هاتف لايت فون 2: لماذا عليك التخلي عن هاتفك الذكي؟

9 دقائق
ما الذي سيختلف إن قررت بدء عامك دون هاتف ذكي؟
شركة لايت فون.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قال لي ابني البالغ من العمر 12 سنة، فيما كنت أجرب هاتفي الجديد لايت فون 2: “لا أدري يا أبي، إنه يبدو بطيئاً وقديم التصميم بعض الشيء”. لقد اشتريت هذا الهاتف بديلاً لهاتفي آيفون المتهالك. وقررت ألا أشتري هاتف آيفون جديداً، أو أي هاتف ذكي آخر. أنا بحاجة إلى استراحة. ولهذا، قررت أن أبدأ السنة الجديدة بدون هاتف ذكي، حتى أجرب هذا الوضع الجديد بنفسي.

لقد كان ابني محقاً. فقد بدا الهاتف منفراً في الاستخدام، كان بطيئاً وقديم التصميم بعض الشيء، ويفتقر إلى الرشاقة العصرية التي اعتدت على توقعها بسبب أجهزة آيفون. ولكن، هذا هو الهدف من هذه التجربة، أليس كذلك؟ ألم أقرر أن أجعل حياتي اليومية أكثر بطئاً بعض الشيء بشكل متعمد؟

اقرأ أيضاً: هجوم صوتي مقزز: لماذا يُنظر إلى رنة المنبه الافتراضية في آيفون بهذه السلبية؟

هل تشغلنا الهواتف عن أحبائنا؟

بعد أسبوع، قال ابني بشكل عابر: “لقد أصبحت تمضي وقتاً أكثر بكثير معنا منذ أن اشتريت هاتفك الجديد”. وقد أصابتني هذه الملاحظة المباشرة بالجمود للحظة. فقد كان ابني محقاً. هل كان هاتفي الذكي سبباً في إشغالي عن عائلتي إلى هذه الدرجة؟ وإن كان هذا صحيحاً، فما الأمور الأخرى التي كان يشغلني عنها أيضاً طوال هذه السنوات؟ لا داعي للقلق. فلن أقول لكم إن حياتكم ستصبح أفضل بكثير إذا قمتم فقط بالتخلص من هواتفكم الذكية. فالأمر أكثر تعقيداً من هذا.

لقد قرأت مقالاً في صحيفة وول ستريت (Wall Street Journal) حول مدرسة صغيرة في ماساتشوستس قررت أن تحظر الهواتف الذكية، ما نبهني إلى لايت فون 2، وهو البديل الذي قرر الطلبة والأساتذة استخدامه. يتميز هذا الهاتف بتصميم بسيط وجيد، فهو مصنوع فقط لإجراء المكالمات وإرسال وتلقي الرسائل النصية. وهو مزود بشاشة صغيرة بالأسود والأبيض، وتعتمد على تقنية الحبر الإلكتروني، بشكل شبيه بأجهزة كيندل. كما أن الحجم مشابه لأجهزة آيبود توتش القديمة.

تم طرح لايت فون الأول في 2017، وتم طرح الإصدار الثاني المحسّن في أواخر 2019. ويتم تزويد لايت فون 2 من المصنع بثلاث أدوات: الهاتف، والرسائل، والمنبه. فقط لا غير. تقدم الشركة مجموعة أخرى من الأدوات المفيدة (لاحظوا أنها تسميها بالأدوات، لا التطبيقات)، ولكنها أساسية نسبياً، مثل مشغل موسيقى، وأداة للكتابة وحفظ الملاحظات، وأداة بسيطة للخرائط وتحديد الاتجاهات.

اقرأ أيضاً: من تجربة شخصية: إليك الأسباب التي دفعتني لتفضيل استخدام سناب وتيك توك عوضاً عن جوجل

مفهوم هاتف للبشر

وتعمل الشركة وفق شعار “هاتف للبشر”. ويتميز موقع الويب لهذه الشركة بأنه بسيط التصميم وهادئ الطابع، ولا يتضمن سوى لونين بشكل خالٍ من البهرجة والتعقيد. كما أن لغة الإعلانات التي تستخدمها الشركة مباشرة، وواضحة، وتحمل رسالة نقدية بشكل معلن، حيث تذكر “رأسمالية المراقبة” و”اقتصاد الانتباه” كأسباب يمكن أن تدفع الناس إلى شراء منتجاتها.

