تجميد ترامب للتأشيرات الجديدة يهدِّد هيمنة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي

4 دقائق
مصدر الصورة: إم إس تك | جيج سكيدمور، بيكساباي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حتى قبل الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب في 22 يونيو، كانت الولايات المتحدة تتبع نهجاً مخالفاً للتوجهات العالمية حول هجرة الكفاءات التكنولوجية. وعلى امتداد السنوات الخمسة الماضية، وبينما فتحت الدول الأخرى حدودها أمام الأشخاص التقنيين ذوي المهارات العالية، حافظت الولايات المتحدة -بل حتى قيَّدت- سياساتها المتعلقة بالهجرة، مما تسبب في نشوء صعوبات في تلبية الطلب المحلي على الكفاءات التكنولوجية.

والآن، أدى قرار ترامب بتعليق مجموعة متنوعة من تأشيرات العمل إلى إثارة قلق العديد من محللي السياسات بشأن تبعات هذا القرار وتأثيراته على الابتكار في الولايات المتحدة على المدى الطويل. وتعتبر إتش-1 بي تأشيرة عمل مدتها ثلاث سنوات تُمنح للعمال الأجانب في المجالات المتخصصة، وتمثل أحد السبل الأساسية التي تسمح للعاملين ذوي المهارات العالية في مجال التكنولوجيا بالانضمام إلى القوى العاملة الأميركية، لذا فإن تعليق هذه التأشيرة على وجه التحديد سيؤثر على هيمنة الولايات المتحدة في مجال التقنيات الهامة مثل الذكاء الاصطناعي.

وتقول تينا هوانج، محللة أبحاث في مركز جورج تاون للأمن والتكنولوجيا الناشئة سي إس إي تي (CSET): “يسير المنافسون الرئيسيون لأميركا في اتجاه مختلف؛ فقد اعتمدت الولايات المتحدة تاريخياً على المواهب القادمة من أماكن أخرى لتعزيز الهيمنة التكنولوجية للبلاد، وتدرك الدول المنافسة الرئيسية هذه الحقيقة”. ومن المرجح أن ينتهز هؤلاء المنافسون هذه الفرصة الآن لمضاعفة جهودهم الرامية إلى اجتذاب المواهب بعيداً عن الولايات المتحدة من خلال صياغة سياسات هجرة أسرع وأكثر تساهلاً.

ويعتبر تحرك ترامب لمنع الأجانب من العمل في الولايات المتحدة جزءاً من الحملة الأوسع نطاقاً التي تتبعها إدارته للحفاظ على الوظائف الأميركية للأميركيين. وخلال الأشهر التي سبقت القرار، قال كبير المستشارين في البيت الأبيض ستيفن ميللر إن التباطؤ الاقتصادي الناجم عن الوباء قد عزَّز الحاجة إلى وقف تدفق المهاجرين.

لكن هذه الحجة تفترض أنه مقابل كل عامل أجنبي يتم رفض هجرته، يوجد عامل أميركي قادر على شغل وظيفته. في حين أن هناك بعض الجدل حول ما إذا كان هذا المنطق صحيحاً بالنسبة لصناعة التكنولوجيا بشكل عام، فإنه بالتأكيد خاطئٌ تماماً فيما يخصّ الذكاء الاصطناعي، كما يقول هوانج.

في الواقع، فإن غالبية ثروة الولايات المتحدة من المواهب والكفاءات المتخصصة بالذكاء الاصطناعي تأتي من الخارج؛ حيث وجد تحليل حديث أجرته مجموعة الدراسات ماركوبولو (MacroPolo) أن 69% من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي الذين يعملون في المؤسسات الأميركية قد حصلوا على درجاتهم الجامعية من خارج الولايات المتحدة. كما أنّ ثلثي الطلاب الخريجين في أفضل برامج الدكتوراه ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة هم طلاب دوليون، ويبقى حوالي 80% منهم في الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات بعد التخرج.

