تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين في تحسين سلاسل التوريد الغذائي

6 دقائق
تطبيقات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين في تحسين سلاسل التوريد الغذائي
الصورة الأصلية: تحالف إمدادات الصحة الإنجابية (Reproductive Health Supplies Coalition) عبر أنسبلاش| تعديل: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تطبيقات الذكاء الاصطناعي، الذكاء الاصطناعي في الزراعة، سلاسل التوريد الغذائي، الهدر الغذائي، تطبيقات البلوك تشين، تطبيقات إنترنت الأشياء،

وفقاً للبنك الدولي، فإن ثلث الغذاء يتم فقدانه أو هدره على مستوى العالم مما يؤدي إلى خسائر تصل إلى 1 تريليون دولار في العام. وعلاوة على ذلك، يساهم الهدر الغذائي بنسبة 8% في انبعاثات غازات الدفيئة، ويرافقه هدر للمياه وجهود المزارعين وعاملي الخدمات اللوجستية ومختلف الجهات الفاعلة في سلاسل التوريد الغذائي. وبحلول عام 2030، يتنبأ تقرير لمجموعة استشارات بوسطن (BCG) بأن يتم هدر 66 طن من الغذاء كل ثانية. وتُلقى المسؤولية عن هذا الهدر على تعقيد وضبابية سلاسل التوريد الغذائي وسرعة تأثرها بالصدمات وضعف التواصل بين أطرافها.

اقرأ أيضاً: تجارة التجزئة بعد كوفيد-19: التكنولوجيا وسيلة الاستمرار

كوفيد-19 يزيد الطين بلة

أحدث فيروس كورونا المستجد اضطراباً كبيراً في سلاسل التوريد الغذائي العالمية وأثار المخاوف بشأن الأمن الغذائي. وطالت تأثيراته تدفق الغذاء من المزارعين ومربي الماشية إلى المنتجين والمصنعين ووصولاً إلى المستهلك النهائي. حيث أدت سياسات الحجر الصحي والإغلاق ومنع السفر الجوي إلى نقص الأيدي العاملة في الحقول والمزارع ومعامل معالجة الغذاء، وتسببت بصعوبة بالغة في نقل الخضار والفواكه الطازجة والألبان واستلامها من المزارعين وتوزيعها بين المناطق والدول، وتأخر في وصول المنتجات إلى الأسواق، مما يؤدي إلى هلع المستهلكين واندفاعهم إلى الشراء والتخزين. وعلى سبيل المثال، اضطر بعض المزارعين في الهند إلى إطعام إنتاجهم من الفراولة إلى الأبقار لعدم تمكنهم من تسويقه، في حين اضطر بعض مربي المواشي في الولايات المتحدة إلى التخلص من الحليب. وفي الوقت نفسه، كان الناس في أماكن أخرى من العالم يقفون في طوابير طويلة للحصول على هذه المنتجات.

لقد سلّط الوباء الحالي الضوء على ما تعانيه سلاسل التوريد الغذائي العالمية منذ فترة طويلة من ضعف التواصل وضبابية المعلومات وتضاربها وارتفاع تكاليف المعاملات. كما أبرز الحاجة المُلّحة إلى رقمنة وأتمتة سلاسل توريد الغذاء وأهمية الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة لتحصين هذه السلاسل والانتقال إلى نظام توريد أكثر مرونة يتمتع بالقدرة الضرورية لمواجهة الصدمات المستقبلية والتحديات العالمية الأكثر إلحاحاً مثل الجوع والفقر وتغير المناخ.

اقرأ أيضاً: تجارة التجزئة بعد كوفيد-19: التكنولوجيا وسيلة الاستمرار

نقدم إليكم في هذه المقالة أهم الفوائد التي يمكن أن توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبلوك تشين لتحسين سلاسل التوريد الغذائي وتحويلها إلى نظام مستدام.

