تعرّف على جهود المواطنين الصينيين لمواجهة الرقابة المفروضة عليهم بشأن فيروس كورونا

5 دقائق
حقوق الصورة: إم إس تك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما قامت ليندا مؤخراً بتسجيل الدخول إلى شبكة التواصل الاجتماعي الصينية ويبو، شاهدت منشوراً غريباً من صحيفة الشعب اليومية “People’s Daily” التي تديرها الدولة، جاء فيه: أضافت مقاطعة هوبى 100 ألف سرير على أمل معالجة فيروس كورونا المستجدّ الذي أدّى إلى حالة من الذعر في جميع أنحاء البلاد. كان هذا العدد مبالغاً فيه في ضوء التقارير الرسمية التي تفيد بأن بضعة آلاف فقط أصيبوا بالعدوى، وبدأ الناس على الفور بالردّ بالتعبير عن قلقهم. قام حساب صحيفة الشعب بسرعة بحذف المنشور والوسم المرتبط به.

أخذت ليندا صورة للشاشة وحفظتها (طلبت منا أن نستخدم اسماً مستعاراً لأنها تخشى من انتقام السلطات الصينية، وقمنا بالتحقق من هويتها بأن طلبنا منها إرسال معلومات من الحسابات التي تستخدمها لنشر عملها). تعيش ليندا الآن في شمال الصين، لكنها من مواطني ووهان، عاصمة مقاطعة هوبى وبؤرة اندلاع الوباء. كانت في المدينة أثناء عطلة رأس السنة الصينية الجديدة، لكنها غادرتها لتعود إلى منزلها في 22 يناير. وكانت قد بدأت في وقت سابق من شهر يناير بجمع معلومات حول الفيروس لمشاركتها مع أفراد أسرتها، الذين كانوا حينها “مرتاحين للغاية” بشأن الأوضاع.

ولكن بعد تزايد المخاوف في كافة أنحاء العالم، قرّرت ليندا قضاء بعض الوقت في جمع المعلومات وترجمتها وحفظها كشكل من أشكال الخدمة العامة. ومن المعروف عن الحكومة الصينية استعدادها لفرض رقابة على مواطنيها؛ حيث حذفت بالفعل العديد من المنشورات التي تنتقد طريقة تعامل الحكومة مع الوباء، فضلاً عن قصص الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس. تقول ليندا: “كنت أخشى أن تختفي [هذه الحسابات]، وألّا يتم نقل تجارب الناس. أريد الاحتفاظ بأرشيف عاطفي نوعاً ما للأشخاص الذين يطلبون المساعدة وللمتأثرين بالأمر، ومعظمهم من المرضى والعاملين في المجال الطبي”. لن يكون كل شيء في الأرشيف دقيقاً، وتدرك ليندا هذا الخطر، ولكن لم يكن كل ما نشرته القنوات الحكومية دقيقاً أيضاً.

تقضي ليندا بضع ساعات في اليوم وهي تقوم بشكل منهجي بجمع معلومات حول الفيروس من البيانات الرسمية والحسابات الشخصية، وذلك من وسائل التواصل الاجتماعي مثل موقع ويبو وبرنامج وي تشات وموقع دوبان. ثم تقوم بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ونشرها على إيمجور ورديت وتويتر ويوتيوب. ورغم أن ليندا تقول إنها “غير مؤهلة تماماً كمتخصّصة في وسائل التواصل الاجتماعي”، إلا أن بعض ترجماتها حصلت على أكثر من 100 ألف مشاهدة.

ومنذ أن تم الإبلاغ عن الحالات الأولى في مدينة ووهان في نهاية شهر ديسمبر، أدى الفيروس إلى إصابة حوالي 12 ألف شخص ومقتل أكثر من 200 شخص، وانتشر إلى ما لا يقل عن 20 دولة. وفي خطوة غير مسبوقة، تم فرض حظر صحي على الأشخاص الذين يعيشون في مدينة ووهان -التي يسكنها 11 مليون نسمة- وفي المدن المحيطة بها. وقد تأثّر بهذا الحجر الصحي أكثر من 50 مليون شخص.

