لأول مرة: ولادة أطفال حملتهم أمهاتهم بمساعدة روبوت

11 دقيقة
لأول مرة: ولادة أطفال حملتهم أمهاتهم بمساعدة روبوت
مصدر الصورة: ستيفاني أرنيت. إم آي تي تي آر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في الربيع الماضي، حزم بعض المهندسين في مدينة برشلونة أجزاء الروبوت الذي صمموه لحقن الحيوانات المنوية، وأرسلوا الطرد باستخدام خدمة دي إتش إل (DHL) إلى مدينة نيويورك. بعد ذلك، تبعوا الروبوت إلى عيادة نيو هوب (New Hope) في نيويورك، حيث أعادوا تركيب الأجزاء المتعددة للآلة، التي تتألف من مجهر، وإبرة مزودة بآلية حركة ميكانيكية، وطبق بتري صغير، وحاسوب محمول.

بعد ذلك، استخدم أحد المهندسين من دون أي خبرة فعلية في طب الخصوبة مقبض تحكم لمنصة ألعاب سوني، بلاي ستيشن 5، لتوجيه الإبرة الروبوتية نحو بويضة بشرية مستعيناً بكاميرا للتوجيه الصحيح، وبعد ذلك، تحركت الإبرة إلى الأمام آلياً، واخترقت البويضة، ووضعت فيها خلية منوية واحدة. استُخدِم الروبوت لإخصاب عدد إجمالي يتجاوز 12 بويضة.

يقول الباحثون إن هذه العمليات أتاحت الحصول على أجنة سليمة، إضافة إلى ولادة طفلتين مؤخراً، ويزعم الباحثون أنهما أول البشر الذين تم استيلادهم عن طريق عملية تلقيح باستخدام “روبوت”.

يقول طالب الهندسة الميكانيكية الذي كان يتحكم بآلة حقن الحيوانات المنوية: “لقد كنت هادئاً، وفكرت في تلك اللحظة بأنها ليست سوى مجرد تجربة أخرى”.

أقرأ أيضاً: طريقة جديدة تسهل اكتشاف مشاكل القلب عند الجنين

نحو أتمتة عملية الإخصاب الأنبوبي

تقول الشركة الناشئة التي طورت الروبوت، أوفرتشور لايف (Overture Life)، إن هذه الآلة تمثل خطوة أولية نحو أتمتة عملية الإخصاب الأنبوبي (IVF)، وربما تقليل تكلفتها ونشرها على نطاق أوسع بكثير مما هو موجود حالياً.

حالياً، تُجرى عمليات الإخصاب الأنبوبي في مختبرات تبلغ تكلفتها عدة ملايين من الدولارات بإدارة مختصين متمرسين بعلم الأجنة يحصلون على رواتب تصل إلى 125,000 دولار في السنة للتعامل بدقة مع الحيوانات المنوية والبويضات باستخدام إبر جوفاء رفيعة للغاية تحت المجهر.

ولكن بعض الشركات الناشئة تقول إنه من الممكن إجراء العملية بأسرها على نحو آلي، أو شبه آلي على الأقل. على سبيل المثال، قدمت أوفرتشور طلباً للحصول على براءة اختراع لما تسميه “شريحة بيولوجية” لمختبر مصغر للإخصاب الأنبوبي، وهي مزودة بالكامل بخزانات مخفية تحتوي على سوائل محفزة للنمو، وقنوات صغيرة تتيح للحيوانات المنوية التحرك عبرها بشكل متعرج ومهتز.