لا شك في أن هذه الشركة تعمل بصورة جيدة. فقد أعلنت بوضوح أنها لن تقوم على الإطلاق بتزويد هواتفها بوسائل تواصل اجتماعي، أو حتى متصفح إنترنت. ويمثل “التصميم الخفيف”، كما يسمونه، وجهة نظر فلسفية واعية بقدر ما يمثل خياراً استهلاكياً.

قد يكون من السهل أن نسخر من موقع الويب للايت فون بوصفه جزءاً من مسلسل تلفزيوني كوميدي، أو برنامج فكاهي يعرض في سهرات أيام السبت. ولكنه ليس نكتة على الإطلاق، فطابعه البسيط والمباشر يستند إلى منتج حقيقي ومفيد. يبلغ سعر لايت فون 2 في متاجر التجزئة 299 دولاراً، وهو سعر كبير مقابل مزاياه القليلة، ولكنه أقل ثمناً من هاتف آيفون جديد دون شك.

اقرأ أيضاً: لماذا أصبح واتساب تطبيقاً للعمل وللأصدقاء في نفس الوقت؟

لقد كنت أحاول تقليل اعتمادي على هاتفي آيفون بالتدريج لبضع سنوات، فقد قمت في البداية بشراء نسخة SE قديمة بعد أن وقع هاتفي السابق وتحطمت شاشته، ومن ثم قررت أن أتخلى عمداً عن استخدام البريد الإلكتروني عليه، وبعد ذلك قمت بحذف تطبيقات التواصل الاجتماعي. ومع وصول البطارية إلى نهاية عمرها التشغيلي (فقد أصبحت تكفي مدة 15 دقيقة وحسب بعد شحنها كاملاً)، اقتنعت أخيراً بأنني أصبحت بحاجة إلى شيء جديد. وفي ذلك الوقت سمعت بهاتف لايت فون، وهكذا طلبته. لم أكن أخطط للانضمام إلى حركة ما، أو التحول إلى ثائر. لقد كنت أريد هاتفاً أكثر بساطة وحسب.

التخلي عن الهواتف الذكية قد يكون حركة حقيقية

ولكن، وكما تبين لي، فقد كانت هذه حركة حقيقية، وهي حركة يمكن أن تكتسب الزخم، على الرغم من جميع العوامل المعاكسة. ففي كل بضع سنوات تعود هذه الحركة إلى الظهور في الأخبار، والتي تعرض بعض الأشخاص الذي يتخلون عن هواتفهم الذكية بابتهاج (بل وبشيء من الغطرسة في بعض الأحيان). وقد لا تكون هذه الحركة سوى مجرد حركة هامشية، بسبب الجاذبية الفائقة لاستخدام الهواتف الذكية.

ومن السهل أن ننظر إلى هذه الفئة ممن يزعمون أنهم “يترفعون عن استخدام الهاتف الذكي” على أنهم هيبيون يحنون إلى الماضي، أو عصريون مصابون بالغرور، أو شرذمة من الأطفال المشاكسين. ويعرف معظمنا صديقاً عنيداً ما زال يصر على استخدام هاتف محمول قابل للطي. ولكن، من المحتمل أن هؤلاء الذين كنا نصفهم بالحالات الغريبة بدؤوا يشكلون تياراً عاماً.

ففي 2016، كان آلان جيكوبز يكتب لمجلة أتلانتيك (Atlantic) حول هذا التوجه، مشيراً إلى أنه في عالمنا الذي تزداد فيه نسبة الناس الذين يتواصلون عبر هواتفهم الذكية (بل ويعيشون عبرها)، فإن الانتقال إلى هواتف قديمة يمكن أن يحدث أثراً كبيراً.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يعتبر الوقت مناسباً لحجب الإنترنت؟

ووجد جيكوبز أن إحدى المزايا المثيرة للإعجاب لهاتفه الغبي أنه “مجرد هاتف. ولا أفكر فيه على الإطلاق. بل إنني أتركه وأغادر المنزل في بعض الأحيان. هذا الهاتف لا يمثلني على المستوى الشخصي، كما كان هاتفي آيفون”. من الجدير بالذكر أن هذا الشعور بالتقارب الوجودي –أي أن ننظر إلى الهاتف الذكي كامتداد لأجسامنا نفسها- أصبح أكثر شدة في إجراءات الحجر، ومنع التجول، والعمل عن بعد. ومن المرجح أن شعور الراحة الذي وصفه جيكوبز في 2016 قد يصبح أكثر عمقاً الآن.

