أهم العبر من قصة تطور الذكاء الاصطناعي منذ هزيمة كاسباروف حتى التعلم العميق

16 دقيقة
ماذا يمكن لتاريخ الذكاء الاصطناعي أن يقول لنا عن مستقبله؟
حقوق الصورة: أمريتا مارينو.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في 11 مايو/ أيار 1997، كان غاري كاسباروف يتململ قلقاً في كرسيه الجلدي الوثير في مركز إكويتابل في مانهاتن، وهو يمرر أصابعه في شعره بتوتر. فقد كانت هذه الجولة الأخيرة من مباراته ضد الحاسوب الخارق ديب بلو من “آي بي إم” (IBM)، وكانت جولة حاسمة لكسر التعادل في المواجهة بين المخ البشري والسيليكون، ولم تكن الأمور تجري على ما يرام. فقد كان كاسباروف يرتعد فيما يلوم نفسه على ارتكاب خطأ قاتل في بداية الجولة، ما أدى إلى وقوعه في حصار لا مفر منه. 

إن لعبة الشطرنج عالية المستوى عادة ما تستغرق من الوقت ساعتين إلى أربع ساعات، ولكن كاسباروف أدرك أنه لن يتمكن حتى من تجاوز ساعة واحدة. وهكذا، أعلن كاسباروف توقفه عن اللعب، ومال فوق لوحة الشطرنج حتى يصافح بشدة يد جوزيف هون، وهو مهندس في آي بي إم ممن ساعدوا على تطوير ديب بلو، وهو الذي كان يحرك القطع على اللوحة بالنيابة عن الحاسوب.

وبعد ذلك، ترنح كاسباروف خارجاً من كرسيه ومتجهاً نحو الجمهور. وهز كتفيه معلناً استسلامه لسوء حظه. ولاحقاً، وفي لحظة إيجابية، قال إن الآلة “كانت تلعب بمهارة خارقة للطبيعة”.

وبالنسبة لأي شخص مهتم بالذكاء الاصطناعي، كانت هزيمة أستاذ الشطرنج حدثاً مدوياً. فقد أطلقت صحيفة نيوزويك على المباراة “المعركة الأخيرة للدماغ البشري”، كما أعلن عنوان آخر أن غاري كاسباروف “مدافع عن البشرية”. وإذا تمكن الذكاء الاصطناعي من التغلب على أعتى ذهن بشري في الشطرنج، فيبدو أن الحواسيب ستتمكن قريباً من التغلب على البشر في كل شيء، مع قيادة آي بي إم لهذا التوجه.

وطبعاً، لم يحدث هذا. وبالفعل، فعندما نتأمل هذا الحدث بعد 25 سنة، يمكن أن نرى أن انتصار ديب بلو لم يكن نصراً، بل أقرب إلى إعلان وفاة. فقد كان هذا الحدث قمة أداء الذكاء الحاسوبي وفق الطريقة القديمة، والتي تعتمد على صياغة بارعة لأعداد لا تنتهي من أسطر التعليمات البرمجية، والتي غطى عليها نمط آخر منافس من الذكاء الاصطناعي، أي الشبكات العصبونية، وتحديداً التقنية المعروفة باسم “التعلم العميق“. وبالتالي، فإن ديب بلو الهائل كان أشبه بديناصور ضخم يقترب من نهايته المحتومة على يد كويكب قاتل، أما الشبكات العصبونية فهي الثدييات الصغيرة التي ستبقى على قيد الحياة وتحدث تحولات كبيرة في الكوكب.

ولكن، وحتى اليوم، وفي عالم يكتظ بأعداد لا تحصى من أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما زال علماء الحاسوب يتجادلون حول ما إذا كانت الآلات ستتمكن يوماً ما من “التفكير” فعلاً. وفيما يتعلق بالإجابة عن هذا السؤال، فقد تكون الكلمة الأخيرة –والضحكة الأخيرة أيضاً- من نصيب ديب بلو.

اقرأ أيضاً: تدريب الذكاء الاصطناعي في السيارات ذاتية القيادة باستخدام محاكاة افتراضية واقعية

ديب بلو: نظام أنيق في مواجهة فوضى العالم

فعندما بدأت آي بي إم بالعمل على ديب بلو في 1989، كان الذكاء الاصطناعي في حال يُرثى لها. فقد مر هذا الحقل بعدة مراحل متكررة ومليئة بالهزات، مراوحاً بين الابتهاج والترحيب الساذج والانهيار المهين. فقد ادعى رواد الخمسينيات أن الذكاء الاصطناعي سيشهد قفزات هائلة قريباً، وتوقع الرياضي كلود شانون أن “المختبرات ستتمكن خلال فترة لا تتجاوز عشر سنوات أو خمس عشرة سنة من إنتاج شيء لا يختلف كثيراً عن روبوتات روايات الخيال العلمي”. ولكن هذا لم يحدث. ففي كل مرة فشل فيها المخترعون في تحقيق المطلوب، كان الممولون يشعرون بالاستياء، ويتوقفون عن تمويل مشاريع جديدة، ما أدى إلى ظهور “شتاء الذكاء الاصطناعي” في السبعينيات، ومرة أخرى في الثمانينيات.

