تعديل جين الكولسترول قد يوقف أخطر قاتل على وجه الأرض

5 دقائق
تعديل جين الكولسترول قد يوقف أخطر قاتل على وجه الأرض
MS TECH | ENVATO
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في إجراء طبي هو الأول من نوعه، خضع مريض في نيوزيلندا إلى عملية تعديل جيني لتخفيض نسبة الكولسترول لديه. وقد تكون هذه العملية بداية حقبة جديدة في الوقاية من الأمراض.

وقد أصبح المتطوع النيوزيلندي أول شخص يخضع لعملية تعديل الدنا لتخفيض مستوى الكولسترول في الدم لديه، وهي خطوة قد تنبئ باستخدام واسع للتكنولوجيا لمنع الإصابة بالنوبات القلبية.

تم إجراء هذه التجربة السريرية من قبل شركة التكنولوجيا الحيوية فريف ثيرابيوتيكس (Verve Therapeutics)، وتضمنت حقن نسخة من أداة تعديل الجينات كريسبر (CRISPR) لتعديل محرف واحد في الدنا ضمن خلايا كبد المريض.

ووفقاً للشركة، فإن هذا التعديل الصغير يجب أن يكون كافياً لتخفيض مستوى الكولسترول “السيئ” –أي الجزيئات الدهنية التي تتسبب بانسداد الشرايين وتتصلب مع مرور الوقت- لدى المريض، وبصورة دائمة.

وقد كان المريض النيوزيلندي معرضاً لخطر الإصابة بارتفاع الكولسترول بشكل وراثي، كما كان يعاني من النوبات القلبية. ولكن الشركة تعتقد أنه يمكن استخدام نفس التقنية مع الملايين من الناس للوقاية من الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية.

علاج واعد

يقول باحث الجينات الذي أسس فيرف منذ ثلاث سنوات، ويشغل منصب رئيسها التنفيذي، سيكار كاثيريسان: “إذا نجح هذا العلاج وتبين أنه آمن، فقد يكون هذا هو الحل والشفاء لمشكلة النوبة القلبية”.

لقد مرت عشر سنوات منذ أن قام العلماء بتطوير كريسبر، وهي تكنولوجيا تقوم بإجراء تعديلات موجهة على الدنا في الخلايا، ولكن الطريقة لم تُستخدم حتى الآن سوى على الأشخاص الذين يعانون من أمراض نادرة، مثل فقر الدم المنجلي، وفي إطار التجارب البحثية فقط.

علاج واعد
سيكار كاثيريسان، طبيب القلب والباحث في علم الجينات، والرئيس التنفيذي لفيرف. حقوق الصورة: فيرف

وإذا نجحت تجربة فيرف، فقد تكون مؤشراً على إمكانية توسيع نطاق استخدام تقنية تعديل الجينات للوقاية من الأمراض الشائعة. يعاني الكثير من سكان العالم من ارتفاع مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة (اختصاراً “إل دي إل” (LDL))، ولكن الكثيرين منهم لا يستطيعون السيطرة عليه. ويمثل المرض المسمى بالتصلب العصيدي القلبي الوعائي السبب الأول للموت على مستوى العالم أكثر من أي شيء آخر.

 يقول طبيب القلب والباحث في مركز سكريبس (Scripps) للأبحاث، إريك توبول: “من بين جميع عمليات التعديل الجيني المختلفة الجارية ضمن العيادة، يمكن أن يكون لهذه العملية التأثير الأكبر، بسبب العدد الكبير للأشخاص الذين قد يستفيدون منها”.

يعتقد بعض الأطباء أن تخفيض “إل دي إل” بشدة، والحفاظ على انخفاضه بشكل دائم، يمكن أن يمنع الناس بشكل أساسي من الموت بسبب الأمراض القلبية الوعائية. وهي وجهة نظر الطبيب في مستشفى بريغهام والنساء في بوسطن، والمستشار لدى فيرف، يوجين براونوولد.

ويقول: “كلما انخفضت نسبة إل دي إل، كان أفضل للجسم. ومهما خفضتها، فسيكون من المفيد تخفيضها أكثر. ولكن المشكلة تكمن في كيفية تخفيضها”.

