بعض الآباء في الصين يسعون إلى تحسين مستوى أطفالهم من خلال الاختبارات الجينية

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في مدينة شنجن الصينية، حتى طلاب رياض الأطفال لديهم واجبات منزلية. يمكنك ملاحظة ذلك من خلال حقائب الظهر المحمّلة بالكتب المدرسية والتي تُثقل حركتهم خلال دخولهم إلى بوابات المدرسة في الساعة 8 صباحاً وخروجهم منها في الساعة 5 مساءً. ولا يعود الكثير منهم إلى منازلهم بعد ذلك. إذ ينبغي عليهم الذهاب إلى دروس للرقص والبيانو واللغة الإنجليزية وجلسات الكونغ فو. وبعد انتهائهم من الدروس والعشاء، يحين الوقت للتعامل مع هذه الواجبات المنزلية. وسيكونون محظوظين إذا تمكّنوا من النوم بحلول الساعة 10 ليلاً.

وقد أدّت مخاوف الآباء الصينيين من رؤية أبنائهم يتخلّفون عن زملائهم إلى بحثهم عن أي شيء من شأنه أن يقدّم الدعم والمساعدة.

ويتوجّه البعض الآن إلى شركات الاختبارات الجينية التي تدّعي بأنها تستطيع العثور على المواهب الخفية للأطفال داخل حمضهم النووي. لا يوجد الكثير من الأسس العلمية لهذه الاختبارات، ولكن استناداً إلى عدد العيادات التي تنتشر في بعض المدن مثل مدينة شنجن، فإن “اختبار المواهب” يبدو أحد أسباب النمو السريع لمجال الوراثة في الصين.

قمت بزيارة مكتب شركة المجموعة الصينية لتكنولوجيا الهندسة الحيوية (وتسمى أيضاً سي بي تي جين CBT Gene) في الطابق الرابع عشر من مبنى شاهق في مقاطعة نانشان الناشئة بمدينة شنجن. نصف المكتب عبارة عن عيادة طبية، ونصفه الآخر منتجع فاخر، وتغطي جدرانه خلفيات ذهبية متلألئة. ويتشارك المكتب وكلاء المبيعات الذين يرتدون ملابس أنيقة مع الطاقم الطبي الذي يبدو بمظهر جاد ويرتدي الملابس البيضاء. إلى جانب الاختبارات الجينية، تقدّم العيادة كل شيء يتراوح من الجراحة التجميلية إلى مجموعة متنوعة من علاجات الطب الصيني التقليدي.

في اليوم الذي زرت فيه المكتب، قدّم أحد الوكلاء كتاباً سميكاً يضم أكثر من 200 مؤشر تقوم العيادة باختبارها عند الطفل، وتشمل الحالات الوراثية المحتملة كالقدرات الموسيقية والحسابية والقدرة على القراءة، والسمات الجسدية مثل الخجل والانطواء والانفتاح والذاكرة.

اختبار وراثي يباع في الصين ويدّعي قدرته على تقييم إمكانات الطفل الحسابية.

وقال وكيل المبيعات: ” كل أسبوع، يأتي إلينا مئة أو مئتين من الآباء الذين يقومون بالاختبارات”. وتبلغ تكلفة إجراء تسلسل لكامل الجينوم حوالي 4500 دولار، في حين أن تكلفة المجموعة الكاملة لاختبارات السمات والمواهب والحالات الوراثية تبلغ حوالي 2500 دولار. وتبلغ تكلفة أبسط اختبار لعشر مؤشرات فقط من السمات والمواهب نحو 160 دولاراً.

وقال لي الوكيل: “يختار معظم الآباء الاختبار الكامل حتى يتمكّنوا من فهم أطفالهم بشكل أفضل”.

يتم تسليم العينات الجينية -التي تم جمعها بواسطة مسح خدّ الطفل من الداخل بعيدان قطنية- إلى مختبر الشركة في هونغ كونغ لإجراء التسلسل ومن ثم يتم إرسالها إلى شنجن لتحليلها من قبل الشركة.

