الإنترنت تقصي الآسيويين الأميركيين ممن لا يتحدثون الإنجليزية

7 دقائق
الإنترنت تقصي الآسيويين الأميركيين
مصدر الصورة: إم إس تك/ غيتي إيميدجيز، بيكسلسكويد
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أمضت جنيفر شيونج هذا الصيف وهي تساعد الأفراد الذين ينتمون إلى شعب همونج في كاليفورنيا على التسجيل للتصويت في الانتخابات الأميركية. يمثل همونج شريحة إثنية تتحدر من المناطق الجبلية في الصين، وفيتنام، ولاوس، وتايلندا، ولكن ليس لهم دولة خاصة بهم، وكانت شيونج متطوعة تنظيم في مؤسسة همونج إينوفيتينج بوليتيكس، أو إتش آي بي، في فريسنو. يوجد حوالي 300,000 شخص من شعب همونج في الولايات المتحدة، وقد أمضت شيونج ساعات طويلة في التواصل مع الناخبين على الهاتف والعمل على إعلانات لبثها على قنوات همونج في الراديو والتلفزيون. كان عملاً مثيراً للإعجاب. وتقول: “لقد كانت تجربة جديدة تماماً بالنسبة لي. من النادر أن نشهد عملاً كهذا يقوم به هذا العدد من المتطوعين المنفتحين واليافعين، والمؤلفين بشكل رئيسي من النساء، وقد كنت متأكدة من أنه سيكون إنجازاً ضخماً”. وقد كان كذلك بالفعل، وعلى جميع الأصعدة. فقد كانت نسبة مشاركة الآسيويين الأميركيين في انتخابات 2020 بشكل عام رائعة، ويقول المراقبون إن مشاركة مواطني همونج وصلت إلى نسبة غير مسبوقة.

ولكن شيونج تقول أيضاً إن هذا الأمر كان مؤسفاً للغاية من نواحي أخرى.

فعلى الرغم من الروابط المتينة للهمونج في الولايات المتحدة -حيث شُجع الكثيرون منهم على الهجرة عبر المحيط الهادي بعد تجنيدهم لصالح الولايات المتحدة في حرب فيتنام- فإن الكثيرين منهم مُستبعدون من الحوارات السياسية العامة. ومن الأمثلة على هذا: يوجد في الصفحة الأساسية لمقاطعة فريسنو -وهي الصفحة المستخدمة لتسجيل الناخبين- خيار لترجمة الصفحة بالكامل إلى لغة همونج، ولكن، وكما تقول شيونج، فإن أغلب المعلومات مُترجمة بشكل خاطئ.

وتبدأ الأخطاء على الفور منذ البداية؛ فبدلاً من كلمة لغة همونج المقابلة لكلمة “مرحباً” أو “أهلاً بكم”، كما تقول شيونج، “يستخدم الموقع كلمات أخرى بدلاً منها تعني: سيادتك، أو: الملكة، أو: الملك”.

لقد كانت رؤية خطأ فادح في مسألة بهذه البساطة أمراً منفراً ومثيراً للإحباط. وتقول: “لم تقتصر المشكلة على كون الصفحة مُترجمة على الأرجح باستخدام جوجل ترانسليت، بل إنها لم تخضع حتى للمراجعة والتحرير لضمان سلاسة النص وإمكانية فهمه”.

تقول شيونج إن هذا النوع من الإهمال واللامبالاة شائع على الإنترنت، وهو أحد الأسباب التي تدفعها والآخرين من شريحة همونج إلى الشعور بالاستبعاد من السياسة.

وفي الواقع، فإنهم ليسوا الوحيدين الذين يشعرون أن العالم الرقمي لم يُبنَ لأجلهم؛ حيث إن الموقع نفسه مبني وفق هيكلية تعطي الأولوية للغة الإنجليزية، كما أن أغلب منصات التواصل الاجتماعي الهامة التي تستضيف الحوارات العامة في الولايات المتحدة تعطي الأولوية للإنجليزية أيضاً.

ومع تحول التكنولوجيا إلى واجهة للفضاءات المدنية في الولايات المتحدة، فإن هيمنة اللغة الإنجليزية أصبحت أكبر من ذي قبل. بالنسبة للآسيويين الأميركيين، فإن الانتقال إلى العالم الرقمي يعني أن الوصول إلى المؤسسات الديمقراطية، بدءاً من التسجيل للتصويت وصولاً إلى الأخبار المحلية، أصبح صعباً بسبب العوائق اللغوية.