ما الذي يمكن أن نجنيه من التخلص من الهاتف الذكي؟

ففي 2019، نشرت أليس أوكيف مقالاً في صحيفة الغارديان (Guardian) حول خيارها لتبسيط حياتها بصورة متعمدة باستخدام هاتف غير ذكي، وقالت إنها شعرت بأنها “أكثر توازناً، وأقل تشويشاً، وأقل حدة” بعد بضعة أسابيع وحسب من التخلي عن الهاتف الذكي. وأشارت أوكيف إلى أننا “نعيش حالياً في عالم ما زال يتيح لنا خيار الانفصال. وقد لا تكون هذه الرفاهية متاحة في المستقبل”.

ومن وجهة نظر تعود إلى ما قبل الوباء، فإن هذه اللهجة التحذيرية حول هيمنة الطابع الرقمي تبدو معقولة إلى حد ما. أما الآن، وبعد ما شهدناه في السنوات الأخيرة من التعب بسبب استخدام منصة زوم (Zoom) وإرهاق النظر إلى الشاشات، فقد يزداد عدد الناس الذين يسعون إلى الخلاص الذي تحدثت عنه أوكيف. ولكن هيمنة التكنولوجيا قد لا تبدو حتمية إلى هذه الدرجة.

ففي مقال حديث، استعرض ماكس فليتشر في صحيفة الغارديان مجموعة من الأسباب الفلسفية التي تدعو إلى رفض استخدام الهواتف الذكية وكل ما يتعلق بها. وعلى سبيل المثال، يقول فليتشر إن “الهواتف الذكية قد تؤدي إلى تراجع مستوى أداء المهام اليومية لدى الأشخاص. فقد أسندنا جميع مهارات التوجيه ومعارف النقل الأساسية إلى التطبيقات”. قد تبدو بعض نواحي ثقافة الرفض هذه أقرب إلى النفاق، كما قد تبدو خياراً يمكن تبنّيه بسهولة من قبل المترفين والذين لا يعانون من أي إعاقات.

اقرأ أيضاً: الدروس التي نتعلمها بعد انتشار فيروس كورونا حول مخاطر دمج التطبيقات

ولكن، ونظراً لما شهدته شركات التواصل الاجتماعي من أحداث عديدة أثارت الكثير من الضجيج الإعلامي، إضافة إلى الإرهاق واسع الانتشار من تداعيات كوفيد التي دامت فترة طويلة، واندماجنا المتواصل في التكنولوجيات الرقمية الشخصية، أصبح من الممكن أن نشهد تزايداً في الشرائح التي تختار الابتعاد عن هذه الأجهزة عمداً. قد تكون هواتف المستقبل أقل ذكاءً، وقد يكون هذا في صالح مستخدميها.

عندما أريت طلابي الجامعيين هاتفي لايت فون 2 بمزاياه المحدودة أول مرة، أصيبوا بالذهول. وقد سألني العديدون كيف يمكنهم الحصول على جهاز مماثل، كما بدا عليهم فضول جدّي في التفكير بإمكانية الحصول على هاتف مختلف وأكثر بساطة.

لقد لاحظت تغيراً في الأجواء في قاعات الجامعة حيث أدرس، فقد أصبح المزيد من الطلاب يتعاملون مع هواتفهم بشكل أقرب إلى الحسرة منه إلى الإعجاب. ويبدو أن طلابي أدركوا ما يحدث. فقد وعدتنا هذه الأجهزة بدرجات فائقة من الترفيه والتسهيلات والميزات الرائعة، ولكنها تحولت مع الوقت إلى عبء ثقيل يفرض عليك أداء العديد من المهام الإجبارية. فيجب أن تشحن الهاتف. ويجب أن تحدثه. ويجب أن تتفقده. ويجب أن تعيد إقلاعه. وما إلى ذلك. لقد أصبحت أرى الإحباط على وجوه طلابي عند إخراج هواتفهم، ويبدو بوضوح أن شيئاً ما قد تغير.

وأعتقد أن طلابي يتحولون إلى جزء مما أطلق عليه الباحث الإعلامي إيان بوغوست وصفاً ملائماً بجدارة “العمالة المفرطة” (أو الانشغال المفرط). وهو عبارة عن شكل خفي من العمل، بدءاً من رسالة البريد الإلكتروني المتعلقة بالعمل، والتي تصلك في وقت متأخر من الليل، وزميلك الذي يتراسل معك خلال رحلتك اليومية إلى العمل، وصولاً إلى مسح إشعارات الإعلانات، وهو عمل يبدو أنه يتسرب إلى جميع مناحي حياتك اليومية.

