أهم استخدامات تكنولوجيا النانو في مجال الزراعة

6 دقائق
أهم استخدامات تكنولوجيا النانو في مجال الزراعة
حقوق الصورة: shutterstock.com/ PopTika
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لطالما كانت الزراعة القطاع الأكثر أهمية واستقراراً منذ فجر التاريخ، ولكن مع النقص في الموارد الطبيعية وتزايد عدد سكان العالم، فإن العمل على أن يكون هذا القطاع مستداماً يعتبر أمراً ضرورياً ومهماً للغاية، حيث يتعامل القطاع الزراعي الآن مع تحديات هائلة مثل التغيّرات المناخية، وانخفاض خصوبة التربة، والإفراط في استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية وغيرها.

نتيجة لذلك، تعتبر تكنولوجيا النانو (Nanotechnology) وسيلة أساسية للمساهمة في تنفيذ عمليات زراعية أكثر استدامة، من خلال تعزيز إنتاج المحاصيل واستعادة جودة التربة وتحسينها. حيث بدأت محاولات استخدام تكنولوجيا النانو في الزراعة بالفهم والإدراك المتزايد بأن تكنولوجيات الزراعة التقليدية الحالية، لن تكون قادرة على زيادة الكفاءة أو إعادة إنشاء النظم البيئية التي تأثرت بالأساليب المتبعة حالياً.

الجسيمات النانوية المستخدمة في القطاع الزراعي

تُستخدم العديد من الجسيمات النانوية بشكل شائع في قطاع الزراعة، منها:

تطبيقات تكنولوجيا النانو في الزراعة

تم تصور مجموعة واسعة من التطبيقات المحتملة لتكنولوجيا النانو في الزراعة، ما أدى إلى بحث مكثف على المستويين الأكاديمي والصناعي، حيث إن الخصائص الفريدة للمواد النانوية تجعلها مرشحاً مناسباً لتصميم وتطوير أدوات جديدة لدعم الزراعة المستدامة. وهناك العديد من التطبيقات الرئيسية لتكنولوجيا النانو في الزراعة، منها:

  • نُظم التكثيف المستدام في الزراعة

التكثيف المستدام (Sustainable intensification) هو نهج يتعلق بنظام الإنتاج الذي يهدف إلى زيادة العائد دون التأثير البيئي الضار أثناء زراعة نفس المساحة الزراعية، مع مراعاة تأثير الوضع الفيزيائي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الحالي، حيث يتم تطوير مواد نانوية جديدة تعتمد على استخدام الجسيمات النانوية غير العضوية البوليمرية والدهنية، والتي تم تصنيعها من خلال الاستفادة من تكنولوجيات مختلفة، مثل البلمرة، والتخلص من الأكسدة، وغيرها لزيادة الإنتاجية.

على سبيل المثال، يتم تطوير أنظمة نانوية ذكية لشل حركة العناصر الغذائية في التربة. حيث تتمتع هذه الأنظمة بميزة تقليل الري، مع تحسين امتصاص النباتات للمغذيات، وتخفيف عملية التخثر (Eutrophication) عن طريق تقليل نقل النيتروجين إلى المياه الجوفية. علاوة على ذلك، يمكن أيضاً استغلال المواد النانوية لتحسين بنية ووظيفة مبيدات الآفات من خلال زيادة قابلية الذوبان، وتعزيز المقاومة ضد التحلل المائي والتحلل الضوئي.