وقد وصلت هذه المشكلة إلى مؤسسات الرعاية الصحية أيضاً؛ فخلال الوباء، أضافت العوائق اللغوية عبئاً آخر على شرائح ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية والسكان الأصليين، الذين يبلغ احتمال دخول مرضاهم إلى المستشفى ووفاتهم ثلاثة أضعاف الاحتمال المقابل لدى المرضى البيض. وقد وجد مستشفى بريجام والنساء في بوسطن أن احتمال وفاة المرضى الذين لا يتكلمون الإنجليزية بسبب كوفيد يزيد على احتمال وفاة أقرانهم ممن يتكلمونها بنسبة 35%. ويبدو أن مشاكل الترجمة ليست المشاكل الوحيدة هنا؛ حيث تقول شيونج إنه عندما كان مستخدمو همونج يحاولون حجز مواعيد للتطعيم، كانوا يُسألون عن برجهم الفلكي كوسيلة للتحقق، على الرغم من أن الكثيرين من أفراد هذه الشريحة لا يعرفون شيئاً عن الأبراج الغربية.

في الأوقات العادية، يمثل التغلب على هذه المشاكل مهمة صعبة للغاية، بما أن الآسيويين الأميركيين هم المجموعة الأكثر تنوعاً لغوياً في أميركا. ولكن بعد سنة شهدت زيادة كبيرة في الهجمات على الآسيويين الأميركيين، سواء في الواقع أو على الإنترنت، فإن الوضع أصبح طارئاً بشكل مختلف تماماً.

“إنها لا تكشف المعلومات المزيفة”

تشغل كريستين تشين منصب المدير التنفيذي لمنظمة أبيافوت غير الربحية، التي تروج للمشاركة المدنية بين الآسيويين والمتحدرين من جزر المحيط الهادي، وتقول إن الحياة السياسية كانت على الدوام “إقصائية” بالنسبة للآسيويين في الولايات المتحدة، ولكن “بوجود الفضاءات الرقمية، أصبح الأمر أكثر صعوبة. فمن السهل للغاية أن تمارس العزل على الآخرين”.

تُعد المنصات الكبيرة، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، من أكثر المنصات شعبية لدى الآسيويين الأميركيين، إضافة إلى تطبيقات التراسل مثل وي تشات، وواتس آب، ولاين. وغالباً ما يعتمد اختيار الناس لقنوات التواصل على أصولهم الإثنية. فخلال الحملة الانتخابية، ركزت تشين على بناء شبكة من المتطوعين التي تتحرك دخولاً وخروجاً بين هذه التجمعات المنعزلة لتحقيق أكبر تأثير ممكن. في ذلك الوقت، كانت حملات تزييف المعلومات الموجهة إلى الآسيويين الأميركيين على أشدها، في مجموعات وي تشات وعلى فيسبوك وتويتر، حيث مراقبة المحتوى أقل فعالية في اللغات غير الإنجليزية.

وقد انضم متطوعو أبيافوت إلى مجموعات مختلفة على منصات مختلفة لمراقبة المعلومات المزيفة وتشجيع الأعضاء على التصويت. وعلى سبيل المثال، وجد المتطوعون أن الفيتناميين الأميركيين كانوا مستهدفين بمزاعم تقول إن جو بايدن كان اشتراكياً، وذلك للاستفادة من مخاوفهم من الشيوعية، وقد تعرض الكوبيون الأميركيون أيضاً إلى الاستهداف برسائل مماثلة.

تقول اشني إن أنظمة مراقبة المحتوى في فيسبوك وتويتر وغيرها غالباً ما تخفق في التقاط محتوى المعلومات المزيفة باللغات غير الإنجليزية، على الرغم من نجاح هذه السياسات في فلترة بعض المعلومات المزيفة الأكثر وضوحاً باللغة الإنجليزية. وبدلاً من ذلك، قام المتطوعون -كما في فريقها- بهذا العمل، حيث كانوا يبحثون عن المعلومات المزيفة، وقد دُرِّبوا بشكل خاص على التعامل معها والتخفيف من تأثيرها. وتقول: “إن الآليات الهادفة إلى التقاط كلمات وعبارات محددة لا تستطيع بالضرورة كشف هذه المعلومات المزيفة والمضللة عندما تكون بلغة مختلفة”.

