الشخصيات الرقمية في الميتافيرس: المجال الجديد للتشوه الجسمي على الإنترنت

6 دقائق
الشخصيات الرقمية
حقوق الصورة: دانييل زيندر.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في رؤية فيسبوك الخاصة بالميتافيرس، سندخل حالة تفاعل جماعي في وسط متعدد الأبعاد يجمع العوالم الرقمية والحقيقية.
وستكون نسخنا الرقمية قادرة على تناول الطعام، والتحدث، والمواعدة، والتسوق، وغير ذلك.

هذه هي الصورة التي رسمها لنا مارك زوكربيرج عندما غير اسم الشركة إلى ميتا منذ حوالي أسبوعين. وقد استخدم مؤسس فيسبوك، كعادته، عرضاً تقديمياً غريباً يتضمن شخصية رقمية كرتونية لنفسه في نشاطات متعددة، مثل الغطس وعقد الاجتماعات.

ولكن زوكربيرج يتوقع، في نهاية المطاف، أن الميتافيرس سيتضمن شخصيات رقمية حقيقية التصاميم بملامح أكثر واقعية بكثير، وستكون قادرة بطبيعة الحال على المشاركة في نفس النشاطات التي نقوم بها في العالم الحقيقي، ولكن بصورة رقمية. وقد قال زوكربيرج في إعلان تغيير اسم الشركة: “نهدف إلى تقديم شخصيات رقمية واقعية التصميم وشخصيات إلكترونية بتصاميم خاصة، وذلك حتى ننشر شعوراً عميقاً بتواجدنا مع المستخدمين”.

 

كيف يمكن أن نستعد لعصر الشخصيات الرقمية؟

وإذا كانت هذه الشخصيات الرقمية مقبلة فعلاً، فيجب أن نتعامل مع بعض الأسئلة الصعبة حول كيفية تقديم أنفسنا إلى الآخرين.
كيف يمكن لهذه النسخ الافتراضية المأخوذة عنا أن تغير من إحساسنا إزاء أجسامنا، للأفضل أم للأسوأ؟

ليست الشخصيات الرقمية بالفكرة الجديدة بطبيعة الحال. لقد كان هواة الألعاب يستخدمونها منذ عقود كاملة، فقد مهدت المخلوقات المربعة المصممة بعدد محدود من البيكسلات في لعبة سوبر ماريو الطريق إلى ظهور شخصيات فائقة الواقعية في لعبة ديث ستراندينج، والتي تتحرك وتعبر عن مشاعرها بشكل واقعي لدرجة مدهشة، تماماً مثل أي بشري حي ويتنفس. ولكن طريقة استخدامنا للشخصيات الرقمية تصبح أكثر تعقيداً عندما نتوقع منها أن تتصرف كتجسيد خاص بنا، بعيداً عن سياق لعبة معينة.

قد يكون من السهل عليك أن تتقمص ملابس ماريو وأصواته المميزة أثناء اللعب. ولكن بناء شخصية رقمية تجسدك وتقدمك إلى الآخرين وتعبر عن جوهرك أمر مختلف تماماً، فالشخصيات الرقمية في الميتافيرس ستجد نفسها في أوضاع يوجد فيها الكثير على المحك، بشكل يتجاوز بكثير مجرد جائزة في لعبة سباق إلكترونية.

ففي المقابلات أو الاجتماعات، قد تلعب هذه الشخصية التي تجسدك دوراً أكبر وأبعد تأثيراً. وبالنسبة للبعض، فإن الشخصيات الرقمية التي تعكس هويتهم ستكون مصدراً كبيراً للثقة بالنفس. ولكن بناء هذه الشخصيات قد يكون أمراً صعباً. وعلى سبيل المثال، فقد أجرى محترف ألعاب الفيديو كيربي كرين مؤخراً تجربة حاول فيها القيام بشيء واحد بسيط: بناء شخصية رقمية تشبهه في 10 ألعاب فيديو مختلفة.

يقول كرين، والذي يصف نفسه بأنه “شخص بدين من مجتمع الميم”: “لم يكن هدفي الأساسي دراسة فلسفة الشخصيات الرقمية، بل بالأحرى دراسة التمثيلات المتوفرة في الشخصيات الرقمية الحالية ومحاولة التعبير عن نفسي بدقة”. سمحت له بعض الألعاب بتضخيم جسمه، ولكنها جعلت جسمه يفيض خارج الملابس في مفعول غريب عند محاولته جعل الشخصية الرقمية بدينة.

على حين لم تسمح ألعاب أخرى ببناء شخصية رقمية ذكر بنهدين، وهو ما وجده كرين باعثاً على العزلة، حيث يوحي بأن الطريقة الوحيدة للتعبير عن الذكورة هي الطريقة التقليدية. وفي نهاية المطاف، لم يتمكن كرين من الحصول على أي شخصية رقمية تشبهه بما يكفي، وهي نتيجة لم تفاجئه على الإطلاق. ويقول: “لست في حاجة بالطبع إلى مطوري هذه اللعبة أو تلك كمصدر لثقتي بنفسي، ولكن من المهانة أن نرى التعبير عن الرجل الافتراضي والمعايير المقبولة التي تعبر عن معنى هذا المفهوم”.