الذكاء الاصطناعي لأَمثلة سلاسل التوريد الغذائي

من شأن تقنيات الذكاء الاصطناعي أن تحقق العديد من الفوائد على امتداد سلسلة توريد الغذاء؛ فاستناداً إلى البيانات الضخمة حول حالة المحاصيل الزراعية ومواعيد قطافها والسلوك الحالي للمستهلكين، يمكن لخوارزميات التعلم الآلي أن تشكِّل أداة قيّمة في تخطيط سلسلة التوريد والنمذجة التنبؤية لمساعدة شركات الأغذية والمنتجات الحيوانية على توقع التغيرات في أنماط الطلب والكميات التي ينبغي توافرها في المخازن لتلبيته تبعاً لتغير طلبات الشراء وتحديثات عمليات الشحن، وأَمثلة عمليات توصيل المكونات الغذائية إلى منشآت التصنيع، والاستعداد لاضطرابات محتملة في سلاسل التوريد، وتوفير رؤية أفضل للمنتجين وشركات الأغذية حول احتياجات المستهلكين وتفضيلاتهم، وإدارة توزيع المواد الغذائية بين المخازن بالطريقة المثلى. وهذا بدوره سيساعد الجهات الفاعلة في سلسلة توريد الغذاء على اتخاذ قرارات مبنية على البيانات، بما يساهم في تخفيض التكاليف وتقليل الهدر الغذائي وتلبية طلبات المستهلكين بسرعة أكبر.

كما يمكن استخدام بوتات الدردشة في المنصات الرقمية لتسهيل عملية الشراء؛ إذ تتيح إجراء طلبات الشراء، وإرسال الملاحظات إلى المزودين بخصوص الأمور القانونية وشروط الاستهلاك، وتوثيق وإعداد طلبات الشراء وإشعارات الدفع، والإجابة عن تساؤلات جميع المنخرطين في سلسلة التوريد بدءاً من مزودي المنتجات ووصولاً إلى المستهلك.

من ناحية أخرى، تمثل الحواجز اللغوية إحدى المشاكل الكبرى في سلاسل التوريد الغذائي عند التواصل مع المزودين الأجانب حول مواصفات المنتَج والشهادات الصحية والموافقات القانونية. وهنا بالضبط تبرز أهمية معالجة اللغات الطبيعية في تذليل هذه العقبة والمساعدة في تدقيق ملايين الوثائق المتعلقة بتوريد الغذاء وترجمة كميات كبيرة من المستندات باللغات الأجنبية لتجنب أي سوء تفاهم من شأنه التسبب في زعزعة  سلسلة التوريد. 

علاوة على ذلك، توفر السيارات ذاتية القيادة إمكانية تحسين لوجستيات سلسة التوريد من خلال تقليل تكاليف القوى العاملة البشرية وتخفيض زمن تلبية الطلبات بدقة وفعالية أكبر من البشر وبطريقة أقل تأثيراً على البيئة، مما يتيح توصيل المنتجات الزراعية الطازجة قبل فسادها. وعلى سبيل المثال، أعلنت وال مارت بالشراكة مع كروز منذ أيام عن مشروع مشترك لتقديم خدمة التوصيل إلى المنازل بالاعتماد على سيارات ذاتية القيادة. كما تعمل شركات أخرى مثل دايملر وفوكسفاجن وفورد على تطوير حلول الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة لاستخدامها في عمليات التوصيل.

كما دخلت تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى مجال معالجة وتصنيع الطعام لتساعد في تحسين الجودة وبالتالي تقليل الهدر. وعلى سبيل المثال، قامت شركة تومرا (Tomra) بتطوير معدات تصنيف البطاطا المقلية واللحوم بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، مما سمح بأتمتة مهام تحليل الطعام من قبيل قياس حجم وشكل ولون البطاطا المقلية أو تحليل مستوى الدهون في شريحة اللحم.

بفضل تحسين دقة التوقعات بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي أو ما يسمى بالتخطيط المسبق، يستطيع تجار المواد الغذائية بالتجزئة الآن طلب البضائع من المزودين في وقت أبكر وبدقة أعلى. ويؤدي هذا إلى تقليل عدد المنتجات الطازجة غير المباعة. ويعني تحسّن التوقع أيضاً زيادة وثوقية التخطيط بالنسبة للمزودين، حيث يستطيعون جمع منتجاتهم بما يتوافق مع الطلب، وهو ما يخفّض الزمن ما بين المزرعة ورفوف المتاجر. ولهذا يستطيع تجار التجزئة زيادة مستوى نضارة المنتجات وتخفيف الهدر بنسبة تصل إلى 30%.

