إنجاز تاريخي في الاندماج النووي سيوفر طاقة نظيفة لا تنضب

3 دقائق
علماء أميركيون يحققون إنجازاً تاريخياً في تفاعل اندماج نووي يوفر طاقة نظيفة لا تنضب بتكلفة منخفضة
حقوق الصورة: Shutterstock.com/dani3315
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“نقطة تحول تاريخية” و”خطوة يمكن أن تحدث ثورة في العالم”، هكذا وصف المسؤولون الأميركيون تجربة الاندماج النووي التي تمت في مختبر لورانس ليفرمور الوطني بولاية كاليفورنيا. فلأول مرة في التاريخ، كانت كمية الطاقة التي أنتجها تفاعل الاندماج النووي أكبر من كمية الطاقة المطلوبة لحدوث التفاعل.

تكمن أهمية هذا الإنجاز في كونه كلمة السر التي ستحل كل مشكلاتنا، وستوفر مصدر طاقة نظيفة ومنخفضة التكلفة لا تنضب مهما تم استهلاكها. ولفهم ما هو الاندماج النووي، يمكن القول إنه نفس التفاعل الذي يحدث في باطن الشمس وجميع النجوم الأخرى في الكون.

أطلق بعض المحللين على هذا الإعلان اسم “إنجاز القرن”، لكن ذلك لا يعني أننا سنكون قريباً قادرين على توليد الكهرباء بالاندماج النووي. بحسب التقديرات، سيستغرق الأمر عدة عقود حتى نتمكن من استغلال الإنجاز تجارياً، بسبب الصعوبات العلمية والتكنولوجية الكبيرة التي تواجه هذا النوع من التفاعلات.

اقرأ أيضاً: تعرف على سر الحصول على طاقة نووية بتكلفة معقولة

إثبات جدوى الاندماج النووي

قالت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر جرانهولم في مؤتمر صحفي بالعاصمة واشنطن، إن التجربة أجريت في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول في منشأة الإشعال الوطنية بمختبر لورانس ليفرمور الوطني في ولاية كاليفورنيا، وأنتجت طاقة تبلغ 3.15 ميغا جول مقارنة بـ 2.05 ميغا جول استهلكتها التجربة لإطلاق تفاعل الاندماج. وهكذا، ولأول مرة، تم إثبات جدوى تفاعل الاندماج النووي لإنتاج طاقة بطريقة يمكن التحكم بها.

وقالت جرانهولم في المؤتمر، إن التجربة كررت بعض الظروف الموجودة فقط في النجوم والشمس، هذا الإنجاز يقرّبنا خطوة نحو إمكانية توليد طاقة خالية من الكربون في مجتمعنا.

وأضافت الوزيرة: “تلتزم إدارة بايدن – هاريس بدعم علمائنا في فريق منشأة الإشعال الوطني ومراكز البحث الأخرى، التي سيساعدنا عملها في حل المشكلات الأكثر تعقيداً وإلحاحاً، مثل توفير الطاقة النظيفة لمكافحة تغيّر المناخ”.

وأكدت الوزيرة أنه من أجل استغلال هذا الإنجاز والحصول على طاقة يمكنها تزويد المنازل والشركات بالطاقة، هناك حاجة إلى المزيد من العمل وبعض التطورات العلمية والتكنولوجية.

اقرأ أيضاً: ما المطلوب لإطلاق القدرات الكامنة للطاقة الحرارية الأرضية؟

أهمية الاندماج النووي

يعتبر الاندماج النووي ذا أهمية كبيرة على مستوى العالم، نظراً لأنه يوفر مصدراً لطاقة مستدامة لا تنضب على عكس المصادر القائمة على الوقود الأحفوري أو تفاعلات الانشطار النووي. فكما نعرف، يؤدي حرق الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) لإطلاق انبعاثات ضارة في الغلاف الجوي تفاقم الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ. وفي حين أن تفاعلات الانشطار النووي التي تحدث في المفاعلات النووية لا تنتج غازات الاحتباس الحراري، فإنها تنتج نفايات نووية مشعة وخطيرة للغاية، يتطلب التخلص منها تكلفة كبيرة، حيث يتم تأمينها في مستودعات تحت الأرض تبقى فيها مئات السنين.