تعتمد خدمات وتكنولوجيات جوجل للترجمة، مثل ترانسليتوترون وسماعات الرأس التي تقوم بالترجمة في الزمن الحقيقي، على الذكاء الاصطناعي للتحويل من لغة إلى أخرى. ولكن شيونج ترى أن هذه الأدوات غير كافية للغة همونج، وهي لغة شديدة التعقيد تعتمد بدرجة عالية على السياق. وتقول: “أعتقد أننا أصبحنا اتكاليين للغاية في اعتمادنا على الأنظمة المتقدمة مثل جوجل؛ فهي تدعي أنها ‘تصلح لجميع اللغات’ وبعد أن أقرأ ما تعرضه أجد نتيجة مختلفة تماماً”.

وقد اعترف ناطق رسمي باسم جوجل إن اللغات الأقل شيوعاً “تمثل صعوبة أكبر أثناء الترجمة”، ولكنه قال إن الشركة “استثمرت في أبحاث موجهة على وجه الخصوص إلى ترجمات اللغات ضعيفة الموارد” باستخدام التعلم الآلي وتعليقات وملاحظات المتكلمين بها.

وصولاً إلى القاعدة

إن التحديات اللغوية على الإنترنت تتجاوز نطاق الولايات المتحدة، وتصل حرفياً إلى القاعدة البرمجية. يعمل يودانجايا ويهيراتني باحثاً وعالماً مختصاً بالبيانات في مجموعة الدراسات ليرناسيا في سريلانكا. وفي 2018، بدأ يتتبع شبكات البوتات التي تشجع أنشطتها على منصات التواصل الاجتماعي على العنف ضد المسلمين؛ ففي فبراير ومارس من تلك السنة، نفذ البوذيون السنهاليون مجموعة من أعمال الشغب التي استهدفت المسلمين والمساجد في مدينتي أمبارا وكاندي. وقد قام فريقه بتوثيق “منطق الصيد” لهذه البوتات، وأرشفة مئات الآلاف من منشورات التواصل الاجتماعي السنهالية، وعرض نتائجه على تويتر وفيسبوك. ويقول: “سيقولون أشياء لطيفة وتعبر عن نية طيبة، وهي في الواقع لا تتجاوز كونها مجرد تصريحات معلبة وجاهزة للاستخدام”. وفي أحد التصريحات، قالت تويتر إنها تستخدم أنظمة مراقبة بشرية ومؤتمتة “لتطبيق قواعدنا دون تمييز على جميع المشاركين في الخدمة، بغض النظر عن الخلفية أو الأيديولوجيا أو الموقف السياسي”.

وعند اتصال إم آي تي تكنولوجي ريفيو بفيسبوك، قال ناطق باسم الشركة إنها طلبت من لجنة مستقلة مختصة بحقوق الانسان إجراء تقييم لدور المنصة في العنف في سريلانكا، وقد نُشر هذا التقييم في مايو 2020، وأدى إلى عدة تغييرات بعد الهجمات، بما فيها توظيف العشرات من مراقبي المحتوى للغة السنهالية ولغة التاميل. ويقول الناطق: “لقد فعلنا تكنولوجيا استباقية لكشف خطاب الكراهية بالسنهالية لمساعدتنا على تحديد المحتوى المخالف للقواعد بشكل أكثر سرعة وفعالية”.

وعندما استمر سلوك البوتات دون تغيير، شعر ويهيراتني بالشك إزاء هذه التصريحات المبتذلة. وهكذا، قرر أن يدقق في المكتبات البرمجية والأدوات البرمجية التي كانت الشركات تستخدمها، ووجد أن الآليات المستخدمة لمراقبة خطاب الكراهية في أكثر اللغات غير الإنجليزية لم تكن قد بُنيت بعد.

ويقول: “وفي الواقع، فإن أغلبية الأبحاث المتعلقة بالكثير من اللغات الشبيهة بلغتنا لم تكن قد أجريت بعد. وما أستطيع تحقيقه بثلاثة أسطر من تعليمات بايثون البرمجية باللغة الإنجليزية تطلب مني، حرفياً، الاطلاع على 28 مليون كلمة باللغة السنهالية على مدى سنتين لبناء الكتل النصية الأساسية، وبناء الأدوات الأساسية، والبدء بتشغيل كل هذه الأنظمة إلى درجة تسمح لي بالوصول إلى هذا المستوى من تحليل النص”.

وبعد أن استهدف المفجرون الانتحاريون عدة كنائس في كولومبو، عاصمة سريلانكا، في أبريل 2019، قام ويهيراتني ببناء أداة تحلل خطاب الكراهية والمعلومات المزيفة باللغة السنهالية ولغة التاميل. يحمل النظام اسم ووتشدوج، وهو تطبيق خليوي مجاني يقوم بتجميع الأخبار، كما يرفق التحذيرات بالقصص الإخبارية الكاذبة. وتأتي التحذيرات من متطوعين متدربين على تدقيق الحقائق.