أما سبب هذا الفشل، والذي أدركناه الآن، فهو أن مبتكري الذكاء الاصطناعي كانوا يحاولون التعامل مع عشوائية الحياة اليومية باستخدام المنطق الصرف. فهذه هي الطريقة التي تخيلوا طريقة عمل التفكير البشري بها. وهكذا، كان المهندسون يعكفون، وبكل صبر، على كتابة قاعدة لأي قرار يجب أن يتخذه الذكاء الاصطناعي.

ولكن المشكلة تكمن في أن العالم الحقيقي عشوائي للغاية ومليء بالتفاصيل الصغيرة، ما يجعل التعامل معه بهذه الطريقة مستحيلاً. كان المهندسون يبنون هذه التحف البرمجية –أو “الأنظمة الخبيرة”، كما كان يحلو لهم تسميتها- بعناية شديدة، وكانت هذه الأنظمة تعمل بصورة مقبولة، إلى أن يقابلها العالم الواقعي بأمر غير متوقع. وعلى سبيل المثال، إذا فرضنا أن شركة للبطاقات الائتمانية قررت بناء نظام للموافقة على طلبات الحصول على رصيد ائتماني، فمن المحتمل أن تتفاجأ بأنها أصدرت بطاقات للكلاب بعمر 13 سنة.  فلم يكن المبرمجون ليتخيلوا أن القاصرين، أو الحيوانات الأليفة، يمكن أن يتقدموا بطلب للحصول على بطاقة، ولهذا، لم تتم كتابة أي قواعد للتعامل مع هذه الحالات الحدية.  لم تكن هذه الأنظمة قادرة على تعلم قواعد جديدة بمفردها.

اقرأ أيضاً: هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً لوظائف البشر؟

شتاء الذكاء الاصطناعي

لقد كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على القواعد المحددة يدوياً “هشة”، فعندما كانت تواجه وضعاً غريباً، كانت تصاب بالعجز. وبحلول أوائل التسعينيات، أدت مشاكل الأنظمة الخبيرة إلى شتاء ذكاء اصطناعي آخر.

“لقد كانت أغلب الحوارات حول الذكاء الاصطناعي تأخذ المنحى التالي: لنكن واقعيين، فكل هذا مجرد ضجيج حماسي وحسب”، كما يقول أورين إيتزيوني، الرئيس التنفيذي لمعهد آلين للذكاء الاصطناعي في سياتل، والذي كان في ذلك الحين أستاذاً شاباً لمادة علوم الحاسوب، وفي بداية حياته المهنية في مجال الذكاء الاصطناعي.

وفي ذلك المناخ من الشك والتهكم، ظهر ديب بلو كمشروع غريب فائق الطموح.

وقد بُني على أساس ديب ثوت، وهو كمبيوتر يلعب الشطرنج وبُني في جامعة كارنيغي ميلون من قبل موراي كامبيل وفينغ سيونغ سو وغيرهما. كان ديب ثوت بارعاً للغاية، ففي 1988، أصبح أول نظام ذكاء اصطناعي يلعب الشطرنج يتمكن من التغلب على أستاذ كبير في الشطرنج، وهو بينت لارسن. وتمكن فريق كارنيغي ميلون من التوصل إلى خوارزميات أفضل لتقييم حركات الشطرنج، كما قاموا بتصميم عتاد صلب خاص كان يعمل على تشغيل هذه الخوارزميات بسرعة. (استوحي اسم ديب ثوت (أي التفكير العميق) من نظام الذكاء الاصطناعي الطريف في رواية وفيلم “The Hitchhiker’s Guide to the Galaxy“، والذي سئل عن معنى الحياة، فتوصل إلى الجواب التالي: “42”)

سمعت آي بي إم بديب ثوت، وقررت أنها ستطلق “التحدي الكبير”، أي بناء حاسوب شديد البراعة لدرجة التغلب على أي بشري. وفي 1989، وظفت سو وكامبيل، وكلفتهما بالتغلب على أستاذ الشطرنج الأول في العالم. لطالما كان الشطرنج غنياً بالرموز والمعاني في أوساط الذكاء الاصطناعي، حيث يمثل خصمين يتواجهان في فضاء الأفكار الصرفة. ومن المؤكد أن التغلب على كاسباروف سيؤدي إلى الكثير من العناوين الصحفية الرنانة.