ليست تجربة كرين علمية، كما أنها ليست مؤشراً على طريقة عمل الميتافيرس. ولكنها تمثل نظرة إلى التأثيرات بعيدة المدى للشخصيات الرقمية حول مشاعر الناس وطريقة حياتهم في العالم الحقيقي. وما يزيد الموضوع تعقيداً هو إعلان ميتا عن مشروع “⁧كوديك أفاتارز⁧” (Codec Avatars)، وهو مشروع ضمن “رياليتي لابز” (Reality Labs)، قسم أبحاث الواقع الافتراضي والمعزز في فيسبوك، وذلك للعمل على تصميم شخصيات رقمية واقعية الشكل.

وقد تحدث زوكربيرج عن بعض الخطوات التي حققتها المجموعة نحو جعل الشخصيات الرقمية تبدو أكثر شبهاً بالبشر، مثل مشاعر أكثر وضوحاً، ورسوميات أفضل للشعر والبشرة.

ويقول : “ربما لن ترغب بأن تبدو شخصيتك الرقمية مطابقة لك على الدوام، ولهذا السبب يحرص الناس على حلاقة اللحية والتأنق وتسريح الشعر ووضع المكياج ورسم الوشوم، وبطبيعة الحال، سيكون من الممكن فعل كل هذا وأكثر في الميتافيرس”. يمكن أن تسمح هذه الدرجة العالية من التخصيص للشخصيات الرقمية بتجسيد التجربة الحياتية للملايين من الناس، والذين وجدوا هذه التكنولوجيا محدودة حتى الآن، مثل كرين.

ولكن، يمكن أن يقوم الناس أيضاً بالعكس، وذلك بتصميم شخصيات رقمية مثالية، وهي أشبه بنسخ ضارة عنهم، مع شفاه وأوراك منتفخة إلى درجة تكفي للانضمام إلى عائلة كارداشيان، أو تفتيح البشرة لمجاراة النماذج النمطية العرقية، أو التخلي عن ثقافتهم بتغيير ملامحهم إلى ملامح بيضاء بشكل مباشر.

وهو ما يدفع إلى طرح السؤال التالي: ماذا يمكن أن يحدث إذا كانت الشخصية الرقمية التي تقدمها إلى الآخرين لا تمثلك فعلياً؟ هل هذا مهم؟

اقرأ أيضاً: المحدودية الرقمية: معضلة كبرى تلوح في الأفق

هل من المهم أن تعكس الشخصية الرقمية حقيقتنا على أرض الواقع؟

أجرت جنيفر أوغل من جامعة كولورادو الحكومية وجيويون بارك من جامعة سيؤول الوطنية ⁧⁩دراسة⁧ صغيرة في هذا العام، وهي دراسة قد تلقي بعض الضوء على تأثير الشخصيات الرقمية على صورة أجسامنا لدينا. وتضمنت هذه التجربة جمع 18 امرأة من 18 إلى 21 عاماً ممن يقلن إنهن يعانين من بعض المشاكل مع صورة أجسامهن، ولكنهن لم يتلقين أي علاج بخصوص هذه المسألة. وقد فُصلت المجموعة إلى مجموعتين.

حضرت إحدى المجموعتين برنامجاً حول النظر بإيجابية إلى الجسم قبل تصميم شخصية رقمية مطابقة لهن، على حين شاركت المجموعة الأخرى في برنامج النظرة الإيجابية وحسب. وتبين النتائج الصعوبة البالغة التي واجهت المشاركات لدى رؤية أنفسهن من وجهة نظر الشخص الثالث. وقد قالت إحداهن: “لم أكن أعرف شكل شخصيتي الرقمية، وأنا أشعر بالتردد، فلا أعتقد أن هذا شكلي. لقد جعلتني هذه التجربة أكثر انتباهاً إلى شكلي، كما أنني أعاني من مشاعر سلبية إزاء نفسي”.

لقد أدت برامج النظرة الإيجابية إلى تحسن مؤقت في حب الذات، ولكن هذا المفعول انتهى فور رؤيتهن للشخصيات الرقمية.
هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للميتافيرس، حيث يُرجح أن تكون الشخصيات الرقمية هي الطريقة الأساسية للتواصل والتفاعل ما بين الجميع.

وقد أثارت نويل مارتن، وهي باحثة قانونية في جامعة وسترن أستراليا ومؤلفة مشاركة في بحث مقبل حول الميتافيرس الخاص بشركة ميتا، هذه المخاوف بالضبط. وقد كتبت في رسالة بالبريد الإلكتروني: “إذا تمكن الناس من تعديل شخصياتهم الرقمية البشرية ثلاثية الأبعاد، والتي تتميز بأشكال شديدة الواقعية، أو تمكنوا من تغيير هوياتهم الرقمية أو فلترتها والتلاعب بها، فهناك احتمال حقيقي ومثير للقلق للتعرض إلى ظاهرة التشوه الجسمي، و⁧تشوه السيلفي⁧، واضطرابات الأكل، وهو ما يمكن أن يؤثر على وجه الخصوص على الفتيات الصغيرات لدى إنتاج ⁧⁩معايير جمالية غير واقعية ولا يمكن تحقيقها⁧“.

