدين، فقد كان بعض الخبراء الغربيين يحاولون تقريب وجهات النظر؛ حيث أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي عن مجموعته الخاصة من مبادئ الذكاء الاصطناعي، التي تم تطويرها بالتعاون مع أكاديميين وكبار رجال الأعمال وصانعي السياسات من الولايات المتحدة والصين وبلدان أخرى. ويشغل كاي فو لي منصب مسؤول قيادي في المجلس الجديد للذكاء الاصطناعي في المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو أحد أبرز مستثمري الذكاء الاصطناعي في بكين، وقد ساعد من قبل على تأسيس مكاتب مايكروسوفت وجوجل في الصين. وهو يقول إن مجموعة المنتدى الاقتصادي العالمي ناقشت مسألة التشابه الواضح بين المبادئ الصينية والغربية، ويقول: “هذا يدعونا إلى التفاؤل”.

غير أن العثور على قواسم مشتركة في المناخ الحالي قد لا يكون بالأمر السهل؛ حيث إن الحزب الشيوعي الصيني ما زال مسيطراً على الشركات المحلية بقبضة حديدية، ولا يُبدي أية دلالات على التخفيف من مخططاته لتتبع ومراقبة المواطنين. ولكن هوانج من إم آي تي يقول إن هذا بالضبط ما يزيد من أهمية مبادئ بكين للذكاء الاصطناعي، ويضيف: “إن الامتناع عن التعامل مع الصين في هذه المسألة يعد سلوكاً انهزامياً”.