الحفاظ على أثر أقدام نيل أرمسترونغ على القمر قرار سهل.. ولكن ماذا عن المواقع الأخرى؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قال نيل أرمسترونغ جملته الشهيرة “خطوة صغيرة لإنسان، وقفزة عملاقة للبشرية” قبل خمسين عاماً، في إشارة منه إلى أول هبوط للإنسان على سطح القمر. وفي الذكرى السنوية الخمسين لذلك الإنجاز قدّمت النائبة عن ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية إدي بيرنيس جونسونمشروع قانون خطوة واحدة صغيرة من أجل حماية التراث الإنساني في الفضاء“، وسيتطلب هذا القانون من رواد الفضاء الحصول على تصاريح من الولايات المتحدة للتجوّل حول موقع هبوط “رحلة أبولو 11″، الذي يُطلق عليه اسم “بحر السكون” (Tranquility Base)، وكذلك مواقع هبوط تاريخية أخرى، في سبيل الحفاظ على الآثار البشرية على سطح القمر.

وقد “تمت الموافقة على مشروع القانون من قبل مجلس الشيوخ في تاريخ 18 يوليو/تموز 2019. قالت جونسون خلال فعاليات أحد المؤتمرات الصحفية: “في الذكرى الخمسين لهبوط “رحلة أبولو 11″ على سطح القمر، من الرائع الاعتراف بالإنجازات البشرية في الفضاء من خلال حماية المواقع التي وطئتها أقدام رواد الفضاء الأميركيين أثناء مهمات أبولو إلى سطح القمر. وبينما تتطلع أمتنا وغيرها من البلدان إلى العودة إلى القمر، ينبغي علينا المحافظة على تلك المواقع من أجل القيمة التاريخية والأثرية التي تحملما وكذلك لأنها تُعتبر مصدراً للإلهام”.

الرحلات الاستكشافية إلى سطح القمر

لكن الصعود إلى القمر هو مجرد بداية مغامرات الإنسان في الفضاء، إذ إننا على وشك القيام بمزيد من الرحلات الاستكشافية التي من الواضح أنها سوف تكون تاريخية منذ البداية مثل الرحلة الأولى المقترحة والمأهولة إلى المريخ. وستكون كذلك المستوطنات الأولى على الكواكب أو الكويكبات من التجارب الأولى المهمة، التي ستستخدم حينما يحتاج البشر مثلاً إلى استخدام تلك البنية التحتية (المستوطنات) بشكل يومي. سوف يكون اتخاذ قرار بشأن ما ينبغي المحافظة عليه أكثر صعوبة من معرفة ما يجب فعله حيال آثار أقدام نيل أرمسترونغ وباز ألدرين.

يوجد بالفعل أكثر من 100 موقع على سطح القمر والتي تُعتبر بمثابة أدلة على النشاط البشري هناك، تقول ميشيل هانلون، أستاذة في مجال قانون الجو والفضاء في “جامعة ميسيسيبي” والمؤسسة المشاركة لـ مؤسسة “فور أوول مونكايند” (For All Moonkind)، وهي منظمة غير ربحية تكرس أعمالها للمحافظة على المواقع البشرية في الفضاء والتي ساعدت أعضاء مجلس الشيوخ على تقديم مشروع “قانون خطوة واحدة صغيرة”.

بينما نواصل استكشافنا للكواكب والكويكبات سوف نصنع التاريخ في كل مكان، ما يخلق الكثير من المواقع التي يحتمل أن تستحق المحافظة عليها. لا تزال الطريقة التي سوف تُحدّد من خلالها أي من تلك المواقع يجب المحافظة عليها غير مخطط لها بعد، كما هو حال الجهة التي من شأنها اتخاذ مثل تلك القرارات.

حماية القطع الأثرية البشرية على سطح القمر

سوف يكون أيضاً اتخاذ القرار لمجرد فرز الأشياء الموجودة على سطح القمر أمراً صعب. لكن فيما يتعلق بكيفية حماية القطع الأثرية القمرية والمحافظة عليها، يعرض تقرير “وكالة ناسا” الأميركية لعام 2011 ذلك بالتفصيل ويتضمن قائمة “بموجوداتنا” على القمر. في حين أن قرار المحافظة على بعض من تلك الأشياء لا يتطلب الكثير من العناء مثل العلم الذي غرسه أرمسترونغ وباز ألدرين على سبيل المثال، إلا أن هناك أشياء أخرى قد تُعتبر من المخلفات في أي سياق آخر غير هذا، وذلك مثل العبوات لجمع الفضلات وحفنة من عبوات الفضلات العضوية التي خلفها طاقم “رحلة أبولو 11″، أما البعض الآخر من طاقم “رحلة أبولو 17” فقد استخدموا المناديل المبللة.