ولبناء ديب بلو، اضطر كامبيل وفريقه إلى تصميم شرائح جديدة لحساب مواضع قطع الشطرنج بسرعة أكبر حتى، كما وظفوا العديد من أساتذة الشطرنج للمساعدة على تحسين خوارزميات تقييم النقلة التالية. وقد كانت الفعالية هامة للغاية، حيث يتجاوز عدد احتمالات مباريات الشطرنج الممكنة عدد الذرات في الكون، وحتى الحواسيب الخارقة ستعجز عن تقييمها جميعاً في وقت معقول. وللعب الشطرنج، يقوم ديب بلو بافتراض نقلة واحدة، ويحسب جميع النقلات المحتملة انطلاقاً منها، و”يشذب” النقلات التي لا تبدو واعدة، ومن ثم يتعمق في المسارات الواعدة مكرراً هذه العملية عدة مرات. 

ويقول كامبيل: “لقد اعتقدنا أن العمل سيستغرق خمس سنوات، ولكنه استغرق في الواقع أكثر من ست سنوات بقليل”. وبحلول العام 1996، قررت آي بي أم أنها أصبحت أخيراً جاهزة لمواجهة كاسباروف، ونظمت مباراة في فبراير/ شباط. وكان كامبيل وفريقه ما زالوا يعملون بشكل محموم على استكمال ديب بلو، ويقول: “كان النظام قد بدأ بالعمل قبل بضعة أسابيع وحسب من الصعود إلى المنصة”. 

اقرأ أيضاً: أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات

كاسباروف في مواجهة الكمبيوتر: انسحاب خاطئ 

وقد كان هذا واضحاً. فعلى الرغم من أن ديب بلو فاز بجولة واحدة، تمكن كاسباروف من الفوز بثلاث جولات وكسب المباراة. طلبت آي بي إم مباراة أخرى، وأمضى فريق كامبيل السنة التالية في العمل على بناء عتاد صلب أكثر سرعة حتى. وعندما تم استكمال التحسينات، أصبح ديب بلو مؤلفاً من 30 معالج باور بي سي و480 شريحة خاصة بالشطرنج، كما قام الفريق بتوظيف المزيد من أساتذة الشطرنج –والذين كان يوجد منهم أربعة أو خمسة في عداد العاملين في المشروع على الدوام- للمساعدة في تصميم خوارزميات أفضل لحساب نقلات الشطرنج. وعندما تواجه كاسباروف وديب بلو مرة أخرى في مايو/ أيار من العام 1997، كان الكمبيوتر أسرع بمرتين، وقادراً على تقييم 200 مليون نقلة شطرنج في الثانية الواحدة. 

وعلى الرغم من كل هذا، فلم تكن آي بي إم واثقة من الفوز، كما يستذكر كامبيل: “لقد توقعنا التعادل”.

ولكن ما حدث كان أكثر تشويقاً بكثير. فقد هيمن كاسباروف على الجولة الأولى. ولكن في الحركة السادسة والثلاثين من الجولة الثانية، فعل ديب بلو شيئاً لم يتوقعه كاسباروف. 

فقد كان معتاداً على الطريقة التقليدية التي تعتمد عليها الحواسيب في الشطرنج، وهو أسلوب يعتمد بشكل أساسي على قدرة الآلات على حساب عدد كبير من الاحتمالات. ولهذا، فقد كانت الحواسيب أفضل من البشر في التكتيكات قصيرة الأمد، فقد كان ديب بلو قادراً بسهولة على تحديد الخيار الأفضل لبضع نقلات مسبقاً.

ولكن الناحية التي كانت الحواسيب ضعيفة فيها، تقليدياً، كانت الناحية الاستراتيجية، أي القدرة على تخيل شكل اللعبة بعد عدد كبير من النقلات. وهذا هو منبع الأفضلية التي كان البشر يتمتعون بها. 

أو على الأقل، هذا ما كان كاسباروف يظنه، قبل أن تفاجئه نقلة ديب بلو في الجولة الثانية. فقد بدت النقلة بارعة للغاية، إلى درجة أن كاسباروف بدأ يشعر بالقلق، فربما كانت هذه الآلة أذكى بكثير مما كان يعتقد! وبعد أن اقتنع كاسباروف باستحالة الفوز، قرر الانسحاب من الجولة الثانية.

ولكن، ما كان يجب أن يفعل ذلك. فقد تبين أن ديب بلو لم يكن في الواقع بتلك البراعة. أما كاسباروف فقد فاتته نقلة كان يمكن أن تسمح له بإنهاء الجولة بالتعادل. كان كاسباروف مرتبكاً، ويشعر بالقلق من كون الآلة أكثر براعة مما كانت في الواقع، وهكذا بدأ يتوهم برؤية منطق شبيه بمنطق البشر. 

وهكذا، فقد كاسباروف إيقاعه، وأخذ أداؤه بالتراجع. وأخذ يصاب بالارتباك والتوتر المرة تلو الأخرى. وفي بدايات الجولة السادسة التي ستحدد الفائز، لعب نقلة رديئة لدرجة أن مراقبي الشطرنج صرخوا بسبب الصدمة. وقال لاحقاً في مؤتمر صحفي: “لم أكن في مزاج مناسب للعب على الإطلاق”.

