ماذا حل بالمفاعلات النووية الأصغر حجماً التي كنا موعودين بالحصول عليها؟

6 دقائق
ماذا حل بالمفاعلات النووية الأصغر حجماً التي كنا موعودين بالحصول عليها؟
مصدر الصورة: ستيفاني آرنيت. ميتر. إنفاتو
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على مدى أكثر من عقد من الزمن، سمعنا أن المفاعلات النووية الصغيرة يمكن أن تمثّل ركيزة أساسية في مستقبل الطاقة النووية.

وبسبب حجمها، فإن المفاعلات التركيبية الصغيرة (SMR) يمكن أن تحل العديد من المشكلات الكبيرة التي تعاني منها المفاعلات النووية التقليدية، ما يجعل بناء المحطات أكثر سرعة وأقل تكلفة، كما يجعل تشغيلها أكثر أماناً.  

ومن المحتمل أننا اقتربنا من تحقيق هذا المستقبل. فمنذ فترة وجيدة، حققت شركة نيوسكيل (NuScale) في أوريغون عدة خطوات مهمة في خططها لبناء المفاعلات التركيبية الصغيرة، بما في ذلك الحصول على الموافقة النهائية من الحكومة الفيدرالية الأميركية على تصميم المفاعل الخاص بها. وتعمل عدة شركات أخرى، مثل كايروس باور (Kairos Power) ودجي إي هيتاشي نيوكلير إينرجي (GE Hitachi Nuclear Energy) أيضاً على بناء المفاعلات التركيبية الصغيرة التجارية، ولكن مفاعل نيوسكيل هو الأول الذي وصل إلى هذه المرحلة، متجاوزاً إحدى المراحل القانونية والتنظيمية النهائية الصعبة قبل أن تستطيع الشركة بناء مفاعلاتها في الولايات المتحدة. 

اقرأ أيضاً: تعرف على سر الحصول على طاقة نووية بتكلفة معقولة

ويمكن استخدام المفاعلات التركيبية الصغيرة، مثل المفاعلات التي تخطط نيوسكيل لبنائها، لتوفير الطاقة عند الحاجة في محطات سهلة البناء وسهلة الإدارة. ويمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد في التخفيف من وطأة التغيّر المناخي عن طريق بناء هذه المحطات بدلاً من محطات الوقود الأحفوري، مثل الفحم.

ولكن، وعلى الرغم من أن المفاعلات التركيبية الصغيرة تعد بتسريع عمليات بناء محطات الطاقة النووية، فإن مسارها وصولاً إلى هذه المرحلة كان مليئاً بالتأخيرات ومشكلات التكاليف المادية. كما أن المراحل الباقية أمام نيوسكيل ما زالت تمتد على مدى سنوات كاملة في المستقبل، ما يكشف مستوى التعديلات والتحسينات المطلوبة قبل أن يصبح بالإمكان بناء هذا الشكل من محطات الطاقة النووية بسرعة وفعالية.

تصغير التصميم

تولّد المفاعلات التركيبية الصغيرة من نيوسكيل الكهرباء عن طريق عملية مشابهة لتلك المعتمدة في محطات الطاقة النووية الحالية، حيث يقوم المفاعل بتقسيم الذرات ضمن لب مضغوط، ما يؤدي إلى إطلاق الحرارة. ويمكن استخدام هذه الحرارة بعد ذلك لتحويل الماء إلى بخار يقوم بدوره بتحريك توربين يولد الكهرباء. ويمثّل الحجم الفرق الأكبر بين نوعي المفاعلات.

