مادة مشتقة من التبغ تعادل في قوتها الخشبَ أو البلاستيك

3 دقائق
مصدر الصورة: أليكس بليسوفكيتش | أنسبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثل اعتماد البشرية على البلاستيك مشكلة كبيرة؛ فهذه المادة يتم اشتقاقها من النفط وتنتهي عموماً إما في مكبّ النفايات أو بالحرق، وكلاهما مضر للبيئة وغير مستدام. إذن، لِمَ لا نصنع مركبات حيوية أكثرَ صداقة للبيئة؟

هذا الأمر ليس بالبساطة التي يبدو عليها؛ حيث إن اعتماد معظم المواد البلاستيكية القابلة للتحلل على بنية هيكلية مشتقة من النفط يعود سببه إلى افتقار الهياكل الحيوية بشكل عام إلى القوة اللازمة لاستخدامها فعلياً في معظم التطبيقات الهندسية والعملية.

وهناك أيضاً الخشب الطبيعي، الذي يمكن معالجته لمنحه خصائص تنافس الفولاذ والسيراميك، لكن هذه المعالجة تتطلب استخداماً مكثفاً لمواد كيميائية غير صديقة للبيئة؛ لذلك هناك اهتمام كبير بإيجاد طرق لتحويل النباتات العادية إلى مركبات حيوية مستدامة، وتضاهي الخشب المعالَج والبلاستيك التقليدي من حيث أدائها الميكانيكي.

وفي هذا السياق تتدخل إلفثيريا روميلي وزملاؤها من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. لقد اكتشف هذا الفريق طريقة لتحويل خلايا نبتة التبغ إلى مادة قوية جداً ذات خواص ميكانيكية تشبه الخشب، حيث يقولون: “لقد طورنا أسلوباً جديداً لصنع مواد مركبة حيوية طبيعية بالاعتماد على خلايا النبات، وما يميز هذه المادة ليس فقط تفوقها من حيث الصلابة والقوة على البلاستيك التجاري ذو الكثافة نفسها مثل البوليستيرين والبوليثيرين منخفض الكثافة، بل إنها أيضاً قابلة للتحلل الحيوي بشكل كامل”.

وطريقة تصنيع هذه المادة واضحة ومباشرة، حيث يبدأ الفريق العمل على خلايا من النبات العشبي المسمى نيكوتيانا تاباكوم الذي قاموا بزراعته في مُسْتَعْلَق سائل بالمخبر. هذا النبات، الذي تتم زراعته على نطاق واسع، يُنتج الأوراق التي تتم معالجتها وتحويلها إلى تبغ.

وقد تمت دراسة هذه الخلايا بشكل موسع في السابق وهي في متناول الباحثين، حيث أصبح معروفاً أن من الممكن لبعض خطوط الخلية، مثل الخط BY2، أن يتضاعف حجمه 100 ضعف خلال أسبوع إذا كان مزروعاً بطريقة المُسْتَعْلَق. ولم تحدد روميلي وزملاؤها أي نوع من الخلايا تم استخدامه، لكن يبدو اختيار خلايا ال BY2 منطقياً بالنظر إلى مراجع الورقة البحثية.

تملك كل خلية جداراً مدعوماً بالمايكروفيبريلز المُؤَلَّف من البروتين والسليلوز، الذي يجعل الجدار متماسكاً بطريقة فعّالة. ويحيط هذا الجدار بنواة الخلية وأنواع متعددة من الآليات الحيوية الجزيئية المعالِجة للطاقة، بالإضافة إلى السيتوبلازم الذي يتكون معظمه من الماء. (خطوط خلايا BY2 لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي ولذا فهي لا تحتوي على الكلوروفيل).

بعد عملية استنبات الخلايا، يقوم الفريق بحصادها وضغطها داخل قالب، وهذا القالب نافذ ليسمح للماء بالخروج، حيث يقول الفريق: “إن الماء يتسرب خلال مرحلة الضغط عبر جدار الخلية وينخفض حجمها تدريجياً”.

وفي الواقع، تخسر الخلايا 98 بالمئة من وزنها خلال هذه العملية. وتعود هذه الخسارة في معظمها إلى تبخُّر الماء، لكن هناك عمليات أخرى أيضاَ تساهم في هذه الخسارة مثل تفكك الجزيئات الحيوية كالبيكتين والهيميسليلوز والمركبات الفينولية.

ثم يقوم الفريق بتسخين المادة المجففة، مما يُدخِل المايكروفيبريلز في تحولات طورية مُشَكِّلَة البنى الكريستالية. تقول روميلي وزملاؤها:”المادة التي نحصل عليها هي مركب حيوي، مؤلف من خليط غير متجانس من البوليميرات الحيوية المركبة بشكل طبيعي”.

وهذه المادة قاسية بشكل مذهل؛ حيث قام الفريق بقياس خصائصها الميكانيكية ومقارنتها مع عدة أنواع من الخشب الناعم مثل الصنوبر، والخشب الصلب مثل الحور والبلوط والجوز، والخشب الرقائقي التجاري، وألواح الخشب متوسط الكثافة (MDF). كما قارنوها مع البلاستيك الصناعي ذو الكثافة المشابهة كالبوليسترين والبوليبروبيلين والبوليثيلين منخفض الكثافة.

وتكشف النتائج عن جودة المادة الجديدة، فتقول روميلي وزملاؤها:”إن الأداء الميكانيكي لمركباتنا الحيوية يضاهي نظيره في الخشب المسوق تجارياً والبلاستيك. والقيم التي حصلنا عليها تتخطى تلك الموجودة في الأبحاث السابقة لمواد مؤلفة من خلايا النبات و الميسيليوم أو حتى هياكل الخميرة”.

كيف تتشكل المركبات الحيوية بالمقارنة مع الخشب والبلاستيك.

ثم يتابع الفريق عمله ليجعل المادة أكثر قوة من خلال إضافة ألياف الكربون. وبالفعل، بإمكانهم تحسين خصائص المركب الحيوي أكثر باستخدام بعض الإضافات التي تجعله موصلاً للكهرباء أو ممغنَطاً.

والقضية الهامة هنا حول الاستدامة تتلخص في السؤال عن كيفية تحلل هذه المادة عند نهاية استخدامها؟ وما نخشاه هو أن هذا النوع من المعالجة ينتج بوليميرات حيوية قوية جداً لدرجة أنها لا تتحلل بسهولة.

ولمعرفة الجواب، قامت روميلي وزملاؤها بطمر عيناتهم في تربة زراعية مع بعض الأخشاب العادية وراقبوا ما حدث؛ حيث اكتسبت كلتا العيّنتين وزناً إضافياً في البداية بسببب امتصاص الماء من التربة. لكن بعدها تحللتا كلتاهما بشكل طبيعي.

يقول الفريق: “تبدأ خسارة الكتلة القابلة للكشف في المركب بسبب التحلل الحيوي بعد ثلاثة أسابيع من طمره، بينما تبدأ هذه العملية في الخشب الطبيعي بعد سبعة أسابيع، ونلاحظ تحللاً كاملاً تقريباً للمركب الحيوي بعد 14 أسبوعاً من الطمر في التربة”.

إنه عمل مثير للاهتمام يستحق المزيد من المتابعة، وقد يكون الخطوة الأولى نحو صناعة حواسيب قابلة للتحلل بشكل طبيعي، من يعلم؟

المرجع: arxiv.org/abs/1909.01926
مركبات هيكلية حيوية مبنية على خلايا النباتات