ويمكن أن نقول إن كل ما تقوم به يؤدي إلى إنتاج دخل يصب في مكان ما، ولكنه لا يحقق لك أي دخل أو يوفر عليك أي مصاريف بالضرورة. إن أجزاء صغيرة من طاقتنا تتسرب باستمرار نحو كيانات خفية تقوم بجني الأرباح باستمرار من هذا العمل الرقمي الرتيب. وهو جهد يتراكم بصورة متواصلة.

اقرأ أيضاً: محبو الخيال العلمي: قصة أول شبكة اجتماعية على الإنترنت

إشباع من العمالة المفرطة

وبما أن الناس بدؤوا يصلون إلى مرحلة الإشباع من العمالة المفرطة، فمن المرجح أننا بدأنا نقترب من عتبة حرجة تصبح الهواتف الذكية بعدها أقل انتشاراً. ومن المرجح أن يؤدي هذا التوجه إلى “استقالة جماعية عظمى” أخرى، ولكنها تتجسد في تخلي الناس عن هواتفهم الذكية. قد يبدو هذا الأمر مستبعداً، ولكن يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار مستقبلاً خالياً من الهواتف الذكية، بالنسبة للبعض على الأقل. وقد لا يكون ثمة ضرورة حتى لحدوث نزوح جماعي كبير عن الهواتف الذكية. فمن المحتمل أن يقتصر الأمر على تراجع مكانة الهاتف الذكي كتكنولوجيا شخصية.

ولكن الاعتماد على هاتف أكثر بساطة ليس مناسباً للجميع. فبعض الناس لا يشعرون بالتأثيرات السلبية نفسها للاتصال المستمر. كما أن أسلوب حياة البعض الآخر لا يتيح لهم هذا الخيار. ويعود كل هذا إلى التعريف الدقيق لكلمة “عمل” هذه الأيام. فبالنسبة للعمال المستقلين، فإن الهاتف الذكي جزء لا يتجزأ من الحياة. وفي الواقع، تتطلب الأغلبية العظمى من الأعمال الالتزام بجدول يتم تحديده عن طريق التواصل مع شبكة معينة، مع إمكانية مشاركة الملفات بصورة آنية، وهو ما يسهل الهاتف الذكي تحقيقه. ولكن، هناك أيضاً الكثير من العلاقات الرتيبة والمنزلية، وفي بعض الأحيان المسيئة أيضاً، والتي يمكن أن تجعل استخدام الهاتف الذكي ضرورياً بصورة إلزامية.

وعلى الرغم من هذا، فما زال التغيير ممكناً. فالكثير ممن قاموا بإيقاف تفعيل حساباتهم على تويتر (Twitter) وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي على مدى السنة الماضية ينوهون إلى أن صحتهم العقلية تبرر لهم اتخاذ هذا الإجراء. ويبدو هذا أمراً منطقياً، فنحن ما زلنا نعيش آثار الوباء الذي أمضينا خلاله الكثير من الوقت على الإنترنت، سواء في العمل أو التسلية. ولكن مشكلات الصحة العقلية الحقيقية أكثر تجذراً وعمقاً من منصات التواصل الاجتماعي وحسب. وبالنسبة للكثيرين، فإن مصادر الاكتئاب والتوتر ليست على الإنترنت، بل إنها كامنة في جيوبنا، وربما في راحات أيدينا.

التحرر من سجن وسائل التواصل الاجتماعي

وكما كتبت جيني أوديل في صحيفة نيويورك تايمز (New York Times) حول التحرر من سجن وسائل التواصل الاجتماعي، فإن “التخلي عن إيقاع مسيطر يترك فراغاً ستملؤه إيقاعات أخرى”. وإذا كان هذا صحيحاً، كما تشير أوديل، فإن “بعض الأشياء التي دخلت عالم التواصل الاجتماعي بحثاً عنها، بما فيها الأشياء التي لم تعثر عليها أبداً، قد تكون متوافرة عبر قنوات أقل سرعة وأبعد عن الطابع التجاري، ما يعني أنها أقل قدرة على اجتذابك”، وهو أمر صحيح بشكل عام بالنسبة للهواتف الذكية أيضاً. من المحتمل أن التخلي عن الهاتف الذكي يمكن أن يفتح أمامك أشكالاً جديدة (أو منسية) من الحياة الاجتماعية.