يقول الرئيس التنفيذي للابتكار في الشركة الإسبانية عالم الجينات الفائز بعدة جوائز، سانتياغو مونيه: “إنها أقرب إلى علبة تضع فيها بعض السائل المنوي والبويضات، لتستخرج منها جنيناً بعد خمسة أيام”. يعتقد مونيه أنه إذا أمكن إجراء الإخصاب الأنبوبي ضمن آلة مكتبية، فمن الممكن ألا يحتاج المرضى إلى الذهاب إلى عيادة متخصصة، حيث تكلف محاولة الإخصاب والحمل الواحدة 20,000 دولار في الولايات المتحدة، ويقول إنه يمكن بدلاً من ذلك تلقيم نظام الإخصاب الآلي مباشرة ببويضة المريضة ضمن عيادة طبيب الأمراض النسائية. ويضيف مونييه: “يجب أن تكون العملية أقل تكلفة بكثير، وإذا كان بوسع أي طبيب تنفيذها، فسوف تصبح كذلك”

تمكنت إم آي تي تكنولوجي ريفيو من العثور على ست شركات ناشئة بأهداف مشابهة، مثل أوتو آي في إف (AutoIVF)، وآي في إف 2.0 (IVF 2.0)، وكونسيفابل لايف ساينسز (Conceivable Life Sciences)، وفيرتيليس (Fertilis). وقد بدأت بعض هذه الشركات الناشئة في المختبرات الجامعية المتخصصة في تكنولوجيات المختبرات المصغرة المثبتة على رقاقة إلكترونية.

تمكنت أوفرتشور حتى الآن من جمع أكبر قدر من الأموال، حيث بلغ نحو 37 مليون دولار من عدة مستثمرين، مثل شركة كوسلا فينتشرز (Khosla Ventures)، والرئيسة التنفيذية السابقة ليوتيوب، سوزان وجيتسكي.

اقرأ أيضاً: هل يمكن تشكيل الأجنة الحية من الخلايا الجذعية في المستقبل القريب؟

مزيد من الأطفال

يقول رواد الأعمال إن الهدف الرئيسي لأتمتة الإخصاب الأنبوبي بسيط، وهو زيادة عدد الولادات إلى درجة كبيرة. يتم استيلاد ما يقرب من 500,000 طفل عبر الإخصاب الأنبوبي على مستوى العالم سنوياً، ولكن معظم الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة في إنجاب الأطفال لا يستطيعون الحصول على المساعدة المطلوبة من مختصي طب الخصوبة، أو غير قادرين على دفع تكاليفها.

يتساءل طبيب الخصوبة السابق، ديفيد سيبل، الذي يدير في الوقت الحالي صندوقاً استثمارياً: “كيف يمكن أن ننتقل من نصف مليون مولود إلى 30 مليون مولود سنوياً؟ لا يمكن تحقيق هذا الأمر إذا كانت جميع المختبرات تُدار كما لو أنها مطاعم احترافية للغاية تعمل حسب الطلب، وهو التحدي الأكبر بالنسبة للإخصاب الأنبوبي. فقد شهدت هذه التقنية 40 سنة من العمل العلمي الرفيع المستوى، وهندسة الأنظمة المخيبة للآمال”.

لم نتوصل بعد إلى تصميم آلة إخصاب متكاملة، ولكن مجرد أتمتة بعض مراحل العملية، مثل حقن الحيوانات المنوية أو تجميد البويضات أو تغذية الأجنة، يمكن أن يجعل الإخصاب الأنبوبي أقل تكلفة، ويدعم الابتكارات الأكثر تقدماً في نهاية المطاف، مثل التعديل الجيني، أو حتى الأرحام الاصطناعية.

ولكن أتمتة الإخصاب الأنبوبي بالكامل لن تكون سهلة، فهي أقرب إلى صنع طبيب أسنان آلي على سبيل المثال. يتضمن الإخصاب باستخدام أنبوب الاختبار عدداً كبيراً من العمليات، ولا يستطيع روبوت أوفرتشور حتى الآن تنفيذ سوى عملية واحدة منها، وجزئياً فقط.

مقطع فيديو يبين عملية إخصاب “روبوتية” لبويضة في مختبر شركة أوفرتشور لايف ساينسز. إبرة مهتزة تخترق البويضة وتحقنها بخلية منوية واحدة. المصدر: شركة أوفرتشور

يقول طبيب الخصوبة في مركز ويل كورنيل الطبي، جيانبييرو باليرمو، الذي يُنسب إليه تطوير عملية الإخصاب المعروفة باسم حقن الحيوانات المنوية داخل الهيولى (ICSI) في التسعينيات: “الفكرة العامة رائعة للغاية، ولكن هذا العمل ليس سوى خطوة أولية صغيرة”. ويشير باليرمو إلى أن باحثي أوفرتشور ما زالوا يعتمدون على درجة من المساعدة اليدوية في إنجاز بعض المهام، مثل تلقيم إبرة الحقن بخلية منوية. ويقول: “من وجهة نظري، لا يمكن أن نعتبر هذا العمل حقناً روبوتياً للحيوانات المنوية داخل الهيولى بعد”.

