هل ينجح التعديل الجيني بإعادة الماموث الصوفي إلى الحياة؟

5 دقائق
هل ينجح التعديل الجيني بإعادة الماموث الصوفي إلى الحياة؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/ Dotted Yeti
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كان طائر الدودو كبيراً، وغير قادر على الطيران، وكان وجبة شهية للغاية. وقد تساعد هذه الصفات على تفسير انقراضه في عام 1662 تقريباً، بعد 150 سنة فقط من وصول السفن الأوروبية إلى جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي، حيث كان يعيش هذا الطائر.

أما الآن، تقول شركة أميركية تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية إنها تخطط لإعادة طائر الدودو إلى الوجود.

عملية استعادة من الانقراض

إن هذا الطائر هو النوع الثالث الذي اختارته شركة كولوسال بايوساينسز (Colossal Biosciences)، والتي تعمل في مدينة أوستن بولاية تكساس، لتطبيق عملية “استعادة من الانقراض” كما تسميها، باستخدام التكنولوجيا. وتعمل الشركة أيضاً على استخدام عمليات هندسة جينومية واسعة النطاق لتحويل الفيلة المعاصرة إلى حيوانات ماموث صوفي، وإعادة إحياء النمر التسماني.

وفي مقابلة مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، تحدث الرئيس التنفيذي للشركة، بين لام، عن هذه الشركة الناشئة التي تعمل بجهود طاقم علمي مميز (يتضمن 41 عالماً يحملون درجة الدكتوراة) وتمويل كبير ومشاريع جذابة، والتي يمكن أن تحقق نتائج “بعيدة النطاق” على صعيد الحفاظ على الحيوانات وصحة البشر.

ويعود هذا إلى أن إعادة أي نوع منقرض إلى الحياة يتطلب إمكانات تكنولوجية تضاهي التي ظهرت في فيلم الخيال العلمي “الحديقة الجوراسية” (Jurassic Park)، بما فيها تحديد تسلسل حمض نووي يعود إلى الأزمنة القديمة، وعمليات الاستنساخ، وحتى الأرحام الاصطناعية. وتقول الشركة الناشئة التي يبلغ عمرها عامين إنها جمعت تمويلاً إضافياً بقيمة تفوق 150 مليون دولار (بحيث تصبح قيمة الإجمالي 225 مليون دولار)، وقد تم تخصيص جزء من هذا التمويل للعمل على جينومات الطيور.

اقرأ أيضاً: الشركات التكنولوجية الكبرى تسعى لإحداث تغيير شامل في أنظمة الطاقة 

إعادة طائر الدودو إلى الحياة ممكنة نظرياً

وقد أصبحت إعادة طائر الدودو إلى الوجود ممكنة نظرياً بفضل المتخصصة بالحمض النووي القديم في جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز، بيث شابيرو، والتي تقول إنها تمكنت مع زملائها من استعادة معلومات الحمض النووي المفصلة من بقايا طائر الدودو التي يبلغ عمرها 500 سنة، والموجودة في أحد متاحف الدنمارك.

وفي مقابلة عبر الهاتف مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو، قالت شابيرو التي تقدم الاستشارات لكولوسال حالياً: “إن جينوم الدودو موجود لديّ، وقد انتهينا من هذه المهمة للتو”.

اقرأ أيضاً: تشخيص طبي جيني بزمن قياسي باستخدام تقنية تسلسل الجينوم السريع

ولتخليق الدودو باستخدام هذه المعلومات الجينية، تخطط الشركة لإجراء محاولة لتعديل أقرب أقربائه الأحياء، وهي حمامة نيكوبار زاهية الألوان، وتحويلها إلى طائر دودو بالتدريج، وربما “إعادة نشره في البراري” في موطنه الأصلي.

لم تتمكن كولوسال حتى الآن من تخليق حيوان واحد وما زالت تعمل على تطوير العمليات الضرورية. حتى إنه من المحتمل أن يكون تخليق الدودو عملية مستحيلة. ويعود هذا إلى الصعوبة البالغة في توقع عدد التغييرات اللازمة في الحمض النووي لتحويل حمامة نيكوبار إلى طائر دودو كبير المنقار، والذي يبلغ طوله قرابة المتر.

متى نعتبر عملية تعديل الحمض النووي منتهية؟

“إنه أحد أهم الأسئلة. متى نعتبر عملية التعديل منتهية؟” كما يقول مايك ماكغرو، وهو مختص في بيولوجيا الطيور بمعهد روسلين في إدنبره، ويعمل لصالح كولوسال كمستشار. “هل نتوقف عند 100 جين، أو 1,000 جين؟”

وحتى لو تمكنت كولوسال من تخليق ما تطلق عليه اسم “تقريب عملي لطائر الدودو”، فليست هناك إجابة واضحة حول الموطن الذي يصلح له. تعتبر زراعة قصب السكر إحدى أكبر الصناعات في موريشيوس، ولهذا، تنتشر فيها الكثير من الجرذان والكائنات المفترسة غير المحلية. “لن يكون طائر دودو حقيقياً، بل نوعاً جديداً. ولكنه ما زال في حاجة إلى بيئة تلائمه”، كما تقول جينيفر لي بوك ثان، وهي مختصة بالتسلسل الجيني في جامعة ستانفورد، كما أنها ابنة لوالدين مولودين على الجزيرة. “إذا لم نستطع العثور على بيئة مناسبة له، فكيف سننظر إلى الوضع من الناحية الأخلاقية؟”

لم يقدم لام جدولاً زمنياً واضحاً لعملية إنتاج الدودو. وتوقع الحصول على الماموث قبل 2029، والحصول على الدودو في وقت قريب، قبل الماموث أو ربما بعده، وذلك وفقاً لعدة عوامل علمية.

