هل يمكننا أن نميز بدقة بين الأقارب جينياً؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

شاركت جيني قبل بضع سنوات في دراسة أجرتها شركة “23 آند مي” (23andMe)، حيث حصلت على نتائج اختبار الحمض النووي مجاناً. وقد نسيت الأمر تماماً لحين إرسال ابنة عمها لها رسالة عبر “فيسبوك” قائلة: “عزيزتي، لماذا خلصت شركة “23 آند مي” إلى أنك أختي غير الشقيقة؟” “وكيف استطاعت الشركة التمييز الجيني بين الأقارب؟”

عندما سجلت جيني الدخول إلى حسابها على موقع شركة “23 آند مي”، تأكدت أن الموقع أدرج ابنة عمها على أنها أختها غير الشقيقة ضمن ميزة “الأقارب”. فكرت جيني أنه في وقت سابق من هذا العام حدث اكتشاف صادم عصف بعائلة جيني، حيث جعلها ذلك تتساءل عما إذا كانت شركة “23 آند مي” قد كشفت عن أمر آخر. وقالت: “لقد تملصت من الأمر أمام ابنة عمي على أنه خطأ مضحك، لكنني فكرت بيني وبين نفسي بالتالي: “إنني على علم بأحد أسرار العائلة الذي لم أتوقعه على الإطلاق، فماذا لو كان هذا صحيحاً؟” وهي تعني بذلك أن تكون ابنة عمها هي أختها غير الشقيقة، وتقول: “لا شك أن عواقب ذلك ستكون مؤرقة للغاية”.

اختبارات الحمص النووي

نظراً لشيوع إجراء اختبارات الحمض النووي، فقد جرى الكشف عن قصص لا حصر لها حول أسرار العائلات التي حدثت منذ عقود. فمثلاً، اكتشف رجل بعد سنوات، والذي كان يتبرع بالحيوانات المنوية في الكلية، أن لديه 17 طفلاً بيولوجياً، وهنالك قصة لامرأة متبناة عند ولادتها أعيد جمع شملها مع أخوتها وأخواتها غير الأشقاء. ليس غريباً أن يوجهني أحد ممثلي شركة “23 آند مي”، عندما تواصلت معه حول هذا الأمر، إلى صفحة تتضمن موارد كاملة أطلقتها الشركة في أوائل هذا العام للمستخدمين الذين اكتشفوا نتائج غير متوقعة بعد إجرائهم اختبارات الحمض النووي.

إن الحديث عن هذا الموضوع هو حالة قد عفى عليها الزمن، إذ لا شك أن اختبارات الحمض النووي قد كشفت عن بعض الحقائق المحرجة. وقد تشعر أن الأدلة الجينية، في جميع المجالات، هي أمور لا يمكن دحضها، فهي لا تكشف عن شؤون العائلات فحسب، بل إنها تلقي الضوء أيضاً على مخاطر الإصابة بالأمراض، وتسهم في حل ألغاز الجرائم. إنه علم! يفترِض العديد ممن يجرون هذه الاختبارات أن ما تخبرهم به الشركة التي تجري اختبارات الحمض النووي لا بد وأنه صحيح، ولكن في بعض الحالات، أي مثل حالة جيني، قد تكون هذه النتائج هي جراء قفز الخوارزمية إلى النتيجة غير الدقيقة. قد تؤدي هذه الإشارات المضللة إلى حدوث صراعات عائلية، أو مرور متلقي النتائج بتوتر لبضعة أيام وهو يتساءل حول الحقيقة على أقل تقدير.

ليس واضحاً عدد المرات التي قد تخطئ فيها الشركات التي تجري اختبارات الحمض النووي بتصنيف أقارب الشخص في نتائج تلك الاختبارات، ولكن انطلاقاً من الاستمرار المتوالي لحالات الفزع التي تظهر في مجموعات ومنتديات “فيسبوك” شبه السرية، فإنه يعد أمراً شائعاً إلى حد ما. مثلاً، بعد تلقي إحدى مستخدمات “موقع ريدت“، وتسمى ميليسا، نتائج تفيد بأن خالتها هي جدتها، دخلت ميليسا إلى منتدى شركة “23 آند مي” للسؤال عن مدى دقة خاصية التعرف على “الأقارب”. وكتبت: “هل ينبغي أن أشعر بالقلق من أن حياتي هي مجرد كذبة، أم أن الأمر غير دقيق تماماً؟” كان لدى الآخرين تقارير خاطئة، حيث أُدرج أبناء العم والخال ضمن قائمة الأخوة غير الأشقاء (بما في ذلك إحدى الحالات التي جرى فيها إدراج ابنة الخالة، من خلال اختبار أجرته والدة الشخص المعني، على أنها أختها غير الشقيقة لكنها وُلدت بعد سبعة أشهر من ولادتها هي– وهو أمر يعد استحالة بيولوجية). في حالات أخرى، أُدرج الأخوة غير الأشقاء الفعليين على أنهم أبناء عم.