ثمة أطباء آخرون يشككون بشأن قدرة الروبوتات على أن تحل محل مختصي الأجنة البشر، أو حتى بشأن صواب هذه الفكرة. يقول مدير عيادة الخصوبة في جامعة كولومبيا، زيف ويليامز: “يجب التقاط النطفة، وإدخالها ضمن البويضة بأقل قدر ممكن من الأذى، وبأعلى درجة من الدقة، وفي الوقت الحالي يتفوق البشر على الآلات من حيث البراعة، وبفارق كبير”.

من الجدير بالذكر أن مركزه طور روبوتاً، ولكن لتحقيق هدف محدود للغاية، وهو إفراز قطيرات صغيرة من وسط إنمائي كي تنمو فيه الأجنة. يقول ويليامز: “يؤدي تغير حجم القطيرات إلى أثر سلبي على الأجنة. ولهذا، نستخدم آلة للحصول على نفس الحجم في كل مرة، وهنا تثبت الآلة فائدتها وفعاليتها”. ويعد ويليامز هذه الطريقة أسلوباً “منخفض المخاطر” لتطبيق الأتمتة في المختبر.

اقرأ أيضاً: كيف سيعمل الذكاء الاصطناعي مع البشر لمستقبل أفضل في الرعاية الصحية؟

مهد فائق الصغر

ثمة مشكلة أخرى تعيق أتمتة الإخصاب، هي أن علم الموائع الدقيقة –وهو اسم اصطلاحي آخر لتكنولوجيا المختبر على رقاقة إلكترونية- لم يرتق إلى مستوى التوقعات.

يقول مختص الأجنة الذي يعمل بمدينة أديليد في أستراليا، جيريمي تومبسون، إنه أمضى حياته المهنية في دراسة “كيفية تحسين حياة الأجنة” في أثناء نموها في المختبرات. لكنه يرى أن عمله على أنظمة الموائع الدقيقة لم يؤدِّ، حتى فترة قريبة، إلى نتيجة حاسمة، حيث يقول: “هذا محض هراء. باءت جميع محاولاتي بفشل ذريع”. يقول تومبسون إن الإخصاب الأنبوبي ما زال عملية يدوية في جزء منها حتى الآن لعدة أسباب، منها عدم رغبة أي شخص بالوثوق في آلة دقيقة للغاية للتعامل مع جنين –قد يصبح إنساناً يعيش بيننا يوماً ما- يمكن أن يعلق في مكانه أو يصاب بالأذى بسبب شيء صغير للغاية لا يتجاوز فقاعة هواء.

قطعة "مهد" تستخدم في عملية إخصاب أنبوبي مؤتمتة ضمن وعاء مبطن مع أصابع يد بشرية ظاهرة في الصورة لتوضيح الأبعاد
حامل (مهد) فائق الصغر مصنوع بالطباعة الثلاثية الأبعاد صممته شركة فيرتيليس لحمل بويضة بشرية واحدة. مصدر الصورة: شركة فيرتيليس

إلا أنه منذ بضع سنوات، رأى تومبسون صوراً لمجسم مصغر لبرج إيفل بطول مليمتر واحد فقط، وكان هذا المجسم مصنوعاً باستخدام نوع جديد من الطباعة التراكمية الثلاثية الأبعاد، حيث تُوجَّه الأشعة الضوئية نحو بوليمرات سائلة لإكسابها الصلابة. وعندها، قرر أن هذا الإنجاز هو المطلوب لأنه يتيح له بناء “صندوق أو قفص حول جنين”.

