أول إدانة لأكاديمي في إطار مبادرة الصين تثير الكثير من الأسئلة الملحّة

6 دقائق
مبادرة الصين
حقوق الصورة: مايكل دواير/ أسوشييتد برس.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بعد أقل من ثلاث ساعات على بدء جلسة النقاش لهيئة محلفين في بوسطن حول مصير بروفسور الكيمياء في جامعة هارفارد، تشارلز ليبر، صدر الحكم يوم الثلاثاء بإدانته بست تهم جنائية، تتضمن الادعاءات الكاذبة والاحتيال الضريبي، والذي حدث بسبب عدم إفصاحه عن علاقته بجامعة صينية وبرنامج لتوظيف الكفاءات في الصين، وحصوله على التمويل منها. 

كانت محاكمة ليبر محط اهتمام كبير، ولا يعود هذا إلى المتهم الشهير في الأوساط العلمية وحسب، بل لأنها قد تحمل مؤشرات حول مستقبل مبادرة الصين المثيرة للجدل –التي تتعرض إلى انتقادات متزايدة- والتي أُدين في إطارها. 

إطلاق مبادرة الصين

أُطلقت هذه المبادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2018 من قبل وزارة العدل، وكانت تهدف إلى مواجهة خطر التجسس الاقتصادي الصيني، ولكنها، من الناحية العملية، بدأت تركز بصورة متزايدة على الأكاديميين المتهمين بانتهاك قوانين نزاهة البحث العلمي، كما استهدفت بشكل خاص الأفراد من أصل صيني، وفقاً لنتائج التحقيق الذي أجرته إم آي تي تكنولوجي ريفيو. كان ليبر المتهم الأكاديمي الثاني الذي يواجه لجنة محلفين في إطار المبادرة، والأول الذي نال حكماً بالإدانة من قبلها. 

ومنذ إطلاق المبادرة، تعرضت إلى انتقادات حادة بسبب تسهيلها للاستهداف العرقي، وفي الأشهر الأخيرة، عانت من سلسلة من الإخفاقات بسبب الأخطاء الحكومية التي سادت عملية الادعاء. فعلى مدى الصيف، صُرف النظر عن خمس دعاوى ضد أكاديميين، ومعظمها بتهم الاحتيال في سمات الدخول، دون أي تفسير. وبعد ذلك، أتت محاكمة البروفيسور “أنميغ هو” من جامعة تينيسي في نوكسفيل، وهي أول قضية نزاهة بحث تُعرض على المحكمة، وأدت إلى إبطال المحاكمة متبوعاً بتبرئة كاملة، واتهامات بإساءة السلوك لعميل مكتب التحقيقات الفدرالي المسؤول عن التحقيق. 

ومؤخراً، دعا مسؤولون سابقون في وزارة العدل ممن شاركوا في البرنامج، إضافة إلى آخرين، إلى إنهاء هذا العمل أو تغيير توجهه جذرياً. وفي أثناء شهادة حول هذه المسألة أمام الكونغرس، وعد المدعي العام ميريك غارلاند بأن وزارة العدل ستجري عملية تقييم للبرنامج. 

ونظراً لهذا السياق، “فإن قرار التبرئة في محاكمة ليبر كان سيبدو مسيئاً للحكومة”، كما تقول مارغريت لويس، أستاذة القانون في جامعة سيتون هول، والتي كتبت الكثير حول المبادرة. 

ولكن الحقائق الأساسية للقضية كانت راسخة، خصوصاً مقطع الفيديو لليبر وهو يعترف لعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي بتلقي الأموال النقدية من جامعة صينية، وامتلاكه لحساب مصرفي صيني، وأنه لم يكن (كما قال بنفسه) “شفافاً بالكامل وفق أي معيار كان” عندما سئل عن هذه المسائل وغيرها من قبل إدارة هارفارد والمحققين الحكوميين. 

ونظراً لهذه الحقائق، فإن قضية ليبر تعتبر “حالة متفردة” بين قضايا مبادرة الصين، وذلك وفقاً لأحد محامي الدفاع الذي تابع القضية بحثاً عن الأدلة استعداداً لمحاكمة موكله المقبلة. وعلى الرغم من أن هذه المحاكمة ليست مفيدة على وجه الخصوص في توقع كيفية تعامل الحكومة مع قضايا نزاهة الأبحاث المقبلة ضمن إطار المبادرة، فإنها أثارت الكثير من التساؤلات حول ناحية هامة للمحققين، وهي برنامج توظيف الكفاءات.

اقرأ أيضاً: محاكمة تشارلز ليبر تمثل اختباراً إضافيّاً لمبادرة الصين

أسئلة تنتظر الإجابة حول برنامج الألف موهبة

قد تكون مسألة براءة ليبر منتهية، على الأقل حالياً، فقد قال محاميه مارك موكيسي للمراسلين الصحافيين إنهم “يحترمون الحكم ولكنهم لن يستسلموا”، في إشارة إلى استئناف محتمل، ولكن المحاكمة أثارت المزيد من التساؤلات حول مبادرة الصين نفسها، وعلى وجه الخصوص، “برنامج الكفاءات” الصيني الذي تسبب بكل هذه الصرامة والتدقيق. 

