ما احتمال وقوع حادث نووي خطير في أوكرانيا؟ خبير في الإشعاعات النووية يتحدث من كييف

7 دقائق
ما احتمال وقوع حادث نووي خطير في أوكرانيا؟ خبير في الإشعاعات النووية يتحدث من كييف
حقوق الصورة: شترستوك. تعديل إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية.
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدأت الحرب الروسية الأوكرانية بنشر الموت والدمار في 24 فبراير/ شباط. ولكن يوجد احتمال بأن تتسبب بحادث نووي أيضاً، وذلك وفقا لفاديم تشوماك، مدير مختبر جرعات التعرض الإشعاعي الخارجي في مركز الأبحاث الوطني الأوكراني للطب الإشعاعي في عاصمة البلاد، كييف.

لقد سيطرت روسيا على محطتين نوويتين للكهرباء في أوكرانيا. وقد تم فصل بعض المفاعلات في هذه المحطات عن مصادر الطاقة الخاصة بها، وفصل أجهزة مراقبة الإشعاع، ما يثير مخاوف احتمال وقوع كارثة نووية. 

يقول رافاييل ماريانو غروسي، وهو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تصريح بالفيديو من 23 مارس/ آذار: “إن الحاجة إلى منع وقوع حادث نووي تصبح أكثر إلحاحاً مع مرور كل يوم”.

وهناك مخاوف محددة تتمحور حول عجز العلماء عن مراقبة وقياس آثار أي كارثة نووية محتملة، كما يقول تشوماك، والذي يعمل على أساليب لمراقبة التعرض الإشعاعي، كما أنه لعب دوراً مهماً في تقييم الجرعات الإشعاعية بعد كارثة تشيرنوبل، عندما انفجر مفاعل نووي في ذلك الموقع عام 1986. واليوم، ما يزال قريباً بما يكفي من كييف للمساعدة في حال أدت الحرب إلى كارثة نووية.  

وقد تحدث تشوماك مع إم آي تي تكنولوجي ريفيو من منزل في الريف الأوكراني حول آماله ومخاوفه، ومخاطر التسرب الإشعاعي من المستشفيات، وأزمة تعطل الأغلبية العظمى من تجهيزات مراقبة الإشعاع.  

تم تعديل المقابلة لتحقيق الطول المناسب وزيادة الوضوح.

اقرأ أيضاً: الحرب الدعائية تطغى على الحرب السيبرانية في أوكرانيا

كيف تغيرت حياتك العملية والبحثية منذ بدء الحرب؟

لقد كنت أقوم بعملي اليومي في المختبر، ولكننا تركناه بعد الحرب. فقد تعرض برج البث التلفزيوني في كييف إلى القصف، وهو يبعد نحو كيلومتر واحد عن مختبري. كما أصاب القصف مصنعاً للتجهيزات العسكرية على مسافة أقل من كيلومتر من المختبر. وبالتالي، أصبحت المنطقة خطيرة للغاية. لقد كنا عرضة للقصف عملياً، ولم يعد البقاء هناك ممكناً. ولهذا، فإن جميع أفراد طاقمي يعملون عن بعد.  

هل تشعر بالقلق من احتمال وقوع كارثة نووية في أوكرانيا؟ 

حالياً، تمكن الروس من السيطرة على منشأتين نوويتين كبيرتين. الأولى في تشيرنوبل، والثانية في زاباروجيا. توجد في زاباروجيا ستة مفاعلات، إضافة إلى منشأة لتخزين الوقود المستنفد. ويتسم هذا الوقود بخطورة بالغة، حيث يحتوي على مواد شديدة الإشعاع.  

إن الوقود الجديد أقل خطورة بكثير من الوقود المستنفد. فبعد استخدام هذه المجموعات من الوقود لنحو السنتين في نواة المفاعل، تكون قد راكمت كميات هائلة من نواتج الانشطار شديدة الإشعاع، مثل اليود والسيزيوم والسترونيوم. وإذا تعرضت مجموعات الوقود المستنفد المخزنة في زاباروجيا إلى أي إصابة، فقد تؤدي إلى حالة طوارئ إشعاعية شديدة الخطورة، وبمستوى مقارب لما حدث في تشيرنوبل.  

اقرأ أيضاً: كيف يمكن للهجمات السيبرانية الروسية في أوكرانيا أن تنتشر عالمياً؟

ماذا عن المفاعلات نفسها؟  

لا أعتقد أن المفاعلات نفسها ستتعرض إلى التدمير. فهي موجودة ضمن أبنية خاصة شديدة المتانة وصعبة التدمير. فهذه المباني مصممة بطريقة تسمح لها بالحفاظ على بنيتها، حتى لو وقعت طائرة جامبو نفاثة على أحدها بشكل مباشر.  

