ما التطورات المتوقعة في تكنولوجيا لقاحات الرنا المرسال في عام 2023؟

7 دقائق
ما التطورات المتوقعة في تكنولوجيا لقاحات الرنا المرسال في عام 2023؟
ستيفاني أرنيت/إم آي تي تي آر، إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حاول أن تتذكّر عام 2020، إذا استطعت إجبار نفسك على ذلك. ازداد تأثير مرض كوفيد-19 سوءاً أكثر فأكثر في ذلك العام بمرور أشهره. وقيل لنا إن كلاً من ارتداء الكمامات وتعقيم كل ما نلمسه والحفاظ على مسافة أمان بيننا وبين الآخرين من الطرق الوحيدة التي يمكننا تطبيقها لحماية أنفسنا من مرض كوفيد-19 الذي يمكن أن يكون مميتاً.

لحسن الحظ، تم تطوير شكل أكثر كفاءة من وسائل الحماية. عمل العلماء على تطوير اللقاحات الجديدة بسرعة كبيرة في ذلك العام. وتمت سلسلة الحمض النووي للفيروس الذي يتسبب بمرض كوفيد-19 في شهر يناير/ كانون الثاني، وبدأ إجراء التجارب السريرية على اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبي المرسال في مارس/ آذار. بحلول نهاية عام 2020، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية ترخيص الاستخدام الطارئ للقاحات الجديدة، وبدأت جهود نشر هذه اللقاحات في ذلك الوقت. 

اقرأ أيضاً: ما الذي يعنيه جواز اللقاح البريطاني الجديد للمرحلة الجديدة من التقنيات المتعلقة بكوفيد؟

سنوات من البحث في تكنولوجيا لقاحات الرنا المرسال

يعتبر إنتاج لقاحات كوفيد-19 ونشرها سريعاً للغاية مقارنة بأي نوع آخر من اللقاحات، ولكن هذه الإنجازات جاءت كنتيجة لسنوات من الأبحاث في تكنولوجيا الرنا المرسال. عمل كل من العلماء والشركات على العلاجات واللقاحات المعتمدة على الرنا المرسال لعقود من الزمن، وتم اختبار أول العلاجات التجريبية على القوارض في تسعينيات القرن الماضي، وكانت خاصة بالأمراض مثل مرض السكري والسرطان. 

لا تعتمد آلية عمل هذه اللقاحات على حقن جزء من الفيروس في الجسم. بدلاً من ذلك، فهي تحتوي على شيفرة وراثية يمكن أن تستخدمها الأجسام المضيفة لتركيب الجزء الضروري من بروتين الفيروس بنفسها. تُعتبر هذه العملية أسرع وأبسط بكثير من استخدام أجزاء الفيروس، إذ إنها تجنّبنا الحاجة لإنماء الفيروسات في المختبر وتنقية البروتينات التي تركّبها. على الرغم من أن أول لقاحات الرنا المرسال الموافق عليها كانت خاصة بمرض كوفيد-19، يتم حالياً تطوير لقاحات مشابهة لمجموعة واسعة من الأمراض الأخرى. وتعتبر الأمراض مثل الملاريا والإيدز والسل، والفيروسات مثل فيروس زيكا، من الأهداف المستقبلية المحتملة لهذه اللقاحات، 

ومن المحتمل أيضاً استخدام لقاحات الرنا المرسال في تطوير علاجات لمرض السرطان والتي يتم تخصيصها للمرضى حسب حالتهم. وتكمن الفكرة في هذه الحالة في تحفيز استجابة مناعية محددة بهدف مهاجمة خلايا الأورام في الجسم.

اقرأ أيضاً: تقدم واعد في تقنية كريسبر يمهد الطريق لتطوير علاجات فردية مخصصة

تعمل شركة موديرنا (Moderna)، وهي شركة التكنولوجيا الحيوية التي طوّرت واحداً من اللقاحين المعتمدين لمرض كوفيد-19، على تطوير لقاحات الرنا المرسال الخاصة بالفيروس المخلوي التنفسي وفيروس نقص المناعة البشرية وفيروس زيكا وفيروس إبشتاين بار، وغيرها، بينما تعمل شركة بايونتك (BioNTech)، والتي اشتركت مع شركة فايزر (Pfizer) على تطوير لقاح الرنا المرسال الآخر الموافق عليه في الولايات المتحدة، على تطوير لقاحات لعلاج أمراض مثل السل والملاريا والإيدز والهربس النطاقي والإنفلونزا. تعمل الشركتان أيضاً على تطوير علاجات لمرض السرطان، وبدأت العديد من الشركات والمختبرات الأكاديمية الأخرى بالمشاركة في هذه الجهود.