اقرأ أيضاً: هل سنتمكن من زراعة النباتات على سطح المريخ لننتقل إليه في 2030 كما تخطط ناسا؟

  • المواد النانوية كعامل لتحفيز نمو النبات

يمكن للأنابيب النانوية الكربونية (Carbon nanotube) والجسيمات النانوية المساهمة في تحسين تطور النباتات، من خلال تعزيز امتصاص العناصر الغذائية واستخدامها. ومع ذلك، فإن التأثير الحقيقي للمواد النانوية على النباتات يعتمد على تكوينها وتركيزها وحجمها وشحنتها السطحية وخصائصها الكيميائية الفيزيائية، إلى جانب حساسية الأنواع النباتية، ومن ثم يمكن أن يساهم تطوير بروتوكولات جديدة واستخدام تكنولوجيات تحليلية مختلفة، مثل الفحص المجهري والتصوير بالرنين المغناطيسي والتحليل الطيفي الفلوري بشكل كبير في فهم التفاعلات بين النباتات والمواد النانوية.

  • أنظمة لتحسين جودة التربة

يمكن استخدام أنظمة الزراعة المائية (Hydrogel Agriculture)، والطبقات النانوية (Nanolayers)، والزيوليتات النانوية (Nano Zeolite)، في تعزيز قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه. ومن ثم تعمل كمصدر بطيء لإطلاق المياه، ما يقلل من فترات النقص المائي خلال موسم المحاصيل، وتعتبر تطبيقات هذه النظم مواتية للأغراض الزراعية وإعادة تشجير المناطق المتدهورة، وامتصاص الملوثات البيئية وزيادة قدرة معالجة التربة وتقليل أوقات وتكاليف المعالجات.

اقرأ أيضاً: مصنع وقود يعتمد على المخلفات الزراعية لمواجهة التغير المناخي

لماذا تكنولوجيا النانو مهمة للتنمية الزراعية المستدامة؟

تعتبر الزراعة المستدامة مفتاح بقاء الجنس البشري في المستقبل، والتي تنطوي على إدارة شاملة للمحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك لجعل نظام الزراعة مستداماً ذاتياً لفترة طويلة. حيث يمكن أن تؤدي تطبيقات تكنولوجيا النانو في مثل هذه العمليات المستدامة إلى تحسين نمو النبات والتربة وتثبيت الميكروبات، والتطبيق المستهدف للمواد الكيميائية، وتحسين إدارة حيوانات المزرعة والنباتات، وتجهيز الأغذية، وإدارة النفايات الزراعية.

حيث إن لتكنولوجيا النانو آفاقاً واعدة لتحسين عمليات الزراعة، من خلال استخدام أدوات نانوية جديدة للتحكم في التشخيص السريع للأمراض الزراعية، وتعزيز قدرة النباتات على امتصاص العناصر الغذائية، بالإضافة إلى ذلك تشمل الاتجاهات المهمة لاستخدام تكنولوجيا النانو في الزراعة تطبيقات محددة، مثل الأسمدة النانوية ومبيدات الآفات النانوية المستخدمة لتتبع مستويات المنتجات والمغذيات لزيادة الإنتاجية، والحماية من العديد من الآفات الحشرية والأمراض الميكروبية. حيث قد تعمل تكنولوجيا النانو كأجهزة استشعار لمراقبة جودة التربة للمحافظة على صحة النباتات الزراعية.

ومع ذلك، للحصول على الإمكانات الشاملة لتكنولوجيا النانو في المجال الزراعي، ومن أجل الوصول إلى هدف الاستدامة الزراعية، فإن على الجهات المعنية العمل على تطوير سياسات ومبادئ وتوجيهات واضحة، مثل:

  • إنشاء مؤسسات خاصة ذات خبرة من أجل التقييم المناسب للسلامة الحيوية للجسيمات النانوية.
  • تشكيل مبادئ توجيهية ومعايير واضحة من سلطات معترف بها، مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الزراعة والأغذية (FAO) لرصد وتقييم النظم القائمة على الجسيمات النانوية.
  • التوثيق الصحيح للسمية القائمة على المواد النانوية للكائنات المائية.
  • تكثيف البحث التعاوني ومشاركة الموارد لتطوير نظام بحث أفضل من أجل الاستخدام الفعال للمنتجات القائمة على النانو.
  • دراسة مخاوف السلامة البيئية لاستخدام الجسيمات النانوية بعناية قبل تطبيقها على نطاق واسع.
  • تثقيف المزارعين من قبل محترفين ماهرين لتقليل المشكلات الميدانية.