اقرأ أيضاً: ميتا تنجح في تعليم الذكاء الاصطناعي أداء مهام متعددة

خسارة تساوي مكسباً إعلامياً وماليّاً وبداية النهاية

وهكذا، استفادت آي بي إم من طموحها الهائل. وفي خضم المعمعة الإعلامية التي تلت نجاح ديب بلو، ارتفعت قيمة الشركة السوقية بمقدار 11.4 مليار دولار في أسبوع واحد. ولكن الأهم هو أن انتصار آي بي إم بدا وكأنه بداية تراجع شتاء الذكاء الاصطناعي الطويل. فإذا نجح الذكاء الاصطناعي في الشطرنج، فما هي المهمة التالية؟ كانت أذهان العامة تضج بالخيال والتوقعات.

وكما قال لي كامبيل: “هذا ما استرعى انتباه العامة”.

ولكن، وفي الواقع، فإن انتصار الحاسوب على كاسباروف لم يكن مفاجئاً لهذه الدرجة. فقد كان معظم المراقبين الذين يتابعون أخبار الذكاء الاصطناعي -والشطرنج- يتوقعون أن يحدث هذا في نهاية المطاف.

قد يبدو الشطرنج أشبه بذروة للتفكير البشري، ولكنه ليس كذلك. وفي الواقع، فإنه مهمة ذهنية يمكن التعامل معها بسهولة بإجراء عدد هائل من الحسابات، فالقواعد واضحة، ولا توجد هناك معلومات مخفية، ولا يحتاج الحاسوب حتى إلى تتبع ما حدث في النقلات السابقة. ويكفي أن يتمكن الحاسوب من تقييم مواضع القطع في اللحظة الحالية.

“هناك عدد قليل للغاية من المسائل التي تسمح لك بالحصول على جميع المعلومات المطلوبة لاتخاذ القرار الصحيح، كما في حالة الشطرنج”.

كان الجميع مدركين أن الحواسيب ستتمكن من تجاوز البشر ما إن تصبح سريعة بما يكفي. وأن المسألة كانت مسألة وقت وحسب. وبحلول منتصف التسعينيات، “كان كل شيء قد اتضح، بشكل أو بآخر”، كما يقول ديميس هاسابيس، مدير شركة الذكاء الاصطناعي “ديب مايند” (DeepMind) التابعة لشركة “ألفابيت” (Alphabet).

فقد كان انتصار ديب بلو لحظة أثبتت محدودية الأنظمة التي تعمل بالقواعد المحددة يدوياً. حيث أمضت آي بي إم عدة سنوات والملايين من الدولارات لبناء حاسوب يلعب الشطرنج. ولكنه لم يستطع القيام بأي شيء آخر. 

يقول كامبيل: “لم يؤدِّ هذا العمل إلى إنجازات سمحت لنظام الذكاء الاصطناعي ديب بلو بترك أثر كبير على العالم”. فلم يكتشف المصممون فعلياً أي مبادئ للذكاء، لأن العالم الحقيقي لا يشبه الشطرنج. يضيف كامبيل قائلاً: ” هناك عدد قليل للغاية من المسائل التي تسمح لك بالحصول على جميع المعلومات المطلوبة لاتخاذ القرار الصحيح، كما في حالة الشطرنج. ولكن، وفي معظم الأوقات، هناك الكثير من العوامل المجهولة، وهناك الكثير من العشوائية”.

ولكن، وعلى الرغم من الهزيمة النكراء التي ألحقها ديب بلو بكاسباروف، كانت هناك عدة شركات ناشئة مشاكسة تجري التجارب على شكل جديد وواعد من الذكاء الاصطناعي: الشبكة العصبونية. 

اقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي يلخص الأبحاث العلمية بطريقة يفهمها طفل عمره 7 سنوات

ظهور الشبكات العصبونية

فمع الشبكات العصبونية، لم يعد هناك من داعٍ لكتابة القواعد بصبر للتعامل مع كل قرار سيتخذه الذكاء الاصطناعي، على عكس الأنظمة الخبيرة. وبدلاً من ذلك، تعتمد هذه الشبكات على التدريب والتقوية للوصلات الداخلية في الشبكة، في محاكاة تقريبية (كما تقول الدراسة النظرية) لطريقة التعلم التي يعتمد عليها الدماغ البشري. 

ماذا يمكن لتاريخ الذكاء الاصطناعي أن يقول لنا عن مستقبله؟
1997: بعد أن تغلب غاري كاسباروف على ديب بلو في 1996، طلبت آي بي إم مباراة ثانية من بطل العالم، وأُقيمت هذه المباراة في مدينة نيويورك مع آلة محدثة. مصدر الصورة: صور أسوشييتد برس/ آدم نيدل.

