كيف يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي القابلة للارتداء أن تساعدك على الشفاء من كوفيد؟

7 دقائق
الذكاء الاصطناعي والشفاء من كوفيد
مصدر الصورة: غيتي إيميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ما زالت أنجيلا ميتشل تتذكر تلك الليلة التي كادت أن تموت فيها.

وقد حدث هذا في يوليو منذ سنة تقريباً؛ فقد كشف اختبار كوفيد-19 إصابة ميتشل -التي ستبلغ الستين في يونيو الجاري- بهذا المرض أثناء عملها فنية صيدلانية في مستشفى جامعة إيلينويس في شيكاغو؛ فقد كانت تعطس، وتسعل، وتشعر بالدوخة.

وعرضت عليها إدارة المستشفى خيارين؛ إما الحجر في فندق، أو الاستشفاء والعزل في المنزل، حيث ستتم مراقبة إشاراتها الحيوية على مدار الساعة باستخدام حساس بتصميم رُقعة تُرتدى على الصدر. وهكذا، اختارت ميتشل الرقعة وذهبت إلى المنزل.

وبعد ليلتين، استيقظت في حالة من الذعر المطبق، فقد كانت عاجزة عن التنفس. وقد كانت حينها في غرفة نومها في منزلها في ضواحي شيكاغو، وظنت أن حماماً سريعاً قد يساعدها.

وتقول: “عندما وصلت إلى غرفة الحمام بعد أن نهضت من السرير، كنت مشبعة بالعرق، واضطررت إلى الجلوس لالتقاط أنفاسي. لقد كنت أشعر بالدوخة. وكنت شبه عاجزة عن الكلام”.

وعندها، أتى ذلك الاتصال؛ فقد كان المختصون في مستشفى جامعة إيلينويس يستخدمون حساساً مشابهاً للحساس الذي كانت ميتشل ترتديه لمراقبتها ومراقبة المئات من المرضى والموظفين الذين كانوا في مرحلة الاستشفاء من كوفيد-19 في المنزل عن بعد. ورأوا أن حالة ميتشل أخذت بالتردي، واتصلوا بها. وتقول: “لقد كنت جالسة في الحمام، متمسكة بكل قوتي بالمغسلة، عندما رن الهاتف”. وقال لها المختصون إن عليها أن تعرض نفسها على الطبيب فوراً.

“لقد كنت جالسة في الحمام، متمسكة بكل قوتي بالمغسلة، عندما رن الهاتف”.

– أنجيلا ميتشل

غير أن ميتشل كانت مترددة. فلم تكن راغبة في إزعاج عائلتها النائمة في الأسفل، كما أن الاتصال بسيارة إسعاف بدا أمراً مبالغاً فيه. ولكن في الصباح، تلقت اتصالاً ثانياً من طبيبها، الذي قال: اذهبي إلى المستشفى على الفور، وإلا سنتصل بسيارة إسعاف تأخذك إلى هناك.

وهكذا، طلبت ميتشل من زوجها -الذي أصيب بكوفيد-19 منذ عدة أشهر- أن يأخذها بالسيارة إلى مستشفى نورث ويسترن ميموريال في شيكاغو، حيث تم إدخالها بسرعة، وقيل لها إن مستويات الأكسجين لديها كانت منخفضة إلى درجة خطيرة. وتقول إن حالتها تغيرت في المنزل بسرعة كبيرة، منتقلة من أعراض خفيفة للغاية إلى مشاكل تنفسية حقيقية، لدرجة أنها لم تدرك حتى أنها في محنة. وبحلول وقت الاتصال الثاني، تقول إنها “أدركت أنها كانت في مشكلة، وأنها في حاجة إلى المساعدة”. بقيت في المستشفى فترة أسبوع تقريباً.

أما البرنامج التجريبي الذي ساعد ميتشل فهو جزء من دراسة يجريها النظام الصحي لجامعة إيلينوي بالاشتراك مع الشركة الناشئة الطبية الرقمية فيزيك، وذلك بتمويل من المؤسسة الوطنية للصحة. وهو أحد الاختبارات الهامة لطريقة جديدة في تقديم الرعاية الصحية لمرضى كوفيد-19 خارج نطاق المستشفى. تمثل مراقبة تطور حالة الأشخاص في طور الاستشفاء من المرض تحدياً كبيراً؛ لأن أعراضهم يمكن أن تتفاقم إلى درجة خطيرة على حياتهم بسرعة. ولهذا، قامت بعض المستشفيات والأنظمة الصحية بتعزيز استخدام الأنظمة القابلة للارتداء وغيرها من التكنولوجيات الصحية المحمولة إلى حد كبير لمراقبة الإشارات الحيوية للمرضى على مدار الساعة.