إنترنت الأشياء: مصدر بيانات قيّمة

تساعد إنترنت الأشياء (IoT) الشركات على إدارة جميع جوانب سلاسل التوريد الغذائي على نحو أفضل؛ بدءاً من إدارة المحاصيل ووصولاً إلى عمليات التوصيل النهائية إلى المستهلكين. كما تُسهِّل إنترنت الأشياء عملية جمع البيانات الضخمة التي تحتاجها نماذج الذكاء الاصطناعي، بما يحسن من عملية اتخاذ القرار.

توفر إنترنت الأشياء اتصالاً أفضل على امتداد سلسلة توريد الغذاء؛ حيث تتيح إمكانية الوصول إلى البيانات الرئيسية حول إنتاج وإدارة المنتجات بما يساعد في تقليل كمية الفاقد الغذائي. على سبيل المثال، تحتاج اللحوم إلى حفظها ضمن بيئة باردة، تقوم بعض الشركات باستخدام أجهزة استشعار حساسة للحرارة والرطوبة للمراقبة عن بعد والحصول على معلومات آنية حول ظروف نقلها لضمان وصولها طازجة. فإذا انخفضت حرارة مادة ما تحت درجة معينة تؤدي إلى فسادها، تستطيع الشركة أن تسحب المادة وتمنع طرحها في المتاجر حفاظاً على سلامة المستهلكين.

اقرأ أيضاً: “بشرة ثانية” للفواكه والخضار قد تساعدها على أن تدوم لفترة طويلة

تقوم المتاجر أيضاً باستخدام أجهزة الاستشعار لاكتشاف النقص في المواد الغذائية المعروضة على الرفوف، ومن ثم طلب مواد جديدة بشكل فوري. مما يسهّل عملية إدارة المخزون ويقلل تكاليفها. وعند استخدام هذه البيانات مع خوارزميات التعلم الآلي، تتمكن الشركات من التنبؤ بأي نقص مستقبلي في مادة ما بناء على تزايد شراء المستهلكين لهذه المادة.

كما تُستخدم أجهزة الاستشعار، سواءٌ المثبتة على المعدات الزراعية أو في داخل أراضي الحقول، لجمع البيانات حول المحصول وتزويدها إلى نماذج ذكاء اصطناعي لمساعدة المزارعين في معرفة أي من المحاصيل سينتج مردوداً أكبر من الغلال في ظل شروط معينة على صعيد الطقس والتربة، أو تساعدهم في معرفة مستويات الأسمدة التي ستكون مثالية في بيئة معينة. كما تساعد إنترنت الأشياء المزارعين على زيادة المحاصيل عن طريق تحسين أساليبهم في اتخاذ القرارات بتوفير المزيد من البيانات الدقيقة.

ويمكن أن تستفيد صناعة الأغذية من استخدام أجهزة إنترنت الأشياء ونظام تحديد المواقع (GPS) لمراقبة حركة المنتجات؛ حيث يمكن استخدام البيانات التي تجمعها لحماية المنتجات القابلة للتلف وذات مدة الصلاحية المحدودة.

البلوك تشين لمشاركة المعلومات وتتبع المنتجات

تعد القدرة على مراقبة سلاسل التوريد عموماً أمراً حاسماً؛ إذ يجب أن يعرف المشترون في أقرب وقت ممكن ما إذا كانوا في حاجة إلى إيجاد موردين بديلين أم لا. ويمكن أن يؤدي ضعف القدرة على المراقبة إلى إلحاق الضرر بفعالية سلسلة التوريد، وفقاً لتقرير نُشر في شهر أبريل على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي. وفي حالة سلاسل توريد الغذاء، فإن ذلك يعني تلف المواد الغذائية والعجز عن تلبية طلبات المستهلكين واختلال التوازن بين التزويد وحاجات المستهلكين.

