كيف يمكن لأوكرانيا أن تحصل على حاجتها من الكهرباء مع تصاعد حدة العمليات العسكرية؟

4 دقائق
كيف يمكن لأوكرانيا أن تحصل على حاجتها من الكهرباء مع تصاعد حدة العمليات العسكرية؟
حقوق الصورة: وزارة الطوارئ/ أسوشييتد برس.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كشفت الحرب الروسية الأوكرانية في مدن أوكرانيا وبناها التحتية الحساسة نقطة ضعف مقلقة في هذا النزاع المتصاعد: قطاع الطاقة الأوكراني المتقادم والمعزول.

فقد تحولت أوكرانيا عملياً إلى ما يشبه الجزيرة المعزولة من ناحية الطاقة بعد فصلها عن الأنظمة الكهربائية الروسية والبيلاروسية مع بداية الحرب، ما يفرض عليها توليد كل حاجتها من الكهرباء بنفسها. وتعتمد البلاد على أربع محطات للطاقة النووية لتوليد أكثر من نصف هذا المقدار. وقد تم الاستيلاء على أكبر هذه المحطات مؤخراً في هجوم أدى إلى حريق كبير وأثار مخاوف واسعة النطاق من حادث نووي محتمل.

محطات الطاقة مهددة بالخروج من الخدمة

وفي 6 مارس/ آذار، أفادت شركة الطاقة الأوكرانية “ديتيك” (DTEK) أن روسيا بدأت “بالتدمير المنهجي” للبنى التحتية الخاصة بالطاقة مؤخراً. وأوردت أن محطة توليد في أوختيركا تعرضت للتدمير، كما أن محطات الجهد المرتفع الفرعية في منطقة دونيتسك تعرضت للإصابة.

إضافة إلى ذلك، فقد سيطرت القوات الروسية على محطة كهرومائية في كييف، ويبدو أنها استهدفت أخرى في نوفا كاخوفكا. كما سيطرت على محطة للحرارة والكهرباء في لوهانسك، وقصفت بالمدفعية منطقة قريبة من خط أنابيب غاز في خاركيف، وعطلت الكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية في عدة مدن كبرى.

وقالت ديتيك إن ما يقارب من مليون شخص أصبحوا محرومين من الكهرباء في منطقة ماريوبول وكييف.

وقد أثارت الهجمات المتصاعدة مخاوف من قيام روسيا باستهداف المزيد من محطات الطاقة النووية وغيرها من منشآت الطاقة الهامة.

اقرأ أيضاً: هل ينجح التمويل الجماهيري للأوكرانيين بجمع ما يكفي من العملات المشفرة لأغراض حربية؟

تكتيك فعال من قبل الروس

إن مهاجمة النظام الكهربائي تكتيك حربي فعال للغاية، حيث تكفي ضربات على أهداف صغيرة نسبياً لإحداث أضرار واسعة الانتشار، كما يقول آدم ستاين، المدير المساعد للابتكار النووي في معهد بريكثرو.

كما قد يؤدي هذا الأسلوب إلى آثار قاتلة في خضم الأجواء الشتوية المتجمدة التي تتعرض لها أوكرانيا. وحتى لو بقيت خطوط أنابيب الغاز الطبيعي سليمة، فإن الكهرباء مطلوبة لتشغيل محطات الضخ والأفران التي تدفئ المنازل والأبنية.

وكما غرد جيسي جينكنز، الأستاذ المساعد في برينستون وخبير نمذجة الطاقة: “إياكم وأن تقعوا في الأوهام، فإن إيقاف محطات توليد الطاقة في أوكرانيا سيؤدي إلى مقتل المدنيين دون شك”.

حيث يمكن لقطع الكهرباء أن يوقف قطارات الأنفاق، والباصات، والقطارات التي يستخدمها المواطنون في الهرب، ويطفئ الإنارة في ملاجئ القصف والمستشفيات، ويؤدي إلى فساد الطعام والدواء. كما يهدد أيضاً بقطع الاتصالات، وتشويش التخطيط الحكومي، وشل الدفاعات العسكرية، وتقويض الحالة المعنوية.

اقرأ أيضاً: الحرب الروسية الأوكرانية تبرز مدى اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي

مزامنة الشبكات

حتى فترة قريبة، بقيت مستويات الإشعاع طبيعية في محطة زابوريزهزيا النووية في جنوب شرق أوكرانيا، ولكنها كانت تعمل باستطاعة مفاعلين فقط من أصل ستة، وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ما زال الفريق الاعتيادي مشرفاً على تشغيل المحطة، ولكنه يعمل الآن “وفق أوامر قائد القوات الروسية” الذي سيطر على الموقع. كما قام الفريق أيضاً بإيقاف خطوط الاتصالات.

ليس أمام أوكرانيا سوى خيارات محدودة لتعزيز مقاومة شبكتها الكهربائية في خضم هذه الحرب. فقد قامت ديتيك بسرعة بتشغيل تسع عنفات إضافية تعمل على الفحم مؤخراً لتعويض النقص الذي حدث بسبب فقدان السيطرة على المحطة النووية.