لقد ظهرت هذه الفكرة منذ الخمسينيات. ولكن تدريب شبكة عصبونية كبيرة بما يكفي يتطلب حواسيب فائقة السرعة، وذاكرة ضخمة، والكثير من البيانات. ولم يكن أي من هذا متوافراً في تلك الفترة. وحتى خلال التسعينيات، كانت الشبكات العصبونية ما زالت تُعتبر مضيعة للوقت.

يقول جوف هينتون، وهو أستاذ سابق في علوم الحاسوب في جامعة تورونتو، وأحد رواد هذا المجال: “في ذلك الوقت، كان معظم العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي ينظرون إلى الشبكات العصبونية على أنها محض هراء. وكانوا يطلقون عليّ لقب (المؤمن الحقيقي)، وهو لقب لا ينطوي على أي مسحة من المديح”. 

ولكن، وبحلول العقد الأول من القرن الجديد، كانت صناعة الحاسوب تتطور بشكل يجعل الشبكات العصبونية ممكنة. فقد أدت الشهية الدائمة لهواة ألعاب الفيديو إلى رسوميات أفضل إلى ظهور صناعة ضخمة في مجال وحدات معالجة الرسوميات فائقة السرعة، والتي تبين أنها مناسبة تماماً للحسابات الرياضية للشبكات العصبونية. في هذه الأثناء، كانت شبكة الإنترنت تمر بمرحلة توسع انفجاري، منتجة سيلاً هائلاً من الصور والنصوص التي يمكن استخدامها لتدريب الأنظمة.

وبحلول بدايات العقد الثاني من هذا القرن، سمحت هذه القفزات التقنية لهينتون وفريقه من المؤمنين الحقيقيين بالانطلاق بالشبكات العصبونية إلى مستويات جديدة. وأصبح بإمكانهم الآن بناء شبكات عصبونية تحتوي على العديد من الطبقات من العصبونات (وهو مصدر كلمة عميق في التعلم العميق). وفي 2021، فاز فريقه بسهولة بمسابقة إيماج نت السنوية، حيث تتنافس أنظمة الذكاء الاصطناعي في التعرف على العناصر ضمن الصور. وكان هذا بمثابة صعقة لأوساط علوم الحاسوب، فقد أصبحت الآلات ذاتية التعلم واقعية حقاً. 

اقرأ أيضاً: إليكم الخريطة المُذهلة التي تُبيّن الشبكات العصبونية لدماغ الذبابة

بعد أعوام من الإنكار: الشبكات العصبونية في كل مكان

وبعد عشر سنوات من ثورة التعلم العميق، أصبحت الشبكات العصبونية بقدرتها الفائقة على التعرف على الأنماط منتشرة في جميع مناحي الحياة اليومية. فهي تساعد خدمة البريد الإلكتروني جيميل على إكمال الجمل المكتوبة، وتساعد البنوك على كشف عمليات الاحتيال، وتساعد تطبيقات الصور في التعرف تلقائياً على الوجوه، وتقوم بكتابة المقالات وتلخيص النصوص بصياغة شبيهة بالصياغة البشرية، كما في حالة جي بي تي 3 من “أوبن إيه آي” (OpenAI) وجوفر من ديب مايند. وقد وصل تأثيرها حتى إلى أسلوب العمل العلمي، ففي 2020، أطلقت ديب مايند نظام الذكاء الاصطناعي ألفافولد-2، والذي يستطيع توقع كيفية انطواء البروتينات، وهي مهارة خارقة يمكن أن تساعد في توجيه الباحثين خلال العمل على تطوير عقاقير وعلاجات جديدة. 

اقرأ أيضاً: علماء الكمبيوتر يرغبون في محاكاة أداء الدماغ البشري باستخدام الشبكات العصبونية

الحياة ليست رقعة شطرنج

أما في هذه الأثناء، فقد اختفى ديب بلو، ولم يترك في أثره أي اختراعات مفيدة. وعلى ما يبدو، فإن لعب الشطرنج ليس بالمهارة الحاسوبية المطلوبة في الحياة اليومية. يقول هاسابيس، مؤسس ديب مايند: “في نهاية المطاف، أثبت ديب بلو عبثية ومشاكل محاولة صياغة كل شيء يدوياً”.

حاولت آي بي إم إصلاح الوضع مع واتسون، وهو نظام خبير آخر، وهو مصمم للتعامل مع مشكلة أقرب إلى الواقع، وهي الإجابة عن الأسئلة. حيث استخدمت التحليل الإحصائي لكميات هائلة من النصوص لتحقيق شكل من الفهم اللغوي الذي بدا في حينه ذروة في التطور. وكان أكثر من مجرد نظام منطقي. ولكن واتسون ظهر في توقيت سيء، فقد طغت عليه ثورة التعلم العميق بعد بضع سنوات وحسب، والتي جلبت جيلاً جديداً من النماذج التي تتعامل مع اللغة بطريقة أكثر تفصيلاً ومرونة من تقنيات واتسون الإحصائية.