منذ ذلك الحين، عملت الشركة الناشئة التي أسسها، فيرتيليس، على جمع مليوني دولار لطباعة ما تسميه “حجيرات” شفافة أو “مهاد شفافة فائقة الصغر”. تكمن الفكرة في أنه بمجرد وضع بويضة ضمن واحدة من هذه الحجيرات، يمكن التعامل معها بسهولة أكبر، ووصلها بأجهزة أخرى، مثل مضخات لإضافة السوائل بمقادير صغيرة.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة الشرائح الإلكترونية التي تُزرع في الدماغ؟

وعند وضع البويضة ضمن إحدى حجيرات فيرتيليس، فإنها لا تعود مجرد حبيبة لزجة دقيقة، حيث يمكن التقاط هذا الجسم الذي يحويها باستخدام ملقط. نشرت شركة فيرتيليس عدة أوراق بحثية تبين إمكانية تطبيق التبريد فائق السرعة على البويضات ضمن الحجيرة وإخصابها هناك أيضاً، وذلك بدفع نطفة (حيوان منوي) إلى الداخل باستخدام إبرة.

يبلغ عرض البويضة البشرية 0.1 مليمتر تقريباً، أي في حدود قدرة العين البشرية المجردة على الرؤية. وحالياً، يتوجب على مختص الأجنة سحبها إلى داخل إبرة جوفاء وإخراجها ثانية إذا توجب نقلها من مكان إلى آخر. ولكن تومبسون يقول إن بإمكان البويضات أن تتلقح وتنمو لتصبح أجنة ما إن توضع ضمن المهد الذي ابتكرته الشركة، حيث تتحرك ضمن محطات العمل المختلفة للمختبر الروبوتي كما لو أنها على حزام ناقل. ويضيف: “تهدف المنظومة بأكملها إلى تخفيف الضغط عن الأجنة والبويضات”.

يأمل تومبسون، يوماً ما، أن يعمد الأطباء بعد جمع البويضات من مبايض النساء إلى وضعها ضمن مهد فائق الصغر مباشرة، وتركها في عهدة الروبوتات التي ستعتني بها إلى أن تتحول إلى أجنة سليمة. ويقول: “هذه رؤيتي للمستقبل”.

مقطع فيديو تم تصويره عبر المجهر ويبين إبرة مجهرية تخترق بويضة موضوعة ضمن مهد أو حجيرة مصنوعة بالطباعة ثلاثية الأبعاد. ويبلغ عرض البويضة 0.1 مليمتر تقريباً. مصدر الصورة: شركة فيرتيليس

تمكنت إم آي تي تكنولوجي ريفيو من العثور على شركة أوتو آي في إف، وهي متفرعة عن مختبر الموائع الدقيقة التابع لمستشفى ماساتشوستس العام وجامعة هارفارد، وتمكنت من جمع أكثر من 4 ملايين دولار من المنح الفيدرالية لتطوير نظام مماثل لجمع البويضات. وتطلق هذه الشركة على تكنولوجيتها اسم “أوفاريدي” (OvaReady).

تُجمَع البويضات بعد معالجة المريضة بهرمونات الخصوبة، وعندها، يستخدم الطبيب مسبراً شفاطاً لسحب البويضة التي بلغت مرحلة النضج ضمن المبيض. وبما أن البويضات مغلفة بنسيج واقٍ وتطفو ضمن سائل مليء بالفتات، يجب على مختص الأجنة أن يعثر على كل واحدة منها يدوياً و”يجرّدها” بتنظيفها بلطف باستخدام أنبوب امتصاص زجاجي رفيع.

وقد رفض أحد المسؤولين التنفيذيين في أوتو آي في إف، إيمري أوزكومور، الإفصاح عن تفاصيل المشروع، فالشركة ترغب بأن “تبقى بعيدة عن الأنظار فترة أطول بقليل” حسب قوله، ولكن المنح التي حصلت عليها ومستندات براءات الاختراع التابعة لها تشير إلى أنها تجري اختبارات على جهاز يستطيع كشف البويضات وعزلها وتجريدها من النسج المحيطة بها آلياً، ربما بتمريرها عبر شيء يشبه مبشرة جبن مجهرية لتشذيبها.

اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تعمل على استنساخ البشر لأغراض التبرع بالأعضاء

متتبع الحيوانات المنوية

ما إن تصبح البويضة جاهزة، يجب على الأطباء تأمين الخلية المنوية التي ستتحد معها. ولمساعدتهم على اختيار الخلية الصحيحة، أطلق طبيب الخصوبة الذي يعمل في المكسيك، أليخاندرو تشافيز-باديولا، الشركة الناشئة آي في إف 2.0، التي طورت برنامجاً لتصنيف الحيوانات المنوية التي تسبح في طبق مخبري وتحليلها. يعمل هذا البرنامج بشكل مشابه لبرامج الرؤية الحاسوبية التي تتتبع اللاعبين الرياضيين في أثناء الجري والتصادم وتغيير الاتجاهات على أرض الملعب، ويتلخص عمله بتحديد الحيوانات المنوية السليمة عن طريق تقييم شكلها ودراسة قدرتها على السباحة. يقول تشافيز-باديولا: “تمثل القدرة الحركية المعيار الأفضل لصحة الحيوانات المنوية وسلامتها”. وفي حين يستطيع الشخص متابعة بضع حيوانات منوية وحسب في الوقت نفسه، فإن الحاسوب لا يعاني من هذه المشكلة، يقول تشافيز-باديولا: “نحن معشر البشر بارعون في تركيز انتباهنا على نقطة واحدة. ونستطيع تقييم 5 أو 10 حيوانات منوية، ولكن هذا مستحيل بالنسبة لخمسين حيواناً منوياً”.

تجري عيادة تشافيز-باديولا للإخصاب الأنبوبي دراسة مقارنة بين الحيوانات المنوية التي يختارها البشر والحيوانات المنوية التي يختارها الحاسوب، لتحديد الأكثر قدرة على استيلاد الأطفال. وحتى الآن، يتمتع الحاسوب بأفضلية ضعيفة.

يقول تشافيز-باديولا: “نحن لا نزعم أن الحاسوب أبرع من البشر، بل أنه يضاهيهم، كما أنه لا يصاب بالتعب. أما البشري فيجب أن يحافظ على مستوى براعته في الصباح الباكر، وبعد القهوة، وبعد خوض نقاش حاد عبر الهاتف”.

اقرأ أيضاً: كيف تسهم التكنولوجيا في تطوير الطب والرعاية الصحية؟

يضيف تشافيز-باديولا قائلاً إن البرنامج سيكون “بمثابة الدماغ الذي سيسيّر مختبرات المستقبل المؤتمتة”. ففي هذا العام، باع حقوق استخدام برنامجه لتتبع الحيوانات المنوية إلى كونسيفابل لايف ساينسز، وهي شركة ناشئة أخرى تعمل في مجال أتمتة الإخصاب الأنبوبي، وهي حالياً قيد الإنشاء في مدينة نيويورك حيث سيشغل تشافيز-باديولا منصب الرئيس التنفيذي للمنتجات. وسينضم إلى الشركة أيضاً أحد أهم مختصي الأجنة، جاك كوهين، الذي عمل سابقاً في العيادة البريطانية حيث وُلِد أول طفل أنابيب في 1978.

نظام حاسوبي طورته شركة آي في إف 2.0 لتتبع النطاف وتصنيفها في أثناء سباحتها، باستخدام برنامج للتعرف على الصور. مصدر الصورة: كونسيفابل

تخطط كونسيفابل لبناء محطة عمل روبوتية “مؤتمتة” تستطيع إخصاب البويضات ورعاية الأجنة، وتأمل بأن تتمكن من تقديم عرض تجريبي لجميع الخطوات الرئيسية في هذا العام. لكن كوهين يعترف بأن الأتمتة قد تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن تتحول إلى واقع فعلي. ويقول: “سنصل إلى هذه المرحلة بالتدريج. فحتى الأشياء التي تبدو بديهية ستستغرق 10 سنوات كي تحقق الانتشار المطلوب، و20 سنة كي تصبح روتينية”.