اقرأ أيضاً: استخدام تقنية كريسبر لمحاولة استعادة البصر عند شخص أعمى

قد تكون حمية قاسية تتجنب فيها أكل البيض واللحم وحتى زيت الزيتون عاملاً مساعداً. ولكن الالتزام بهذه الحمية صعب على الغالبية العظمى من الناس. هناك أيضاً الستاتين، وهو دواء الوصفات الطبية الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة. وتستطيع هذه الحبوب تخفيض مستوى إل دي إل لدى الشخص إلى النصف، ولكن البعض لا يستطيعون تحمل آثارها الجانبية، كما أن البعض يجدون تناول حبة في اليوم أمراً صعباً للغاية.

وتتضمن بعض العلاجات الجديدة من شركات التكنولوجيا الحيوية حقناً تؤخذ مرتين في الشهر، أو حتى مرتين في السنة فقط. هذه الأدوية قوية المفعول، وقد تساءل براونوولد مؤخراً عما يمكن أن يحدث إذا تم تقديم هذه الأدوية على نطاق واسع كإجراء من إجراءات الصحة العامة، بشكل مماثل للقاح الإنفلونزا السنوي. ويقول: “إذا بدأ تقديم هذا الدواء منذ عمر الثلاثين، فسوف تعيش حتى المئة دون الإصابة بأي أمراض في الشرايين التاجية”.

ولكن هذه الأدوية لم تصل بعد إلى مرحلة الاستخدام على نطاق واسع. كما أنها ما زالت مكلفة وصعبة الاستخدام، ما يثير امتعاض شركات التأمين. “ولهذا يمثل تعديل الجينات وسيلة ممتازة، لأنه يُستخدم مرة واحدة فقط. ولا داعي لتكرار العلاج. سيكون علاجاً مهماً للغاية، لأن مرض التصلب العصيدي القلبي الوعائي هو السبب الأكثر شيوعاً للموت في العالم الصناعي، ويمثل إل دي إل السبب المباشر لهذه الأمراض”.

تجربة العلاج الجيني

وفي نيوزيلندا، حيث يتم إجراء التجربة السريرية لشركة فيرف، سيقوم الأطباء بإعطاء العلاج الجيني لأربعين شخصاً مصابين بنمط وراثي من ارتفاع الكولسترول، والمعروف باسم فرط كولسترول الدم العائلي (FH). وتصل نسبة الكولسترول لدى المصابين به إلى ضعفي النسبة الوسطية، حتى عند الأطفال. ولا يدري الكثيرون أنهم مصابون به إلى أن يصابوا بنوبة قلبية، وفي مرحلة الشباب في أغلب الأحيان.

تمثل هذه الدراسة أيضاً أول استخدام للتعديل الجيني الأساسي لدى البشر، وهو طريقة جديدة تم تطويرها أول مرة في 2016 لاستخدام تقنية كريسبر. وخلافاً للأسلوب التقليدي لعمل كريسبر، والذي يتلخص بقطع الجين، فإن التعديل الأساسي يستبدل بأحد الحروف حرفاً آخر في الدنا.

ويحمل الجين الذي قامت فيرف بتعديله اسم PCSK9. ويؤدي هذا الجين دوراً كبيراً في الحفاظ على مستويات إل دي إل، وتقول الشركة إن علاجها يؤدي إلى إيقاف عمل الجين بإضافة خطأ واحد في تركيبته.

اقرأ أيضاً: تجربة أميركية جديدة تُثبت أمان استخدام تقنية كريسبر في علاج السرطان

قبل تأسيس فيرف، كان كاثيريسان عالم جينات يعمل في معهد برود في كامبريدج بماساتشوستس، ويبحث عن الأسباب الوراثية لأمراض القلب. وقام بتأسيس فيرف بعد أن توفي أخوه سينثيل بنوبة قلبية مفاجئة، ويعتقد أن التعديل الأساسي للجينات قد يكون طريقة ناجعة لتفادي وقوع مآسٍ كهذه.

