كيف يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تساعد الحكومات على تعزيز التميز العملياتي؟

4 دقائق
مصدر الصورة: سكوت جراهام عبر أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشرة خاصة من إيرنست ويونغ

تأتي هذه المقالة ضمن سلسلة “تحديد أهداف التحول الرقمي الحكومي”، التي أشارككم فيها وجهة نظري حول سبب أهمية ربط الاستثمارات التي تشهدها رحلات التحول الرقمي بهدف قوي. وقد حددت ثلاثة أهداف أساسية يجب أن تدفع وتوجه هذه الاستثمارات، وهي: امتياز النتائج والتميز العملياتي وامتياز العميل. وبعد الحديث عن امتياز النتائج في مقالتي السابقة، أنتقل الآن إلى عرض وجهة نظري حول كيف يُمكن للحكومات أن تعزز التميز العملياتي من خلال نهج محدد الهدف للاستثمارات الرقمية.

دعونا نفهم أولاً ما الذي نعنيه بالتميز العملياتي

باختصار، يمكنني تعريف هذا المصطلح بأنه طريقة منهجية ومنطقية يُمكن للهيئات الحكومية عن طريقها تحقيق أفضل أداء ممكن، من حيث الإنتاجية والجودة وتقديم الخدمات في كافة الوظائف. ويُمكن تحقيق هذا الأمر بطرق متعددة، بما في ذلك تحسين العمليات والحوكمة والتعاون، فضلاً عن تحسين القدرات البشرية والتقنية.

وعادة ما يكون هذا المفهوم مألوفاً للغاية في القطاع الخاص بسبب الضغط على الهوامش، إلا أن القطاع العام بدأ يعتنق هذا المفهوم بسبب مجموعة فريدة من الدوافع الخاصة به.

وقد شجعت الميزانيات المقيدة والموارد المتناقصة الحكومات على النظر في مستوى إنتاجية الهيئات التابعة لها. علاوة على ذلك، باتت أصوات المواطنون المطلعون أكثر جهراً في قضايا المُساءلة الخاصة بالتعامل مع الأموال العامة وجودة استجابة الهيئات العامة (التي غالباً ما يقارنونها بشركات القطاع الخاص مثل أوبر وأمازون ومشغلي الاتصالات في بلدانهم). ومن بين العوامل الأخرى التي تدفع الحكومات إلى السعي نحو تحقيق التميز العملياتي هي الرغبة في التخلص من الاحتيال والفساد، وتوفير ضمانات للأفراد والشركات بأن بياناتهم آمنة لدى الهيئات الحكومية.

غير أن رحلة تحقيق التميز العملياتي هي رحلة معقدة، فالمعلومات أو البيانات التي تشكل جوهر فهم الفجوات والشروع في إجراء التغييرات الصحيحة عادة ما تكون حبيسة داخل أنظمة منعزلة ومجزأة. وتميل الوحدات الصغيرة المختلفة التابعة للحكومة إلى امتلاك أنظمة منعزلة تجعل تدفق المعلومات أمراً صعباً (وهي ضربة مزدوجة تؤدي إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض التعاون). وتشير التقديرات إلى أن 80% من الميزانيات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات في القطاع العام مخصصة للحفاظ على الأنظمة الموجودة بالفعل.

وتتمثل إحدى طرق معالجة هذه المسألة في توحيد الأنظمة، وتطوير أصول مشتركة يُمكن لمختلف الهيئات الحكومية الاستفادة منها بدلاً من إعادة اختراع العجلة، وتطوير الأطر والمعايير اللازمة لدعم تبني هذه الأنظمة، وتشجيع استخدام تكنولوجيات مرنة ومفتوحة المصدر. على سبيل المثال، تُطور وحدة “الخدمة الرقمية الحكومية” في المملكة المتحدة أنظمة ومنصات وتطبيقات مشتركة يمكن لكل الهيئات الحكومية استخدامها. كما نفذت حكومة المملكة المتحدة أيضاً سياسة كلاود فيرست (Cloud First) وطورت إطار جي-كلاود (G-Cloud) لتشجيع تبني حلول مرنة تعتمد على تكنولوجيا المعلومات. ويتوافق إطار جي-كلاود مع “معيار الخدمة الرقمية في المملكة المتحدة” الخاص باستخدام المعايير المفتوحة والمنصات الحكومية المشتركة حال توافرها. ويمكن للوكالات شراء الأدوات والخدمات الرقمية من السوق الرقمية للتمتع بالمزايا التشغيلية التالية:

  1. خفض التكلفة والوقت عن طريق إعادة استخدام البنية التحتية الرقمية المتوفرة
  2. يمكن اعتماد التقنيات دون التقيد بعقود
  3. اعتماد خدمات جديدة أو التخلي عن الخدمات القائمة بسهولة
  4. توفير تجربة أكثر اتساقاً للمواطنين عند استخدام الخدمات الحكومية عبر الإنترنت

ومن خلال تنفيذ استثمارات محددة الأهداف في مجال دمج الأنظمة، تسعى البلاد إلى التحول من نموذج المصروفات الرأسمالية (CAPEX) -بتكاليف البنية التحتية الثابتة الضخمة الخاصة به، والتي سرعان ما تصبح عتيقة وبحاجة إلى دورات إمداد طويلة- إلى نموذج المصروفات التشغيلية (OPEX) الأكثر مرونة وقابلية للتطوير. كما أنها من المتوقع أن تحسن جودة البيانات، وتجعل الأنظمة أكثر فاعلية في معالجة وتحليل الكميات المتزايدة باستمرار من البيانات، لدعم القرارات التي تعتمد على البيانات.