اقرأ أيضاً: ما الصفات الأساسية لقادة الحكومات الرقمية؟

مخاوف اختلاف الشخصيات الرقمية عن الواقعية تبررها تجارب الشركات

فقد تعرضت فيسبوك إلى انتقادات حادة بسبب إخفاء بحث داخلي يشير إلى أن ⁧⁩إنستقرام يحدث أضراراً فادحة بصورة الجسم لدى المراهقات⁧. وقد وجد تقرير في مجلة “وول ستريت جورنال” (Wall Street Journal) أن تركيز محتوى التطبيق على الجسم وأسلوب الحياة يجعل المستخدمين أكثر عرضة للإصابة بالتشوه الجسمي.

ولكن في الميتافيرس، حيث ستكون الشخصيات الرقمية الأسلوب الأساسي لتقديم الشخص لنفسه في الكثير من المواقف، فقد يشعر الأشخاص المعرضون لدرجة أكبر من التأثير السلبي بضغط إضافي لتعديل شكلهم. وتقول مارتن إن الشخصيات الرقمية القابلة للتعديل في الميتافيرس قد تُستخدم “لزيادة انتشار التفاوت والظلم العرقي”.

وقد قالت الناطقة الرسمية باسم ميتا إيلواز كوينتانيلا إن الشركة مدركة لجميع هذه المشاكل المحتملة: “نحن نطرح على أنفسنا جميع الأسئلة الهامة، مثل دراسة التعديلات الهامة التي تضمن الحفاظ على الشخصيات الرقمية كتجربة إيجابية وآمنة”.

أما “مايكروسوفت” (Microsoft)، ⁧التي أعلنت مؤخراً عن خطتها لتأسيس ميتافيرس خاص بها⁧⁩، فقد كانت أيضاً تدرس استخدام الشخصيات الرقمية، على الرغم من أن أبحاثها كانت تركز إلى درجة كبيرة على ظروف أماكن العمل المختلفة، مثل الاجتماعات.

إن فكرة استخدام شخصيات رقمية في الميتافيرس للأطفال تثير مجموعة كاملة أخرى من الأسئلة القانونية والأخلاقية. فمنذ زمن، اعتمدت منصة الألعاب فائقة النجاح “روبلوكس” (Roblox)، والموجهة بشكل أساسي إلى الأطفال، على الشخصيات الرقمية كوسيلة أساسية لتفاعل اللاعبين مع بعضهم البعض.

وقد ⁧أعلنت⁧ الشركة عن خططها لبناء ميتافيرس في الشهر الماضي، وقال الرئيس التنفيذي والمؤسس ديفيد باشوكي إن الميتافيرس الخاص بروبلوكس سيكون مكاناً “يمكنك أن تتخذ فيه أي هوية تشاء”.

حتى الآن، كانت شخصيات روبلوكس الرقمية طريفة التصاميم، ولكن باشوكي يقول إن الشركة تحاول بناء شخصيات قابلة للتعديل بالكامل: “أي جسم، أي وجه، أي شعر، أي ملابس، أي حركة، أي نظام تتبع لملامح الوجه، سنجمع كل هذه المزايا معاً. وتقول تقديراتنا إن تنفيذ هذا المشروع بشكل صحيح سيؤدي إلى ما يشبه انفجاراً ابتكارياً، ليس فقط لدى مصممينا وحسب، بل مستخدمينا أيضاً”.

في المحصلة، تمثل الشخصيات الرقمية الصورة التي نرغب بالظهور بها أمام الآخرين. ولكن ليس هناك خطة لما يمكن فعله في حال اتخذت الأمور منحى سلبياً، كما سيحدث بالتأكيد. يجب على التكنولوجيا أن تسير على حد فاصل رفيع، حيث تحافظ على واقعية كافية للتعبير بشكل جيد عن هويات المستخدمين، ولكن دون تعريض صحتهم العقلية للخطر. وكما تقول بارك: “لن نتمكن من إيقاف تقدم الميتافيرس. ولهذا يجب أن نستعد بحكمة”.

إذا أثبتت أبحاث فيسبوك شيئاً واحداً على الأقل، فهو أن شركات التواصل الاجتماعي مدركة تماماً للآثار السلبية لتكنولوجياتها، ولكن الحكومات وأنظمة الأمان الاجتماعية ما زالت متأخرة عن حماية الشرائح الأكثر تعرضاً للأذى. يدرك كرين مخاطر الشخصيات الرقمية الأكثر واقعية على من قد يعانون من التشوه الجسمي، ولكنه يقول إنه سيكون من الرائع أن يتمكن من رؤية نفسه في العالم الافتراضي.

“بالنسبة لي، فإن بهجة رؤية نفسي مُمَثلاً بدقة ستعني أنني لست الشخص الوحيد الذي يعترف بوجودي، وتعني أن فريق المطورين أيضاً يرى الفائدة من وجودي بشكلي كرجل”.