ففي الماضي، كان بناء محطات الطاقة النووية عملاً ضخماً، وكانت تعتبر مشاريع هائلة، وتكلف مليارات الدولارات. يقول مدير المشاريع في مجموعة الدراسة نيوكلير إينوفيشن ألايانس (Nuclear Innovation Alliance) التي تركز على المشاريع النووية، باتريك وايت: “إذا كانت كلفة المشروع أكثر من مليار دولار، فعادة ما يتعرض للمشكلات والتأخيرات”.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن الاستغناء عن الوقود الأحفوري لصالح الطاقة المتجددة؟

وعلى سبيل المثال، تشهد جورجيا عمليات بناء لتركيب وحدتين إضافيتين في محطة فوغتل لتوليد الكهرباء. وتعمل كل من الوحدتين باستطاعة تتجاوز 1,000 ميغاوات، ما يكفي لتوفير الكهرباء لأكثر من مليون منزل. وقد كان من المفترض أن يبدأ المفاعلان عملهما في 2017. ولكنهما لم يبدآ حتى الآن، كما أن تكلفة المشروع وصلت إلى ضعف التكلفة الأساسية، متجاوزة 30 مليار دولار، منذ أن بدأ البناء منذ عقد من الزمن.

وعلى العكس من ذلك، تخطط نيوسكيل لبناء وحدات مفاعل بقدرة توليد أقل من 100 ميغاوات. وعندما يتم جمع هذه الوحدات ضمن محطة الطاقة، ستصل قدرة التوليد إلى عدة مئات من الميغاوات، ما يجعلها أقل حتى من وحدة واحدة في محطة فوغتل. ويمكن لمحطات الطاقة التي تعمل بالمفاعلات التركيبية الصغيرة، والتي تعمل بسعة عدة مئات من الميغاوات، أن تؤمّن طاقة كهربائية كافية لعدة مئات من الآلاف من المنازل، أي ما يقارب استطاعة محطة توليد متوسطة الحجم تعمل بالفحم في الولايات المتحدة. 

وعلى حين تشغل محطة فوغتل موقعاً يمتد على مساحة تتجاوز 3,000 فدان، فإن مشروع المفاعلات التركيبية الصغيرة لنيوسكيل سيحتاج فقط إلى مساحة 65 فداناً. 

اقرأ أيضاً:  ما الدافع وراء قرار فرنسا بالعودة إلى استخدام الطاقة النووية؟

ويمكن أن يكون بناء محطات الطاقة النووية الأصغر حجماً أكثر سهولة، كما يمكن أن يساعد في تخفيف التكاليف، حيث تستطيع الشركات اتباع معيار موحد في التصميم للمفاعلات. يقول مدير مركز أنظمة الطاقة النووية المتقدمة في إم آي تي، جاكوبو بونجيورنو: “هنا تكمن الميزة الإيجابية، حيث يصبح العمل روتيني الطابع، وأقرب إلى استخدام قوالب جاهزة”.

أيضاً، يمكن أن تكون هذه المفاعلات أكثر أماناً، بما أن الأنظمة المطلوبة لتبريدها ستكون أكثر بساطة، شأنها شأن الأنظمة المستخدمة لإيقافها عن العمل في حالات الطوارئ. 

تجاوز الإجراءات البيروقراطية المعقدة

تكمن المشكلة في جميع هذه الإيجابيات أنها ما زالت في معظمها، حتى الآن، مجرد احتمالات على الورق. وقد بدأ إطلاق مشاريع تجريبية في بعض أنحاء العالم، حيث كانت الصين أول دولة تقوم بوصل مفاعل تركيبي صغير مع الشبكة الكهربائية في 2021. ومنذ فترة وجيزة، وقّعت دجي إي هيتاشي نيوكلير إينرجي مجموعة من العقود التجارية لبناء محطة في أونتاريو، ويمكن لهذه المحطة أن تبدأ العمل في منتصف العقد المقبل. أما نيوسكيل فتعمل أيضاً على تأسيس مشاريع في رومانيا وبولندا. 

وحتى الآن، لا يوجد أي مفاعلات تركيبية صغيرة تعمل في الولايات المتحدة، ويعود هذا جزئياً إلى تعقيد العملية التنظيمية التي تديرها اللجنة التنظيمية النووية (NRC)، وهي وكالة فيدرالية مستقلة.