ويشدد ويهيراتني على أن هذا العمل يتجاوز مجرد مسألة الترجمة.

ويقول: “هناك الكثير من الخوارزميات التي أصبحت من البديهيات بالنسبة لنا، والتي غالباً ما يُستشهد بها في الأبحاث، خصوصاً معالجة اللغة الطبيعية، وهي تعطي نتائج ممتازة في اللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من هذا، فإن الكثير من الخوارزميات المتطابقة، التي تُستخدم حتى في لغات لا تختلف عن بعضها إلا ببضع درجات -سواء أكانت من اللغات الجرمانية الغربية أو من شجرة اللغات الرومانسية- قد تعطي نتائج مختلفة تماماً”.

تمثل معالجة اللغة الطبيعية أساس أنظمة مراقبة المحتوى المؤتمتة. وقد نشر ويهيراتني في 2019 بحثاً درس فيه التباينات بين درجات دقتها في لغات مختلفة. ويقول إن زيادة المصادر الحاسوبية للغة معينة، مثل مجموعات البيانات وصفحات الويب، تؤدي إلى أداء أفضل للخوارزمية. أما اللغات الخاصة بالبلدان والشرائح الفقيرة فهي لا تمتلك نفس الميزات.

“إذا كنت تريد بناء ناطحة سحاب للغة الإنجليزية، فإن المخططات متوافرة، والمواد موجودة”، كما يقول.

“لديك كل شيء تحتاجه في متناول يديك، وكل ما عليك فعله هو جمع هذه العناصر معاً. أما بالنسبة للغات الأخرى، فليس لديك أي مخططات. وليس لديك أي فكرة عن مصدر الإسمنت. وأيضاً، ليس لديك فولاذ، وليس لديك عمال. ولهذا، ليس أمامك سوى الجلوس هناك والعمل على كل قرميدة على حدة، على أمل أن يتمكن حفيدك أو حفيدتك من إكمال المشروع يوماً ما”.

مشاكل متجذرة

إن الحركة الرامية إلى تأمين هذه المخططات معروفة باسم العدالة اللغوية، وهي حركة جديدة. ويصف الاتحاد الأميركي للمحامين العدالة اللغوية بأنها “إطار عمل” يحفظ حق الناس “في التواصل والفهم المتبادل مع الآخرين باللغة التي يفضلونها ويشعرون بأنها الأفضل والأكثر تعبيراً بالنسبة لهم”.

لن يكون الطريق نحو تحقيق العدالة اللغوية سهلاً. وسيتوجب على الشركات التكنولوجية ومزودي الخدمات الحكومية وضعها في مكان أعلى على سلم الأولويات، واستثمار مقدار أكبر بكثير من الموارد لتحقيقها. إضافة إلى ذلك، وكما يشير ويهيراتني، فإن العنصرية وخطاب الكراهية والإقصاء الذي يستهدف الآسيويين الأميركيين، خصوصاً في الولايات المتحدة، هي أمور ظهرت قبل الإنترنت بوقت طويل. وحتى لو أمكن تحقيق العدالة اللغوية، فإنها لن تصلح هذه المشاكل المتجذرة.

ولكن بالنسبة لشيونج، فإن العدالة اللغوية هدف هام تعتقد أنه أساسي بالنسبة لمجتمع همونج.

فبعد الانتخابات، انتقلت شيونج إلى دور جديد في المنظمة؛ حيث تسعى لوصل مجتمع همونج في كاليفورنيا مع الخدمات العامة، مثل مكتب الإحصاء ومكتب المقاطعة وتسجيل اللقاحات. وهدفها الأساسي هو “ملاقاة المجتمع في وضعه الحالي”، سواء أكان على راديو همونج أو بالإنجليزية عبر فيسبوك لايف، ومن ثم تعزيز النظرة العامة لهذه الشريحة أمام العموم. ولكنها تضطر يومياً إلى مواجهة الاختلالات التكنولوجية التي تقصي الناس من الحوار، وتمنعهم من الوصول إلى الموارد.

وتقول إن المساواة تعني “التواجد في عالم تكون فيه الترجمة والانتقال بين اللغات معياراً معتمداً لدى الجميع” وتضيف: “نحن لا نسأل ما إذا كانت هناك ميزانية كافية لهذا الأمر، ولا نسأل ما إذا كان هاماً أو قيماً، لأنه بالنسبة لنا يحتل الأولوية من حيث التشريعات والفضاءات العامة”.