تقول بيث أوليري، عالمة آثار الفضاء: “تُعتبر النفايات مهمة حقاً بالنسبة إلى علماء الآثار، فما يمكن اعتباره غير مهم أو بال يمكن أن يمنحنا فهماً أكبر لما حدث في المكان المذكور”. لو حلّق أسلافنا عميقاً في الفضاء وعادوا في غضون 2,000 عام، فمن المحتمل أن يجدوا عبوات الفضلات العضوية لدينا على سبيل المثال مثيرة للاهتمام باعتبارها تعطي لمحة عن التقنية البدائية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه ينبغي علينا ترك كل شيء في مكانه إلى الأبد. تضيف أوليري إنه يمكن للجنة إدارية تضم مندوبين مختارين من الدول المشاركة وضع معايير لتحديد ما سيتم المحافظة عليه وكيف.

هذه المهمة ليست بسيطة، إذ إن مجال قانون الفضاء الآخذ في الازدهار غير مؤطر بعد ضمن هيكل قائم للتعامل مع مثل هذه التصنيفات. ويعد “قانون خطوة واحدة صغيرة” بادرة طيبة، لكن أحكامه تنطبق فقط على الكيانات التي تسعى إلى الحصول على تصاريح من الولايات المتحدة للعمل في الفضاء. (تنص معاهدة الأمم المتحدة للفضاء الخارجي لعام 1967 على ضرورة حيازة رواد الفضاء على تصاريح من قبل دولة معينة والتي ستكون مسؤولة عن أنشطتهم بعد ذلك).

قد تكون الأمم المتحدة مكاناً جيداً للبدء من خلالها؛ فهنا على الأرض، تُعيّن “منظمة اليونيسكو” التابعة للأمم المتحدة “مواقع التراث العالمي” والتي يحميها القانون الدولي، لكن لا يوجد هيئة إدارية مكافئة أو قانون للفضاء يمكنه حماية المواقع في الفضاء. ولتزداد الأمور تعقيداً، أقرت “معاهدة الفضاء الخارجي” عدم أحقية لأي بلد امتلاك أرض في الفضاء، وبالتالي، لا يوجد كيان واحد يمكنه ترأس موقع محمي. إن معرفة كيفية المحافظة على المواقع على سطح القمر تتطلب طرح أسئلة لا تزال غامضة حول الممتلكات في الفضاء. تقول هانلون: “إذا كان لديك مواقع على سطح القمر لا يمكن لأحد أن يمسها، وهذا يفتح الباب للسعي نحو معرفة كيف سوف ننظم الأنشطة الخاصة في الفضاء وكيف نستخدم موارده”، وهذا سوف يستغرق بعض الوقت.

قد تبطئ التعقيدات الروتينية القانونية إمكانيتنا في المحافظة على المواقع، ولكن قواعدنا حول ما يجعل شيئاً تاريخياً سوف تُفضي إلى النتيجة نفسها، إذ غالباً ما يستغرق التعرف على القيمة الكاملة للحظة التاريخية أو المواقع أو القطع الأثرية وقتاً. وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التي وجهت حول إطلاق إيلون ماسك لسيارته “رودستر” إلى الفضاء والتي أصبحت بمثابة مخلفات غير مرغوب بها تحلق في الأعلى، ربما سوف نرى بعض القيمة التاريخية لها بعد مرور 50 عاماً.

بدأت أوليري بالتفكير في صون القطع الأثرية على القمر بعد حوالي 30 عاماً من هبوط “رحلة أبولو 11″، وذلك عندما كانت تدرّس طلابها القانون الفيدرالي للمحافظة على المواقع الأثرية، وتقول: “سألني أحد الطلاب في الفصل ’هل ينطبق ذلك على القمر؟‘ فأجبته أنني لم أفكر في ذلك على الإطلاق، وفي تلك اللحظة بدأ اهتمامي يتبلور بشأن هذا الموضوع”.