النتائج الخاطئة لاختبارات الحمض النووي

بعد إجراء المزيد من البحوث، خلصت ميليسا إلى أنها متأكدة بنسبة 90% من أن النتائج كانت خاطئة. لقد استعانت بخدمات أخرى لاختبارات الحمض النووي، مثل خدمة التعرف على الأجداد، وقارنت نتائجها مع نتائج أفراد الأسرة الآخرين، ما أدى بها إلى استنتاج أن خالتها ليست سوى خالتها على الأرجح. وتقول: “ربما تكون جدتي، لكنني لا أعتقد أن هذا دليل كاف للدخول في صراع عائلي”. ولكي تبرز النتائج التي تعتقد أنها حقيقية، سجلت ميليسا الدخول إلى حساب موقع شركة “23 آند مي” وغيرت نوع العلاقة في القسم الخاص بالعلاقات ضمن خاصية التعرف على”الأقارب” الموجودة على الموقع.

تخضع هذه الميزة لنظام “الاختيار الصريح” فقط، وكما أخبرتني جيني، فإن الشركة “حريصة على استخدام عبارات مثل “ربما” و”من المحتمل” مع النتائج، ولكن لا شيء يؤدي بعد ذلك إلى قولهم:” آه، إليك ما يعني ذلك” على سبيل المثال. بعد إجراء بعض البحوث الإضافية، تأكدت جيني، تماماً مثل ميليسا، من أن الخوارزمية كانت خاطئة. وأجرى أحد معارفها، والذي يعمل استشارياً في مجال العلوم الوراثية مراجعة للنتائج، وظهر أن جيني وابنة خالتها تشاركتا بنسبة 19% في الحمض النووي. إذ يتشارك الأخوة غير الأشقاء في المتوسط بحوالي 25% من الحمض النووي، بينما يتشارك أبناء العم والخال بحوالي 12.5%. كما أظهرت النتائج مطابقات من خلال جانب والدة جيني فقط، مع عدم وجود فئات متطابقة مع الكروموسوم (الصبغي) X. لذلك، كما تقول جيني، ما لم تكن والدتها هي أيضاً والدة ابنة خالتها، فمن المحتمل أن تكون ابنة خالتها ليست أختها غير الشقيقة.

في محاولة لتكون شفافة مع المستخدمين، فإن لدى شركة “23 آند مي” صفحة كاملة مخصصة لشرح كيفية التنبؤ بالعلاقات. فمن خلال مقارنة الحمض النووي الخاص بك من صبغيات معينة مع تلك الخاصة بمستخدمين آخرين، تكشف الشركة النسبة المئوية للجينات المشتركة. على سبيل المثال، من المعتقدات الشائعة أن لديك حوالي 50% من الحمض النووي لأمك البيولوجية و50% من والدك البيولوجي، لكن حتى هذا ليس صحيحاً تماماً. يوضح كيلي هاريس، وهو عالم في الجينات في جامعة واشنطن، إن كل جنين يتشكل من صبغي مأخوذ من الأم وصبغي مطابق من الأب، ويقول: “ثم، تقطع الخلية الصبغيين إلى النصف تقريباً وتلصق أحد النصفين مع النصف الآخر من كلا الوالدين معاً، لكن هذا لا يحدث بدقة فائقة، لذلك يكون الصبغي في بعض الأحيان أكثر من النصف بقليل من الأم، وأحياناً أقل بقليل من النصف”. يصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما تصبح العلاقات أكثر بعداً: ويضيف هاريس: “يصعب جداً النظر في الملف الوراثي لتمييز الأخوة غير الأشقاء والوالدين لأنهما يتشاركان في الحمض النووي بنسبة تصل إلى حوالي 50%، وينطبق الأمر ذاته على العمات والخالات والأجداد”.

