تعرف على البريطاني من أصول لبنانية مايكل عطية الذي غير من شكل الرياضيات الحديثة

3 دقائق
مصدر الصورة: موقع صخيفة ذا تايمس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

النشأة والدراسة

وُلد مايكل إدوارد عطية في مدينة لندن سنة 1929 لوالدٍ لبناني وأم إسكتلندية، ونظراً لعمل والده طبيباً في مجال الخدمات العامة، تنقلت العائلة كثيراً أثناء طفولة مايكل؛ إذ تلقى علومَه الابتدائية في الخرطوم عاصمة السودان، التي كانت لا تزال تخضع آنذاك للحكم البريطانيّ، ومن ثم انتقلت العائلة إلى لبنان الموطن الأصلي لوالد عطية، إلا أن هذه الإقامة لم تستمر طويلاً نظراً لظروف الحرب العالمية الثانية آنذاك، لتقرر العائلة الانتقال إلى مصر مرةً أخرى، حيث أكمل عطية تعليمَه الذي أظهر فيه تفوقاً كبيراً، وتمكن من إنهاء تعليمه الثانوي وهو في سن السادسة عشر.

بسبب تفوقه وتميزه الكبيرين، وخصوصاً في مجال الرياضيات، حصل عطية على منحة دراسية من ترينيتي كوليدج في كامبريدج، بريطانيا سنة 1947، إلا أن عطية قرَّر إنهاء الخدمة الوطنية الإلزامية قبل أن يلتحق بالجامعة. تعمق عطية أكثر في دراسة الرياضيات والهندسة، حيث أمضى شطراً كبيراً من وقته يطالع كتب نظرية الأعداد ونظرية المجموعات، قبل أن يحصل على إذنٍ خاص لإمضاء السنة الثانية من الخدمة الوطنية في كامبريدج.

بدأ عطية دراسته سنة 1949 في ترينيتي كوليدج، وتمكن سنة 1955 من الحصول على شهادة الدكتوراه في الرياضيات، التي قام بإنجازها تحت إشراف عالم الرياضيات الشهير ويليام هودج، كما أن عطية ترأس رابطة الأرخميديين (The Archimedeans)، التي تمثل جمعية الرياضيين في جامعة كامبريدج.

المسيرة العلمية والبحثية 

يمتلك عطية مسيرةً علمية نشطة جداً وذات محطات عديدة، حيث تنقل بين العديد من الجامعات والمؤسسات العلمية والأكاديمية المرموقة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. بدأ عطية عمله مباشرةً بعد إنهائه لشهادة الدكتوراه في معهد الأبحاث المتقدمة في جامعة برينستون بأميركا، ولكنه لم يبقََ هناك أكثر من عام واحد، وعاد بعد ذلك إلى بريطانيا، حيث عمل مدرساً وباحثاً في جامعة كامبريدج حتى سنة 1961، وهي السنة التي انتقل فيها إلى جامعة أكسفورد التي حصل فيها على مكانة علمية مرموقة، وهي أستاذ سافيليان في الهندسة، وذلك بين عامي 1963 و1969. عمل عطية مرةً أخرى في معهد الأبحاث المتقدمة في جامعة برينستون الأميركية لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم عاد إلى جامعة أكسفود حيث عمل أستاذاً باحثاً ضمن كلية سانت كاثرين.

شغل عطية العديدَ من المناصب الهامة في مجال الرياضيات خلال مسيرته الطويلة؛ حيث كان رئيس جمعية لندن للرياضيات بين عامي 1974 و1976، كما لعب دوراً في تأسيس معهد إسحق نيوتن لعلوم الرياضيات في جامعة كامبريدج، وشغل منصب مديره الأول بين 1990 و1996، فضلاً عن ترأسه الجمعية العلمية الملكية البريطانية بين 1990 و1995، وشغل منصب مستشار في جامعة ليستر بين 1995 و2005، وأستاذاً فخرياً في جامعة إدنبرة الأسكتلندية بدءاً من عام 1997 حتى وفاته سنة 2019.

وإلى جانب قيمته الكبيرة في مجال الرياضيات والفيزياء، اشتهر مايكل عطية بمواقفه المؤيدة للسلام العالمي، وقد شغل منصب مدير مؤتمرات بوجواش العلمية حول القضايا العالمية من 1997 وحتى 2002، وهي المنظمة التي تهدف للحد من النزاعات المسلحة حول العالم.

القيمة العلمية

يعد مايكل عطية من أبرز علماء الرياضيات في القرن العشرين، وساهمت أعماله الرائدة والمبتكرة في إيجاد روابط جديدة بين الرياضيات والفيزياء فضلاً عن أعماله في مجال الطبولوجيا، وهو أحد فروع الرياضيات المختصة بدراسة الأشكال، والتي تتضمن أيضاً الكائنات الرياضية التي تمتلك أكثر من ثلاثة أبعاد. وبشكلٍ خاص، يرتبط اسم مايكل عطية بتطوير إطارٍ جديد في مجال الطبولوجيا المعروف باسم نظرية كيه (Topological K-Theory)، التي طوّرها بالتعاون مع عالم الرياضيات الألماني فريدريش هيرزيبروخ.

ثاني الأعمال الهامة التي قام بها عطية كانت نتيجةً لتعاونه مع عالم الرياضيات الرائد إيزادور سينجر من جامعة إم آي تي، وذلك خلال ستينيات القرن الماضي؛ حيث أفضت أعمالهما عن نشوء نظريةٍ تم تسميتها نظرية أس عطية-سينجر، التي تستخدم في مجال حلول المعادلات التفاضلية في الرياضيات، وساهمت هذه النظرية بدورها في نشوء مجالٍ جديد تم تسميته نظرية الأس (Index Theory).

قادت أعمال عطية وسينجر إلى إفساح المجال لإنشاء روابط بين الفيزياء والرياضيات، حيث عمل الفيزيائيون على تطوير نماذج جديدة من نظرية الأس الخاصة بعطية، وذلك من أجل استخدامها في فهم نظرية الحقل الكمي، وهو ما قاد أيضاً إلى تعاون مع عالم الفيزياء الشهير إدوارد ويتن من أجل فهم كيف يمكن للاكتشافات الرياضية أن تُسهم في كشف الحقائق الفيزيائية. ساهمت هذه الأعمال في نشوء نظرياتٍ فيزيائية هامة أشهرها نظرية الأوتار (String Theory) ونظرية القياس (Gauge Theory)، وذلك كطرقٍ ووسائل لفهم واستيعاب بنية وديناميكية الكون.

جوائز وتكريمات 

حصل عطية خلال مسيرته وحياته تقريباً على كل الجوائز والتكريمات التي يمكن لأي باحثٍ في مجال الرياضيات أن يحصل عليها، وأبرز هذه الجوائز:

  • ميدالية فيلدز سنة 1966، وهي من أرقى الجوائز العلمية حول العالم في مجال الرياضيات، وذلك تقديراً لأعماله في تطوير نظرية كيه.
  • جائزة آبل سنة 2004 بالمشاركة مع إيزادور سينجر، تقديراً لدوره الكبير في تطوير نظرية عطية-سينجر.
  • ميدالية دي مورغان سنة 1980 من جمعية لندن للرياضيات.
  • جائزة الملك فيصل الدولية للعلوم سنة 1987.
  • الحصول على لقب فارس “سير”، وهو من أشرف التكريمات الملكية في بريطانيا.