من شاهد عيان: كيف ساعد الذكاء الاصطناعي على ابتكار اللقاحات؟

5 دقائق
من شاهد عيان: كيف ساعد الذكاء الاصطناعي على ابتكار اللقاحات؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ metamorworks
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تم نشر التسلسل الجيني لفيروس كوفيد-19 لأول مرة في يناير 2020، وهو ما ساهم في بداية سباق دولي لتطوير لقاح له، ومثّل تعاوناً غير مسبوق بين قطاع صناعة الأدوية والحكومات في جميع أنحاء العالم. 

وقد نجح الأمر.

فبعد أشهر، وافقت حكومة الولايات المتحدة على إعطاء تراخيص طارئة للقاحات متعددة. 

أنا جينيفر سترونج، وهذا نص إحدى حلقات برنامج كنت هناك عندما، برنامج للتاريخ الشفوي يستعرض قصصاً عن كيفية حدوث النجاحات واللحظات الفاصلة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة، كما رواها أولئك الذين شاهدوها.

في هذه الحلقة نلتقي ديف جونسون، كبير مسؤولي البيانات والذكاء الاصطناعي في شركة “موديرنا” (Moderna).

ديف جونسون: موديرنا هي شركة تكنولوجيا حيوية أنشئت على أساس الالتزام بتكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال “رنا المرسال”.

اسمي ديف جونسون، أنا مدير البيانات ومسؤول الذكاء الاصطناعي في شركة موديرنا. إن الحمض النووي الريبي المرسال“mRNA”هو في الأساس جزيء معلوماتي. هذا الجزيء مشفر، وهو سلسلة من الأحماض الأمينية التي تدخل الخلية في جسمك فتنتج بروتيناً. يمكن لهذا البروتين أن يؤدي مجموعة متنوعة من الوظائف المختلفة في الجسم من علاج مرض نادر، أو ربما مهاجمة السرطان، أو حتى استخدامه كلقاح لمحاربة الفيروسات كما هو الحال مع فيروس كورونا.

اتباع نهج تصميمي

إن هذا النهج هو أكثر من نهج تصميمي، وهو ما يجعله مختلفاً اختلافاً جوهرياً عن تطوير المستحضرات الصيدلانية النموذجي. نحن نقول إننا نعرف ما نريد أن نفعل. ثم نحاول تصميم الجزيء المعلوماتي الصحيح، والبروتين المناسب، والذي سيكون له ذلك التأثير في الجسم.

وإذا كنت على دراية بتطوير المستحضرات الصيدلانية، فهي عملية تسلسلية للغاية. نبدأ بمفهوم أولي، وبعض الأفكار المبدئية ونختبرها في أطباق بتري أو من خلال تجارب صغيرة. ثم ننتقل إلى الاختبار قبل السريري. وإذا سارت المراحل السابقة بشكل جيد، ننتقل أخيراً للاختبار البشري وسنمر بعدة مراحل مختلفة من التجارب السريرية، حيث المرحلة الثالثة هي المرحلة الأكبر والتي نثبت فيها فعالية هذا الدواء.

يمكن أن تكون هذه العملية برمّتها من البداية إلى النهاية باهظة الثمن، وتكلف مليارات الدولارات، وتستغرق ما يصل إلى عقد من الزمن للقيام بذلك. وفي كثير من الحالات، ما زالت تفشل. هناك عدد لا يحصى من الأمراض الموجودة حالياً والتي لا يوجد لها لقاح أو علاج. وهذا لا يعني أن الناس لم يحاولوا، إنه مجرد تحدٍ بالنسبة لهم.

لذا قمنا ببناء الشركة مع التفكير بكيفية تقليص تلك الجداول الزمنية وإمكانية تحقيق أهداف عديدة أخرى، وهكذا دخلت إلى الشركة. كما تعلمون، خبرتي السابقة هي في هندسة البرمجيات وعلوم البيانات. كما أنني حاصل على درجة الدكتوراة في ما يسمى بفيزياء المعلومات، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم البيانات.