حتى علماء الوراثة الذين لديهم أحدث الأدوات المتاحة، لا يمكنهم دائماً اكتشاف العلاقة الدقيقة بين شخصين استناداً إلى اختبارات الحمض النووي الخاصة بهم. أخبرني هاريس حول دراسة أُجريت على الحمض النووي لشعب النياندرتال (الإنسان البدائي) من شخص يعتقد العلماء أنه نتيجة زواج الأقارب. كان لدى الباحثين أربع فرضيات للعلاقات بين والدي ذلك الفرد –وهي أن والديه هما العم وابنة الأخت، أو أنهما أبناء العم الأوائل (على سبيل المثال، كان الآباء أشقاء والأمهات شقيقات)، أو جد وحفيدته، أو أخوة غير أشقاء – لكن لا توجد حالياً طريقة للوصول إلى استنتاج نهائي. يقول هاريس إن اختبارات الحمض النووي “جيدة في التمييز على سبيل المثال، بين أبناء العم الأوائل عن الأشخاص الذين لا يرتبطون بصلة قربة على الإطلاق، أو بين أبناء العم الأوائل عن أبناء العم من الدرجة الثانية”، لكن يصعب فهم العلاقات الحقيقية. “حتى لو كان لديك بيانات متسلسلة كاملة أو أجريت الكثير من التحليلات على توزيعات الفئات، فإنه من الصعب للغاية أن نجزم بالحقيقة بسبب كل تلك العشوائية التي تحدث عند تشكل الأطفال”.

بالإضافة إلى نسبة الحمض النووي المشترك، تعتمد شركة “23 آند مي” على العمر للتنبؤ بالعلاقات. أخبرتني كاتي واتسون، نائبة رئيس الاتصالات في شركة “23 آند مي”، في رسالة بالبريد الإلكتروني: أنه “عندما يكون للعلاقات النمط نفسه في مشاركة الحمض النووي، فإننا نلجأ إلى العمر لمحاولة التمييز فيما بينهما. نحن نقارن أعمار المستخدمين الذين أبلغوا عن حالاتهم بمتوسط ​​زمن الجيل المحسوب البالغ 10 سنوات. إذا كان الفارق بين عمر المستخدمين أقل من 10 سنوات، فنحن نتوقع أن يكونا أخوة غير أشقاء؛ أما إذا كانت الفجوة العمرية أكبر من 10 سنوات، فإننا نتوقع أن تكون العلاقة قائمة على أنهما عم أو عمة وابن أخ أو أخت”. وهذا قد يفسر سبب التنبؤ بأن تكون خالة ميليسا – التي يزيد عمرها عن عمر والدتها بتسع سنوات- هي جدتها.

سألت ميليسا لماذا اختارت “موقع ريدت” لتسأل عن خالتها، هل كانت تأمل في العثور على أشخاص آخرين يشاركونها تلك التجربة أم أن هنالك تفسيرات بديلة؟ قالت: “أردت أن أفهم سبب خطأ شركة “23 آند مي” لأنها واحدة من أكثر الشركات التي تتوخى الدقة في هذا المجال”. بالنظر إلى موارد الشركة العديدة التي توضح خاصية التعرف على “الأقارب”، هناك جهد واضح للمساعدة على تحرير النتائج بدقة. أخبرتني جيني، أنهم يدرجون النتائج على أنها “علاقات متوقعة” وتسمح للمستخدمين بتحرير تلك العلاقات وتعديلها. لكن مع ذلك، وضع الناس الكثير من التوقعات، وقد لا يدركون أن “اكتشافاتهم” قد تكون بمثابة صدفة خاطئة، وأنهم ليسوا وحدهم من أصابهم الذعر عندما اعتقدوا أنهم اكتشفوا أسرار عائلاتهم.

لمنع المستخدمين من القفز إلى استنتاجات خاطئة، ربما ينبغي أن تُظهر خاصية التعرف على “الأقارب” قدراً أكبر من عدم اليقين وذلك بصورة بارزة، لاسيما في الحالات المتطرفة مثل حالة جيني، حيث تقع النسبة المئوية لها ولابنة خالتها في منتصف النطاق بين متوسط ​​الصلة بين بنات الخالات والأخوات غير الشقيقات. أو ربما بدلاً من عرض علاقة واحدة، يمكن أن تعطي النتائج احتمالات استناداً إلى النسبة المئوية للارتباط، إذ قد يكون هذا الشخص هو جدك أو حفيدك أو عمتك أو عمك أو ابنة أخيك أو ابن أخيك أو أخاك غير الشقيق. قد يجعلنا هذا النوع من عدم اليقين ندرك أيضاً مدى صعوبة وضع تنبؤات عن العلاقة، ومدى اتساع نطاق الاحتمالات بالفعل. يقول هاريس في حديثه عن التمييز الجيني للأقارب: “في مثل هذه الحالة، أي عندما لا يعطينا العلم إجابة، فإن الأمر الوحيد الذي ينبغي على العلماء فعله هو الإقرار بأنه لا يمكننا الإجابة بدقة”.