يعتقد المستثمرون الذين يدعمون كونسيفابل أنه من الممكن تحقيق الأرباح المادية من خلال نشر استخدام الإخصاب الأنبوبي. ومن شبه المؤكد أن مجال الإخصاب الأنبوبي يمكن أن ينمو إلى 5 أو 10 أضعاف حجمه الحالي. ففي الولايات المتحدة، تبلغ نسبة أطفال الأنابيب أقل من 2%، ولكن في الدنمارك، حيث يحظى هذا الإجراء بالتشجيع ويمكن اللجوء إليه مجاناً، تبلغ هذه النسبة 10% تقريباً.

يقول رائد الأعمال ألان موراي، الذي يتمتع بخبرة سابقة في البرمجيات ومساحات العمل المشترك، والذي أسهم في تأسيس شركة كونسيفابل مع شريكه في العمل، جوشوا أبرام: “هذا يوضح أنه ثمة طلب حقيقي على هذه العملية، ويكمن التحدي في أن تنفيذها يقتصر على البلدان الثرية والمميزة، في حين تعجز باقي البلدان عن ذلك. لكن هذه البلدان أثبتت وجود حاجة بشرية حقيقية إلى هذه العملية. ولهذا، علينا أن نحقق باستخدام التكنولوجيا ما تمكنت البلدان الثرية من تحقيقه باستخدام المال”.

يقدّر موراي التكلفة الوسطية لطفل الأنبوب الواحد في الولايات المتحدة بمبلغ 83,000 دولار، بما في ذلك المحاولات الفاشلة، وهي أمر شائع الحدوث. ويقول إن شركته تسعى إلى تخفيض التكلفة بنسبة 70%، وهو ما يمكن تحقيقه بزيادة احتمال نجاح العملية.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: استخدام طائرة مسيَّرة لتوصيل كِلْية تم التبرع بها

إلا أنه لا يمكن أن نضمن انخفاض تكلفة الإخصاب الأنبوبي بفضل الروبوتات، أو انتقال التأثير الإيجابي لأي وَفر في التكلفة إلى المرضى. تقول المستشارة في شركة كونسيفابل وكبيرة المسؤولين العلميين في شركة علم الخصوبة فيكونديس (Fecundis)، ريتا فاسينا، إن هذا المجال له تاريخ طويل في اعتماد الابتكارات الجديدة التي لم تؤدِّ إلى زيادة ملحوظة في نسبة الحمل. وتقول: “يميل التوجه إلى زيادة الاختبارات والتكنولوجيات، بدلاً من بذل جهد حقيقي للتخفيف من العوائق التي تمنع وصول هذه التكنولوجيات إلى شرائح أكبر من الناس”.

عوالم مستقبلية

في الخريف الماضي، نشر باحثو أوفرتشور وأطباء نيو هوب توصيفاً لعملهم مع الروبوت، قالوا فيه إنهم تمكنوا من تحقيق الحمل مع مريضتين. والآن، وُلدت كلتا الطفلتين، وفقاً لمنسقة التبرع بالبويضات في نيو هوب، جيني لو، وتمكنت إم آي تي تكنولوجي ريفيو من إجراء مقابلة مع والد إحداهما الذي قال بعد أن طلب إخفاء هويته: “إنه لأمر بالغ الغرابة، أليس كذلك؟ قالوا لي إن هذه العملية كانت حتى الآن تُجرى يدوياً”.

وأضاف أنه جرب مع زوجته عملية الإخصاب الأنبوبي عدة مرات من قبل، ولكن دون جدوى. تضمنت كلتا حالتي الحقن الروبوتي استخدام بويضات من متبرعة خارجية، حيث قدمت الشركة البويضات –التي يمكن أن تصل كلفتها عادة إلى 15,000 دولار للواحدة إلى المريضات مجاناً. في كلتا الحالتين، زُرِعت البويضة في رحم المريضة بعد إخصابها وإنمائها كي تتحول إلى جنين.

غالباً ما تستخدم بويضات التبرع عندما تكون المريضة أكبر سناً، في الأربعينيات من عمرها، وغير قادرة على الحمل بطريقة أخرى.

