كيف ستحل تكنولوجيا الهضم اللاهوائي مشكلة المخلفات الغذائية؟

4 دقائق
كيف ستحل تكنولوجيا الهضم اللاهوائي مشكلة المخلفات الغذائية؟
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد ينظر البعض في حاوية القمامة لمتجر البقالة فلا يرى سوى القمامة؛ ولكن البعض الآخر بدأ يراها آلة للنقود أيضاً.

ولهذا بدأ بناء العديد من المنشآت الجديدة في الولايات المتحدة للمساعدة على التعامل مع مشكلة المخلفات الغذائية باستخدام عملية تسمَّى “الهضم اللاهوائي” (Anaerobic Digestion) الذي يعتمد على الميكروبات لتفكيك المواد العضوية. حيث أعلنت شركة دايفرت (Divert) التي تسعى إلى حل مشكلة مخلفات الغذاء، عن توقيعها لاتفاقية تمويل تتيح لها تلقي مليار دولار للمساعدة على بناء هذه التكنولوجيا ووضعها موضع التطبيق.

وسيساعد اتفاق دايفرت الجديد مع شركة إنبريدج (Enbridge) المختصة بالبنى التحتية للطاقة، على بناء منشآت جديدة وتشغيلها في عدة أماكن عبر الولايات المتحدة. وإذا سارت الخطط على ما يرام، ستتمكن دايفرت من إدارة كمية إجمالية تبلغ نسبتها 5% من المخلفات الغذائية للولايات المتحدة بحلول نهاية هذا العقد كما يقول الرئيس التنفيذي للشركة وأحد مؤسسيها، ريان بيغن (Ryan Begin).

المخلفات الغذائية

تولَّد 60 مليون طن من مخلفات الأغذية في الولايات المتحدة وحدها سنوياً؛ ما يعادل نسبة 30% تقريباً من إجمالي المؤونة الغذائية للولايات المتحدة وذلك وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية، أما الإجمالي العالمي فيقارب مليار طن متري. واليوم، عادة تُطمر المخلفات الغذائية تحت الأرض حيث تتحلل وتنتج غاز الميثان، وهو من غازات الدفيئة القوية المفعول. ومع أن الكثير من مطامر النفايات مزودة بأنظمة لالتقاط الغازات التي تولدها؛ إلا أنها لا تلتقط أكثر من نسبة 60% تقريباً من الميثان الناتج.

تقول مديرة العمليات البيولوجية ومجموعة عمليات الفصل التفاعلي في مختبر أرغون الوطني، ميلتيم أورغون ديميرتاس (Meltem Urgun Demirtas): “علينا التوصل إلى طريقة ما للتعامل مع هذه المخلفات”. وإضافة إلى منع انبعاثات غاز الميثان، فإن معالجة المخلفات الغذائية بالطريقة الصحيحة يمكن أن تؤدي حتى إلى إنتاج الطاقة، وبعض المنتجات مثل الأسمدة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للميكروبات المعدلة جينياً التخفيف من انبعاثات الطيران؟

الهضم اللاهوائي لمعالجة مخلفات الأغذية

ويُستخدم أحد الخيارات المتاحة، وهو الهضم اللاهوائي، في محطات معالجة مياه الصرف الصحي على نطاق واسع في أنحاء العالم كافةً، والآن بدأ المزيد من المنشآت باستخدامه للتعامل مع أنواع أخرى من المخلفات؛ مثل روث المزارع ونفايات الأطعمة. وتُعتبر ألمانيا الدولة الأولى على مستوى العالم من حيث أنظمة الهضم اللاهوائي حيث تدير حالياً 10,000 مفاعل تقريباً من هذا النوع؛ ولكن عددها في الولايات المتحدة أكثر من 2,000 بقليل كما أن المفاعلات المستخدَمة لمعالجة مخلفات الأغذية لا تتجاوز بضع مئات،

وإليكم فيما يلي طريقة عملها. عندما تحصل الشركات على مخلفات الطعام من متاجر البقالة أو موزعي الطعام، تقوم بتسييلها ببساطة، محولة إياها إلى “نفايات بقوام طيني رخو” كما يقول بيغن. وتُزال الأشرطة المطاطية والملصقات والعبوات البلاستيكية، ثم يُنقل هذا الطين عبر باقي مراحل العملية. وتمثل الميكروبات الموجودة ضمن المفاعل العنصر الأساسي في هذه العملية، وهي تشبه خميرة الخبز نوعاً ما. وتقوم هذه الميكروبات بالتهام المخلفات الغذائية وتحويل المزيج السائل إلى المنتجات النهائية: غاز حيوي ومادة صلبة تسمَّى “بقايا الهضم” (Digestate) تُمكن إضافتها إلى التربة.

اقرأ أيضاً: باحثون من «إم آي تي» يصنعون خشباً بديلاً لخشب الأشجار

تقول مديرة الهندسة والبناء في شركة بايو إينرجي ديفكو (Bioenergy DevCo) التي تقوم ببناء مفاعلات الهضم اللاهوائي وتشغيلها، كريستين ماكيرنان: “نحن نقوم فعلياً بدور مزارعين للميكروبات”. إن الحفاظ على الميكروبات في وضع جيد يعني وضعها ضمن ظروف مناسبة تماماً، في درجات دقيقة للغاية من الحرارة والحموضة، وأيضاً فإن هذه الميكروبات لا تحب الملوحة العالية كما تقول ماكيرنان.