ولكن احتياطيات البلاد من الفحم والغاز الطبيعي كانت أكثر انخفاضاً من مستوياتها المعتادة في هذا الشتاء. كما أن خطوط التوريد المعتادة، والتي تمتد من المناجم إلى المرافئ، قد تتعرض للتقييد أو خطر الهجمات، بل يمكن حتى أن تكون قد تضررت مسبقاً. وعلى وجه الخصوص، فإن خطوط السكك الحديدية التي توصل الفحم إلى محطة توليد مستقلة في زابوريزهزيا “تم تفجيرها”، وفقاً لديتيك.

يقول جورج زاكمان، وهو زميل أساسي في مجموعة الدراسات الاقتصادية بروجيل، والتي تركز على مسائل الطاقة الأوكرانية، إن تعويض إنتاج المحطة النووية سيؤدي إلى استنفاد الاحتياطيات بسرعة.

اقرأ أيضاً: ما الدور الذي تلعبه أسلحة الذكاء الاصطناعي في الحرب الروسية الأوكرانية؟

السعي لدمج شبكة الطاقة الكهربائية الأوكرانية مع نظام الاتحاد الأوروبي

غير أن المسؤولين ومشرفي الطاقة في البلاد يسعون إلى تحقيق احتمال آخر، وهو دمج شبكة الطاقة الكهربائية في البلاد مع نظام الاتحاد الأوروبي لتمكين تدفق الكهرباء، خصوصاً في حال انقطاعات مفاجئة أو واسعة النطاق.

وقد كان هذا العمل قيد المباشرة من قبل. ففي 2017، وقعت الشركة الأساسية لنقل التيار الكهربائي في البلاد، “أوكرينيرجو” (Ukrenergo)، اتفاق توصيل مع اتحاد “إنتسو-إي” (ENTSO-E) الأوروبي الذي يتضمن أكثر من 40 شركة لنقل التيار الكهربائي. ولكن عملية الدمج ستحتاج إلى تركيب تجهيزات للتحكم بالتردد وغيرها من التكنولوجيات لضمان سلاسة عمل الشبكة، إضافة إلى إجراء اختبارات مكثفة للسلامة، ومجموعة من الاتفاقيات المعقدة التنظيمية والمتعلقة بسوق الطاقة.

كما يتطلب الاندماج الكامل تشغيل أو بناء خطوط لنقل الطاقة عبر هنغاريا ومولدافيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، كما يلحظ زاكمان في تحليل من السنة الماضية. ويمكن أن يؤدي هذا إجمالاً إلى توصيل أكثر من 5 جيجا واط من الكهرباء، ما يتخطى 10% من قدرة التوليد الطبيعية في أوكرانيا، وهو المستوى المطلوب من قبل الاتحاد الأوروبي و”إنتسو-إي” لهذا الاندماج العابر للحدود.

كيف يمكن لأوكرانيا أن تحصل على حاجتها من الكهرباء مع تصاعد حدة العمليات العسكرية؟
مقر أوكرينيرجو، شركة الكهرباء الأوكرانية التي تضغط لتحقيق التكامل مع نظام الاتحاد الأوروبي، في كييف. حقوق الصورة: بافلو بالانينكو/ ألامي.

ويتوقع أن يكلف كل هذا 600 مليون يورو على الأقل، ويتطلب استكماله عدة سنوات.

اقرأ أيضاً: الحرب الدعائية تطغى على الحرب السيبرانية في أوكرانيا

حل مؤقت من خلال تفعيل وضع الطوارئ

أما الآن، فهناك أمل بأن تقوم الأطراف المعنية بعملية تزامن لأنظمتها في “وضع الطوارئ” خلال أيام أو أسابيع وحسب، وذلك بتقليل بعض المتطلبات والتخلي عن بعض الاتفاقات. وقد يستطيع الاندماج المحدود الاعتماد على خطوط موجودة مسبقاً وتصل أوكرانيا بهنغاريا وسلوفاكيا، كما يقول زاكمان.

وقد قال مفوض الطاقة الأوروبي كادري سيمسون إنه يوجد اتفاق واسع على متابعة الإجراءات “بأسرع ما يمكن”، كما أوردت وكالة رويترز.

ولكن من المحتمل أنه ما زال هناك الكثير من الصعوبات الفنية والسياسية التي يمكن أن تعيق هذا الاندماج، ففي الشهر الماضي، قال “إنتسو-إي” إن الشركات المشاركة فيه ستجري عملية “تقييم طارئ” للخيارات وتمنح هذه المسألة “أولوية هامة”. ولكنه لم يقدم أي تفاصيل حول الوضع الحالي لهذا العمل، أو يعلن عن أي توقيت تقديري.

واستجابة لمجموعة أسئلة من إم آي تي تكنولوجي ريفيو، قال المكتب الصحفي إن الخبراء يعملون على تقييم خيارات مختلفة، ويجب أن يأخذوا بعين الاعتبار العوامل الفنية، واستقرار النظام، والمسائل التنظيمية، ومخاوف الأمن السيبراني.