حتى الفضاء لا يُعتبر آمناً من الإعلانات

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
تسعى الشركات إلى تحويل الأقمار الاصطناعية إلى لوحات إعلانية.

تخيل أنك خرجت في ليلة صافية، وقلت لنفسك: آه، كم تبدو السماء جميلة ليلاً! وكم يبدو الكون رائعاً! ومن نكون نحن أمام هذا العالم الواسع؟ أجسام صغيرة على هذه النقطة الزرقاء الباهتة، نحن محظوظون بوجودنا في هذا الزمن الجيولوجي، حيث الأرض ملائمة للحياة. إن السماء تعطينا بالفعل نعمة رؤية المشهد – لحظة! هل هذا شعار شركة “بيبسي”؟

قد يكون كذلك، على الأقل ابتداء من عام 2021. ففي أوائل هذا الشهر، أكدت شركة “ستارت روكت” (StartRocket) الروسية لـ “منصة فيوتشريزم” (Futurism) أنها كانت تعمل على إطلاق أقمار اصطناعية مخصصة للإعلانات لتُعرض في السماء ليلاً، وقالت الشركة إن زبونها الأول كان شركة “بيبسيكو”. ثم أكد أحد ممثلي الشركة لاحقاً لـ “موقع جيزمودو” (Gizmodo) أن الشركة دخلت في شراكة مع شركة “ستارت روكت” من أجل “تجربة استكشافية” للإعلان عن مشروب طاقة ولكن ليس لديها خطط لمواصلة الإعلان في الفضاء. وليس واضحاً بعد ما إذا كان لدى شركة “ستارت روكت” المزيد من الزبائن في الانتظار.

في مقطع فيديو يتناول بالتفصيل رؤية الشركة، تظهر إعلانات شركة “ستارت روكت” في السماء خلف جسر غولدن جيت وبرج إيفل ومعبد بالي وجسر تاور في لندن، وخلف الجبال الجليدية في القطب الشمالي، حيث تنافس الشفق القطبي في ظهوره. ستُعرض الإعلانات بواسطة كوكبة من الأقمار الاصطناعية تدور فوق الأرض بحوالي 280 ميلاً، وكل منها مجهز بأشرعة ميلار العاكسة للضوء.

منذ إطلاق القمر الاصطناعي “سبوتنك 1” في عام 1957، كانت الأقمار الاصطناعية جزءاً غير مرئي من حياتنا اليومية، ما أتاح لنا إجراء مكالمات هاتفية ورصد حالة الطقس وتحديد مواقعنا. ويمكننا أحياناً ملاحظتها في السماء ليلاً، ولكن يصعب تحديدها حتى لو كنت تبحث عنها. من المفترض أن نتمكن من رؤية الأقمار الاصطناعية مثل “أوربيتال ديسبلاي” التابعة لشركة “ستارت روكت”، وطالما أن عملية إطلاق الأقمار الاصطناعية أصبحت أسهل، فقد تصبح سماؤنا أكبر شاشة على الإطلاق.

إنّ شركة “ستارت روكت” ليست وحيدة في لعبة الأقمار الاصطناعية الترفيهية التي تتوخى الربح. إذ تقف شركة “إيه إل إي” (ALE)، وهي شركة يابانية ناشئة وراء “مشروع سكاي كانفاس” (Sky Canvas) الذي يهدف إلى إطلاق سلسلة من الأقمار الاصطناعية التي تطلق شهباً عند الطلب. وتفخر الشركة بذلك من خلال عبارة مكتوبة في موقعها على الإنترنت تقول: “مستوى جديد تماماً من الترفيه”. وكان مخططاً أن يُقام عرضها الأول في سماء مدينة هيروشيما في ربيع عام 2020.

ثم لدينا شركة “إليسيوم سبيس” (Elysium Space) ومقرها الولايات المتحدة التي تنقل الشهب الاصطناعية إلى مستوى جديد، حيث تقدم عرضاً لرفات أحبائك. إذ تطلق الشركة قمراً اصطناعياً مليئاً بالرفات يدور حول الأرض لبضع سنوات، حيث يمكن للعائلة والأصدقاء تتبع رحلته عبر تطبيق. وعندما يسقط القمر الاصطناعي من مداره ويحترق في الغلاف الجوي، نكون قد شاهدنا شهاباً. (تقدم الشركة أيضاً خياراً لإسقاط الرفات على القمر). ومع ذلك، فإن هذا العرض النهائي لن يكون بالضرورة مرئياً لأحبائك، وليس واضحاً ما إذا كانت شركة “إليسيوم سبيس” تُعلم المعنيين باحتراق القمر الاصطناعي، وحتى إذا حدث ذلك، فقد تُقام الاحتفالات على الجانب الآخر من الكوكب أو خلال اليوم.