تقول دافني كولير، وهي أستاذة سابقة في ستانفورد، ومؤسسة ومديرة شركة “إنسيترو” (Insitro)، والتي تعتمد على الشبكات العصبونية وغيرها من أشكال التعلم الآلي لدراسة علاجات العقاقير الجديدة، إن التعلم العميق حقق تفوقاً ساحقاً على الأساليب التقليدية في الذكاء الاصطناعي لأن “التعرف على الأنماط يفتح المجال أمام قدرات كبيرة”. وتمثل مرونة الشبكات العصبونية –والتنوع الهائل في أساليب استخدام التعرف على الأنماط- السبب الذي منع ظهور شتاء ذكاء اصطناعي آخر. وتضيف: “لقد تمكن التعلم الآلي من تقديم قيمة حقيقية”، وهو شيء لم تتمكن “موجات الأعمال الاستعراضية السابقة” في الذكاء الاصطناعي من القيام به قط.

تبين المصائر المتباينة لديب بلو والشبكات العصبونية كم كنا عاجزين، ولفترة طويلة، عن تحديد ما هو صعب –وما هو قيّم- في الذكاء الاصطناعي. 

فعلى امتداد عدة عقود، افترض الناس أن إتقان الشطرنج سيكون مهماً، لأن لعب الشطرنج عالي المستوى أمر صعب بالنسبة للبشر. ولكن، تبين لاحقاً أن لعب الشطرنج سهل نسبياً بالنسبة للحواسيب، لأنه يتسم بطابع منطقي للغاية.

أما الأمور التي يمثل تعلمها صعوبة بالغة بالنسبة للحواسيب، كما تبين لنا، فهي الأعمال العقلية الاعتيادية وغير الواعية التي يقوم بها البشر، مثل خوض حديث مشوق أو قيادة سيارة عبر حركة المرور أو قراءة الحالة العاطفية لصديق ما. فنحن نقوم بهذه الأشياء بسهولة بالغة لدرجة أننا نادراً ما ندرك درجة صعوبتها وتعقيدها، ومستوى عمليات الحكم العائمة والرمادية التي تتطلبها. تأتي الفائدة العظيمة للتعلم العميق من القدرة على التقاط تفاصيل صغيرة من هذا الذكاء البشري الغريزي غير الواضح.

وعلى الرغم من هذا، فنحن لم نتمكن من تحقيق النصر النهائي في الذكاء الاصطناعي. فمن المسلم به أن التعلم العميق حقق نجاحاً هائلاً حاليّاً، ولكنه يستجلب الكثير من الانتقادات الحادة أيضاً.

اقرأ أيضاً: الشبكات العصبونية المدرّبة تماثل الأداء البشري في الاختبارات النفسية التقليدية

حتى في ربيعه: هناك مشاكل في الذكاء الاصطناعي

تقول ميريديث بروسارد، وهي مبرمجة انتقلت للعمل كأستاذة في الصحافة في جامعة نيويورك ومؤلفة كتاب “ Artificial Unintelligence“: “على مدى فترة طويلة للغاية، كان هناك حماس تكنولوجي وصل إلى درجة التعصب، ويرتكز على الاعتقاد بقدرة الذكاء الاصطناعي على حل جميع المشاكل”. ولكن، وكما أشارت وغيرها من المنتقدين، فإن أنظمة التعلم العميق يتم تدريبها في أغلب الأحيان باستخدام بيانات متحيزة، ولهذا فهي تمتص هذه التحيزات بدورها. وقد اكتشفت عالمتا الحاسوب جوي بولامويني وتيمنيت غيبرو أن ثلاثة أنظمة ذكاء اصطناعي مرئي متوافرة تجارياً كانت سيئة للغاية في أدائها عند تحليل وجود النساء السمراوات. وبعد أن دربت أمازون الذكاء الاصطناعي على تحليل السير الذاتية، اكتشفت أنه يقوم بمنح النساء درجات منخفضة. 

وعلى الرغم من إدراك علماء الحاسوب والكثير من مهندسي الذكاء الاصطناعي لمشاكل التحيز هذه، فإنهم لا يعرفون كيفية التعامل معها على الدوام. علاوة على هذا، فإن الشبكات العصبونية “صناديق سوداء ضخمة” كما تقول دانييلا روس، وهي من خبراء الذكاء الاصطناعي، وتقوم حالياً بإدارة مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في إم آي تي. فعندما يتم تدريب الشبكة العصبونية، لا يمكن فهم آليات عملها بسهولة، حتى من قبل المصمم نفسه. وليس من الواضح كيف توصلت إلى نتائجها، أو كيف يمكن أن تفشل.

“على مدى فترة طويلة للغاية، كان هناك حماس تكنولوجي وصل إلى درجة التعصب، ويرتكز على الاعتقاد بقدرة الذكاء الاصطناعي على حل جميع المشاكل”. 

