مبتكر المساعدات الافتراضية يراها تفشل من دون اتباع نهج جديد في الذكاء الاصطناعي

4 دقائق
مصدر الصورة: إم إس. تيك
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يقدم كلٌّ من سيري، أليكسا، وجوجل هوم، مثالاً يوضح أن التكنولوجيا التي تحلل اللغات تجد طريقها إلى حياتنا اليومية بشكل متزايد.

لكن بوريس كاتز – وهو عالم أبحاث رئيسي في معهد إم آي تي – لا يبدو منبهراً بهذا الأمر، فعلى مدار الأربعين عاماً الماضية، قدم كاتز إسهامات رئيسية في القدرات اللغوية للآلات.  وفي الثمانينيات، قام بتطوير “ستارت Start”، وهو نظام قادر على الاستجابة لاستعلامات تمت صياغتها بلغة طبيعية.

إن الأفكار التي استُخدمت في ستارت ساعدت واطسون من آي بي إم على الفوز في برنامج المسابقات التلفزيوني الأميركي جيوباردي! ووضعت حجر الأساس لخوادم الدردشة الاصطناعية.

ولكن كاتز يشعر بالقلق الآن من أن هذا المجال يشوبه الاعتماد على أفكار مضى عليها عشرات السنين، وأن هذه الأفكار لن تمنحنا آلاتٍ تتمتع بذكاء حقيقي. وقد التقيت به لمناقشة أوجه القصور الحالية التي تعانيها خوادم الذكاء الاصطناعي، وسماع أفكاره عن الاتجاهات التي ينبغي للأبحاث أن تسلكها إن كانت ستصبح أكثر ذكاءً يوماً ما.

كيف أصبحت مهتماً بجعل الحواسيب تستخدم اللغة؟

صادفت الحواسيب لأول مرة في ستينيات القرن الماضي عندما كنت طالباً جامعياً في جامعة موسكو، والآلة المتميزة التي استخدمتها كانت حاسوباً مركزياً يسمى BESM-4. لم يكن بإمكان المرء أن يستخدم سوى رموز بالنظام الثماني للتواصل معها. تضمّن أول مشروع حاسوبي لي مهمة تعليم الحاسوب كيف يقرأ المسائل الرياضية، ويفهمها، ويحلها.

ثم قمت بتطوير برنامج حاسوبي يكتب الشعر. ما زلت أتذكر الوقوف في غرفة الآلة وأنا أنتظر رؤية القصيدة التالية التي قامت الآلة بنظمها. وقد ذهلت بجمال القصائد؛ حيث بدا أنه تم إنشاؤها على يد كيان ذكي. وقد أدركت حينها أن لدي الرغبة لأقضي ما تبقى من عمري بالعمل على ابتكار آلات ذكية وإيجاد طرق للتواصل معها.

ما رأيك بسيري، وأليكسا، وغيرها من المساعدات الشخصية؟

من المضحك أن نتحدث عن هذا الأمر، لأنه من ناحية، نحن فخورون للغاية بهذا التقدم المذهل، فالجميع يحمل في جيبه شيئاً ساعدنا بابتكاره منذ عدة سنوات، وهو أمرٌ رائع.

مصدر الصورة: إم آي تي

ولكن من ناحية أخرى، فإن هذه البرامج غبية بشكل لا يصدق. لذا فإن هناك شعوراً بالفخر ممزوجاً بشيء من الإحراج. فأنت تطلق شيئاً ما يشعر الناس أنه ذكي، في حين أنه لا يمت للذكاء بصلة.

لقد تحقق تقدم كبير في الذكاء الاصطناعي بفضل التعلم الآلي، ألا يجعل هذا الآلات تجيد التعامل مع اللغات بشكل أفضل؟

من ناحية لدينا هذا التقدم الكبير الذي تم إحرازه، ومن ناحية أخرى تم تضخيم جزء من هذا التقدم. إذا نظرت إلى التقدم الذي تحقق في التعلم الآلي، فإن جميع الأفكار قد ظهرت قبل 20 إلى 50 عاماً مضت.

في النهاية، فإن المهندسين قاموا بعمل رائع عندما حققوا هذه الأفكار على أرض الواقع. لكن هذه التكنولوجيا، بقدر ما هي رائعة، إلا أنها لن تحل مشكلة الفهم الفعلي للذكاء الحقيقي.

مع ذلك، يبدو أننا نحرز تقدماً في الذكاء الاصطناعي، أليس كذلك…

على مستوى العموميات، فإن التقنيات الحديثة – التقنيات الإحصائية مثل التعلم الآلي والتعلم العميق – جيد جداً في العثور على أوجه الاتساق. ولأن البشر عادةً ما ينشئون الجمل نفسها في أغلب الأوقات، فمن السهل جداً العثور عليها في اللغة.

انظر إلى النص التنبؤي، حيث تعرف الآلة ما الذي ستقوله أفضل منك. قد تسمي هذا الأمر ذكاءً، ولكنه ليس سوى إحصاء للكلمات والأرقام. نظراً لأننا نظل نقول الأشياء نفسها، فمن السهل بناء أنظمة تلتقط أوجه الاتساق وتتصرف كما لو أنها ذكية. هذه هي الطبيعة الوهمية للكثير من التقدم الحالي.