السماد العضوي والغاز الحيوي كنواتج لمعالجة فضلات الأغذية

قد يكون صنع السماد العضوي عملية أكثر شيوعاً للتعامل مع المخلفات الغذائية، ويعتمد على الميكروبات أيضاً كما أنه يؤدي إلى إنتاج مواد صلبة غنية بالمغذيات. ويكمن الفرق الكبير بين الطريقتين في أن السماد العضوي يصنَّع بوجود الأوكسجين بحيث تستطيع الميكروبات تفكيك المخلفات إلى تراب، مع إصدار غازات يشكل ثنائي أوكسيد الكربون نسبة كبيرة منها.

وإذا لم تُمزج كومة السماد بدرجة كافية، فإن الميكروبات لن تستطيع الحصول على الأوكسجين، ومن ثَم ستنتقل بشكل طبيعي إلى النشاط اللاهوائي وتقوم بتشكيل الميثان، وهو أمر سيئ في منشآت صنع السماد العضوي التي غالباً ما تكون مفتوحة على الغلاف الجوي. وعلى مدى فترات قصيرة من الوقت، فإن الميثان أكثر فعالية كغاز للدفيئة من ثنائي أوكسيد الكربون بنحو 80 مرة.

“علينا التوصل إلى طريقة ما للتعامل مع هذه المخلفات”.

ميلتيم أورغون ديميرتاس

إلا أنه بالنسبة إلى الشركات المهتمة بالهضم اللاهوائي، فإن إنتاج الميثان هو الهدف. وبما أن المنشآت معزولة، فإن مزيج الميثان وثنائي أوكسيد الكربون الذي تنتجه الميكروبات المسمَّى بـ “الغاز الحيوي”، قابل للالتقاط والتنقية لتحويله إلى ميثان حيوي يمكن استخدامه كبديل للغاز الطبيعي.

ويستخدم بعض المنتجين هذا الميثان الحيوي (الغاز الطبيعي المتجدد) أو الغاز الحيوي غير النقي في المنشأة بصورة مباشرة، وذلك لتزويدها بالطاقة. ويقوم آخرون ببيعه إلى شركات الخدمات العامة بحيث يُحقن في أنابيب الغاز الطبيعي الموجودة من قبل، ويُستخدم لتوليد الكهرباء في محطات الطاقة أو في المنازل لأغراض التدفئة أو الطبخ.

اقرأ أيضاً: ما طريقة هباء ملح الحديد الجوي وهل تخفّف آثار التغيّر المناخي؟

وبشكل عام، يمكن استخدام الهضم اللاهوائي لتحسين المناخ ولكنّ قدرة هذه العملية على تخفيض الانبعاثات تعتمد على التفاصيل كما يقول الباحث في مختبر أرغون الوطني، تروي هوكينز الذي يدرس الآثار البيئية لأنظمة الطاقة.

صناديق من المخلفات الغذائية في منشأة دايفرت في مدينة فريتاون بولاية ماساتشوستس
مصدر الصورة: بين غيبو/ دايفرت

تعمل دايفرت مع أكثر من 5,000 متجر تجزئة عبر أنحاء الولايات المتحدة لجمع مخلفات الغذاء ومعالجتها باستخدام الهضم اللاهوائي. وتقوم الشركة حالياً بتشغيل 10 مواقع “هاضمة” في الولايات المتحدة، وتستخدم أنظمة التتبع لتحديد أسباب هدر بعض أنواع الطعام في المقام الأول كما يضيف بيغن.

ولكن استخدام الهواضم اللاهوائية ليس زهيد التكاليف، فمن الممكن أن تصل تكلفة منشأة كاملة الحجم إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات. كما يمكن أن يستغرق تصميم منشآت جديدة بعض الوقت، لأن معظمها مصمم بشكل خاص لمهام معالجة محددة، فقد تبدو المنشأة المبنية بصورة مباشرة ضمن مصنع للمثلجات مختلفة عن منشأة تستقبل أنواع مخلفات متاجر البقالة جميعها، بدءاً بالبيتزا المجمدة المنتهية الصلاحية والتفاح الفاسد، وصولاً إلى زيوت الطهو المستخدَمة من المطاعم كما تقول ماكيرنان.

اقرأ أيضاً: أكبر محطة في العالم لتصفية الهواء من الكربون ستبدأ العمل قريباً

وثمة أكثر من 11,000 موقع إضافي في الولايات المتحدة يمكن بناء الهواضم اللاهوائية فيه، بدءاً من منشآت معالجة الصرف الصحي وصولاً إلى مواقع مخلفات الأغذية، وذلك وفقاً لتقرير يعود إلى العام 2014 من عدة وكالات فدرالية أميركية. وإذا بُنيت هذه المنشآت، فمن الممكن أن تولد ما يكفي من الطاقة لـ 3 ملايين منزل. ووفقاً لتقديرات مجلس الغاز الحيوي الأميركي المختص في هذا المجال، فإن عدد المواقع يبلغ 15,000 موقع ويحتاج بناؤها جميعاً إلى 45 مليار دولار تقريباً.

لن تكون هذه العملية زهيدة التكاليف كما لن تُستكمل بسرعة؛ ولكن الهواضم اللاهوائية يمكن أن تمثل طريقة مهمة لمعالجة المخلفات الغذائية في المستقبل، وتساعد على تحويل فتات طاولة شخص ما إلى طاقة يستفيد منها شخص آخر.