اقرأ أيضاً: تكنولوجيا النانو.. كيف تتغير حياة البشر بمقياس متناهي الصغر؟

دور تكنولوجيا النانو في إدارة سلسلة التوريد الغذائي

تمثل المستشعرات النانوية (Nano Sensors) أداة قوية ذات ميزات متقدمة ومحسنة يمكن تطبيقها في المجال الزراعي، مقارنة بالمستشعرات التحليلية وأجهزة الاستشعار الحيوية الموجودة. وذلك لأنها مُصنَّعة لرصد الخواص الفيزيائية والكيميائية في الأماكن التي يصعب الوصول إليها، حيث يمكنها إدارة جميع مراحل سلسلة الإمداد الغذائي، من زراعة المحاصيل والحصاد إلى معالجة الأغذية، والنقل، والتعبئة، والتوزيع. ومن أبرز تطبيقاتها الحالية والمستقبلية:

  • رصد الآفات ومسببات الأمراض

تعمل أنظمة مستشعرات النانو على رصد الآفات أو مسببات الأمراض والتحكم في كمية مبيدات الآفات من أجل ضبط كمية المبيدات الحشرية التي سيتم استخدامها بشكل أفضل لإدارة إنتاجية المحاصيل، لأنها تظهر حساسية وخصوصية أعلى مقارنة بأجهزة الاستشعار التقليدية.

على سبيل المثال، ستعمل آليات الإطلاق الخاضعة للرقابة عبر ناقلات النانو التي تتم مراقبتها بواسطة أجهزة استشعار النانو المدمجة في منصات تستخدم إشارات لاسلكية، على تجنب الجرعات الزائدة من المواد الكيميائية الزراعية وتقليل مدخلات الأسمدة ومبيدات الآفات أثناء الزراعة، وتحسين الإنتاجية، وتقليل النفايات الزراعية. حيث ستضمن شبكات أجهزة الاستشعار النانوية الموجودة في جميع أنحاء الحقول المزروعة مراقبة فورية وشاملة لنمو المحاصيل، وتوفير بيانات فعالة عالية الجودة لإدارة عملية الزراعة بشكل أفضل.

  • زيادة كفاءة استخدام المياه

تعد أتمتة أنظمة الري مطلباً أساسياً في الزراعة الذكية، خاصة في سيناريوهات نقص المياه. حيث تتمتع تكنولوجيا الاستشعار بالقدرة على زيادة كفاءة استخدام المياه إلى أقصى حد، من خلال إقران مستشعرات النانو بوحدات تحكم الري المستقلة للحصول على البيانات في الوقت الفعلي، وبهذه الطريقة يمكن العمل على إدارة الري بشكل أكثر استدامة على أساس جفاف التربة فقط.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تساعد المحاصيل الزراعية المعدلة بتقنية كريسبر في احتجاز الكربون؟

الكشف عن جودة الأغذية وسلامتها

تعمل مستشعرات النانو أيضاً في الكشف السريع والحساس والفعال من حيث التكلفة عن ضمان جودة الأغذية وسلامتها ونضارتها وأصالتها وإمكانية تتبعها على طول سلسلة التوريد الغذائية بأكملها. حيث تمثل إحدى التكنولوجيات الناشئة التي تستخدم في تقييم جودة الأغذية وسلامتها، من خلال توفير مراقبة ذكية لمكونات الغذاء. مثل، السكريات والأحماض الأمينية والفيتامينات، والملوثات مثل المبيدات الحشرية، والإضافات الغذائية.