لقد عملت مؤسسة أخرى، وهي المنظمة غير الربحية ريفايف آند ريستور (Revive & Restore)، لمدة عقد كامل على محاولة إعادة إحياء الحمام الزاجل، وهو طائر كان يهيمن على السماء الأميركية. ولكنها تعرضت إلى مشكلة تقنية كبيرة ستؤثر أيضاً على مشروع الدودو.

الهوة بين التعديل الجيني الناجح والحصول على كامل الكائن الحي

وتكمن المشكلة في أن تعديل جينات خلايا الطائر في المختبر أمر سهل، أما تحويل الخلايا المعدلة بدقة إلى طائر فهو أمر في غاية الصعوبة. بالنسبة للثدييات، مثل المواشي أو الفيلة، فإن حل هذه المشكلة سهل، وهو الاستنساخ. ولكن الاستنساخ لا يمكن تطبيقه على بيضة طائر، فهي خلية ضخمة، ونواتها صفارٌ غير شفاف. يقول ماكغرو: “سيتعين عليك إزالة هذه النواة وزرع نواة أخرى مكانها، وهو أمر مستحيل”.

اقرأ أيضاً: الزينوبوت: روبوت حي ولد من رحم التطورات التكنولوجية الحيوية والحاسوبية

يعتقد ماكغرو أن الحل الممكن في هذه الحالة هو حقن الخلايا المعدلة جينياً ضمن الغدد التناسلية لحمامة صغيرة في طور النمو. وبهذا، يمكن لبعض هذه الخلايا أن تتحول إلى بيضة أو نطفة للطائر الجديد. وإذا تمكن الطائر الجديد من التكاثر لاحقاً، فإن صفات الخلايا الخارجية التي مُنحت له ستنتقل بشكل ما إلى نسله (بما يتضمن أي تعديلات في الحمض النووي). يقول ماكغرو إن هذه التكنولوجيا أثبتت نجاحها عملياً، ولكن بالنسبة للدجاج فقط حتى الآن.

ويضيف قائلاً: “يجب أن يتمكنوا من نقل هذه التكنولوجيا إلى حمامة. كنا نظن أن ما ينجح مع الدجاج سيكون أيضاً قابلاً للتطبيق على أنواع أخرى، ولكن تبين لنا أن هذا أمر صعب للغاية”.

إن هذه العوائق هي التي تدفع بعض العلماء إلى التشكيك بإمكانية نجاح عمليات الاستعادة من الانقراض، وقد كانت شابيرو نفسها من بين المشككين، حيث أعربت عن شكوكها إزاء الفكرة في عدة مقابلات خلال العام الماضي.

إنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض عبر التعديل الجيني وأغراض استثمارية

ولكن مختصة الجينات تقول إنها غيرت رأيها، وتنظر إلى الاستعادة من الانقراض حالياً باعتباره شكلاً مفيداً من أشكال العلاقات العامة العلمية. تقول شابيرو: “في البداية، لم أكن أعرف الكثير عن هذه التكنولوجيا، ولم أشكّل وجهة نظر حاسمة، ولكنني بدأت أغير وجهة نظري بالتدريج، وأعتقد الآن أنها تمثل توجهاً مستقبلياً سليماً. فنحن في حاجة إلى تطوير هذه الأدوات، كما أننا في حاجة إلى مقاربات أخرى لحماية بعض الأنواع اليوم من التعرض للانقراض لاحقاً. وإذا كنا سنثير حماسة الناس بما يكفي للقيام بهذا الأمر، فيجب أن نقدم لهم إنجازاً كبيراً ومعروفاً، وطائر الدودو معروف لدى الجميع”.

تتضمن فئة الطيور المهددة بالانقراض عدة مئات من الأنواع المختلفة. ويمكن لتعديل الجينات وعمليات التخليق المعززة أن تسهم في إنقاذها، أو على الأقل، الحفاظ عليها في حدائق الحيوان.

ونظراً لقلة الأموال التي يمكن جنيها من عمليات الحفاظ على الأنواع الحية، فما زالت كولوسال تدرس كيفية تحقيق الأرباح بأساليب أخرى. وقد قال أحد المدراء التنفيذيين في كولوسال لإم آي تي تكنولوجي ريفيو إن الشركة يمكن أن تبيع التذاكر لرؤية حيواناتها، كما يعتقد لام أن التكنولوجيات المطلوبة لتخليق الماموث أو الدودو قد تكون صالحة أيضاً لاستخدامات تجارية أخرى. ففي الخريف المنصرم، أطلقت كولوسال شركة فرعية للحوسبة البيولوجية، فورم بايو (Form Bio)، والتي تبيع برمجيات لإدارة النتائج المخبرية (يتم استخدام هذه البرمجيات لدراسة جينوم الدودو أيضاً).

يقول لام: “أعتقد أنه من المرجح أنكم ستشهدون ظهور بضع شركات تكنولوجية فرعية أخرى”.

إقرأ أيضاً: كيف تساعد تكنولوجيا التعديل الجيني النباتات على مواجهة الاحترار العالمي

ويمكن لأي تطورات تحققها الشركة، خصوصاً في مجال تعديل الجينات، أن تجد أسواقاً جيدة للاستثمار. تتضمن مجموعة مستثمري كولوسال الملياردير توماس تول، والفرع الاستثماري لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والمستثمر البارز لرؤوس الأموال في مجال التكنولوجيا الحيوية، روبرت نيلسن. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، قال نيلسن إنه استثمر في الشركة لأن “استعادة الحيوانات من الانقراض أمر رائع ببساطة. إن حيوانات الماموث والذئاب الضخمة رائعة للغاية”.