تُعرف برامج الكفاءات بأنها خطط توظيف حكومية التمويل وتهدف إلى اجتذاب الخبراء (أي المواهب أو الكفاءات) للعمل في الصين. وعلى حين أن التعاون مع الجامعات الصينية، بما فيها التعاون عبر برامج الكفاءات، كان محط تشجيع من قبل المؤسسات الأميركية منذ زمن، فإن الحكومة الفدرالية أصبحت في السنوات القليلة الماضية أكثر قلقاً من ذي قبل إزاءها.

فقد وجد تقرير لمجلس الشيوخ من العام 2019 أن الصين مولت أكثر من 200 برنامج كفاءات، ما أدى إجمالاً إلى توظيف أكثر من 7000 مشاركاً. كما حذر التقرير من أن برامج الكفاءات تشجع أفرادها على “الكذب في استمارات المنح المقدمة إلى وكالات المنح الأميركية، وإنشاء (مختبرات سرية) في الصين للعمل على أبحاث مطابقة لأبحاثهم في الولايات المتحدة، وفي بعض الحالات، نقل رأس المال الفكري الذي بناه العلماء الأميركيون بجهد كبير”.

“إن أحد أسباب استجواب الدكتور ليبر هو العدد الكبير لطلابه الصينيين، أليس كذلك؟”. مارك موكيسي، محامي الدفاع عن ليبر.

وقد وجد تحقيق البيانات الذي أجرته إم آي تي تكنولوجي ريفيو أن 19 من أصل 77 قضية معروفة في المبادرة الصينية (25%) أُثيرت بسبب الشكوك حول مشاركة المدعى عليهم في برامج الكفاءات الصينية. إضافة إلى ذلك، فقد تضمنت 14 قضية من هذه القضايا حول برامج الكفاءات ادعاءات بوجود انتهاكات لنزاهة البحث بسبب عدم الإفصاح عن جميع العلاقات مع الكيانات الصينية على مستندات المنح. ولكن لم تتضمن أي من هذه القضايا الأربع عشرة أي تهم بقيام العلماء المتهمين بنقل ملكيات فكرية أميركية إلى الصين. 

وعلى الرغم من كل الشكوك الحكومية إزاء برامج الكفاءات، فليس من الواضح تماماً ما إذا كان الإفصاح عن المشاركة فيها هاماً أو غير هام بالنسبة للحكومة الفدرالية. 

وقد كان محامي الدفاع للقضية الأخرى في مبادرة الصين، والذي كان يتابع المحاكمة حتى يستعد بشكل أفضل للدفاع عن موكله، ولم يرغب بالكشف عن اسمه تجنباً لأي مخاطرة، يأمل بالعثور على إجابة عن هذا السؤال خلال المحاكمة. وقد قال إنه من دون حسم هذه المسألة، يمكن لبعض المدعى عليهم أن يقولوا إنهم لم يعرفوا أن التبليغ عن المشاركة في برنامج الكفاءات نفسه أمر هام. 

ولكن في المحصلة، لم يكن هذا ليحدث أي تأثير في محاكمة ليبر، فقد أخفى مشاركته ودخله عن مسؤولي جامعة هارفارد، ومن ثم عن المحققين الحكوميين، ولم يضطر المدعي العام إلى أن يوضح في سجل المحكمة ما إذا كانت المشاركة في برنامج الألف موهبة تستوجب التبليغ أم لا.

اقرأ أيضاً: الحرب التجارية وجائحة كوفيد يدفعان شركات التصنيع الصينية نحو الداخل

“لقد انتصبت أذناي”

في اليوم الخامس من المحاكمة، وجه موكيسي، محامي الدفاع عن ليبر، مجموعة من الأسئلة إلى محققة وزارة الدفاع أيمي موسو، وذلك حول دوافعها في إجراء التحقيق حول الكيميائي. وسألها موكيسي عما إذا كان مختبر الأبحاث البحرية قد أعلم موسو بأن ليبر كان لديه “نسبة غير طبيعية من الطلاب الصينيين في مختبره”.

وأجابت موسو: “نعم”. 

ولكن المدعي العام الأميركي جيمس درابيك اعترض على السؤال، فقام موكيسي بإعادة صياغته. “إن أحد أسباب استجواب الدكتور ليبر هو العدد الكبير لطلابه الصينيين، أليس كذلك؟”. 

“لقد كان هدف المحاكمة النظر في ذنب أحد الأفراد، وليس عقد نقاش سياسي حول مبادرة الصين”. مارغريت لويس، أستاذة القانون في جامعة سيتون هول.