ويقدم برنامج إيلينويس الصحي للمشاركين من المرضى في طور الاستشفاء من كوفيد-19 مجموعة يأخذونها إلى المنزل، وتتضمن مقياساً للنبض ونسبة التأكسج، ورقعة حساس مؤقتة تعمل بالبلوتوث، وهاتفاً ذكياً مقترناً مع النظام. ويقوم البرنامج بأخذ البيانات من الرقعة القابلة للارتداء ويستخدم التعلم الآلي لبناء نموذج للإشارات الحيوية لكل شخص. ويقوم نظام المراقبة بتنبيه الاختصاصيين عن بعد عند انزياح الإشارات الحيوية -مثل معدل نبض القلب- عن مستوياتها المعتادة.

عادة ما يُرسل المرضى في طور الاستشفاء من كوفيد إلى المنزل مع مقياس للنبض ونسبة التأكسج. ويقول مطورو فيزيك إن نظامهم أكثر حساسية بكثير؛ لأنه يعتمد على الذكاء الاصطناعي لفهم جسم كل مريض، ويزعم مصممو هذا النظام أنه أكثر قدرة على توقع التغيرات الهامة.

يقول تيري فاندن هوك، المسؤول الطبي الأساسي ومدير طب الطوارئ في مركز جامعة إيلينويس الصحي الذي يستضيف البرنامج التجريبي: “إنها ميزة هامة للغاية”، ويضيف قائلاً إن العمل مع إصابات كوفيد ليس بالأمر السهل: “عند العمل مع قسم الطوارئ، فإنه من المحزن رؤية مريض أطال الانتظار قبل المجيء للحصول على المساعدة؛ حيث سيتطلب عناية فائقة على المنفسة، ولا يسعك إلا أن تتساءل ما إذا كان من الممكن تجنب كل هذا لو تمكنا من تحذيره قبل أربعة أيام مثلاً”.

وعلى غرار أنجيلا ميتشل، فإن معظم المشاركين في الدراسة من الأميركيين الأفارقة. أما اللاتينيون فيشكلون مجموعة كبيرة أخرى. ويعيش الكثيرون من هذه الشرائح أيضاً مع عوامل خطر أخرى مثل السكري، وفرط البدانة، وارتفاع ضغط الدم، أو أمراض الرئة التي يمكن أن تزيد من صعوبة الشفاء من كوفيد-19. وعلى سبيل المثال، فإن ميتشل مصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم والربو.

لقد تعرضت شرائح الأميركيين الأفارقة واللاتينيين إلى أشد درجات الأذى بسبب الوباء في شيكاغو وكافة أنحاء البلاد. ويعد الكثير منهم عاملين أساسيين، كما أن الكثيرين منهم يعيشون في بيوت تحتوي على عدد كبير من السكان من أجيال متعددة.

وعلى سبيل المثال، فإن منزل ميتشل يتضمن 11 شخصاً، بمن فيهم زوجها، وبناتها الثلاثة، وستة أحفاد. “أنا أشارك عائلتي في كل شيء”. وتضيف ضاحكة: “وقد تشاركنا حتى الإصابة بكوفيد-19!” فقد حصلت اثنتان من بناتها على نتائج اختبار إيجابية في مارس 2020، وأصيب زوجها بعد ذلك، قبل أن تصاب ميتشل نفسها.

وعلى الرغم من أن الأميركيين الأفارقة لا يمثلون أكثر من 30% من سكان شيكاغو، فإن نسبتهم في إجمالي الإصابات المبكرة في المدينة تبلغ نحو 70%. وعلى الرغم من تراجع هذه النسبة، غير أن الأميركيين الأفارقة في طور الاستشفاء من كوفيد-19 ما زالوا يموتون بوتيرة تبلغ ضعفي إلى ثلاثة أضعاف وتيرة أقرانهم من البيض، وما زالت حملات التلقيح أقل نجاحاً في الوصول إلى هذه الشرائح. يمكن أن يساعد نظام فيزيك على تحسين معدلات الشفاء، كما يقول باحثو الدراسة، وذلك بإرسال المرضى إلى الإسعاف قبل أن يفوت الأوان، تماماً كما حدث مع ميتشل.

