لماذا فشل الذكاء الاصطناعي في توقع الفائز بكأس العالم؟

5 دقائق
لماذا فشل الذكاء الاصطناعي في توقع الفائز بكأس العالم؟
حقوق الصورة: Shutterstock.com/ph.FAB
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عادةً لا تخلو جميع الرياضات سواء الفردية أو الجماعية من التوقعات التي تتمحور حول من سيفوز بهذه البطولة، ومع بطولة بحجم كأس العالم لكرة القدم، فإن محاولة توقع الفائز بالبطولة الأغلى والأشهر على مستوى المنتخبات دائماً ما تكون صعبة للغاية، حتى وإن تمت الاستعانة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مثلما حدث في البطولة الماضية التي أقيمت في روسيا، والبطولة المقامة حالياً في دولة قطر.

لعبة كرة القدم معقدة للغاية 

من بين جميع الرياضات الجماعية التي يتم لعبها حالياً في العالم، تعتبر رياضة كرة القدم أشهرها وأكثرها ممارسة ومتابعة، ولديها بيانات يتم توليدها بانتظام تطغى على جميع الرياضات الأخرى. ومع ذلك، إن توقع الفائز بالمباراة حتى وإن تمت الاستعانة بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا يزال صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً، وهذا يعود إلى تعقيد هذه اللعبة التي فيها عشرات الآلاف من المتغيرات غير الثابتة والتي تجعل حتى أكثر نماذج الذكاء الاصطناعي تطوراً تواجه صعوبة في توقع الفائز بالبطولة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لتكنولوجيا التسلل شبه الآلية أن تغيّر كرة القدم نحو الأفضل؟

على سبيل المثال، في بطولة كأس العالم الماضية “روسيا 2018″، فشلت جميع نماذج الذكاء الاصطناعي في توقع الفائز بالبطولة بدقة، حيث أجمعت معظم نماذج الذكاء الاصطناعي التي تمت تغذيتها بمتغيرات وبيانات مختلفة، مثل (أداء المنتخبات في التصفيات السابقة لكأس العالم، والنجاح في بطولات كأس العالم السابقة، وميزة اللعب على الأرض) على فوز منتخب البرازيل أو ألمانيا أو إسبانيا بالترتيب، ولكن في النهاية تمكنت فرنسا من انتزاع لقب البطولة بعد الفوز على منتخب كرواتيا في المباراة النهائية، كرواتيا التي كانت بعيدة كل البعد عن التنبؤ بوصولها إلى النهائي.

وفي نسخة كأس العالم 2022 التي أقيمت  في دولة قطر، لم يختلف الأمر كثيراً، حيث رجحت الكثير من نماذج الذكاء الاصطناعي فوز منتخب البرازيل باللقب، ومن ضمنها نموذج ذكاء اصطناعي تم تطويره في معهد آلان تورنج، حيث توقع النموذج فوز منتخب البرازيل بنسبة مئوية بلغت 25%، ثم منتخب بلجيكا بنسبة 19%، ومنتخب الأرجنتين بنسبة 13%، ومنتخب إنجلترا بنسبة 10%.

اقرأ أيضاً: كيف نقلت منصة فيفا بلس تجربة التفاعل في كأس العالم 2022 إلى مستوى آخر تماماً؟

ولكن حتى الآن، خرجت جميع المنتخبات السابقة باستثناء منتخب الأرجنتين الذي تأهل بالفعل للمباراة النهائية، بينما كان الطرف الآخر في النهائي هو منتخب فرنسا الذي لم يكن حتى ضمن أول ثلاثة مراكز في معظم القوائم التي توقعتها نماذج الذكاء الاصطناعي المختلفة.

لماذا فشل الذكاء الاصطناعي في توقع الفائز بكأس العالم؟

عند تنفيذ التنبؤات باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، من الضروري الحصول على البيانات الصحيحة للتدريب والنمذجة، وفي حين أن الباحثين الذين أجروا تنبؤات الذكاء الاصطناعي لكأس العالم 2018، كانت لديهم بالفعل البيانات الصحيحة ومجموعة البيانات الشاملة نسبياً بما في ذلك بيانات كؤوس العالم الأربع الماضية، بالإضافة إلى الخوارزميات الجيدة ذات المعلمات المناسبة، فإن نماذج التدريب على الذكاء الاصطناعي فشلت بشكل كبير، وهذا يعود إلى العديد من الأسباب منها:

صعوبة دمج العوامل الخارجية التي تتغير باستمرار

تماماً مثل أي نشاط آخر يقوم على أساس العنصر البشري، يعتمد حدث عالمي كبير مثل كأس العالم، الذي يضمن منتخبات ولاعبين بقدرات ومهارات مختلفة من مدارس كروية متعددة ومتنوعة، على عدة عوامل تحدد الفائز في المباراة بعد 90 دقيقة على الأقل من وقت اللعب، والتي لم يستطع الباحثون وضعها في الاعتبار بشكل كافٍ.

اقرأ أيضاً: كأس العالم 2022: الذكاء الاصطناعي لمراقبة الحشود وضبط حرارة الملاعب

علاوة على ذلك، وبصرف النظر عن العوامل الداخلية مثل تشكيلة الفريق وأفكار المدرب الفني، تؤدي العوامل الخارجية الأخرى مثل انحياز الحكم والمشكلات الشخصية للاعبين وحماس المشجعين والطقس دوراً مهماً في تحديد نتيجة مباريات كرة القدم.

ومن ثم يصعب عادةً دمج العوامل الخارجية غير المتوقعة والمتغيرة باستمرار عند إجراء عمليات محاكاة التعلم الآلي للذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك دائماً حالات عدم يقين. على سبيل المثال، عند تسجيل لاعب غير متوقع هدفاً في وقت مبكر وغير متوقع من زمن المباراة، في هذه الحالة يزداد تعقيد التنبؤات الدقيقة لنموذج الذكاء الاصطناعي.