اقرأ أيضاً: هل تدعم بيانات التجارب إعطاء لقاحات كوفيد-19 للأطفال؟

متى يظهر دور الذكاء الاصطناعي؟

بدأتُ عندما كانت الشركة حديثة العهد، تضم على ما أعتقد 100 أو 200 شخص في ذلك الوقت. وكنا نعمل على بناء محرك ما قبل السريري للشركة، وهو كيفية استهداف مجموعة من الأفكار المختلفة في وقت واحد، وإجراء بعض التجارب، والتعلم بسرعة كبيرة والقيام بذلك مرة أخرى. دعونا نجري 100 تجربة في وقت واحد ولنتعلم بسرعة ثم ننتقل بهذا التعلم إلى المرحلة التالية.

لذلك إذا كنت تريد إجراء الكثير من التجارب، يجب أن يكون لديك الكثير من الحمض النووي الريبي المرسال. وبالتالي قمنا ببناء عمليات روبوتية مشابهة إلى حد كبير للحمض النووي الريبي، وكان علينا دمجها وتحقيق التكامل فيما بينها. كنا بحاجة لأنظمة للتحكم بكل هذه الروبوتات معاً. ومع تطور الأشياء أثناء جمع البيانات في هذه الأنظمة، يبدأ الذكاء الاصطناعي بالظهور. بدلاً من جمع البيانات فحسب، وهو ما حدث في التجربة، أصبح من الممكن أن نستخدم هذه البيانات لعمل بعض التنبؤات. 

ولنتخذ قراراً بعيداً عن العلماء الذين لا يريدون النظر إلى البيانات مراراً وتكراراً. لكن دعونا نستخدم أفكارهم ونبني نماذج وخوارزميات لأتمتة تحليلاتهم ونقوم بعمل أفضل وأسرع بكثير للتنبؤ بالنتائج وتحسين جودة بياناتنا.

اقرأ أيضاً: لقاحات كوفيد-19 ينبغي ألا تحصل على ترخيص للاستخدام الطارئ

لذلك عندما ظهر فيروس كورونا، كانت حقاً لحظة مثيرة بالنسبة لنا لنقل كل ما بنيناه وتعلمناه، والأبحاث التي أجريناها وتطبيقها فعلياً في هذا السيناريو المهم. لذا عندما تم نشر هذه السلسلة لأول مرة من قبل السلطات الصينية، استغرق الأمر 42 يوماً فقط للانتقال من أخذ هذه السلسلة وتحديد الطفرات التي نريد القيام بها، لنصل إلى البروتين الذي نريد استهدافه. 

42 يوماً من تلك اللحظة لتصنيع دواء آمن على الإنسان وتجميعه ونقله إلى العيادة، وهو أمر غير مسبوق تماماً. أعتقد أن الكثير من الناس فوجئوا بمدى سرعته، لكن الحقيقة أننا أمضينا 10 سنوات للوصول إلى هذا الهدف. لقد أمضينا 10 سنوات في بناء هذا المحرك الذي يتيح لنا نقل البحث بأسرع ما يمكن، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد.

لقد فكرنا بطريقة يمكن من خلالها استخدام علم البيانات والذكاء الاصطناعي لمعرفة أفضل طريقة للحصول على أفضل نتيجة لدراساتنا السريرية. ولذا فإن أحد أكبر التحديات الأولى التي واجهتنا أنه كان علينا إجراء هذه المرحلة الثالثة من التجربة لإثباتها على عدد كبير، ما نحتاجه هو 30.000 شخص في هذه الدراسة لنبرهن أن هذه التجربة ناجحة، أليس كذلك؟

هذه دراسة ضخمة، كان فيروس كورونا يتفاقم، ويصيب عدداً لا يحصى من الأشخاص. وكان علينا أن نفهم: أين نجري دراساتنا؟ اخترنا 100 موقع في الولايات المتحدة لإجراء هذه الدراسة، وكان ينبغي علينا تحقيق التوازن في العثور على الأماكن التي فيها نوع من التنوع العرقي المناسب وهذه هي البنية الحقيقية للبلد.