ويعود أحد أسباب سرعة العمل على تقنية التعديل الجيني من فريف إلى أن هذه التكنولوجيا مشابهة للغاية للقاحات الرنا المصممة لمرض كوفيد-19. وعلى غرار اللقاحات، فإن العلاج يتألف من تعليمات وراثية مغلفة ضمن جسيم نانوي يتولى نقل كل شيء إلى الخلية.

وعلى حين يدفع اللقاح بالخلايا إلى صنع مكون من فيروس سارس-كوف-2، فإن الجسيمات النانوية في علاج فيرف تحمل توجيهات الرنا إلى الخلية لتجميع بروتين للتعديل الأساسي وتوجيهه لتعديل نسخة تلك الخلية من PCSK9، وذلك لإدماج هذا الخطأ الصغير فيها.  

وعند إجراء التجارب على القرود، وجدت فيرف أن العلاج أدى إلى تخفيض الكولسترول بنسبة 60%. وقد دام التأثير أكثر من سنة لدى تلك الحيوانات، وهناك احتمال كبير بأن يكون دائماً. 

ولكن التجارب البشرية تحمل بعض المخاطرة. فالجسيمات النانوية سامة إلى حد ما، كما أوردت التقارير ظهور بعض الآثار الجانبية، مثل الألم العضلي، لدى الأشخاص الذين يتناولون أدوية أخرى لتخفيض PCSK9. وعلى حين يمكن إيقاف العلاجات التقليدية بالأدوية عند ظهور أي مشكلات، فلا توجد حتى الآن أي طريقة لعكس تأثير التعديل الجيني بعد تطبيقه.

اقرأ أيضاً: شركتان تعلنان عن بوادر نجاح علاج كريسبر لاضطرابات الدم

فيرف: علاج واعد لإنقاذ المرضى

وحتى الآن، فإن العلاجات الجينية القليلة المتوافرة في السوق تكلف جميعاً مئات الآلاف من الدولارات، بل ويصل سعرها حتى مليوني دولار. ولكن علاج فيرف يجب أن يكون أقل تكلفة، خصوصاً عند استخدامه على نطاق واسع. ومن أحد أسباب هذا الفرق في السعر اعتماد العلاجات الجينية الأخرى على فيروسات محضرة بصورة خاصة لحمل الجينات، على حين يتم تصنيع الجسيمات النانوية عن طريق عملية كيميائية يمكن تضخيم قدرتها الإنتاجية على نحو مجدٍ أكثر.

يقول خبير التعديل الجيني في جامعة بنسلفانيا، والذي شارك في تأسيس فيرف، كيران موسونورو: “أدى الوباء والحاجة إلى اللقاحات إلى تضخم القدرة على التصنيع على نطاق واسع.  ويمكن لهذه الإمكانات أن تُعَدّل بسهولة للاستفادة منها في أغراض العلاج الجيني، وبطبيعة الحال، يعني الإنتاج الوفير انخفاضاً في الأسعار”.

يضيف موسونورو أن الباحثين يفكرون أيضاً في إنتاج “جرعات تقوية” في حال لم يتم استكمال الجولة الأولى من التعديل الجيني، وذلك لتعطيل جينات أخرى تتعلق بالكولسترول وتعميق التأثير على إل دي إل.

اقرأ أيضاً: استخدام مختلف لتقنية كريسبر قد يكون أكثر أهمية من غيره

ومن حسن حظ مؤسسي فيرف أن السبب الرئيسي للوفيات على مستوى العالم هو أيضاً أول مشكلة شائعة يستطيع التعديل الجيني علاجها. يعتمد كاثيريسان على الستاتين للحفاظ على انخفاض مستوى إل دي إل لديه، ويقول إنه يعتقد أن تعديل الجين المسؤول عن الكولسترول يمكن أن يتحول إلى علاج لإطالة العمر.

ويقول: “السبب الأول للوفيات في العالم هو النوبات القلبية. وإذا ابتكرنا دواءً يتيح تجنب الإصابة بالنوبات القلبية، فسيعيش الناس فترة أطول”.