عندما لم تجب موسو على الفور، تابع موكيسي قائلاً: “هل انتبهت أثناء عملك في التحقيق أن الدكتور ليبر كان لديه نسبة كبيرة من الطلاب الصينيين العاملين في مختبره؟ نعم أم لا؟”. 

وأجابت موسو: “نعم”. 

قالت لويس، الأكاديمية القانونية، في تغريدة من داخل المحكمة لتلخيص هذا النقاش أنه “جعل أذني تنتصبان”، لأنه “أفضى إلى سؤال أساسي حول نظرة الحكومة والمجتمع الأميركي بشكل عام إلى الصلات مع الصين كسبب يدعو إلى الشك”. 

وتضيف أن هذا يمثل “تحيزاً” يتناقض مع ما تزعمه وزارة العدل منذ زمن بأن “إجراءاتها مبنية فقط على ما يقوم به الأشخاص وعلى سلوكياتهم، لا على الانتماء الإثني أو العرقي أو الأصل الوطني أو أي من العوامل المشابهة”. 

ولكن، ووفقاً لمايكل جيرمان، فاضح الأسرار الذي كان عميلاً سابقاً في مكتب التحقيقات الفدرالي، والزميل في مركز برينان للعدالة، فإن التحيز العرقي الذي وُثق وجوده بشكل مثبت في مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل ليس التحيز الوحيد الذي كشفت عنه هذه المحاكمة. ويعتقد أن الادعاء الانتقائي مسألة أخرى في هذه القضية. 

ويقول: “أنا متأكد من أن وزارة العدل، لو ركزت نفس الموارد على إجراء التحقيقات حول المدراء التنفيذيين في الشركات بدلاً من الأكاديميين، لاكتشفت عدداً أكبر من الأشخاص الذين لم يصرحوا عن دخلهم الحقيقي بالكامل”. ويضيف قائلاً: “إن التهرب الضريبي”، وهو موضوع إحدى التهمتين اللتين أُدين ليبر بهما في نهاية المطاف، “مشكلة حقيقية، ولكنه ليس المشكلة التي كان يُفترض بمبادرة الصين أن تحلها”. 

اقرأ أيضاً: الصين تتغلب على الولايات المتحدة في مجال الأمن السيبراني الكمومي

وبالنسبة للكثيرين من منتقدي مبادرة الصين، توجد هناك الكثير من الأسئلة العامة والأساسية التي تبرزها كل قضية، بغض النظر عن النتيجة. 

وتقول لويس، الأكاديمية القانونية: “هل إمضاء عدة سنوات في السجن هو العقوبة التي نعتقد، كمجتمع، أنها ملائمة لهذا النوع من الانتهاكات المتعلقة بإخفاء المعلومات؟” وتضيف أن الحكم لا يقول أي شيء حول مشكلة أخرى، وهي أن مبادرة الصين تؤدي إلى نشر “صورة تهديد كبيرة حول الأشخاص الذين لديهم صلات مع الصين”.

وتقول إن بقاء هذه المشاكل دون حل في نهاية محاكمة ليبر أمر متوقع: “لقد كان هدف المحاكمة النظر في ذنب أحد الأفراد، وليس عقد نقاش سياسي حول مبادرة الصين”. 

 

تقول أرياني أونغ، محامية الحقوق المدنية والمشاركة في تأسيس اتحاد الموظفين الفدراليين الأميركيين الآسيويين لمكافحة التمييز، إن الرسالة التي يرسلها هذا الحكم للجميع تنطوي على مشكلة، نظراً للتأثيرات السلبية والمخيفة للمبادرة على العلماء. وتقول إن مبادرة الصين كانت على الدوام مؤلفة من “جزء يتعلق بالتنسيق بين جهود الوكالات المختلفة إزاء الصين” و”جزء سياسي، أو بالأحرى، جزء يتعلق بالاستهداف العلني”. وتضيف: “بالنسبة لي فإن هذه القضية تبدو أقرب إلى تحذير من الرقابة الشديدة المفروضة على العلاقات الصينية الأميركية منها إلى محاولة فعلية لإيقاف عمل تجسسي”. 

وإلى أن يتم اتخاذ القرارات الحاسمة حول هذه السياسات، فسوف تستمر مبادرة الصين، ويستمر عملها في ملاحقة الأكاديميين، حيث ستعقد محاكمات لخمس قضايا أخرى متعلقة بنزاهة الأبحاث في السنة المقبلة. 

وعلى غرار ليبر، وأنميغ هو، فإن جميع المدعى عليهم الخمسة متهمون بتصريحات زائفة. 

هل لديك أي معلومات أو أسئلة ترغب بالإجابة عنها حول مبادرة الصين؟ يمكنك التواصل معنا على العنوان التالي: [email protected]

قام براندون كينغدولار بإجراء عمل استقصائي إضافي لهذه المقالة