  • تغليف المواد الغذائية

يعد تطبيق تكنولوجيا النانو في مجال تغليف المواد الغذائية مجالاً ناشئاً متوقعاً له أن ينمو بسرعة في المستقبل، حيث أظهرت التطورات في مجال سلامة الأغذية عن ظهور ما يسمى التغليف الذكي (Smart Packaging)، حيث يتم تضمين مستشعرات النانو في حاويات التغليف لمراقبة وتقديم معلومات عن حالة الطعام في الوقت الفعلي. من خلال مراقبة الغازات ودرجة الرطوبة والحرارة ونمو الكائنات الحية الدقيقة داخل الأطعمة المعبأة، وتنبيه المستهلكين بجودة الغذاء.

تحديات استخدام تكنولوجيا النانو في الزراعة

 على الرغم من التقدم الكبير في تطوير تطبيقات لا تحصى لتكنولوجيا النانو في القطاع الزراعي، فإنه لا يزال يتعين حل العديد من القضايا في المستقبل القريب قبل تقديمها بشكل رسمي. ومن أبرز هذه القضايا:

  • تطوير ناقلات هجينة محددة لتقديم عوامل نشطة بما في ذلك العناصر الغذائية ومبيدات الآفات والأسمدة من أجل تعظيم كفاءتها باتباع مبادئ الكيمياء الخضراء والاستدامة البيئية.
  • تصميم العمليات التي يمكن تطويرها بسهولة على المستوى الصناعي.
  • مقارنة تأثيرات التركيبات النانوية أو الأنظمة النانوية مع المنتجات التجارية الحالية، من أجل إظهار مزايا عملية حقيقية.
  • اكتساب المعرفة وتطوير طرق تقييم المخاطر ودورة الحياة للمواد النانوية ومبيدات الآفات النانوية والأسمدة النانوية.
  • تقييم التأثيرات الجانبية، مثل التأثيرات السامة للنبات على الكائنات غير المستهدفة مثل النباتات الأخرى وميكروبات التربة، والنحل.
  • تطوير اللوائح القانونية المتعلقة باستخدام المواد النانوية.
  • سلامة العمال والمستهلكين فيما يتعلق بالأغذية المنتَجة باستخدام المواد النانوية والجسيمات النانوية.

اقرأ أيضاً: ما هو الفحم الحيوي؟ وما فوائده الزراعية والاقتصادية والبيئية؟

الآفاق المستقبلية لتكنولوجيا النانو في الزراعة

بسبب تزايد عدد سكان العالم وتغير المناخ، فإن تطبيق تكنولوجيا النانو في القطاع الزراعي يمكن أن يساهم بشكل كبير في معالجة قضية الاستدامة، من خلال تعزيز الاستخدام الفعال للأسمدة ومبيدات الآفات عن طريق استخدام ناقلات ومركبات نانوية، ما يقلل من الكمية التي سيتم استخدامها دون الإضرار بالإنتاجية.

ومن ثم من المؤكد أن تكنولوجيا النانو، على المدى الطويل يمكن لها أن توفر طرق تنمية مبتكرة واقتصادية لتغذية البشر في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، على الرغم من توفر الكثير من المعلومات النظرية حول المواد النانوية الفردية، فإن مستوى السمية للعديد منها لا يزال غير قابل للتحديد. ومن ثم فإن تضمين الجسيمات النانوية في المجال الزراعي حتى الآن محدود، وذلك يعود إلى نقص المعرفة بمخاطرها وتأثيراتها على صحة الإنسان.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تطوير الزراعة التقليدية؟

ختاماً، كما هو الحال مع كل تكنولوجيا ناشئة،هناك حاجة إلى إجراء تقييم موثوق للمخاطر والفوائد لتكنولوجيا النانو في القطاع الزراعي، مثل تقييم تأثيرها على البيئة، وكذلك على صحة الإنسان. وهذا يتطلب تطوير قاعدة بيانات شاملة، وإشراك جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الجمعيات غير الحكومية وجمعيات المستهلكين، فضلاً عن التعاون الدولي للتنظيم والتشريع والذي يعتبر ضرورياً من أجل البدء في الاستخدام الكامل لتكنولوجيا النانو في القطاع الزراعي.