يتزايد الاهتمام باختبارات الحمض النووي للأطفال في مدينة شنجن، ويعود ذلك جزئياً إلى المعلّمين الذين ارتبط اسمهم هذا المجال. أحد المؤيّدين الرئيسيين هو تشن تيشنغ، مدير مدرسة كوفا (Xuefa) المتوسطة التي تقع على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من العيادة. وهو يدفع إلى ما يسميه “تعليم السعادة”، والذي يقوم على اكتشاف المواهب الفطرية في كل طفل ومتابعتها.

وقال تشن خلال اجتماع في مكتبه في المدرسة: “هناك قول مأثور في الصين، وهو: لا تدع طفلك يخسر عند خط البداية”.

وقد ألقى تشن محاضرات لعامة الناس حول قيمة السماح للأطفال بالسعي وراء مواهبهم بدلاً من دفعهم إلى التعلّم الروتيني الصارم إذا كان ذلك لا يناسب شخصيتهم. وتعتمد أفكاره بشكل كبير على اختبارات المواهب الوراثية، رغم أنه يعترف أيضاً بأن هذا “العلم قد لا يكون صحيحاً تماماً”.

ويقول تشن: “في الماضي، قد تحفر بئراً ولا تعثر على الماء، ولكن لدينا الآن تكنولوجيا الأقمار الصناعية عن بعد التي يمكنها أن تخبرك عن مكان وجود المياه. إن الاختبارات الوراثية شبيهة بهذا الأمر إلى حدّ ما، فهي طريقة للعثور على المواهب بدقة أكبر”.

وفي الواقع، هناك أساس علمي ضعيف نسبياً لتقييم “الموهبة الحسابية” للطفل اعتماداً على حمضه النووي، بالشكل الذي تقوم به التقارير الصادرة عن شركة سي بي تي جين. ولم تقم الصين بابتكار هذا المجال المريب علمياً. ففي الولايات المتحدة، تقدّم بعض الشركات مثل أوريجن (Orig3n) اختبارات “تطوّر الطفل” للجينات المسؤولة عن اللغة والرياضيات والصوت المثالي.

يقول تشن جانج -أحد المؤسسين والرئيس التنفيذي لشركة وي جين (WeGene) المتخصّصة في تحليل الأصل العرقي والتي تأسست منذ أربع سنوات في مدينة شنجن: “تفتقر معظم هذه الأنواع من اختبارات المواهب الوراثية في الوقت الحالي إلى أدلة علمية كافية. فما زلنا لا نستطيع تفسير العلاقة المعقدة بين الجينوم والكثير من السمات، مثل الذكاء والموسيقى والقدرات الرياضية، على سبيل المثال.”

تزداد الاختبارات الوراثية التي تذهب مباشرة إلى المستهلك بسرعة كبيرة في الصين، لدرجة أن تشن جانج يخشى من أن يسيء اختبار المواهب لسمعة هذا المجال. ويقول: “لا تمثّل هذه الخدمات التيار الرئيسي لسوق الاختبارات في الصين”.

ومع ذلك، فإن الرئيس التنفيذي لشركة وي جين ليس مستعداً لأن يقول بأن اختبارات المواهب ستظل هامشية دائماً. فقد أجرى تسلسلاً لجينوم ابنه ويرى بانتظام ما تقوله أحدث الاكتشافات عن الفتى.

ويقول: “عندما أقرأ أنا وزوجتي بعض المؤلّفات حول الجينومات والسمات، فإننا نتحقق من ذلك في جينوم طفلنا، ولكن ذلك بدافع الفضول فقط، ولا نطلب من ولدنا تغيير اهتماماته وفقاً لما هو عليه الجينوم الخاص به. في الوقت الحالي، لا أعتقد بأن الترويج لهذا النوع من اختبارات المواهب لجمهور الناس يُعتبر فكرة جيدة، ولكن بسبب التطور السريع للتقنيات الجينية وأساليب تحليل البيانات القائمة على الذكاء الاصطناعي، فإنني أعتقد بأنه سيكون لدينا فهم أفضل للموهبة في المستقبل القريب”.