كيف أظهرت جائحة كورونا أننا لا نعالج قضية تغير المناخ بالشكل المناسب؟

6 دقائق
تأثير جائحة كورونا على تغير المناخ
حريق سيلفرادو، الذي اندلع في أواخر شهر أكتوبر الماضي، في طريقه نحو منزل في مدينة إيرفين بولاية كاليفورنيا. مصدر الصورة: ماريو تاما | صور جيتي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من المحتمل أن يكون الطلب العالمي على النفط وانبعاثات غازات الدفيئة قد بلغا ذروتهما بالفعل عام 2019؛ نظراً لأن الجائحة يمكن أن تبطئ النمو الاقتصادي لسنوات طويلة، وتعجل بزوال الفحم، وتؤدي إلى انخفاض طويل الأمد في الطلب على الطاقة، من خلال أمور مثل استمرار العمل عن بُعد.

علاوة على ذلك، تعهدت أعداد متزايدة من كبرى الشركات والدول -بما فيها الصين- بوصول انبعاثاتها إلى الصفر بحلول منتصف القرن الحالي تقريباً. كما أن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة سيدفع إلى السلطة برئيس تعهد باتخاذ إجراءات جريئة في التعامل مع قضية تغير المناخ. وكذلك فإن التكنولوجيات النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات والسيارات الكهربائية، باتت أرخص ثمناً وأخذت تنتشر في الأسواق.

وفي الأيام الأخيرة من العام المنصرم، تمكن الكونجرس الأميركي من منح مشروعات الطاقة النظيفة عشرات المليارات من الدولارات (بالرغم من أن ذلك غير كافٍ حتى الآن)، في إطار مشروع قانون شامل للإغاثة من التداعيات التي خلفها فيروس كورونا. كما فرضت الحزمة قيوداً مشددة على مُركّبات الهيدروفلوروكربون، وهي غازات دفيئة شديدة الفعالية تُستخدم في الثلاجات ومكيفات الهواء. (على الرغم من انتقاد مشروع القانون باعتباره “وصمة عار”، فقد وقعه الرئيس ترامب ليصبح قانوناً في 27 ديسمبر الماضي).

بيد أن وصولنا أخيراً إلى نقطة التحول -بعدما حذرنا العلماء من المخاطر لعشرات السنين- أقل أهمية من مدى السرعة والاستمرار في خفض الانبعاثات مستقبلاً. ولدينا هنا بعض المؤشرات القاتمة التي ظهرت عام 2020 والتي جعلتني أشعر بالقلق.

بمعدل بطيء للغاية

حتى لو كنا قد وصلنا إلى ذروة الانبعاثات، فإن هذا لا يعني سوى أننا لم نعد نزيد المشكلة سوءاً بمعدل متزايد عاماً تلو الآخر، لكنها -مع ذلك- لا تزال تتفاقم. ونظراً إلى أن ثاني أكسيد الكربون يبقى في الغلاف الجوي لمئات السنين، فإن كل طن إضافي نتسبب في انبعاثه يزيد من تفاقم تغير المناخ، وينذر بالمزيد من موجات الحر الشديدة والجفاف وحرائق الغابات والمجاعات والفيضانات.

ولا يتعين علينا تسطيح منحنى الانبعاثات، بل يجب علينا القضاء عليها بأسرع ما يمكن. وحتى ذلك الحين، سنضطر للتعامل مع الأضرار الدائمة التي سبَّبناها.

ويرى البعض أن التغييرات الجذرية في السلوكيات والممارسات التي بدأ تنفيذها مع انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء الكوكب تمثل إشارة واعدة على قدرتنا الجماعية على التصدي لتغير المناخ، إلا أن هذا القول -بصراحة- محض هراء.

توقفت قطاعات واسعة من الناس عن قيادة سياراتها إلى العمل، والذهاب إلى المقاهي والمطاعم والمسارح، والسفر بالطائرات حول العالم. كما تراجع معدل النمو الاقتصادي، وفقد مئات الملايين وظائفهم، وأُغلقت مئات الآلاف من الشركات نهائياً. الناس يعانون الجوع، والعالم يصبح أكثر فقراً.

ولا تشكل أي من هذه الأمور وسيلة عملية أو مقبولة لإبطاء وتيرة التغير المناخي. فضلاً عن ذلك، فإن كل هذا الدمار لم يسفر سوى عن خفض نحو 6% فقط من انبعاثات غازات الدفيئة التي أطلقتها الولايات المتحدة هذا العام، وفقًا لتقديرات مؤسسة بلومبرج إن إي إف (BloombergNEF). وتتماثل هذه الأرقام تقريباً مع التقديرات العالمية. كما أن التكلفة الاقتصادية لعمليات خفض التلوث كانت باهظة؛ إذ تراوحت بين 3,200 دولار و5,400 دولار لكل طن من الكربون، وفقاً لتقديرات سابقة نشرتها مؤسسة روديوم جروب (Rhodium Group).