الحصول على نتائج دقيقة يتطلب بيانات كثيرة

تتطلب نماذج التعلم الآلي خاصة النماذج عالية التباين مثل نموذج خوارزمية الغابة العشوائية (Random Forest) الكثير من البيانات، حيث توصي القاعدة التقليدية بأن تكون هناك 10x أكثر من الميزات، بمعنى آخر، إذا كانت لديك 100 ميزة تنبؤية محتملة، فيجب أن يكون لديك 1000 مثال تدريب على الأقل، ومع أنه يمكن محاكاة مباريات كرة القدم وإنشاء ألعاب محاكاة (Simulated Games) لتكون بمثابة أمثلة لتدريب نماذج التعلم الآلي والتعلم العميق.

لكن صعوبة الإجابة عن أسئلة مثل كيف يتم تحديد قواعد المحاكاة وكيف يُبني هذا النظام بحيث تكون النقطة (أ) واقعية وتمنح الفرق الأقوى ميزة، وأن توفر النقطة (ب) مرونة كافية للسماح بالتنبؤ بحالات عدم اليقين، مثل الإصابات والطقس وأرضية الملعب وغيرها، تجعل من الصعب على نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤ بدقة بنتيجة أي مباراة والفائز النهائي.

اقرأ أيضاً: كيف ستغيّر تكنولوجيا كرة مونديال قطر 2022 لعبة كرة القدم إلى الأبد؟

أهمية أن تكون البيانات المتوفرة انعكاساً للعالم الحقيقي

على الرغم من حجم البيانات المتوفرة في الوقت الحالي لتدريب نماذج التعلم الآلي، فإن هناك افتراضاً مهماً في التعلم الآلي لا يمكن تجاهله، وهو أهمية أن تكون مجموعة البيانات المتوفرة تشكل انعكاساً دقيقاً للعالم الذي يحاول نموذج الذكاء الاصطناعي التنبؤ به، فبغض النظر عن مدى جودة نموذج الذكاء الاصطناعي، يجب أن تكون البيانات المتوفرة أكثر جودة، حيث لا تكفي بيانات كرة القدم الحديثة للتنبؤ بالأداء في بطولة معقدة مثل كأس العالم، حيث هناك الكثير من المعلومات المفقودة والتأثيرات غير المحددة.

صعوبة التنبؤ بأداء المجموعة مجتمعة

في الوقت الحالي هناك طرائق كثيرة ومتعددة وخبراء بيانات يعملون كلهم من أجل هدف واحد وهو التنبؤ بأداء الفريق ككتلة واحدة لاتخاذ قرارات أكثر منطقية وفعالية حول كيفية المواجهة والتغلب عليه، ولكن في الوقت نفسه يصعب الحصول على مثل هذه المقاييس، على عكس المقاييس الفردية المتعلقة بلاعب محدد.

على سبيل المثال، يعتبر منتخب البرازيل مرشحاً قوياً للفوز باللقب في كل كأس عالم يشارك فيه، حيث إن تقييمات اللاعبين الفرديين عالية بشكل استثنائي في جميع خطوط الملعب، ومع ذلك، غالباً لا تجتمع معاً ما يصعب التنبؤ بكيفية لعب الفريق كمجموعة، حيث وصف الأسطورة بيليه هذه الحالة في تصريح له قبل انطلاق بطولة كأس العالم 2018، أن البرازيل لديها الكثير من المواهب الفردية لكنها تفتقر إلى التماسك كفريق واحد.

اقرأ أيضاً: إليك أبرز تقنيات التصوير التي سنشهدها في مونديال قطر 2022

في كرة القدم لا يهم من فاز في المرة الأخيرة

الأمر كله يتعلق بأفضل لاعب في اليوم، حيث تؤدي جميع أنواع العوامل مثل استعداد اللاعب وتعافيه من المباريات السابقة ومستويات الثقة والتوتر لديه والحظ وأداء المجموعة المرافقة له، دوراً كبيراً في نتيجة المباراة، وهذه أشياء غير ملموسة من الصعب على نماذج الذكاء الاصطناعي مهما كانت متطورة التنبؤ بها بدقة.

ختاماً، بقدر ما تبدو توقعات كأس العالم مثيرة للبعض ومربحة للبعض الآخر، فإن تنبؤات الذكاء الاصطناعي دائماً تستند إلى كمية هائلة من البيانات المستمدة من نسخ كؤوس العالم السابقة ومباريات التصفيات وغيرها، لذا فإن الاحتمالات التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي لكل منتخب ستتغير دائماً في أثناء المباريات طوال البطولة، لأن كل هدف يتم تسجيله سيغيّر المسار المحتمل الذي يمكن أن تسلكه المنتخبات الأخرى إلى المباراة النهائية.

اقرأ أيضاً: أبرز طرائق الاحتيال التي تواجه متابعي كأس العالم قطر 2022

لذلك، على عكس ما يتم تصويره في العديد من أفلام الخيال العلمي، لا يمتلك الذكاء الاصطناعي القوة العظمى للتنبؤ بالمستقبل بشكل دقيق ومحدد، وبدلاً من ذلك، تعتمد نتائجه بشكل أساسي على البيانات المدخلة، لذا بدلاً من محاولة العديد من المشجعين التنبؤ بالمستقبل وتوقع المنتخب الفائز، من الأفضل الانتظار والمشاهدة لمعرفة الفائز الحقيقي بلقب كأس العالم مع انطلاق الصافرة الأخيرة لحكم المباراة النهائية.