اقرأ أيضاً: كيف نجحت فايزر بإنتاج دواء فعال لمرض كوفيد؟

كنا بحاجة إلى التوازن فيما هو أشبه بالهواجس العملية. إذ نحتاج إلى منشأة ذات حجم مناسب ومواقع التجارب السريرية التي يمكنها تقديم بيانات عالية الجودة. كما نحتاج إلى إيجاد أماكن لم ينتشر فيها فيروس كورونا مسبقاً. في ذلك الوقت على سبيل المثال، أصيبت نيويورك بالفيروس بصورة شديدة. وبالتالي لن تكون مكاناً مثالياً لإجراء دراسة سريرية لأنه يتعين علينا تجميع حالات منها.

لذا كان علينا أن نجد الأماكن التي لم تُصب بالفيروس بعد، لكن في الواقع فإن الإصابات تزداد في الأماكن التي توقعناها أن تكون سليمة، ربما حدث ذلك بعد مرور ستة أسابيع من بدء الدراسة بعد تلقيح الناس. لذا فإنها مشكلة صعبة حقاً كان علينا حلها. وأود أن أقول إننا لم نفعل كل هذا على الصعيد المحلي فحسب.

لقد عملنا مع عدد لا يحصى من الشركاء الخارجيين. ولا يسعني إخباركم عن عدد النماذج الوبائية المختلفة التي رأيناها. بدا الأمر وكأن الجميع أصبح عالِماً وبائياً فجأة. لكننا قمنا بإدراج كل تلك المعلومات في عملية صنع القرار الداخلي لدينا واستخدمنا ذلك لمحاولة العثور على أفضل الأماكن حيث يجب علينا إجراء هذه الدراسة.

وبعد ذلك، حتى أثناء إجرائنا لهذه الدراسة، كنا نقول كيف يمكننا الاستمرار في التحسين والقيام بعمل أفضل؟ قمنا ببناء تحليلات محوسبة فورية للتسجيل في دراستنا. لذلك عندما يتم علاج المرضى أو الأشخاص المسجلين في الدراسة بلقاحنا، فإننا نراقب هذا التنوع: العمر والجنس والاختلاف العرقي للتأكد من أن الشكل النهائي لهذه الدراسة يمثل الولايات المتحدة، وذلك بعد أخذ كل شيء بعين الاعتبار.

اقرأ أيضاً: ما الفائدة من النظر إلى جائحة كوفيد-19 من منظور هندسي؟

ما أود قوله، هو أننا قطعنا ربما 80% من الطريق من خلال الدراسة، وأدركنا أننا لن نحقق أهدافنا لأن نسبة المتطوعين كانت دون طموحاتنا. ولذا اتخذنا القرار الصعب حقاً، نحن بحاجة إلى السرعة، والوصول لبعض المناطق في البلاد والتركيز على التوعية في مناطق مختلفة للحصول على البنية المناسبة بحيث تكون الدراسة تمثيلية.

ختاماً، بعد مرور عام تقريباً على رحلتنا مع فيروس كورونا، حصلنا على إذن الاستخدام الطارئ للقاح، وهو أمر غير مسبوق حقاً لشيء عادة ما يستغرق سنوات عديدة. شخصياً أقول في نفسي، لقد كانت لحظة مؤثرة ومذهلة، انضممت إلى الشركة قبل ثماني سنوات تقريباً، ولم أفكر أنني سأستخدم أحد الأدوية الخاصة بنا لأننا لم نكن نصنع اللقاحات أصلاً في ذلك الوقت. ولكن بعدما حصلت عليها أنا وعائلتي وأصدقائي وكل شخص آخر كانت لحظة رائعة تماماً بالنسبة لنا أن نرى تلك الفائدة للعديد من الأشخاص الآخرين في العالم.