دائماً ما يكون من الصعب التحقّق من المعلومات في الأوضاع سريعة التغيّر، ولكن الأمر يصبح مثيراً للقلق بشكل خاص في الدول التي لا توجد فيها صحافة حرّة ويشكّ فيها المواطنون فيما يصدر عن المسؤولين إن كان حقيقةً أم لا. تقول ياتشو وانغ، الباحثة الصينية في مؤسسة هيومن رايتس ووتش: “هناك سبب واضح لعدم ثقة الناس في الحكومة”؛ إذ يتذكر الكثير من الناس انعدام الشفافية خلال وباء السارس عام 2003. وتضيف وانغ أنه أثناء الزلزال الذي حدث عام 2008 في مقاطعة سيتشوان، تعرّض الأشخاص الذين حاولوا كشف الحقيقة للسجن، “وفي بداية شهر يناير [هذا]، استدعت الشرطة الأشخاص الذين كانوا يحاولون نقل قصة [الفيروس] بتهمة الترويج للإشاعات”.

وفي الآونة الأخيرة، نشرت وسائل الإعلام الحكومية الصينية صورة كاذبة عن المستشفى الذي من المفترض أنه يتم بناؤه في ووهان. هناك الكثير من الأكاذيب المنتشرة التي تحاول الحكومة القضاء عليها، ولكن هناك مخاوف مقنعة من أن الوضع أسوأ مما تنقله السلطات. في هذه الحالة، يمكن أن يكون الخط الفاصل بين الشكّ المفرط والشكّ المبرر دقيقاً. فمع انتشار الصور والشائعات المخيفة حول العالم، يأخذ المواطنون في الصين وهونج كونج زمام المبادرة.

شبكات أخبار صغيرة على التطبيقات الاجتماعية
في حين تشعر ليندا بالقلق من إنشاء سجل للشهادات التي قد يتم حذفها، يقوم آخرون بإدارة غرف أخبار صغيرة باستخدام مجموعات الدردشة المغلقة. يُدير أندي تانغ -الذي يبلغ من العمر 17 عاماً والمقيم في هونغ كونغ- مجموعة واتساب تسمى GloNews Room (والتي تعني “غرفة الأخبار العالمية”). كما ازدادت شعبية تطبيقات المراسلة المغلقة، مثل وي تشات وواتساب وتيليجرام، بصفتها وسائل شائعة لمواكبة الأخبار نظراً لانعدام الثقة في المصادر الرسمية. يقول تانغ إن الطبيعة المنظّمة لهذه الوسائل، وحقيقة أنها تبدو كتطبيقات تواصل خاصة بالأصدقاء، تجعل الناس يشعرون أنها أكثر جدارة بالثقة. وهو يحب واتساب لأن الأعضاء يمكنهم تلقي إشعارات فورية لتحديثاته الإخبارية.

بدأ الأصدقاء بإضافة أصدقاء آخرين، لا سيما أثناء احتجاجات هونغ كونغ في وقت سابق من هذا العام، وازداد عدد أعضاء غرفة GloNews Room ليصل الآن إلى حوالي 80 شخصاً. يقضي تانغ -الذي يغطّي أخبار الفيروس منذ أواخر شهر ديسمبر- بضع ساعات يومياً للبحث في عناوين الأخبار الرئيسية، ويقوم إما بكتابة ملخّصات أو مشاركة الروابط مباشرةً، وأحياناً يضيف رسوماً بيانية خاصة به. ويقول إن بعض الأعمال تتضمّن كشف الشائعات عن طريق التحقّق منها من مصادر أخرى، مثل مقطع فيديو لأشخاص يتناولون الخفافيش، والذي تم إعداده في الحقيقة منذ بضع سنوات وليس له صلة بالوباء الحالي.

وقرّر عضوان في غرفة GloNews Room -وهما مراهقان من هونج كونج يُدعيان كين تشونغ ورونالد لام- إنشاء نسخة أكثر شيوعاً للتحديثات، وذلك على شكل خريطة حيّة للفيروس، إلى جانب أخبار من مصادر الأنباء الرئيسية. يقول تشونغ إن معظم الخرائط المشابهة تم إنشاؤها بواسطة وسائل الإعلام الصينية، ولم يكن هناك الكثير منها باللغة الإنجليزية أو الصينية التقليدية المستخدمة في هونغ كونغ وتايوان،ـ لذلك قام تشونغ ولام وصديق آخر بإنشاء خريطتهم الخاصة باللغتين، ويحاولان تحديثها كل 15 دقيقة تقريباً. وفي أقل من أسبوع، استقطب الموقع مليون زائر جديد و10 ملايين مشاهدة، بما فيها زيارات لأشخاص من آسيا (وخاصة جنوب شرق آسيا) وأميركا الشمالية وأوروبا.

