كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لدفع الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟

4 دقائق
كيف يمكن استخدام الاصطناعي لدفع أجندة مقاربة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/KoSSSmoSSS
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبح التغير المناخي أحد أكثر المواضيع “سخونة” في وسائل الإعلام. ولكن تحقيق المستقبل المزدهر –لنا وللأجيال القادمة- لا يتعلق فقط بالمسائل البيئية. ويجب أن نهتم بالبشر أيضاً، إضافة إلى الكوكب. ففي 2013، كان انهيار معمل الملابس رانا بلازا في داكا ببنغلاديش بمثابة تذكير مؤلم بظروف العمل السيئة التي تعرض الشركات عمالها لها. 

ومن المؤسف أن هذه الممارسة الخاطئة ما زالت مستمرة في هذا العقد، ولا تقتصر على البلدان النامية فقط. ومن الأمثلة على هذا شركة “بوهو” (Boohoo) التي تعمل في المملكة المتحدة. ففي 2020، تبين أن هذه الشركة الرائدة التي حققت نجاحاً سريعاً في مجال تجارة الأزياء ذات الموضة فائقة السرعة بالتجزئة تعتمد على الاستعانة بأيد عاملة لدى أحد المعامل في لايسيستر، حيث يحصل العمال على أجور وصل انخفاضها إلى 3.5 جنيهاً إسترلينياً في الساعة، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الوطني للأجور، والبالغ 8.72 جنيهاً إسترلينياً. إضافة إلى ذلك، لم تؤمن الشركة للعاملين تجهيزات الحماية الملائمة ضد كوفيد-19.

الربح برأس المال

من حسن الحظ أن الاهتمام بتحقيق أهداف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (اختصاراً “ESG”) يشهد زيادة متسارعة. وفي نفس الوقت، بدأ المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال، وبسرعة، إدراك أهمية استثمارات “ESG” كصنف جديد ومهم من الأصول. 

ووفقاً لتحليل من “بلومبرغ” (Bloomberg)، من المتوقع أن تتخطى استثمارات “ESG” قيمة 53 تريليون دولار بحلول العام 2025، ما يمثل نحو ثلث إجمالي الأصول الخاضعة للإدارة على مستوى العالم. وفي 2020، أجرى البنك الاستثماري “بي إن واي ميلون” (BNY Mellon) والمنتدى الرسمي للمؤسسات المالية والاقتصادية استطلاعاً للرأي بيّن أن أكثر من ثلاثة أرباع (أي 77%) المستثمرين العامين على مستوى العالم قاموا بتطبيق المقاربة “ESG” في عملياتهم الاستثمارية. هذه التطورات مهمة للغاية، لأن أي عوامل تؤثر إيجاباً على الكوكب والناس يمكنها الآن أن تؤدي إلى أرباح أكبر. ولدينا فرصة أكبر لتحقيق أهداف الاستدامة عندما تكون متوافقة مع مصالح المستثمرين.

اقرأ أيضاً: كيف تتصدى المباني الذكية لتحديات التغير المناخي والاستدامة؟

ولكن، وعلى الرغم من الحماسة المتزايدة، ما زال هناك حاجز كبير أمام المؤسسات المالية التي توفر منتجات وخدمات المقاربة “ESG”، وهو نقص البيانات الدقيقة والآنية. وعلى سبيل المثال، وقبل انهيارها في يونيو/ حزيران من العام 2020، تلقت شركة معالجة المدفوعات الألمانية “وايركارد” (Wirecard) تقييمات متوسطة من عدة وكالات متخصصة في تقييم ممارسات “ESG”، على الرغم من القصص حول ممارساتها المشبوهة في الأعمال، والتي بدأت بالانتشار في 2015. وقبل فضح الممارسات غير الأخلاقية لشركة بوهو، تلقت الشركة تقييم ممارسات “ESG” بدرجة “AA” من إحدى الوكالات، وهو ثاني أعلى تصنيف لديها، كما تلقت تقييماً يفوق متوسط الصناعة بكثير حول معايير العمالة لسلسلة التوريد. 

ما الذي تسبب بتراجع دقة تقييمات ممارسات “ESG” إلى هذا الحد؟ يعود أحد الأسباب إلى أن تقييمات مستوى ممارسات “ESG” للشركة يعتمد كثيراً، وفي أغلب الأحيان، على البيانات التي تقدمها الشركة الخاضعة للتقييم. وهو ما يكافئ منح الشركة الحرية الكاملة لاختيار البيانات المستخدمة في التقييم كما يحلو لها. 

أما السبب الآخر فهو عدم التقاط أحدث المعلومات والأخبار، أو عدم إدماجها في العمل في الوقت المناسب. ولمعالجة هذه المشكلة، من الضروري تخصيص نسبة كبيرة من الموارد والقدرات البشرية للبحث عن البيانات وجمعها ومعالجتها وإدخالها وتحليلها. وحتى الآن، كان جمع الأخبار من الإنترنت واستنباط المعلومات منها –سواء أكانت أخباراً تنطوي على المديح للجهود التي تبذلها شركة ما في تطبيق ممارسات “ESG”، أو تكشف حقيقة سلبية عنها- عملية يدوية. ولهذا، فإن هذه العملية كانت معرضة للأخطاء وبطيئة وباهظة التكاليف.