اقرأ أيضاً: هل تستأنف الصين نشاطها النووي؟

وفي الواقع، فإن الطاقة النووية هي الطاقة الوحيدة التي تم تخصيص وكالة تنظيمية مستقلة لها في الولايات المتحدة. وتعني هذه الدرجة العالية من الإشراف والتدقيق عدم إهمال أي تفاصيل، ما يعني أن إطلاق المشاريع النووية يحتاج إلى بعض الوقت. تقول الأمينة المساعدة في مكتب الطاقة النووية في وزارة الطاقة الأميركية، كاثرين هاف: “إنها مشاريع ضخمة وفائقة التعقيد”. تساعد وزارة الطاقة الأميركية في تمويل مشاريع المفاعلات التركيبية الصغيرة ودعم الأبحاث فيها، ولكنها لا تشرف على وضع القوانين المتعلقة بها.

لقد بدأت نيوسكيل عملية الحصول على الموافقات التنظيمية في 2008، وقدمت طلبها الرسمي إلى اللجنة التنظيمية النووية في 2016. وفي 2020، عندما تلقت الموافقة على تصميم مفاعلها، قالت الشركة إن العملية التنظيمية كلفتها نصف مليار دولار، وإنها قدمت مليوني صفحة تقريباً من الوثائق والمستندات الداعمة إلى اللجنة.

وبعد أكثر من سنتين من التفاصيل النهائية، وبعد عملية تصويت من قبل هذه الوكالة، أصدرت اللجنة التنظيمية النووية قرارها النهائي حول تصميم المفاعل الخاص بنيوسكيل منذ فترة وجيزة. وأصبح هذا القرار نافذاً في 21 فبراير/ شباط الجاري، وينص على منح الترخيص لتصميم وحدة مفاعل من نيوسكيل لتوليد 50 ميغاوات من الكهرباء.

ويعني تلقي القرار النهائي حول التصميم أن نيوسكيل ستضطر فقط إلى الحصول على الموافقة على موقع المفاعل واستكمال التدقيق النهائي حول معايير السلامة قبل البدء بالبناء. وبالتالي، ومن الناحية النظرية، تمكنت نيوسكيل من تجاوز أصعب الخطوات التنظيمية الضرورية قبل بناء مفاعل.

اقرأ أيضاً: إنجاز تاريخي في الاندماج النووي سيوفر طاقة نظيفة لا تنضب

يقول بونجيورنو: “إنه حدث كبير، ويستحق الاحتفال بوصفة لحظة مفصلية”. ولكنه يضيف قائلاً إن الاستخفاف بالمراحل القادمة خطأ فادح: “عند التعامل مع اللجنة التنظيمية النووية، لا يمكن تحقيق أي شيء بسرعة أو بسهولة”.

وهناك تفصيل إضافي: فنيوسكيل لديها رغبة في تعديل وحدات المفاعل. فعندما كانت الشركة تخوض العملية التنظيمية الطويلة، لم يكن الباحثون قد انتهوا من العمل على تصميم المفاعل. وخلال عملية تقديم الطلب والتخطيط، اكتشفت الشركة أنه يمكن لمفاعلاتها تحقيق أداء أفضل.

يقول رئيس قسم التكنولوجيا في نيوسكيل وأحد مؤسسيها، خوسيه ريز: “لقد وجدنا أنه يمكن إنتاج استطاعة أعلى باستخدام المفاعل نفسه بالحجم نفسه”. فقد تبين للشركة أنه يمكن لكل وحدة مفاعل إنتاج 77 ميغاوات، لا 50 ميغاوات وحسب. 

اقرأ أيضاً: قطاع النفط والغاز: فرصة الهيدروجين النظيف للبلدان الغنية بالهيدروكربونات

ولهذا، غيّرت الشركة مسارها. ففي محطتها الأولى، والتي سيتم بناؤها في مختبر أيداهو الوطني، تخطط نيوسكيل لتجميع ست وحدات من المفاعلات الأعلى استطاعة، ما يجعل الاستطاعة الإجمالية للمحطة تصل إلى 462 ميغاوات.