ماذا عن أداة توليد اللغة الخطيرة التي أعلنت عنها أوبن إيه آي مؤخراً؟

هذه الأمثلة مثيرة للإعجاب في الواقع، ولكنني لست واثقاً مما تعلمه إيانا. فقد تم تدريب النموذج اللغوي لأوبن إيه آي على 8 ملايين صفحة ويب بهدف التنبؤ بالكلمة التالية، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع الكلمات السابقة في بعض النصوص (التي كانت عن نفس الموضوع الذي تم تدريب النموذج عليه). هذا القدر الهائل من التدريب قد ضمن الاتساق المحلي بالتأكيد (النحوي وحتى الدلالي) للنص.

لماذا تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يسلك الطريق الخاطئ في معالجة اللغة؟

في معالجة اللغات، كما هو الحال في المجالات الأخرى، تم إحراز التقدم من خلال نماذج التدريب على كميات هائلة من البيانات، والتي تقدر بعدة ملايين من الجمل. ولكن الدماغ البشري لن يكون قادراً على تعلم اللغات باستخدام هذا التصور. فنحن لا نترك أطفالنا الرضع مع موسوعة في سريرهم، ثم نتوقع منهم أن يتقنوا اللغة.

عندما نرى شيئاً ما، فإننا نصفه لغوياً؛ عندما نسمع أحداً ما يتحدث عن شيء ما، فإننا نتخيل كيف تبدو الأشياء والأحداث التي يتم وصفها في العالم الحقيقي.

يعيش البشر في بيئة مادية، مليئة بالمدخلات الحسية البصرية، واللمسية، واللغوية، والطبيعة الوافرة والمتكاملة لهذه المدخلات تمكّن الأطفال البشر من فهم العالم، وتعلم اللغة في الوقت نفسه. هل يمكن القول إننا ربما عن طريق دراسة هذه الحواس بشكل مستقل، قد زدنا من تعقيد المسألة بدلاً من تبسيطها؟

ما أهمية المنطق السليم؟

لنفترض أن روبوتك يساعدك على حزم حقائبك، وأنت تقول له: “هذا الكتاب لن يتسع له الصندوق الأحمر فهو صغير جداً”.

من الواضح هنا أنك تريد لروبوتك أن يفهم أن الصندوق الأحمر صغير جداً، وبالتالي يمكنك الاستمرار في إجراء محادثة مجدية. مع ذلك، إذا قلت للروبوت: “هذا الكتاب لن يتسع له الصندوق الأحمر لأنه كبير جداً”، فأنت تريد لروبوتك أن يفهم أن الكتاب كبير جداً.

إن معرفة ماهية الكيان الذي يشير إليه الضمير المستخدَم في محادثة ما تُعدّ مهمة شائعة جداً يقوم بها البشر كل يوم، ومع ذلك، وكما يمكنك أن ترى من هذه الأمثلة وغيرها، فإن هذه المعرفة غالباً ما تعتمد على الفهم العميق للعالم المادي، وهو بعيد المنال عن آلاتنا في الوقت الحالي: فهم المنطق السليم والمبادئ الفيزيائية البديهية، فهم المعتقدات والنوايا لدى الآخرين، القدرة على التصور والتفكير بشأن الأسباب والنتائج، وأكثر من ذلك بكثير.

أنت تحاول تعليم الآلات مفاهيم اللغة باستخدام عوالم فيزيائية محاكية. فما هو السبب؟

لم يسبق لي أن رأيت أبوين يضعان موسوعة في سرير طفلهما ويقولان له: “هيا تعلّم”، وهذا هو ما تفعله حواسيبنا اليوم. لا أظن أن هذه الأنظمة سوف تتعلم الطريقة التي نريدها أو تفهم العالم بالأسلوب الذي نريده.

ما يحدث مع الأطفال الرضع هو أنهم يختبرون تجربة اللمس مع العالم المادي بشكل فوري، ليبدأو بعد ذلك بإدراك العالم من حولهم واستيعاب أحداثه وخصائص أغراضه، ثم يسمع الرضيع في نهاية المطاف المدخلات اللغوية، وهذه هي المدخلات المكمّلة التي تجعل سحر الفهم أمراً واقعاً.

ما هو الأسلوب الأفضل؟

تتمثل إحدى طرق التقدم في اكتساب فهم أكبر للذكاء البشري ومن ثم استخدام هذا الفهم لابتكار آلات ذكية. يتعين على أبحاث الذكاء الاصطناعي أن تعتمد على أفكار علم نفس النمو، وعلم الإدراك، وعلوم الأعصاب، وينبغي لنماذج الذكاء الاصطناعي أن تعكس ما بتنا نعرفه بشأن الكيفية التي يتعلم وفقها البشر ويفهمون العالم من حولهم.

لن يتم إحراز تقدم حقيقي إلا عندما يخرج الباحثون من مكاتبنا ويبدأون بالتحدث إلى الناس في مجالات أخرى. سوف نقترب معاً من فهم الذكاء واكتشاف كيفية استنساخه في آلات ذكية يمكنها التحدث، والرؤية، والعمل في عالمنا المادي.

إن التحدي المتمثل بابتكار آلات ذكية بحق صعبٌ للغاية، ولكنه يمثل أيضاً واحداً من أهم التحديات التي تواجهنا.