وقد تناول الشاعر روس غاي هذا الاحتمال في كتابه الجديد إيقاظ البهجة” (Inciting Joy)، حيث اعترف بأن التخلي عن الهاتف الذكي قد لا يثير اهتمام الجميع، ولكنه يمكن أن يؤدي إلى انتعاش جديد مثير للحماسة:

صدقوني، أنا أعرف أنه لا يوجد شيء أكثر إثارة للضجر مما أقوم به الآن من تصرفات حزينة مناهضة للتكنولوجيا. وأعرف أنكم قد لا تتفقون معي في وجهة نظري حول هذه الآلات واسعة الانتشار التي تقوم بالمراقبة، وجمع البيانات، وتعزيز الانعزالية والنرجسية لدى البعض، والقضاء على أي لمسة من الغموض، وعرض الوقت والتقاط الصور. أرجو منكم ألا تقوموا بإجراء عمليات بحث على الإنترنت، وأن تقللوا من التقاط الصور، وأتمنى أن نكون معاً ونعيش اللحظة الحالية دون أن نوثقها، وأقسم لكم إن الحياة ستحافظ على بهائها حتى لو لم نلتقط صورة لها، فأنا لا أكترث في الواقع برؤية صورة لإفطاركم.

اقرأ أيضاً: لماذا تصبح الشبكات الاجتماعية أصغر حجماً بكثير؟

ويمضي غاي في مقالته، ويروي قصة فقدانه هاتفه في مدينة نيويورك، والمتع الأخرى التي وجدها بدلاً من ذلك. ويبدأ الحديث بشيء من التوبيخ، ولكنه يتجاوز هذه المرحلة، ويصل في نهاية المطاف إلى أنه يراهن ببساطة على أننا قد نرحب بالفرصة للانفصال عن العالم الرقمي، حتى لو أتت بالصدفة. إنها أمثولة بسيطة نسبياً، ولكنها تحمل نتائج مهمة، فهناك عوالم زاهية وغنية بالحيوية تنتظرنا ما بعد شاشة الهاتف الذكي.

فيما أكتب هذا المقال، مر شهر تقريباً على بداية استخدامي لهاتف لايت فون 2. وأستطيع أن أوافق ما كتبته أليس أوكيف في صحيفة الغارديان: فقد شعرت بأنني أكثر توازناً وأقل تشويشاً، خصوصاً خلال هذه الأسابيع الأولى. وعدت ثانية إلى عادتي المحببة بقراءة كتب حقيقية قبل النوم. كما استمتعت بالتقليل من التقاط الصور، والتخلي عن عادة العناية بعدد كبير من الصور ومقاطع الفيديو وإدارتها. وشعرت بوضوح بأنني لم أعد أتصفح الإنترنت باستمرار في لحظات الانتظار القليلة.

ولكن، ومع مرور الوقت، خفتت هذه المشاعر الأولية، وحدث شيء غريب: فقد أصبح هاتفي مجرد هاتف. وقد تحول الشعور الرائع بعدم استخدام هاتف ذكي إلى أشياء أخرى: ضجر عادي في بعض الأحيان، وعادات روتينية تخص الحياة اليومية بقية الوقت. وبالتالي، فإن التخلي عن آيفون والانتقال إلى استخدام لايت فون 2 لم يكن ثورة بالضبط. بل كان مجرد خطوة إلى الخلف نوعاً ما. ما زلت أرسل الكثير من رسائل البريد الإلكتروني من حاسوبي، وما زلت أتابع الأخبار هناك، وفي هذه الأثناء، بدأت أتعلم استخدام الرسائل النصية بسرعة أكبر على هاتفي المتخلف نوعاً ما.

اقرأ أيضاً: الجهات التشريعية التقليدية غير قادرة على مواكبة العصر الرقمي

لا تسيئوا فهمي، رجاء. فأنا أحب هاتفي الجديد. فهو جيد التصميم، ومريح للاستخدام. وسأواصل استخدامه دون شك. ولكنه أكثر مما توقعت، سواء من ناحية الميزات الإيجابية أو السلبية.

ويمكن أن أشبه ما حدث كما يلي: قد يبدو التخلي عن هاتفك الذكي في البداية كالانتقال إلى نظام غذائي نباتي صارم، أو الالتزام بحمية قاسية. ولهذا، يمكن أن يشعر المرء في البداية بنوع من صفاء الذهن والانتعاش والبهجة العارمة. ويشعر بالرغبة في إطلاق النداء ودعوة الآخرين إلى القيام بأمر مماثل. ولكن، ومع وصول الأمور إلى مرحلة الاستقرار، ستدرك أنك لم تتوقف بالكامل عن استهلاك مجموعات بأسرها من المواد. وستدرك أنك لم تقم فعلياً سوى بتغيير كمية وشكل الاستهلاك. نحن جميعاً نأكل كل شيء، ولكن الاختلاف يكمن في نطاق الأشياء التي نأكلها.