وتتطلب الاستطاعة الأعلى بعض التعديلات، ولكن تصميم الوحدة لم يتغير بشكل جوهري. ولكن ما زال هذا يفرض على الشركة تقديم المخططات الجديدة إلى اللجنة التنظيمية النووية، وهو ما قامت به مؤخراً. ومن الممكن أن تستغرق موافقة الوكالة على المخططات المعدّلة سنتين، ويمكن للشركة بعدها الانتقال إلى الحصول على الموافقة على الموقع، كما يقول ريز.

الطريق الطويل نحو المستقبل

في 2017، خططت نيوسكيل للبدء بتشغيل محطتها الأولى في أيداهو وتوليد الكهرباء للشبكة بحلول عام 2026. وتم تأجيل هذا الموعد إلى 2029. 

وفي هذه الأثناء، أصبحت التكاليف أعلى مما كانت عليه عند بدء العملية التنظيمية. ففي يناير/ كانون الثاني، أعلنت نيوسكيل أن السعر الأصلي للكهرباء من مشروع محطة أيداهو قد ازداد من 58 دولاراً للميغاوات/ الساعة إلى 89 دولاراً. وتعتبر هذه التكلفة أعلى من تكلفة معظم مصادر الكهرباء الأخرى حالياً، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومعظم المحطات التي تعمل بالغاز الطبيعي. 

ومن المرجح أن الأسعار كانت ستصل إلى مستويات أعلى لولا وجود استثمارات فيدرالية كبيرة. فقد أسهمت وزارة الطاقة في المشروع حتى الآن بأكثر من مليار دولار، كما أن قانون خفض التضخم الذي تم إقراره في العام الماضي يتضمن إعفاءات ضريبية بمقدار 30 دولاراً لكل ميغاوات/ ساعة لمحطات الطاقة النووية.

اقرأ أيضاً: قد لا تظن ذلك: لكن للطاقات المتجددة أضراراً بيئية أيضاً!

لقد ارتفعت التكاليف بالنسبة للكثير من مشاريع البناء الضخمة، حيث أثّر التضخم على أسعار الصلب وغيره من مواد البناء، على حين ارتفعت معدلات الفائدة. ولكن الزيادات تبرز أيضاً ما يحدث في المشاريع الهندسية غير المسبوقة، كما يقول بونجيورنو: فالشركات قد تحاول إطلاق الوعود بتقديم نتائج سريعة وكهرباء ميسورة التكلفة، ولكن “أولى الوحدات ستكون مترافقة على الدوام بشيء من التأخير، وشيء من التكاليف الإضافية”.

وإذا تواصل ارتفاع الأسعار، فمن المحتمل أن ينسحب بعض المساهمين من مشروع نيوسكيل، ما قد يمثّل خطراً على المشروع. وبالنسبة لمشاريع المفاعلات التركيبية الصغيرة، “لن أصدق أنها حقيقية حتى أراها قيد العمل”، كما يقول بونجيورنو. 

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: المملكة المتحدة تحصل على الطاقة من المصادر المتجددة بنسبة أكبر من الوقود الأحفوري

ولن تتحقق المزايا التي تعد بها تكنولوجيا المفاعلات التركيبية الصغيرة إلا عندما يحين وقت بناء المفاعل الثاني، والثالث، والخامس، والمئة، كما تقول هاف من وزارة الطاقة، وقد بدأت الشركات والمؤسسات التنظيمية تتعلم كيفية تسريع العملية لتحقيق هذا الهدف. ولكن مزايا المفاعلات التركيبية الصغيرة ستبقى كلها في النطاق النظري إلى أن تباشر العمل، وتزودنا بالكهرباء دون الحاجة إلى الوقود الأحفوري.

تقول هاف: “لن يتحول هذا الأمر إلى حقيقة واقعة قبل أن تدخل هذه الإلكترونات في وصلات الشبكة الكهربائية”.