إن التحديات الرئيسية الأخرى التي تواجهها الهيئات الحكومية في سبيل تحقيق الامتياز تتعلق بتحسين العمليات والعوامل البشرية المحتملة مثل الأخطاء، وبطء زمن الإنجاز، والفساد. وقد وفرت التكنولوجيات الرقمية، مثل الأتمتة الروبوتية للعمليات والذكاء الاصطناعي، أدوات جديدة لمواجهة هذا التحدي؛ إذ يمكن لهذه التقنيات تولي المهام البسيطة، وتحرير قدرة الموظفين على التركيز على المهام ذات القيمة العالية.

لقد تحدثت بالفعل في مقالتي التمهيدية عن الفوائد المحتملة المتوقعة من الجيل التالي من أدوات الأتمتة، وكيف تتخطى هذه الأدوات نطاق إعادة تصميم العمليات وتحسينها. كما رأينا مثالاً على الكيفية التي خفضت بها هيئة الدخل والجمارك البريطانية (HMRC) تكاليف معالجة المعاملات المؤتمتة بنسبة 80%، وحسنت الخدمات عن طريق تخفيض وقت التعامل مع المكالمات بنسبة تصل إلى 40%، وحققت استرجاعاً مضاعفاً للاستثمار خلال عام.

وفيما يلي مثال آخر من السويد للتدليل على قوة الأتمتة الروبوتية للعمليات؛ حيث استخدمت بلدية تريلبورج الروبوتات في قسم الخدمات الاجتماعية التابع لها، وفي إدارة سوق العمل، وفي العمليات المرتبطة بمعالجة طلبات توفير الرعاية المنزلية والمرضية، ومدفوعات إعانات البطالة، والضرائب والرسوم. وأسفرت المبادرة عن توفير الوقت الإداري بنسبة 79% على الأقل في قسم الخدمات الاجتماعية و95% في إدارة سوق العمل. كما خفضت التكاليف الخاصة بمبادرات سوق العمل بنسبة 44% والدعم المالي بنسبة 22%، إضافة إلى خفض التكاليف الإدارية بنسبة 60%.

وثمة تقنية رقمية أخرى تساعد المؤسسات على تحسين عملياتها وهي البلوك تشين. وقد بدأت الحكومات في استخدام هذه التقنية للحفاظ على السجلات، نظراً لقدرتها على القضاء على المعاملات الاحتيالية وتحسين مسارات التدقيق. على سبيل المثال، تُستخدم تقنية البلوك تشين على نطاق واسع في برنامج (e-Estonia)، الذي يوفر الخدمات الحكومية على منصة رقمية واحدة. ويدمج البرنامج بيانات عدد من القطاعات، تضم السجلات الخاصة بأنظمة الرعاية الصحية والقضائية والتشريعية والأمنية والتجارية وغيرها؛ حيث يتم تخزينها في دفتر بلوك تشين لحمايتها من الفساد وسوء الاستخدام. ومن ناحية أخرى، تقدر دبي أن استخدام البلوك تشين في طلبات الحصول على التأشيرة ودفع الفواتير وتجديد التراخيص وغيرها من الوثائق يمكن أن يوفر 5.5 مليار درهم سنوياً من معالجة الوثائق.

إذن، هل تبدو لك الأرقام مغرية وتريد أن تبدأ على الفور؟ هذا هو الجزء الذي تحتاج إلى أن تتوخى الحذر فيه؛ إذ إن ما يقرب من 30-50% من المشاريع الأولية للأتمتة الروبوتية للعمليات تفشل. بيد أن هذا الأمر لا يرجع إلى مشكلة في تقنية الأتمتة الروبوتية للعمليات، حيث أن أحد أكثر الأخطاء شيوعاً أثناء استخدام التكنولوجيات الرقمية لأتمتة العمليات هو استهداف العمليات الخاطئة. ويُعد إجراء تقييم دقيق للفرص أمراً بالغ الأهمية قبل الشروع في أي عملية أتمتة، وفي رحلة التحول الرقمي بشكل عام. وفي حين سيساعدك الهدف على تحديد “لماذا” تريد الاستثمار في التكنولوجيات الرقمية، فإن تقييم الفرص سيساعدك على الإجابة على “أين” تريد تنفيذ هذه الاستثمارات و”ما” التكنولوجيات المطلوبة.

في مقالاتي القادمة، سأواصل مناقشة دور التكنولوجيا الرقمية في مساعدة الحكومات على أن تصبح أكثر كفاءة وتركيزاً على العملاء، وكيفية جعل الاستثمارات الرقمية نفسها أكثر فعالية من خلال ربطها بأهداف قوية. ولكن قبل أن نُنهي هذه المقالة، أرجو أن تتذكر أن السعي لتحقيق التميز العملياتي هو رحلة مستمرة وليس وجهة، وأن المؤسسات التي تتطور بشكل استباقي وبرؤية قوية ستظل في الصدارة مقارنة بالمؤسسات التي تتبنى نهجاً يقوم على رد الفعل.

أدعوكم إلى إبداء آرائكم وتعليقاتكم حول هذا الموضوع، لجعل الحوار أكثر جدوى وفائدة للحكومات في جميع أنحاء العالم.