وسنحتاج إلى استمرار هذا المستوى من التخفيضات عاماً بعد عام لعقود من الزمن؛ لمنع الاحترار من الوصول إلى معدلات أكثر خطورة مما وصلنا إليه بالفعل. ولكن من المرجح بدلاً من ذلك أن تعاود الانبعاثات الارتفاع مرة أخرى بمجرد تعافي الاقتصاد، إلى مستويات قريبة مما وصلت إليه عام 2019.

ومن الصعب أن نورد مثالاً أكثر وضوحاً عن مدى تغلغل تلوث المناخ حتى في أداء أبسط الأعمال في مجتمعنا، ومدى حاجتنا الشديدة إلى إصلاح كل جوانب اقتصادنا للشروع في تخفيض الانبعاثات بشكل كبير ومستدام.

يتعين علينا تحويل مسار الاقتصاد بدلاً من إيقافه، لكن هذا التحول يحدث بصورة بطيئة للغاية.

استقطاب سياسي

من الرائع أن التكنولوجيات النظيفة أصبحت أرخص ثمناً وأكثر قدرة على المنافسة، إلا أن المشكلة تكمن في كونها لا تزال تمثل جزءاً ضئيلاً من السوق، حيث تمثل مبيعات السيارات الكهربائية حوالي 3% من مبيعات السيارات الجديدة في جميع أنحاء العالم، في حين ولّدت مصادر الطاقة المتجددة خلال العام الماضي ما يزيد قليلاً عن 10% من الكهرباء في العالم.

وفي الوقت نفسه، بدأنا بالكاد عملية تحويل الصناعات التي يصعب تنظيفها، مثل الإسمنت والصلب والشحن والزراعة والطيران. كما يعتمد الجزء “الصافي” من الخطط الوطنية وخطط الشركات الرامية إلى الوصول بالانبعاثات إلى الصفر على جهود إزالة وتعويض معدلات هائلة من الكربون لم يتضح بعد ما إذا كنا نستطيع تنفيذها على نحو جدير بالثقة وبأسعار معقولة وبشكل دائم وعلى نطاق واسع.

ولا يمكننا أن ننتظر أن تشجع الأسواق الحرة المنتجات غير الملوثة، كما أن الأهداف النبيلة التي حددتها الدول لخفض الانبعاثات بحلول منتصف القرن لا تعني الكثير بمفردها؛ لذا فنحن بحاجة إلى سياسات حكومية صارمة واتفاقيات تجارية لجذب التكنولوجيات النظيفة إلى السوق، ودعم تطوير الأدوات التي لا نملكها بعد أو التي لا تزال باهظة الثمن حتى اليوم.

ووفقاً لدراسة نشرها باحثون من جامعة برينتسون الشهر الماضي، فإن وضع مختلف جوانب الاقتصاد الأميركي على المسار الصحيح للوصول بالانبعاثات إلى الصفر سيتطلب استثمارات ضخمة يتعين البدء في ضخها الآن؛ ففي العقد القادم وحده، ستحتاج البلاد إلى استثمار نحو 2.5 تريليون دولار، وتسيير 50 مليون سيارة كهربائية على الطرق، ومضاعفة مواردها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أربع مرات، علاوة على زيادة قدرة خطوط الجهد العالي بنسبة 60%، وغيرها من الأمور.

كما خلص التحليل إلى أن البلاد تحتاج إلى تخصيص المزيد من الأموال بسرعة لأغراض البحث والتطوير إذا كنا نأمل في البدء في توسيع نطاق استخدام مجموعة واسعة من التكنولوجيات الناشئة بعد عام 2030، مثل التقاط الكربون وإزالته، والوقود المحايد للكربون، وعمليات الإنتاج الصناعي النظيفة.

ولا شك أن انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة يُعد نبأً ساراً لقضية تغير المناخ، لا سيما في أعقاب الحملة التي شنتها إدارة ترامب لمدة أربعة أعوام، والتي استهدفت تقويض جميع اللوائح التنظيمية المناخية والبيئية الممكنة. كما يمكن أن يحرز البيت الأبيض في عهد بايدن بعض التقدم من خلال إصدار أوامر تنفيذية، ودعم مشروعات القوانين الخاصة بالبنية التحتية التي يتم التوافق عليها بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، واتخاذ تدابير إضافية للتحفيز الاقتصادي توفر التمويل للمجالات المذكورة أعلاه. غير أنه من الصعب أن نتصور -في ضوء النتائج المتباينة التي أسفرت عنها انتخابات الكونجرس ومناخنا السياسي شديد الاستقطاب- كيف سيتمكن بايدن من المضي قدماً في تبني هذا النوع من السياسات المناخية الصارمة التي تهدف للاقتراب من السرعة اللازمة، مثل فرض سعر باهظ على انبعاثات الكربون أو وضع قواعد تقضي بخفض الانبعاثات سريعاً.

النبأ السار هنا هو أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن مخاوف الناس بشأن قضية تغير المناخ استمرت خلال فترة الجائحة والانكماش الاقتصادي، على عكس ما حدث أثناء الانكماش الاقتصادي الذي بدأ عام 2008. ولكن بعد عام شابه القلق والخسارة والعزلة، يجب أن أتساءل عن مدى استعداد الناخبين في جميع أنحاء العالم لتقبّل أي تدابير تطالبهم ببذل المزيد خلال الأعوام القليلة المقبلة، سواء كان ذلك على شكل فرض ضريبة على الوقود أو فرض رسوم أعلى على شركات طيران، أو مطالبة الناس بشراء أجهزة كهربائية أقل تلويثاً للبيئة في منازلهم.