وقد لا تكون هناك مشكلة، كما تقول روس، في الاعتماد على صندوق أسود في مهمة “لا تتعلق بالسلامة”. ولكن، ماذا عن المهمات الحساسة والخطرة، مثل القيادة الذاتية؟ تقول روس: “من المذهل حقاً أننا نثق بهذه الأنظمة إلى هذه الدرجة”. 

وهنا تظهر أفضلية ديب بلو. فمن المسلم به أن الأسلوب القديم الذي يعتمد على القواعد المُصاغة يدوياً كان هشاً، ولكنه كان أيضاً قابلاً للفهم. لقد كانت الآلة معقدة دون شك، ولكنها لم تكن لغزاً مستغلقاً على الجميع.

ومن سخرية القدر أن هذه الطريقة في البرمجة قد تعود إلى دائرة الضوء، بعد أن بدأ المهندسون وعلماء الحاسوب يشعرون بمحدودية أساليب مطابقة الأنماط.  

اقرأ أيضاً: تصميم ثوري للشبكات العصبونية قد يحل مشاكل كبيرة في الذكاء الاصطناعي

عودة إلى البساطة

وعلى سبيل المثال، تستطيع نماذج توليد اللغة، مثل جي بي تي 3 من أوبن إيه آي أو جوفر من ديب مايند، أن تعتمد على بضعة جمل تلقمها بها حتى تنتج صفحات وصفحات من النصوص التي تبدو معقولة الصياغة. ولكن، وعلى الرغم من هذه القدرة المذهلة على التقليد، فإن جوفر “ما زال لا يفهم ما يقوله فعلياً”، وفقاً لهاسابيس. “ليس بالمعنى الحقيقي”.

وبشكل مماثل، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المرئية ارتكاب أخطاء فادحة عند مواجهة حالة حدية. فقد اصطدمت السيارات ذاتية القيادة بسيارات الإطفاء المركونة على الطرقات السريعة، لأنها لم تصادف هذا الوضع عبر ملايين الساعات من مقاطع الفيديو التي تم تدريبها عليها. ويمكن أن نقول إن الشبكات العصبونية تعاني من شكلها الخاص بها من مشكلة “الهشاشة”. 

وما يحتاجه الذكاء الاصطناعي فعلياً حتى يحقق التقدم، كما يشك الكثير من علماء الحاسوب حاليّاً، هو القدرة على معرفة حقائق العالم، ومعالجتها منطقياً. فالسيارة ذاتية القيادة لا تستطيع أن تعتمد فقط على مطابقة الأنماط. كما يجب أن تكون مزودة أيضاً بالمنطق السليم، حتى تعرف ما هي سيارة الإطفاء، ولماذا يجب أن تشتبه بوجود وضع خطر عند رؤيتها على الطريق السريع. 

ولكن المشكلة تمكن في أننا لا نعرف تماماً كيف يمكن بناء شبكات عصبونية تستطيع التفكير أو استخدام المنطق السليم. ويعتقد غاري ماركوس، وهو عالم مختص بالإدراك وأحد مؤلفي كتاب” Rebooting AI”، أن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيتطلب مقاربة “هجينة”، أي استخدام الشبكات العصبونية للتعرف على الأنماط مع توجيه يعتمد على المنطق التقليدي المبرمَج يدوياً. ويمكن لهذا، بشكل ما، أن يجمع فوائد ديب بلو مع فوائد التعلم العميق.

ولكن متعصبي التعلم العميق لا يتفقون مع وجهة النظر هذه. حيث يعتقد هينتون أن الشبكات العصبونية ستتمكن، على المدى الطويل، من التفكير بشكل مثالي وصحيح. فالبشر يقومون بهذا أيضاً، “والدماغ هو شبكة عصبونية”. كما يعتبر أن استخدام المنطق المبرمَج يدوياَ ضرب من الجنون، لأن هذا يعني التعرض إلى المشكلة التي تعاني منها جميع الأنظمة الخبيرة، والتي تقول إنه يستحيل توقع جميع قواعد المنطق السليم التي يمكن أن ترغب بتزويد الآلة بها. ويضيف هينتون أن الطريقة الوحيدة للتقدم هي مواصلة الابتكار في الشبكات العصبونية، ودراسة هيكليات جديدة وخوارزميات تعلم جديدة يمكن أن تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري نفسه بدقة أكبر.

اقرأ أيضاً: خوارزمية تطورية تتفوق على آلات التعلم العميق في ألعاب الفيديو

نهج وحش فرانكشتاين

يعمل علماء الحاسوب على عدة مقاربات مختلفة. ففي آي بي إم، يعمل كامبيل، مطور ديب بلو، على ما يطلق عليه اسم الذكاء الاصطناعي “العصبوني – الرمزي”، والذي يعمل بطريقة مقاربة لما اقترحه ماركوس. أما مختبر إيتزيوني فيحاول بناء وحدات منطق سليم للذكاء الاصطناعي بتصاميم تعتمد على الشبكات العصبونية المدربة والمنطق الحاسوبي القديم، ولكنها ما زالت حتى الآن في بداياتها. قد يبدو المستقبل الآن أبعد عن نصر مطلق لأي من الجهتين، ديب بلو والشبكات العصبونية، وأقرب إلى حل تركيبي يجمع الطريقتين بشكل ما، مثل وحش فرانكنشتاين.