لقاحات يركّبها الجسم

الحمض النووي الريبي المرسال هو عبارة عن شيفرة وراثية يستطيع الحمض النووي قراءتها واستخدامها لتركيب البروتينات، ويمكن أن يستخدم الرنا المرسال الذي يوجد في اللقاحات الجديدة لتركيب بروتين محدد، وهو الذي يجب أن ندرّب أجهزتنا المناعية على التعرف إليه. في حالة لقاحات كوفيد-19، تُستخدم الشيفرة الوراثية لتركيب بروتين سبايك (الشوكة) الذي يوجد في القشرة الخارجية لفيروس كورونا، والذي يتسبب بهذا المرض. يتم تغليف الرنا المرسال الموجود في هذه اللقاحات بالجسيمات النانوية الدهنية، وهي أغشية صغيرة تحافظ على سلامة الرنا المرسال في أثناء تحرّكه في الجسم.

وفقاً للأستاذة غير المتفرّغة في جامعة بنسلفانيا، والتي كانت رائدة في مجال الأبحاث حول استخدام الرنا المرسال لتطوير اللقاحات، كاتالين كاريكو (Katalin Karikó)، يعتبر تصنيع اللقاحات الجديدة سريعاً وبسيطاً ومنخفض التكلفة. تتمتّع هذه اللقاحات بفاعلية كبيرة أيضاً. تقول كاريكو: “تبدأ الخلايا التي يُحقن الرنا المرسال فيها بتركيب البروتينات بعد نصف ساعة من الحقن فقط”.

تكمن الفكرة في أنه بمجرد تعرض الجهاز المناعي لهذه البروتينات، فسيصبح أكثر قدرة على تحفيز استجابة مناعية أكثر فاعلية إذا تعرض للفيروس نفسه. في حالة مرض كوفيد-19، يُعتقد أن ذلك يعود بشكل أساسي إلى عملية تركيب الأجسام المضادة، وهي بروتينات تحمي الجسم من الأمراض المعدية. تؤدي الخلايا المناعية التي تعرضت لهذه البروتينات سابقاً دوراً ضرورياً أيضاً في مقاومة المرض.

نظرياً، يستطيع الباحثون تطوير لقاحات الرنا المرسال التي يمكن استخدامها لتركيب أي بروتين واستهداف أي مرض معدٍ. تشهد تكنولوجيا الرنا المرسال ازدهاراً كبيراً حالياً، ودخلت العديد من اللقاحات الجديدة المطوّرة لعلاج الكثير من الأمراض المعدية مرحلة التجارب السريرية.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن ينجح التعديل الجيني في علاج أكثر الأمراض فتكاً في العالم؟

وقاية شاملة

من الصعب التوقّع بدقة أنواع لقاحات الرنا المرسال التالية التي سيتم إطلاقها في السوق. لكن تُعقد أكبر الآمال على لقاحات الإنفلونزا. من المحتمل أن اللقاحات الشاملة ستساعد في الوقاية من سلالات متعددة من هذا المرض، بالإضافة إلى أنها ستوفر وقاية من مرض كوفيد-19 أيضاً.

تعمل لقاحات الإنفلونزا المستخدمة حالياً من خلال إدخال بروتين الفيروس إلى الجسم ليتعرّف إليه الجهاز المناعي، ما يمكن أن يؤدي إلى تحفيز استجابة مناعية وتدريب الجسم على القضاء على الفيروس. لكن إنماء فيروس الإنفلونزا، الذي يتم عادة في بيض الدجاج، يستغرق شهوراً.

وفقاً للباحثة في مجال الحمض النووي الريبي في جامعة كولومبيا البريطانية، آنا بلاكني (Anna Blakney)، يجب أن تبدأ هذه العملية في شهر فبراير/ شباط حتى يتمكن الباحثون من الانتهاء من تصميم اللقاح في شهر أكتوبر/ تشرين الأول. في كل عام، يخمّن العلماء في دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية أي سلالة من فيروس الإنفلونزا ستنتشر في دولهم على الأرجح، وذلك من خلال مراقبة حالات تفشي المرض التي حدثت في دول النصف الجنوبي.