لماذا نتوقف عند الشهب الاصطناعية؟ إذ تحاول شركة صينية صنع قمر مزيف بالكامل. في أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت مؤسسة “تشنجدو لبحوث أنظمة الإلكترونيات الدقيقة للعلوم والتقنيات الجوفضائية” في أحد المؤتمرات أنها تخطط لإطلاق قمر اصطناعي يحمل “قمراً اصطناعياً” أكثر إشراقاً من القمر الحقيقي بثماني مرات. وسيبقى القمر الاصطناعي مسلطاً نحو مدينة تشنجدو الصينية، ما يجعل مصابيح الشوارع لا لزوم لها. لم يتم الإعلان عن “كيف سينجح كل هذا”، لكن ما صرحت به المؤسسة هو أن القمر الاصطناعي سيتم إطلاقه بحلول عام 2020.

هناك أقمار اصطناعية مبهجة أخرى بُنيت بقصد التمتع بها في الفضاء كنوع من الفن (أو الفن الفضائي). في يناير/كانون الثاني، أُطلق قمر اصطناعي سُمي “أوربيتال ريفلكتور” يحتوي على تمثال وذلك على متن صاروخ “فالكون 9” التابع لشركة “سبيس إكس“. وتضمنت أقمار اصطناعية أخرى أيضاً على تمثال، أحدها تابع لشركة “إليسيوم سبيس”، وآخر يحتوي على جرة من الذهب عيار 24 قيراطاً مع تمثال نصفي في الداخل لروبرت هنري لورنس الابن، وهو أول رائد فضاء أميركي من أصحاب البشرة الملونة. إن القمر الاصطناعي “أوربيتال ريفلكتور” الذي يبدو كقضيب عملاق في الفضاء، قد صممه الفنان تريفور باجلن وأُطلق بالشراكة مع “متحف نيفادا للفنون”. ويذكر موقع المشروع على شبكة الإنترنت أن “الفكرة وراء ذلك هي تحويل الفضاء إلى “مكان”. إن المشروع يجعل غير المرئي مرئياً، ما يشعل مخيلتنا ويُغذي إمكاناتنا المستقبلية”.

هناك تفسير مشابه يلوّح لنا وراء مشروع “هيومانيتي ستار”، وهو نطاق جيوديسي انعكاسي باتساع ثلاثة أقدام أُطلق في العام الماضي من قبل مختبر “روكت لاب” الناشئ ومقره الولايات المتحدة. ووفقاً للشركة، فإن كرة الديسكو الفضائية العملاقة “صُممت لتكون رمزاً مؤقتاً في السماء ليلاً والتي شجعت الجميع على المشاهدة والتأمل في مكان البشرية في الكون والتفكير في الطريقة التي تمكننا من العمل معاً كجنس بشري واحد من أجل مواجهة التحديات التي تواجهنا جميعاً”.

من المضحك أن يذكر مختبر “روكت لاب” فكرة مواجهة التحديات، بالنظر إلى أن مشاريع الأقمار الاصطناعية المرئية هذه قد خلقت مشكلات جديدة في الفضاء أو هنا على الأرض على حد سواء. على سبيل المثال، أثار “نطاق هيومانيتي ستار” القلق لدى النشطاء في مجال السماء المظلمة بسبب مزاعم المختبر بأنه سيكون أجمل جسم في السماء ليلاً. وكان علماء الفلك قلقين أيضاً بشأن احتمال تداخل أي كائن جديد مشرق في السماء مع عملهم. ولكن ما بعث على ارتياح كبير من جانب منتقدي هذا المشروع، هو أنه لم يعكس مقدار الضوء الذي وعد به في البداية وخرج من المدار بعد شهرين فقط (إذ كان من المفترض أن يدوم ذلك المشروع لمدة تسعة أشهر).

لكن مشاريع السماء الساطعة الأخرى، مثل القمر الاصطناعي في تشنجدو، لديها القدرة على إحداث التدمير. ولقد وجد العلماء الذين يدرسون تلوث الضوء أدلة على أن الضوء الاصطناعي يفسد العمليات البيولوجية الطبيعية للحشرات والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات (مثل البشر) وحتى النباتات. يبدو أن أي شيء يُغنينا عن استخدام مصابيح الشوارع قد يكون أمراً مثيراً للقلق، إن لم يكن أكثر من ذلك بالنسبة إلى العالم الطبيعي.

كما يمثل تدفق الأقمار الاصطناعية لأغراض فنية أو تجارية مشكلة لوجستية بالنسبة إلى السلطات الوطنية والدولية، والتي يجب أن تراقب ما يدور في سمائنا. إن العديد من هذه المشاريع الجديدة، بما فيها “إعلانات أوربيتال ديسبلاي” و”أوربيتال ريفلكتور” و”إليسيوم سبيس”، هي أقمار اصطناعية صغيرة تسمى “كيوب ساتس”، عبارة عن مكعبات تبلغ مساحتها 10 سنتيمترات ويصل وزنها إلى 20 رطلاً، وقد ازدادت شعبية عاماً بعد عام، إذ أُطلق 75 قمراً اصطناعياً عام 2014، وأكثر من 200 قمر عام 2017، وأكثر من 500 قمر من المقرر إطلاقه هذا العام، وإذا أردنا الاتصال مع تلك الأقمار الاصطناعية أو تتبع حركتها من الأرض، فإننا بحاجة إلى ترددات لاسلكية خاصة بكل واحد منها. هناك عدد محدود من الترددات المتاحة والتي تُدار من قبل وكالة تابعة للأمم المتحدة.