ولكن، وبما أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءاً دائماً من حياتنا، على ما يبدو، كيف سنتعايش معه نحن معشر البشر؟ هل سنتعرض للهزيمة في نهاية المطاف، كما حدث مع كاسباروف وديب بلو، من قبل أنظمة ذكاء اصطناعي تتفوق علينا في التفكير والعمل لدرجة تستحيل منافستها؟

لا يعتقد كاسباروف نفسه أن هذا سيحدث. فبعد فترة قصيرة من خسارته أمام ديب بلو، قرر كاسباروف أن مواجهة الذكاء الاصطناعي لا تحمل أي مغزى. فقد كانت الآلة “تفكر” بطريقة غير بشرية على الإطلاق، مستخدمة أسلوب إجراء عدد هائل من الحسابات. وستحافظ على الدوام على أفضليتها التكتيكية على المدى القصير. 

فلماذا نتعب أنفسنا بمنافستها؟ وبدلاً من ذلك، لم لا نتعاون معها؟ 

وهكذا، وبعد المباراة مع ديب بلو، ابتكر كاسباروف “الشطرنج المتقدم”، حيث يعمل البشر جنباً إلى جنب مع الحواسيب. وفي هذا الشطرنج، يلعب لاعب بشري ضد لاعب بشري آخر، ولكن كلاً منهما يكون مزوداً أيضاً بحاسوب محمول يتضمن برنامجاً للشطرنج، وذلك لمساعدتهما على دراسة النقلات المحتملة. 

وعندما بدأ كاسباروف بتنظيم مباريات في الشطرنج المتقدم في 1998، اكتشف بسرعة اختلافات رائعة في اللعبة. ومن المثير للاهتمام أن الهواة كانوا ينافسون المحترفين بقوة. وفي إحدى المباريات التي يتألف كل طرف فيها من لاعب بشري مع حاسوب محمول، تمكن أحد هؤلاء الأزواج من الفوز بالجائزة الكبرى، متغلباً على عدة أساتذة كبار. 

كيف تمكنا من هزيمة كبار العقول في الشطرنج؟ يعود هذا إلى أن الهواة كانوا أفضل استيعاباً لطريقة التعاون مع الآلة. فقد كانوا يعرفون كيف يجربون الأفكار بسرعة، ومتى يقبلون اقتراحات الآلة، ومتى يرفضونها. (ما زالت بعض دوريات الشطرنج تنظم منافسات في الشطرنج المتقدم حتى اليوم).

ويعتقد كاسباروف أن هذه هي الطريقة المثالية التي يجب أن نتعامل بها مع عالم الشبكات العصبونية الجديد. 

وقال لي في رسالة بالبريد الإلكتروني: “يكمن المستقبل في إيجاد طرق لجمع الذكاء البشري وذكاء الآلة للوصول إلى مستويات جديدة، ولفعل الأشياء بطريقة أفضل لا يستطيع أي طرف تحقيقها لوحده”. 

بطبيعة الحال، يختلف سلوك الشبكات العصبونية عن سلوك آلات الشطرنج. ولكن الكثير من الشخصيات المهمة تتفق بقوة مع رؤية كاسباروف للتعاون بين البشر والذكاء الاصطناعي. حيث ينظر هاسابيس من ديب مايند إلى الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتقدم العلم وإرشاد البشر نحو إنجازات جديدة. 

ويقول: “أعتقد أننا سنرى ازدهاراً علمياً كبيراً، حيث سنبدأ برؤية انتصارات متتالية في تحديات علمية من مستوى جائزة نوبل”. وبشكل مماثل، تعتمد شركة كولر، إنسيترو، على الذكاء الاصطناعي كأداة بحثية. وتقول: “نحن نلعب لعبة هجينة بين البشر والآلات”. 

هل سنشهد بناء ذكاء اصطناعي مشابه للبشر في طريقة التفكير، إلى درجة عجز البشر عن تقديم المزيد، وهيمنة الذكاء الاصطناعي على التفكير؟ ربما. ولكن حتى العلماء الذين يعملون على أحدث التقنيات لا يستطيعون توقع لحظة حدوث هذا الأمر، إن كان سيحدث على الإطلاق.

ولهذا، يمكن أن نعتبر التالي هدية ديب بلو النهائية بعد 25 سنة من مباراته الشهيرة. ففي هزيمته، رأى كاسباروف لمحة من المستقبل الحقيقي للذكاء الاصطناعي والبشر. وقال لي: “سنتحول بالتدريج، وعلى نحو متزايد، إلى مدراء للخوارزميات، ونستخدمها لتعزيز نتاجنا الابتكاري، ودعم أرواحنا المغامرة”.