تذكر أن العالم -والعديد من سكانه- سيخرجون من الجائحة أكثر فقراً مما كانوا.

بث بذور الانقسام

بيد أن أكثر ما يخيفني من الأحداث التي وقعت عام 2020 هو أن الباحثين والمدافعين عن قضية تغير المناخ ظلوا لفترة طويلة يفترضون -أو يأملون في- أن الناس سيبدؤون في أخذ تغير المناخ على محمل الجد عندما يتسبب في أضرار حقيقية لهم.

ففي نهاية المطاف، كيف سيمكنهم الاستمرار في إنكار التغير المناخي ورفض اتخاذ إجراءات مضادة عندما يكون الخطر مسلطاً عليهم وعلى عائلاتهم؟

لكن ما رأيناه خلال الجائحة لا يدل على ذلك؛ فحتى بعد وفاة أكثر من 300 ألف أميركي بسبب كوفيد-19، لا تزال قطاعات واسعة من السكان تنكر التهديد الذي يمثله الفيروس وترفض الالتزام بتدابير الصحة العامة الأساسية، مثل ارتداء الأقنعة وإلغاء السفر في أيام العطلات. وعلى الرغم من موجات العدوى المرتبطة بتجمعات عيد الشكر، احتشد الملايين في المطارات خلال عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت عيد الميلاد.

ومع أن هذا أمر مرعب في حد ذاته، إلا أنه ينذر بالسوء بشكل خاص بالنسبة لتغير المناخ.

وفي مقال نُشر في أغسطس الماضي -عندما كان عدد الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 حول العالم يبلغ نحو 600 ألف حالة وفاة- أشار بيل جيتس إلى أن الوفيات السنوية الناتجة عن تغير المناخ قد تصل إلى هذا المستوى بحلول عام 2060. وبحلول نهاية هذا القرن، قد تصل حصيلة القتلى إلى خمسة أضعاف هذا الرقم.

أحد الدروس الواضحة التي يمكن استخلاصها من الجائحة أنه حتى مع كل هذه الخسائر قد لا يقتنع الكثيرون بأن تغير المناخ حقيقة واقعة أو بضرورة اتخاذ إجراءات، خاصة وأن أعداد تلك الوفيات سترتفع تدريجياً. كما أنه لا يزال بإمكان السياسيين إيجاد طرق للتهوين من شأن المخاطر واستغلال هذه المسألة لزرع الانقسام، بدلاً من السعي إلى بناء قضية مشتركة. وقد نتعلم ببساطة كيفية التعايش مع هذه المخاطر المتزايدة، لا سيما وأنها ستلحق الضرر بشكل غير متكافئ بأولئك الذين يعيشون في أفقر مناطق العالم وأشدها حرارة الذين لا علاقة لهم بالتسبب في تغير المناخ.

إنني واثق كل الثقة من أننا نمتلك القدرات التقنية والاقتصادية اللازمة للتصدي لمعظم مخاطر تغير المناخ، ومتأكد من أننا سنبدأ في التحرك بشكل أسرع مما كنا عليه في الماضي. كما أعتقد أننا سنحرز تقدماً كبيراً في مجال تقليل الانبعاثات، وأراهن على أننا سنعيد بناء أجزاء كبيرة من بنيتنا التحتية لمواجهة بعض المخاطر المتزايدة. وأنا على يقين من أن بعض المناطق -لا سيما في شمال الكرة الأرضية- ستستمر في الازدهار، بل أن بعضها سيزداد ثراءً.

لكنني أخشى أننا ما زلنا غير مدركين تمام الإدراك أننا على أعتاب الفشل على نحو مأساوي للغاية. وبالنظر إلى المستوى الحالي لانبعاثاتنا وأين يجب أن تصبح، يكاد يكون من المستحيل معرفة كيفية التحرك بسرعة كافية في هذه المرحلة لمنع ارتفاع درجة حرارة بمقدار درجتين مئويتين. الأمر الذي يعني الوصول إلى مستويات مروعة من الموت والمعاناة والدمار البيئي الذي يمكن تفاديه.

وعلى الرغم من أن هذا الأمر يجب أن يمثل دعوة للعمل، إلا أنه من الصعب أن تنظر إلى عام 2020 ويراودك شعور بالتفاؤل بشأن قدرتنا الجماعية على التصدي للمشكلات المعقدة بطرق عقلانية أو إنسانية، حتى -أو ربما بشكل خاص- في خضم الكوارث العديدة التي تتوالى فصولها.

وبدلاً من ذلك، فإن الكوارث المناخية المتشابكة قد تفسد سياساتنا بدرجة أكبر، وأن تجعلنا جميعاً أكثر أنانية وأكثر تركيزاً على راحتنا وسلامتنا، وأقل استعداداً للتضحية من أجل تحقيق مستقبل مشترك أفضل.