اقرأ أيضاً: طالبات من جامعة زايد يحصدن الجائزة الأولى في المؤتمر الدولي حول الاستدامة والبيئة

مكافحة التباين في المعلومات 

وبالتالي، ليس من المستغرب أن نرى الكثير من الشركات في مجال الخدمات المالية تعمل على دراسة كيفية استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي لتحسين التقييمات الخاصة بالمقاربة “ESG”. ويمكن لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي أن تحقق نتائج رائعة في ثلاثة مجالات:

  • مراقبة الأخبار: تستطيع الأنظمة الخوارزمية بسهولة تنقيب كميات هائلة من البيانات العشوائية باستخدام الأتمتة. ويمكن ضبطها لمراقبة الأحداث، وذلك عن طريق عمليات التصفح الزاحف الفعالة عبر شبكة الويب العالمية، إضافة إلى البحث عن المعلومات المتعلقة بالشركات واستخلاصها من العديد من المصادر، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار اليومية المحلية، والتقارير المتوفرة حديثاً. ولا يمكن ضمان جمع البيانات المهمة بسرعة وفي الوقت المناسب سوى بالاعتماد على الأتمتة.
  • تحسين التقارير: عند الاستعانة بنظام ذكاء اصطناعي تم تدريبه باستخدام معايير “ESG” ملائمة ومحددة من قبل المستخدمين، سيتمكن من استيعاب البيانات النوعية والكمية وتحويلها بسرعة إلى معلومات منظمة وقابلة للاستخدام. ويمكن لنظام جيد التصميم أن يستخدم البيانات لإثراء أطر إعداد التقارير الخاصة بممارسات “ESG” بسرعة وبصورة تلقائية. إضافة إلى ذلك، يمكن كشف أي ثغرات في المعلومات. تساهم هذه النشاطات في تحسين التقارير التي تجعل المعلومات المجمّعة أكثر سهولة للتحليل والاستيعاب.   

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة؟

  • التحليل العاطفي: تستطيع تكنولوجيات معالجة اللغات الطبيعية –وهي أحد فروع الذكاء الاصطناعي- أن تقوم بتحليل العوامل السياقية والدلالية والعاطفية الموجودة ضمن مجموعات البيانات. ولهذا، أصبح من الممكن الآن تحليل نبرة المعلومات المقدمة، وتصنيفها، على سبيل المثال، إلى “إيجابية” أو “سلبية” أو “تتطلب اتخاذ إجراء”. ويمكن تدريب الخوارزميات التحليلية لدراسة حوار ما وتحديد نبرته بمقارنة الكلمات المستخدمة للإشارة إلى مجموعة من المعلومات الموجودة، مثل “عمالة الأطفال” أو “العبودية الحديثة”. من المفاهيم المهمة أيضاً مفهوم “الخبير المشارك”، وهو نظام ذكاء اصطناعي يحتفظ البشر بالسيطرة الكاملة عليه، ويضمن إشرافهم بشكل نشط ومباشر. وفي هذه الحالة، يستطيع خبراء ومحللو ممارسات “ESG” تدريب آلاتهم بتقديم تعليقاتهم على الأخبار. وعلى سبيل المثال، فإن الأسئلة التي يجيب عنها الخبراء قد تتضمن “أهذا الخبر مهم؟” و “هل ينتمي هذا الخبر إلى أي من الفئات التالية: “بيئي”، “اجتماعي”، “يتعلق بالحوكمة”، “أخبار مثيرة للجدل”؟” ومع مرور الوقت، سيصبح نظام الذكاء الاصطناعي أفضل حتى في تمييز الطابع العاطفي للمعلومات الجديدة الواردة. تبين الصورة هذه العملية بالتفصيل:
مكافحة التباين في المعلومات 
حقوق الصورة:نيكسوس فرونتيير تيك. تعديل الصورة: إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.

اقرأ أيضاً: الأهداف التي يسعى مجال معالجة اللغة الطبيعية إلى تحقيقها في حاجة إلى التقويم

 عالم أفضل

يفترض باستخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض تتعلق بممارسات “ESG” أن يؤدي إلى سيناريو تحقيق “فوز ثلاثي” من حيث الربح والكوكب والناس. ولكننا ما زلنا فقط في بدايات استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي للتوصل إلى تحسينات في مقاربة “ESG”. ولهذا، فقد يكون من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً فعلاً على المساعدة في تحقيق التقدم في أجندة “ESG”. ولكن الاحتمالات تبدو إيجابية، حيث يعج التاريخ بالأمثلة عن التكنولوجيات التي ساعدت على تحقيق الأهداف الاجتماعية وبناء مجتمع أفضل. ومن سوء الحظ، فقد انتهى المطاف بالكثير من جهود الاستدامة السابقة إلى التحول إلى “تقليعات” أو شعارات فارغة تحث على فعل الخير. ولكن المشكلة على ما يبدو كانت ناتجة عنا نحن، لا عن التكنولوجيات التي كنا نستخدمها. وعبر تعزيز دور المستثمرين، خصوصاً من ذوي التوجهات الخاصة بالمقاربة “ESG”، من الممكن أن تتحول “ESG” إلى ممارسة شائعة الانتشار وفائقة الاحترام في مجال الأعمال. وباستخدام الذكاء الاصطناعي بالطريقة الصحيحة، يمكننا تقديم يد العون من خلال الجهود التي نبذلها لتحقيق الأرباح وتحقيق الخير في الوقت نفسه.