دروس مستقاة من المحركات النفاثة

يتمتع مؤسس فيزيك، جاري كونكايت، بخبرة سابقة في المراقبة عن بعد، ولكن ليس مع البشر؛ ففي منتصف التسعينيات، قام بتطوير شركة ذكاء اصطناعي أولية تسمى سمارت سيجنال مع جامعة شيكاغو. وقد استخدمت هذه الشركة التعلم الآلي لمراقبة أداء تجهيزات المحركات النفاثة ومحطات الطاقة النووية عن بعد.

يقول كونكرايت: “إن تكنولوجيتنا ممتازة في كشف التغيرات الصغيرة التي تمثل المؤشرات الأولى على وجود مشكلة؛ فقد تمكنا من كشف مشاكل في المحركات النفاثة قبل جنرال إلكتريك، وبرات أند ويتني، ورولز رويس، لأننا قمنا بتطوير نموذج خاص بكل محرك على حدة”.

وعلى الرغم من أن جنرال إلكتريك استحوذت على سمارت سيجنال، فقد احتفظ كونكرايت بحق تطبيق الخوارزمية على الجسم البشري. ففي ذلك الوقت، كما يقول، كانت والدته تعاني من داء رئوي ساد ومزمن، وأُخذت بشكل طارئ إلى العناية الفائقة عدة مرات. وتساءل رائد الأعمال عما إذا كان من الممكن مراقبة استشفائها عن بعد باستخدام نظام الذكاء الاصطناعي لديه بعد تعديله. والنتيجة: بدأت فيزيك الآن باستخدام الخوارزمية لمراقبة المرضى الذين يعانون من الأمراض القلبية، والداء الرئوي الساد والمزمن، وكوفيد-19.

ويقول كونكرايت إن قوتها تكمن في قدرتها على بناء “خط أساسي” مميز لكل مريض، أي أشبه بمعيار يحدد الوضع الطبيعي له، ومن ثم كشف التغيرات الصغيرة -والأصغر لاحقاً- التي يمكن أن تثير القلق.

تحتاج الخوارزمية إلى حوالي 36 ساعة فقط لبناء نموذج مميز لكل شخص.

يقول فاندن هوك: “يقوم النظام بمراقبة وضعك في حياتك اليومية؛ فقد تتنفس بوتيرة أسرع، أو قد يتراجع مستوى نشاطك، أو قد يكون نبض قلبك مختلفاً عن الخط الأساسي. ويستطيع مزود الخدمة المتقدمة الاطلاع على هذه التنبيهات، ومن ثم اتخاذ القرار بالاتصال بذلك الشخص للدخول إلى المستشفى”. ويضيف: “فإذا كانت هناك مخاوف حقيقية” -مثل احتمال حدوث فشل قلبي أو رئوي- “يمكن تحويلها إلى الطبيب المختص، أو حتى العناية الفائقة أو غرفة الطوارئ”.

في البرنامج التجريبي، يقوم المختصون السريريون بمراقبة البيانات المتدفقة على مدار الساعة، ويقوم النظام بتنبيه الطاقم الطبي عندما تتغير حالة المشارك حتى بدرجة طفيفة، وعلى سبيل المثال، إذا اختلف معدل نبض القلب عن قيمته الاعتيادية في ذلك الوقت من اليوم.

تم تدريب نموذج التعلم الآلي باستخدام بيانات من الناس المشاركين في المرحلة الأولى من الدراسة. وقد تمت مراقبة حوالي 500 شخص من المرضى المُخرَجين من المشفى وأفراد الطاقم الطبي في منازلهم خلال العام الماضي. وقد توقع الباحثون أن حوالي 5% من تلك المجموعة سيتعرضون إلى نوبات تتطلب العلاج. غير أن الرقم وصل في الواقع إلى 10%.

ويقول فاندن هوك إن النظام الجديد توقع هذه النوبات الجديدة في وقت أقل من المقياس التقليدي للنبض ونسبة التأكسج، كما أن نسبة المرضى الذين احتاجوا للدخول إلى المستشفى كانت أقل. ويقول الإداريون إن البرنامج وفر عليهم مقداراً “كبيراً” من الأموال.

وحتى الآن، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على خمس من خوارزميات الشركة، بما فيها نموذج لتوقع الفشل القلبي طُوُّر على وجه الخصوص لإدارة شؤون المحاربين القدماء.

