الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالجرائم في «شيكاغو» قبل أسبوع من وقوعها

3 دقائق
الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالجرائم في «شيكاغو» قبل أسبوع من وقوعها
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Marko Aliaksandr. تصميم الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على مدى السنوات القليلة الماضية، ازداد استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي بشكل مطرد في أعمال الشرطة لتقليل معدلات الجريمة وتسريع وتيرة القبض على المشتبه بهم. وقد استحوذت تقنية التعرف على الوجوه تحديداً على القدر الأكبر من الاهتمام، بسبب استخدامها المكثف على الرغم من افتقارها الملحوظ إلى الدقة نتيجة التحيزات المتأصلة في بيانات تدريبها، ما أدى إلى عدد كبير من الحوادث وعمليات الاعتقال العنصرية في الولايات المتحدة.

لكن باحثين من جامعة شيكاغو يقولون إن الذكاء الاصطناعي قد يكون له جانب مشرق في العمل الشرطي، إذ يمكنه أن يقلل معدلات الجريمة على نحو استباقي عبر التنبؤ بالجرائم العنيفة قبل أسبوع أو أكثر من وقوعها وبدقة عالية تصل إلى 90%.

خوارزمية تحلل بيانات الجريمة

يقول الأستاذ المساعد في المركز الطبي بجامعة شيكاغو إيشانو تشاتوبادياي، إنه طور مع زملائه نموذج ذكاء اصطناعي يحلل البيانات التاريخية المتعلقة بالجريمة في مدينة شيكاغو الواقعة بولاية إلينوي الأميركية، خلال الفترة من 2014 إلى نهاية 2016، ثم يتوقع مستويات الجريمة خلال الأسابيع التالية للفترة التي تدرب عليها.

وفي دراسة نُشرت، الخميس الماضي، في دورية “نيتشر هيومان بيهيفير” (Nature Human Behaviour)، أوضح الباحثون أن الخوارزمية الجديدة تتنبأ بالجريمة من خلال تعلم الأنماط الخاصة بالوقت والمواقع الجغرافية التي ورد ذكرها في البيانات العامة المتعلقة بفئتين واسعتين من الجرائم التي تم الإبلاغ عنها: جرائم العنف (جرائم القتل والاعتداءات الجسدية) وجرائم التعدي على الممتلكات (السطو وسرقة المنازل والسيارات).

لجأ الباحثون إلى هذه البيانات تحديداً لأنها كانت الأكثر احتمالاً للإبلاغ عنها، كما أنها أقل عرضة للتحيز من قبل الشرطة، على عكس جرائم المخدرات ومخالفات المرور وغيرها من الجنح.

دقة عالية في المدن الكبرى

يقول تشاتوبادياي، وهو أيضاً كبير مؤلفي الدراسة، إن الأداة تقسّم المدينة إلى مربعات يبلغ عرض كل منها 1000 قدم (نحو  300 متراً)، موضحاً أنها تمكنت -عند اختبارها والتحقق من صحة نتائجها باستخدام البيانات التاريخية الخاصة بمدينة شيكاغو- من التنبؤ باحتمالية حدوث جرائم معينة قبل أسبوع من وقوعها بدقة 90%.

وذكر الباحثون في دراستهم أنه تم تدريب الأداة أيضاً واختبارها على بيانات سبع مدن أميركية كبرى أخرى، من ضمنها لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وديترويت، وقد حققت أداءً مماثلاً.

وفي نموذج منفصل، درس فريق البحث أيضاً استجابة الشرطة للجريمة من خلال تحليل عدد الاعتقالات بعد الحوادث، ومقارنة تلك المعدلات بين الأحياء ذات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وقد توصل بحثهم إلى أن الجرائم التي وقعت في المناطق الأكثر ثراء أدت إلى مزيد من الاعتقالات، بينما انخفض عدد الاعتقالات في الأحياء الفقيرة، ما يشير إلى تحيز في استجابة الشرطة للجرائم.

اقرأ أيضاً: مشروع قانون أميركي جديد يحظر استخدام الشرطة لتكنولوجيا التعرف على الوجوه

شيكاغو رائدة التنبؤ الشرطي

تعتبر شيكاغو إحدى المدن الرائدة في استخدام “الأساليب الشرطية التنبؤية”، واستخدام البيانات والخوارزميات لتوجيه استراتيجيتها لمكافحة جرائم العنف المسلح المتفشية واتخاذ القرارات على أرض الواقع.

بدأت سلطات المدينة منذ عام 2012 في استخدام ما يُعرف باسم “قائمة الموضوعات الاستراتيجية” (Strategic Subject List)، وهو نموذج حاسوبي مثير للجدل يهدف إلى تحديد السكان الأكثر عرضة للتورط في أعمال العنف، سواء كضحايا أو كمجرمين.

وقد تم الاحتفاظ بالتفاصيل الخاصة بالخوارزمية والقائمة نفسها سرية في البداية، لكن المدينة اضطرت للكشف عنها في نهاية المطاف بعد نزاع قانوني طويل، وقد اتضح أن 56% من الرجال ذوي البشرة الداكنة في شيكاغو ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً قد وردت أسماؤهم فيها.

أداة لفضح التحيز

على عكس أنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في العمل الشرطي والتي عادة ما تثير الجدل حول تحيزها العنصري، يقول الباحثون إن نموذجهم الجديد يمكن استخدامه أيضاً لفضح مثل هذه التحيزات. وعلى الرغم من أن تشاتوبادياي يقر بأن البيانات التي يستخدمها نموذجه ستكون متحيزة، إلا أنه يؤكد أن الباحثين بذلوا جهوداً للحد من تأثير هذا التحيز، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي لا يحدد المشتبه به بنفسه، وإنما المواقع المحتملة للجريمة فقط.

لتتمكن من القضاء على عنصر التحيز، تعتمد الأداة على “عزل الجريمة” من خلال مراقبة البيانات المكانية والزمانية للأحداث المنفصلة لاكتشاف الأنماط. وبدلاً من الاعتماد على الحدود التقليدية، تقسم المنطقة إلى وحدات مكانية. ويقول عالم الاجتماع بجامعة شيكاغو والمؤلف المشارك في الدراسة جيمس إيفانز، إن القيام بذلك سيسمح برؤية عملية التنبؤ بالجريمة من وجهة نظر مختلفة تماماً، وطرح أسئلة جديدة، وتقييم تصرفات الشرطة وفقاً لذلك. كما يمكن لهذه الأداة أن تُمكن من اكتشاف الروابط الاجتماعية والثقافية أيضاً.

اقرأ أيضاً: أمازون تمنع الشرطة من استخدام نظام التعرف على الوجوه ريكوجنيشين لمدة عام كامل

يقول تشاتوبادياي “لقد أنشأنا توأماً رقمياً (لينك) للبيئات الحضرية. إذا قمت بتزويده ببيانات مما حدث في الماضي، فسيخبرك بما سيحدث في المستقبل. إنه ليس سحرياً، وهناك حدود لما يمكن عمله، لكننا تحققنا من صحته وهو يعمل بشكل جيد.

ويضيف: “موارد إنفاذ القانون لها حدود، ونحن نريد استخدامها على النحو الأمثل. لذلك، فإن معرفة أين ستحدث جرائم القتل سيكون أمراً رائعاً”.