وقد تم الترويج لتقنية البلوك تشين لسنوات باعتبارها وسيلة لجعل سلاسل التوريد أكثر كفاءة ومرونة من خلال مساعدة الشركات على مشاركة المعلومات الحساسة بطريقة رقمية. حيث تسمح العقود الذكية لتقنية البلوك تشين للشركات بالتحكّم الدقيق بخصوص مَن لديه الإذن بالاطلاع على بياناتها وتحت أي شروط. وجاء في التقرير المذكور  آنفاً أن هذه التكنولوجيا ستحل “مشكلة تقنية أساسية كانت تحول دون مشاركة الموردين في مبادرات تتيح مراقبة سلاسل التوريد”.

وفي سلاسل التوريد الغذائي، تتيح تكنولوجيا البلوك تشين معرفة مصدر الغذاء وكيفية إنتاجه أمام المستهلكين مما يساعدهم في اتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن تأثير الغذاء الذي يستهلكونه على صحتهم وصحة الكوكب. بمعنى آخر، تسمح البلوك تشين لأي شخص بالوصول إلى النظام واستخدام البيانات، والحد من تضارب المعلومات، وزيادة المنافسة على مختلف المستويات، وزيادة القدرة على مواجهة الاحتيال وتزييف المعلومات. وعلى سبيل المثال، يساعد النظام المستخدم في أوروغواي والمعتمد على تقنية البلوك تشين في تعيين رمز تعريف لكل حيوان، مما يتيح معرفة موقعه على سلسلة الإنتاج آنياً. ويتم تعقّب المعلومات عن الأبقار الفردية من المزرعة وحتى الشحن على متن السفينة، بما في ذلك رحلات سفرها وعلفها وأدويتها والزيادة في وزنها، من جملة مؤشرات أخرى. ويمكن للمستخدمين غير المسجلين في النظام مشاهدة خرائط للمشغلين المستخدِمين للنظام وتحديد كل رأس من الماشية حسب القسم.

علاوة على ذلك، فإن اللامركزية التي تتمتع بها تقنية البلوك تشين تتيح إمكانية التتبع على طول سلسلة التوريد مما يوفر الشفافية والفعالية لسلاسل التوريد الغذائية والزراعية، ويحسن من محفزات إنتاج الغذاء واستهلاكه على نحو آمن عالي الجودة مع الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية. وعلى سبيل المثال، أكملت وكالة المعايير الغذائية البريطانية تجربة تقنية البلوك تشين في مسلخ للماشية كأداة لضمان الامتثال للوائح التنظيمية. كما تمول حكومة كوريا الجنوبية استخدام تقنية البلوك تشين في عدة مشاريع من بينها إدارة سلاسل توريد الثروة الحيوانية، والتخليص الجمركي وتوزيع الوثائق الإلكترونية والخدمات اللوجستية الخاصة بالشحن عبر الحدود.

وللتوضيح أكثر، تتيح تكنولوجيا البلوك تشين للشركات تتبع أي منتجات غذائية فاسدة وصولاً إلى مصدرها وتحديد المناطق التي تم توزيعها فيها بسرعة كبيرة. مما يساهم في منع إصابة الناس بالمرض وتخفيض تكاليف إعادة جمع المنتجات وسحبها من الأسواق. وعلى سبيل المثال، تقول وال مارت إن مبادرة شركة آي بي إم المبنية على تقنية البلوك تشين والمسماة  آي بي إم فود ترست (IBM Food Trust) قد خفّضت الوقت اللازم لتتبع فاكهة المانجو من المتجر وصولاً إلى مصدرها من 7 أيام إلى 2.2 ثانية.

على الرغم من أن تبني الحلول الرقمية والتكنولوجية التي ذكرناها لا يزال في مراحل أولية، لكنها تحمل إمكانات واعدة هائلة لجعل سلاسل التوريد الغذائية أكثر استدامة، وتحسين كفاءتها وقدرتها على مقاومة الصدمات، وزيادة في أرباح جميع الجهات الفاعلة في هذه السلاسل وتحافظ على صحة المستهلكين وتقلل من الهدر الغذائي.