بم تعدنا التكنولوجيات القابلة للارتداء، وما أخطارها؟

تمثل هذه الشراكة في شيكاغو مثالاً عن المحاولات المتزايدة لتدريب الذكاء الاصطناعي المدمج في الأجهزة القابلة للارتداء على تشخيص ومراقبة حالات كوفيد. وعلى سبيل المثال، أحرزت فيت بيت تقدماً مع أداة كشف مبكر، فقد تمكنت خوارزميتها من كشف حوالي 50% من الحالات قبل يوم واحد على الأقل من ظهور الأعراض المرئية. كما أن الجيش الأميركي يقوم بتنفيذ برنامج تجريبي على مستوى البلاد عبر مركزه الطبي الافتراضي. ويقوم نظامه، مثل تجربة إيلينويس، على مراقبة المرضى باستمرار باستخدام إشارتهم الحيوية عبر رقعة قابلة للارتداء.

سيتابع برنامج شيكاغو عمله حتى نهاية السنة، كما أنه بدأ يجمع المشاركين من عدة مستشفيات محلية إضافة إلى مركز جامعة إيلينويس، ما أوصل الإجمالي إلى حوالي 1,700 مشارك.

وعلى الرغم من أنه من الضروري أخذ الشرائح من الأصول الأفريقية واللاتينية بعين الاعتبار، فإن بعض الخبراء يحذرون من الأجهزة القابلة للارتداء ويشيرون إلى ضرورة الحذر في التعامل معها، خصوصاً بسبب سوابق الذكاء الاصطناعي في تعزيز التمييز. لم تتمكن تلك الشرائح على الدوام من الاستفادة من التطورات التكنولوجية، كما أنها تعرضت إلى التحيز العرقي من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية، سواء من أنظمة التحقق الأولي في المستشفيات، التي تفشل بنسبة أكبر في كشف شدة احتياجاتهم الصحية، وصولاً إلى القرارات الأولى بوضع مراكز الاختبار لكوفيد-19 خارج أحياء الأفارقة.

“لا يوجد ما يكفي من أبحاث التقنيات الصحية المتنقلة المُجراة بشكل خاص على الأميركيين الأفارقة”، كما تقول ديلوريس سي. إس. جيمس، وهي أستاذة مساعدة في مجال الصحة بجامعة فلوريدا، وتركز أبحاثها على التباينات في الصحة الرقمية. (وهي ليست من المشاركين في دراسة شيكاغو)، وتضيف: “توجد أمامنا فرصة فريدة؛ نظراً للنسبة الكبيرة من مالكي الهواتف الذكية ونسبة التفاعل العالية مع وسائط التواصل الاجتماعي. ويجب ألا ننسى النسبة المرتفعة من التباينات الصحية، والنتائج الصحية السيئة الناتجة عنها. يجب أن تكون جزءاً من هذا العمل”.

تقول ميتشل إنها مسرورة من التركيز على الشرائح المهمشة للاستفادة من هذه الأداة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. وتقول: “إن هذه الأداة مُستخدمة في المجتمعات المحرومة من هذه الفرص، ويمكن أن يكون هذا مفيداً للجميع”.

حالياً، ما زالت متفائلة، على الرغم من أنها ما زالت أيضاً تعاني من تأثير كوفيد على صحتها، بوصفها واحدة من مجموعة يُقدر عددها بثلاثة ملايين من الأميركيين الذين يوصفون بأنهم “ناجون مصابون بأعراض طويلة الأمد”. فلم تعد إلى العمل لمدة خمسة أشهر تقريباً، وهي حالياً في مصحة قلبية لمساعدتها على تحسين قدرتها على التنفس والكلام. وتبين دراسة جديدة أن الذين يتعايشون مع هذه الأعراض لفترة طويلة أكثر تعرضاً إلى خطر الموت، وأكثر إصابة بالعديد من المضاعفات في كافة أنحاء الجسم، وسيتحولون إلى “عبء صحي ضخم” مع تواصل أعراضهم.

غير أن الحساس، كما تقول ميتشل، يمثل الفرق بين مشاكل طويلة الأمد، ودفع ثمن أعلى من ذلك بكثير. 

وتقول: “أنا مدينة بحياتي إلى نظام المراقبة هذا”.

هذه المقالة جزء من مشروع تكنولوجيا مواجهة الوباء برعاية مؤسسة روكيفيلر.