لا يُوفّق العلماء في تخميناتهم دائماً، ويمكن أن يتغير هذا الفيروس مع الزمن، حتى داخل البيض حيث يتم إنماؤه. لذلك، “تشتهر هذه اللقاحات بأنها ليست فعّالة للغاية”، حسب تعبير بلاكني. وفقاً لتقديرات المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، بلغت فعالية لقاح الإنفلونزا المستخدم في الولايات المتحدة في موسم 2019-2020 نسبة 39% فقط، بينما بلغت فعالية ذلك المستخدم في موسم 2004-2005 نسبة 10%. 

اقرأ أيضاً: جسيمات نانوية قد تكون المفتاح لتطوير لقاح شامل لوباء كوفيد-19

من ناحية أخرى، فإن إنتاج لقاحات الرنا المرسال يعتبر سريعاً نسبياً. تقول بلاكني: “يمكن توقّع أن عملية التحوّل في إنتاج لقاحات الرنا المرسال تستغرق شهراً واحداً”. بحلول شهر سبتمبر/ أيلول من كل عام، من المفترض أن يتمكن العلماء من اكتشاف سلالة الإنفلونزا التي ستنتشر في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، ما سيتيح لهم التحضير لمقاومتها بشكل أفضل.

هناك فائدة محتملة أخرى للقاحات الرنا المرسال، يستطيع العلماء صنع لقاحات يمكن استخدامها لتركيب أكثر من نوع واحد من البروتينات الفيروسية، ما قد يمكّنهم من تطوير اللقاحات التي تقي من أكثر من سلالة واحدة من الإنفلونزا. يعمل الباحث في جامعة بنسلفانيا، نوربرت باردي (Norbert Pardi)، مع زملائه على تطوير لقاح شامل ضد الإنفلونزا، وهو لقاح يعتقد باردي أنه يقي من جميع سلالات الإنفلونزا التي يمكن أن تصيب البشر. برهن فريق باردي مؤخراً أنه يمكن استخدام هذا اللقاح في وقاية الفئران والنموس من 20 نوعاً فرعياً من فيروس الإنفلونزا، ويعمل الباحثون في مختبرات أخرى أيضاً على تطوير لقاحات الرنا المرسال التي تقي من جميع فيروسات كورونا.

إذا تمكّنا من تزويد الرنا المرسال بالقدرة على تركيب عدد كبير من البروتينات، فمن المحتمل أن نتمكّن من تطوير لقاحات تقي من عدة أمراض بنفس الوقت. على سبيل المثال، يخضع لقاح شركة موديرنا الخاص بمرض كوفيد-19 والإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي للتجارب السريرية حالياً. وفي المستقبل، يمكن نظرياً تطوير لقاح أو لقاحين فقط لتوفير وقاية ضد 20 نوعاً مختلفاً من الفيروسات، حسب تعبير كاريكو.

لقاحات السرطان

قبل أن تبدأ أي شركة بتطوير لقاحات الرنا المرسال المضادة للفيروس الذي يتسبب في مرض كوفيد-19، حاول الباحثون إيجاد طرق لاستخدام الرنا المرسال في علاج مرض السرطان. عندما يتعلق الأمر بهذا المرض، سيكون النهج المتبّع مختلفاً قليلاً، إذ إن الرنا المرسال سيستخدم كلقاح علاجي.

يمكن استخدام اللقاحات في تدريب الجهاز المناعي على التعرف إلى الخلايا السرطانية بالطريقة نفسها التي يُدرّب فيها على التعرف إلى البروتينات الفيروسية. نظرياً، يمكن تخصيص هذا النهج بشكل كامل حسب حاجة المريض، إذ يستطيع العلماء دراسة خلايا الورم المصاب به شخص ما وتصميم علاج مخصص له من شأنه أن يساعد جهازه المناعي في التغلب على السرطان. تقول بلاكني: “هذا استخدام رائع للحمض النووي الريبي”، وتضيف: “أعتقد أن هذا النهج واعد للغاية”.