حقيقية أم غير حقيقية؟
لا بدّ أن يعاني كل شخص يحاول فهم المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا من انعدام الشفافية. تقول ليندا إنها في حاجة إلى تحقيق التوازن بين عدم ثقتها في التقارير الحكومية وشكّها في المنشورات التي تراها. قام مراقبو أحد المواقع الإخبارية في البداية بإزالة بعض منشوراتها لأنها لم يتم تأكيدها من قِبل مصدر أخبار “معترف به دولياً”. ولكن هذا النوع من التحقّق قد يكون مستحيلاً بالنسبة للحسابات الشخصية التي تقوم بحفظها، والتي يمكن أن تأتي عبر مجموعات مغلقة.

تقوم ليندا بالتحقّق عندما تستطيع؛ فعلى سبيل المثال، وجدت بعض المنشورات المأخوذة من مجموعة للخرّيجين، وتحقّقت من جميع الأسماء للتأكد من أن الأشخاص موجودون فعلاً. كما أنها تشكّ في مقاطع الفيديو العديدة للأشخاص الذين ينهارون ويتساقطون على الأرض. وتقول: “أخبرُ الناس أن يأخذوا هذه المقاطع بشيء من الحرص”، وهي تحاول أن تكون واضحة في أن العديد من المنشورات غير مؤكدة، وتطلب من الآخرين أن يخبروها إذا كان هناك أي شيء يبدو موضع شكّ. ومع ذلك، فإن خطر نشر المعلومات الخاطئة هو أمر واقع. وكذلك خطر إزالة الحكومة للمنشورات الموثوقة.

في الوقت نفسه، لا يثق تانغ في وسائل الإعلام الصينية الرسمية ولكنه يثق في مصادر مثل سي إن إن وبي بي سي وأسوشييتد برس ووكالة فرانس برس. لا يشعر الجميع بنفس الطريقة؛ إذ تعتمد مجموعة المتطوعين A2N اعتماداً كبيراً على الأخبار الرسمية، حيث تقوم بجمع التقارير الرسمية والمعلومات العلمية لنشرها على موقع ويبو. وتشمل قائمة مصادرها الموثوقة تقارير المستشفيات وصحيفة الشعب اليومية ومجلة كايشين Caixin التجارية. وتنص إرشادات مجموعة A2N على أنها لن تنشر سوى المعلومات الحقيقية، التي يقولون إنها لا تعني بالضرورة أن تكون صحيحة 100%، ولكنها تتمتّع بالمصداقية وإمكانية تتبّعها. (لم تستجب مجموعة A2N لطلبات التعليق).

من الواضح أنه لا يوجد سوى القليل من الإجماع على ما يُعتبر أخباراً موثوقة في الوقت الحالي، باستثناء وسائل الإعلام الأجنبية المستقلة. ومن المفارقات أنه بينما يشعر الكثير من الغربيين بالقلق من الرسائل غير الدقيقة القادمة من آسيا، فإن الناس في الصين وهونج كونج يحاولون مكافحة المعلومات الخاطئة من خلال البحث في المصادر الغربية السائدة.

وتقول ياتشو وانغ -الباحثة في مؤسسة هيومن رايتس ووتش- إن الشيء الأكثر فائدة الذي يمكن للحكومة الصينية أن تفعله لخلق الثقة هو السماح للصحفيين المستقلين بالقيام بعملهم. ومن غير المحتمل أن يحدث ذلك، ولكن وانغ تتساءل “عندما لا توجد وسائل إعلام مستقلة يمكنها نقل الأخبار بشكل مستقل، فماذا يمكنك أن تفعل؟”، وهي تجيب على هذا قائلة: “تقوم عندها بأخذ صور للأشياء التي تراها على الشاشة، وتبذل قصارى جهدك. لا بدّ من أن تحصل على المعلومات”.