هناك أنظمة أيضاً لتتبع الأقمار الاصطناعية، والنظام الذي تديره الولايات المتحدة يعيق قدرة المعجبين على مراقبة “أوربيتال ريفلكتور”. في منتصف يناير/كانون الأول، أي بعد ستة أسابيع من إطلاق القمر الاصطناعي، كتب باجلن بالتعاون مع “متحف نيفادا للفنون” في بيان أن شعبة قوى الجو الأميركي لم تحدد بعد معرّف التتبع للقمر الاصطناعي، ما يعني أنها غير قادرة على استكشاف الجزء المتمثل بالتمثال من القمر الاصطناعي. لقد تواصلت مع نائب رئيس المراسلات بالمتحف للاستفسار عما إذا كان هناك أي معلومات حديثة، ولكن قيل لي إنه لا يوجد أي جديد بعد. كتب مؤلفو “ورقة بحث سياسة الفضاء 2018” أن هذه المشكلة ستستمر خاصة وأن بعض هذه الأقمار الاصطناعية الصغيرة ستكون في المدار لفترة زمنية محدودة، وقد لا تكون مسجلة على النحو الواجب في السجلات الوطنية، لاسيما في تلك الدول التي لا تتبع أحكام تنظيمية وإدارية مناسبة لهذا الغرض”.

من المسلم به أن بعض هذه المشاريع قد لا تنطلق على الإطلاق، فعلياً أو مجازياً. من الناحية التقنية، يمكن لشركة “ستارت روكت” إطلاق أقمارها الاصطناعية، إذ لا توجد قواعد مخصصة تحظر الإعلانات في الفضاء، لكن ليس هناك ما يضمن أنها ستعطي النتائج بالصورة المطلوبة. ويمكن للأقمار الاصطناعية الصغيرة أن تخرج من المدار بسرعة، كما أظهرت لنا الفترة القصيرة التي صمد خلالها “نطاق هيومانيتي ستار”. إنها تفتقر إلى التعزيزات التي تسمح للأقمار الاصطناعية الأكبر بإعادة ضبط نفسها، كما أن الاحتفاظ بطائفة من الأقمار الاصطناعية في وضع يمكنها عكس ضوء الشمس للإعلانات قد يكون تحدياً كبيراً، ما يدفع بعض الناس إلى الشك فيما إذا كانت الحملة الإعلانية لشركة “ستارت روكت” ممكنة أصلاً. وبالمثل، يشكك الخبراء في أن قمر تشنجدو الاصطناعي يمكنه توجيه الضوء بدقة كافية ليتركز على مدينة واحدة فقط.

وحتى إذا كانت هذه الأقمار الاصطناعية تحترق بسرعة، فإن إطلاقها في المقام الأول يضيف إلى المشكلة الآخذة في النمو والمتمثلة في الأجسام غير المرغوب فيها الموجودة في الفضاء. وتقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن هنالك أكثر من 128 مليون قطعة من الحطام تتحرك فحسب عبر الفضاء، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بصورة ملحوظة مع استمرارنا بإطلاق الأشياء في الفضاء، وخاصة الأقمار الاصطناعية المؤقتة والمصممة فقط للبقاء في المدار لبضعة أشهر. وعلى الرغم من أن احتمال حدوث تصادم هو احتمال ضئيل إلى حد ما، إلا أن كل قمر اصطناعي صغير من المحتمل أن يكون بمثابة قذيفة خطيرة. في عام 2016، تسببت شظية صغيرة قادمة من الفضاء بإلحاق الضرر بالألواح الشمسية لقمر اصطناعي راداري أوروبي “سنتينل 1 إيه”. من الناحية النظرية، ينبغي أن نكون قادرين على تتبع إطلاق كل “كيوب سات” يبلغ من المساحة 10 سنتيمترات، ولكن في حال وقوع أي حادث، فقد يتسبب ذلك في حدوث ضرر كبير للبنية التحتية الأساسية، مثل الأقمار الاصطناعية المخصصة للاتصالات أو تلك المخصصة للبحوث.

من المحتمل أن تمر سنوات حتى تنضج التقنيات بدرجة كافية لتصبح ملائمة للإعلانات الفضائية، وحتى تصبح الأقمار الاصطناعية الترفيهية طبيعية، ونأمل في أنّ يتمكن خبراء قانون الفضاء من توحيد جهودهم قبل ذلك لهدف حظر استخدام السماء في الليل كلوحة إعلانية. وحتى ذلك الحين، لنكن سعداء أنّ إعلانات بيسي والمنشآت الفنية الغريبة انحصرت على الأرض.