لطالما واجه الباحثون صعوبات كبيرة في تطوير لقاحات لمرض السرطان، ويعود ذلك جزئياً إلى أنه في أغلب الحالات، لا يوجد بروتين محدد يمكن استهدافه. تقول كاريكو إن الباحثين يستطيعون تصميم قطعة من الرنا المرسال خاصة بتركيب بروتين يوجد على القشرة الخارجية لفيروس ما، مثل بروتين سبايك الموجود على الفيروس الذي يتسبب في مرض كوفيد-19، ولكن عندما تشكّل الخلايا البشرية أوراماً، لا يستطيع العلماء إيجاد بروتين يمكن استهدافه بسهولة.

وفقاً لباردي، على الأرجح أن التعامل مع الخلايا السرطانية يتطلب نوعاً آخر من الاستجابة المناعية مختلفاً عن الاستجابة المسؤولة عن الدفاع عن الجسم من فيروس كورونا. يقول باردي: “يجب علينا أن نطوّر لقاحات معتمدة على الرنا المرسال مختلفة”. يتم حالياً إجراء العديد من التجارب السريرية، ولكن “لم يتم ابتكار لقاح ثوري حتى الآن”، حسب تعبير باردي.

الجائحة التالية

على الرغم من أن لقاحات الرنا المرسال واعدة للغاية، فمن غير المرجح أن يتمكن الباحثون من استخدامها في الوقاية من جميع الأمراض وعلاجها، على الأقل في الوضع الحالي لهذه التكنولوجيا. تقول عالمة المناعة في معهد كارولينسكا في مدينة ستوكهولم في السويد، كارين لوريه (Karin Loré)، إنه على سبيل المثال، يجب تخزين بعض أنواع هذه اللقاحات في ثلاجات منخفضة درجة الحرارة، ولا يعتبر ذلك خياراً متاحاً في بعض دول العالم.

كما أن هناك بعض الأمراض التي يعتبر التعامل معها أكثر صعوبة مقارنة بغيرها. للوقاية من الأمراض المعدية، يجب أن يكون لقاح الرنا المرسال قادراً على تحفيز تركيب بروتين محدد يمثّل إشارة تمكّن الجهاز المناعي من التعرف إلى مسببات الأمراض ومحاربتها. بالنسبة لبعض الفيروسات، مثل فيروس كورونا، يعتبر تحديد هذا البروتين سهلاً.

لكن هذا لا ينطبق على الفيروسات الأخرى. تقول بلاكني إنه على سبيل المثال، قد لا يكون من السهل تحديد أهداف مناسبة ضمن عمليات تطوير اللقاحات التي تقي البشر من حالات العدوى البكتيرية، يعتبر ذلك صعباً أيضاً في حالة فيروس نقص المناعة البشرية. تقول بلاكني: “لم يتمكن الباحثون من تحديد نوع البروتينات التي تحفّز استجابة مناعية فعّالة ضد هذا الفيروس”.

اقرأ أيضاً: تعديل جين الكولسترول قد يوقف أخطر قاتل على وجه الأرض

تقول لوريه: “لا أريد أن أوهم أحداً بأن لقاحات الرنا المرسال ستمثّل حلاً لجميع المشكلات الصحية”. توافق بلاكني على هذا الكلام، وتقول: “لقد شهدنا أثر هذه اللقاحات، وهو مثير للحماس بحق”، وتضيف: “لكني لا أعتقد أن العلماء سيتمكنون من تطبيق تكنولوجيا الحمض النووي الريبي لتطوير جميع اللقاحات المستقبلية بين ليلة وضحاها”.

مع ذلك، هناك الكثير من التطورات المترقبة، ومن المتوقعّ تطوير تحديث جديد للقاحات مرض كوفيد-19 في عام 2023. ويأمل الباحثون أن يتم طرح المزيد من لقاحات الرنا المرسال في السوق في المستقبل القريب. يقول باردي: “أتمنى أنه في العامين المقبلين، ستتم الموافقة على المزيد من لقاحات الرنا المرسال المخصصة لمقاومة الأمراض المعدية”.

يخطط باردي حالياً للتعامل مع حالات تفشي الأمراض العالمية المستقبلية، والتي قد يتسبب فيها فيروس الإنفلونزا. وهو يقول إننا لا نعرف متى ستبدأ الجائحة التالية، ولكن “يجب أن نكون مستعدين لها”، ويضيف: “لا شك في أن البدء في تطوير اللقاحات بعد بداية الجائحة يعني أننا متأخرون بالفعل”.