ضمن الأوساط الأميركية التي تُعنى بالمحافظة على الإرث التاريخي وبحسب الاتفاقية السائدة، فإن المواقع تصبح صالحة لإدراجها على السجل الوطني الأميركي للأماكن التاريخية بعد مضي 50 عاماً على وجودها. إذ يبدو أن فترة 50 عاماً هي مرحلة ذهبية. إنها بمثابة حد يتجاوزه الإنسان، فعندما يبلغ الناس الخمسين من عمرهم، أي نصف قرن من الزمن، يبدؤون فجأة في إدراك أهمية المسار الذي عاشوه”.

مشكلة تعريف مفهوم “الإرث في الفضاء الخارجي”

ولكن ما يُنظر إليه على أنه “تاريخ” قد يختلف أيضاً من ثقافة إلى أخرى، وتذكر هانلون زميلة يونانية لها عارضت فكرة أن تكون مدة 50 عاماً بمثابة مرحلة فارقة بالنسبة إلى “القطع الأثرية” للقمر، وذلك نظراً لإرث الآثار القديمة في بلدها الأم. من شأن وجهات النظر الثقافية المختلفة هذه أن تجعل من الصعب الاتفاق على المبادئ، وتقول هانلون إن العديد من الخبراء الذين كانت تعمل معهم خاضوا نقاشات حول هذا الأمر لمدة أشهر، لكنهم لم يجمعوا بعد على تعريف “الإرث في الفضاء الخارجي”.

تعد التجارب الأولى هي الأنسب للوصول إلى اتفاق، ولكن هناك العديد من الطرق لوضع مفهوم ما يعنيه أن يكون أمر معين بمثابة “التجربة الأولى”. أرسلت العديد من الدول مسابر إلى القمر وسوف يتبعها المزيد من الدول في المرحلة القادمة، فبعد بضعة أيام، من المقرر أن تطلق الهند أول مسبار لها إلى سطح القمر بعد إلغاء محاولتها الأولى منذ بضعة أيام سابقة. كان نيل أرمسترونغ أول رجل تطأ قدماه سطح القمر، وكان باز ألدرين أول رجل مولود في نيوجيرسي يمشي على سطح القمر، وتقول هانلون في هذا السياق: “كل شيء على القمر يمكن أن يكون “الأول”، لذلك ينبغي المحافظة على كل شيء بصفته التجربة الأولية التاريخية بالنسبة إلى البشرية”.

تقترح أوليري إنه يمكن أيضاً المحافظة على الأماكن ذات الأهمية الخاصة لأغراض علمية أو تاريخية. ونظراً لأنه سوف يُكتب المزيد من تاريخ البشرية خارج الفضاء، سوف نتوجه بالضرورة نحو المحافظة على أشكال الإنجازات نفسها التي نحييها هنا على سطح الأرض مثل مواقع المعارك والأماكن المرتبطة بأشخاص بارزين، وليس فقط على التجارب الأولية. إذا كنا نتتبع تقدم “اليونسكو” فيما يخص اتفاقيات تعيين مواقع التراث العالمي، فقد يفكر مستكشفو الفضاء أيضاً في حماية المواقع الجميلة أو المناظر الطبيعية الخلابة. وبالنظر إلى عدد مرات تعارض التوجه نحو المحافظة على المساحات الطبيعية مقابل استخراج الموارد هنا على سطح الأرض، يمكن أن تنشأ هذه المشكلة أيضاً في أي مكان آخر في الكون.

بغض النظر عما سيؤول إليه “قانون خطوة واحدة صغيرة”، نحن فقط في بداية الكشف عما تحمله من معنى فكرة المحافظة على تراث البشرية على سطح القمر وخارج المكان الذي ولدنا عليه. لدينا فرصة للتعلم من أخطائنا هنا على الأرض، والتفكير على نطاق أوسع حول ما نريد أن يبدو عليه ارتيادنا للفضاء. وأخيراً، تقول هانلون: “إننا نعتبر مشروع القانون هذا بمثابة فرصة لتوجيه كيفية استكشاف البشر للفضاء، وكيف سوف نأخذ الخطوة التالية لبناء حضارتنا”.