وبما أن الأتمتة لا تتيح حل مشكلة البويضات المتقدمة في السن مباشرة، فتكنولوجيا مختبر الإخصاب الأنبوبي المصغر لن تحل هذه المشكلة المستعصية التي لا يمكن لعلاجات الخصوبة حلها. لكن الأتمتة يمكن أن تتيح للأطباء إجراء قياسات دقيقة لما يفعلونه، وتسمح لهم بضبط إجراءاتهم بدقة أعلى، ويمكن حتى لزيادة صغيرة في احتمال النجاح أن تؤدي إلى زيادة الولادات السنوية بمقدار عشرات الآلاف من الأطفال.

تقول كبيرة علماء الابتكار في مؤسسة إينوفيشن فيرتيليتي (Innovation Fertility)، وهي مجموعة من العيادات في جنوب الولايات المتحدة، كاثلين ميلر، إن مراكزها بدأت باستخدام أنظمة الرؤية الحاسوبية لدراسة مقاطع الفيديو المُسَرّعة لنمو الأجنة، في محاولة لتحديد أي بيانات يمكن أن تفسر سبب تحول بعض هذه الأجنة إلى أطفال وعدم تحول بعضها الآخر. تقول: “نحن نضعها في نماذج، والسؤال هو ’ما الجديد في هذا؟‘ سنشهد تطوراً في عمل مختص الأجنة. فهو يؤدي حالياً دور مختص فني، ولكنه سيتحول لاحقاً إلى عالم بيانات”.

بالنسبة لبعض مناصري أتمتة الإخصاب الأنبوبي، يمكن أن يكون المستقبل أكثر غرابة حتى؛ فعندما يُعهَد بعملية الإخصاب إلى الآلات، يمكن للأتمتة أن تسهم في تسريع البدء باستخدام بعض التقنيات التي ما زالت مثيرة للجدل، مثل التعديل الجيني، أو بعض الطرق المتطورة لإنتاج البويضات من الخلايا الجذعية.

اقرأ أيضاً: يمكِّننا علم تحسين النسل الآن من اختيار الأجنَّة حسب الصحة والطول وغير ذلك

على الرغم من أن موني يقول إن أوفرتشور لايف لم تضع أي خطط لتعديل التركيبة الجينية للأطفال، فإنه يعترف بأن استخدام روبوت حقن الحيوانات المنوية لهذا الغرض أمر في غاية السهولة، بما أنه قادر على ضخ كميات محددة بدقة من المواد الكيميائية المستخدمة في التعديل الجيني ضمن البويضة. ويقول: “ستكون إضافة هذه الوظيفة إلى الآلة مسألة في غاية السهولة”.

ثمة المزيد من التكنولوجيات الأقرب إلى الأفكار النظرية تلوح في الأفق، فمن المحتمل أن تتطور آلات الإخصاب بالتدريج إلى أرحام اصطناعية، ما يعني إمضاء الأطفال فترة الحمل في المراكز العلمية حتى يحين موعد ولادتهم. يقول تومبسون: “أعتقد أننا سنصل إلى هذه المرحلة. فثمة أدلة علمية قوية تشير إلى إمكانية تحقيق ما كنا نظنه مستحيلاً”.

وثمة من يتخيل إطلاق هذه الروبوتات، في نهاية المطاف، إلى الفضاء الخارجي، محملة بالبويضات والحيوانات المنوية المحفوظة في حالة من الركود. وبعد رحلة تدوم ألف سنة إلى أحد الكواكب البعيدة، يمكن لهذه الآلات أن تُقلع من جديد، وتبني مجتمعاً جديداً من البشر.

تسهم هذه التقنيات كلها في تحقيق الهدف المتمثل في زيادة عدد البشر، وليس فقط هنا على الأرض، يقول تشافيز-باديولا: “يعتقد البعض أن البشر يجب أن يتحولوا إلى نوع يعيش متنقلاً بين الكواكب، ولكن حياة البشر لا تكفي للوصول إلى تلك العوالم. ولهذا، يجب على العلماء أن يواصلوا أحلامهم، فهذا جزء من عملهم”.