يؤدي تفاعل الاندماج النووي لتوليد طاقة كبيرة، أكبر بكثير من الطاقة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري أو تفاعل الانشطار النووي، وذلك باستخدام عنصر واحد موجود بكثرة وهو الهيدروجين.

وفقاً لصحيفة ذا واشنطن بوست، يعد هذا الإنجاز علامة فارقة في السعي الذي دام عقوداً لتطوير تقنية توفر طاقة غير محدودة ولا تنتج نفايات مشعة أو تحتاج إلى موارد كثيرة مثل تلك اللازمة لتسخير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

عقود تفصلنا عن الاستفادة من الاندماج النووي

سوف يستغرق الأمر عقوداً قبل أن نتمكن من استخدام الطاقة النظيفة الناتجة عن الاندماج النووي تجارياً. هذا ما أكده مدير مختبر لورانس ليفرمور الوطني كيم بوديل في المؤتمر الصحفي، حيث قال: “هناك عقبات كبيرة للغاية، ليس فقط من الناحية العلمية ولكن من الناحية التكنولوجية، هذا الإنجاز عبارة عن عملية اشتعال في حجرة، وللحصول على طاقة اندماج تجارية، تحتاج إلى الكثير من الأشياء. يجب أن تكون قادراً على إنتاج العديد من تفاعلات الاندماج في الدقيقة، وتحتاج إلى نظام قادر على نقلها”.

اقرأ أيضاً: ما هو المفاعل التجريبي الحراري النووي الدولي؟

آلية عمل مفاعل الاندماج النووي

يهدف الاندماج النووي إلى الحصول على طاقة بطريقة تحاكي التفاعلات التي تحدث في النجوم، يتم ذلك من خلال ضغط ذرتي هيدروجين معاً بسرعات وضغوط عالية حتى تندمجا. نتيجة هذا الاندماج، يتم إطلاق طاقة حرارية هائلة، يتم توجيه هذه الطاقة الحرارية لإنتاج الكهرباء وتوفيرها للمنازل والشركات دون إطلاق انبعاثات ضارة في الغلاف الجوي أو ترك نفايات مشعة.

هناك مشكلتان تمنعان الاستفادة من تفاعلات الاندماج النووي في إنتاج الطاقة وهما:

  1. عملية ضغط ذرات الهيدروجين ودمجها تتطلب طاقة كبيرة يجب حصرها في حيز صغير جداً، وقبل هذا الاختراق الذي أعلنته وزارة الطاقة الأميركية، كانت الطاقة الناجمة عن تفاعلات الاندماج النووي أقل من تلك المستخدمة لإحداث التفاعل، أي أنها غير مجدية اقتصادياً.
  2. يؤدي تفاعل الاندماج النووي لإنتاج طاقة حرارية هائلة في حيز صغير، ولا توجد أدوات نستطيع من خلالها التحكم في هذه الطاقة والحفاظ عليها، لأن الأدوات المستخدمة وحجرات التفاعل ستنصهر.

اقرأ أيضاً: ذكاء اصطناعي من ديب مايند يتحكم في مفاعل اندماج نووي

بعد النجاح الذي أعلنته وزارة الطاقة الأميركية في التغلب على المشكلة الأولى، يجب على العلماء التفكير في حل للمشكلة الثانية، الحل المقترح والذي يتم اختباره حالياً في عدة مفاعلات هو إحداث الاندماج النووي بحجرة تشبه شكل الدونات، حيث تستمر نواتج التفاعل بالدوران داخل الحجرة بشكل متحكم فيه، ما يسمح بامتصاص الطاقة منها تدريجياً والاستفادة منها حسب الحاجة.