البيانات مبنية على أفضل الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي الذين قُبلت أبحاثهم في مؤتمر نيور آي بي إس 2019 (NeurIPS 2019).
الرسم البياني: إم آي تي تكنولوجي ريفيو | المصدر: ماركو بولو
بيانات العام الأكاديمي 2016-2017.
الرسم البياني: إم آي تي تكنولوجي ريفيو | المصدر: وزارة التعليم عبر سي إس إي تي (CSET)

ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تعاني من نقص المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أنه تفاقم بسبب السياسات القائمة حول الهجرة حتى من دون القيود الأخيرة. ولطالما تواردت روايات عن استياء الباحثين ضمن مجال الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة من القيود المعقدة المفروضة على التأشيرات وتأثيراتها على وتيرة ابتكاراتهم. وفي فبراير 2019، عندما وقَّع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً لتأسيس استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، رأى أورين إتزيوني، الرئيس التنفيذي لمعهد آلين غير الربحي للذكاء الاصطناعي، في مقال رأي أن هذه الخطوة كانت تفتقر بشدة إلى برنامج تأشيرات خاص بخبراء الذكاء الاصطناعي. كما عبّر إيان جودفيلو، مدير التعلم الآلي في آبل، عن تأييده لوجهة النظر هذه على تويتر عندما قال: “كانت قيود تأشيرات شركائي من الباحثين واحدة من أكبر المعوقات لإنتاجية أبحاثنا الجماعية على مدى السنوات القليلة الماضية”.

ومن المرجح أن يؤدي الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب إلى مفاقمة هذا القصور. تشير تقديرات سي إس إي تي (CSET) إلى أن 35% على الأقل من حاملي تأشيرة إتش-1 بي يمتلكون شهادة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، كما أن ما يقارب ثلاثة أرباعهم يعملون في المجالات المتعلقة بالحوسبة. وعلى الرغم من أن إدارة ترامب لم توضح بعد مدة التعليق الحالي للتأشيرات، إلا أنها ساهمت بالفعل في “الشعور المتزايد بعدم الاستقرار”، كما يقول زاكاري أرنولد، الباحث الزميل في سي إس إي تي (CSET). ونتيجة لذلك، فإن عدداً أكبر من حاملي الجنسيات الأجنبية قد يفضِّلون عدم جلب مواهبهم إلى الولايات المتحدة بسبب الشكوك المحيطة بقدرتهم على الإقامة فيها.

الرسم البياني: إم آي تي تكنولوجي ريفيو | المصدر: خدمة المواطنين والهجرة الأميركية

أين ستذهب هذه الكفاءات عوضاً عن القدوم إلى الولايات المتحدة؟ حدد هوانج وأرنولد –في أحدث تقاريرهم– كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا باعتبارها أشدّ المنافسين للولايات المتحدة في اجتذاب كفاءات الذكاء الاصطناعي؛ حيث أعلنت جميع هذه البلدان عن عزمهم على بناء قدراتهم الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي، واعتمدوا أو اقترحوا إصلاحات كبيرة للهجرة لجذب المزيد من العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الخمسة الماضية. وعلى عكس الحد الأقصى الذي تفرضه الولايات المتحدة على عدد تأشيرات إتش-1 بي السنوية البالغ 85000 تأشيرة، وأوقات معالجة الطلبات من سبعة أشهر إلى سنة واحدة، لا يفرض أي من هذه البلدان حداً أقصى على عدد التأشيرات، ولا أوقات انتظار لأكثر من ثلاثة أشهر.

يخشى هوانج وأرنولد من أن يؤدي قِصر نظر الولايات المتحدة فيما يتعلق بسياسة الهجرة إلى تداعيات دائمة على البلاد؛ حيث يقول أرنولد: “تعتبر الكفاءات أحد المدخلات الأساسية في مجال الذكاء الاصطناعي، إنها المورد الأساسي الذي يدفع جميع الجوانب الأخرى”. وبالتالي، إذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على قدرتها التنافسية، فإنها في حاجة إلى إعفاء كفاءات الذكاء الاصطناعي من الحد الأقصى الحالي للتأشيرات، وإنشاء مسارات واضحة لهؤلاء الأفراد حتى يتمكّنوا من الاحتفاظ بإقامة دائمة.

ولكن إذا واصلت الولايات المتحدة سياستها بما يتفق مع الأمر التنفيذي لترامب، فإن كندا -على وجه الخصوص- تنتظر بفارغ الصبر وبأذرع مفتوحة؛ حيث دفعت الحكومة الكندية ثمن اللوحات الإعلانية الموجودة في وادي السيليكون التي تحتوي رسالة واضحة: “أتعاني من مشاكل إتش-1 بي؟ انتقل إلى كندا”.