ولكن الجيش الروسي قام بإطلاق المقذوفات على زاباروجيا، وهو أمر جنوني بالكامل. ومن المحتمل أنه مزود بأسلحة قادرة على تدمير هذه المباني.  

ولكن الخطر الحقيقي هو الوقود المستنفد. فمجموعات الوقود المستنفد، وهي عبارة عن حزم من قضبان الوقود، مُخزَّنة في نفس الموقع.  

لماذا يُعتَبَر الوقود المستنفد أكبر مصادر الخطر؟ 

لم يتم تصميم مخازن مجموعات الوقود المستنفد لتحمل هجمات الدبابات أو ضربات الصواريخ، وغير ذلك مما تقوم به روسيا الآن في أوكرانيا. ووفقاً لتقييمات السلامة المتعلقة بالمنشآت والتجهيزات النووية، يتم تصميم المباني لما يُعرَف باسم “الحادث المتوقع الأسوأ”، وهو ما يمثل سيناريو الحالة الأسوأ. ولكنها غير مصممة لتحمل أي شيء يتجاوز هذه الحدود. 

وعلى سبيل المثال، فقد حدث أمر مماثل في فوكوشيما. فقد وضع المصممون إجراءات احترازية لحماية التجهيزات من أمواج التسونامي. ولكن التسونامي كانت أعلى بمتر أو اثنين مما هو متوقع في سيناريو الحالة الأسوأ. وقد تم تصميم مخازن الوقود المستنفد في أوكرانيا حتى تكون بغاية القوة، وحتى ضمن ظروف التصميم العادية، تستطيع هذه المخازن مقاومة سقوط طائرة جامبو نفاثة عليها. ولكنها، دون شك، لا تستطيع مقاومة ضربة بالأسلحة الحديثة.  

يحتوي موقع تشيرنوبيل على نحو 20,000 مجموعة وقود مستنفد. وهي قديمة، كما أن الكثير من موادها أصيبت بالتآكل. ولكنها ما زالت تحتوي على الكثير من النويدات التي تبقى لأمد طويل، مثل السيزيوم والسترونيوم. وإذا كان الروس مجانين بما يكفي لتدميرها، فنحن في ورطة حقيقية. 

لقد تعرضت المستشفيات للقصف في أوكرانيا. هل المواد المشعة في هذه المستشفيات خطرة؟ 

هذا أمر يستحق مزيداً من التدقيق، ففي هذه الحرب، أصبحت الكثير من الأشياء المستبعدة والمستحيلة حقيقية. 

ويوجد هناك مصدران طبيان للإشعاع. المصدر الأول هو التجهيزات، مثل آلات الأشعة السينية، أو المسرعات الخطية، والتي تُستَخدم لمعالجة السرطان. وهي تصدر بعض الإشعاع، ولكن فقط في حالة تشغيلها. وما إن يتوقف تشغيلها، تتحول إلى مجرد كتلة من المعدن. 

ولكن المصدر الثاني هو النظائر المشعة، مثل الكوبالت أو السيزيوم، وهي مستخدمة في الطب النووي والعلاج الإشعاعي، مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET). وعادة ما تكون هذه النظائر محمية فيزيائياً ضمن المستشفى، أي أنها محمية من السرقة. ولكنها ليست بطبيعة الحال محمية من ضربات القنابل. 

وإذا تعرضت إلى الإصابة، فقد نشهد شيئاً مماثلاً لحادثة غويانيا في البرازيل في 1989. ففي ذلك الحين، قام البعض بسرقة جهاز للعلاج الإشعاعي من مستشفى مهجور وتفكيكه إلى قطع، وذلك لبيعها كخردة معدنية. واكتشفوا أمبولة صغيرة مليئة بالسيزيوم، والذي كان يتوهج بلون أزرق في الليل. ودون الدخول في تفاصيل القصة الطويلة، فإن ذلك المصدر الوحيد للإشعاع تسبب بتلويث نسبة كبيرة من غويانيا. ولقي أربعة أشخاص حتفهم، واحتاج 20 آخرين إلى العلاج في المستشفى، كما أصيب 249 شخصاً بالتلوث الإشعاعي. كما تعرض 85 منزلاً لتلوث شديد، واضطر 200 شخصاً من سكان هذه المنازل إلى إخلائها. ولهذا، فإن هذا السيناريو يستحق التدقيق والدراسة. وذلك بغض النظر عن إمكانية استخدام هذه المصادر بطرق خبيثة.  

اقرأ أيضاً: كيف تتجنب مشاركة المعلومات المغلوطة حول الحرب الروسية الأوكرانية على الإنترنت؟

عن أي استخدامات خبيثة تتحدث بالضبط؟ 

على سبيل المثال، يمكن استغلال مجموعات الوقود المستنفد في صناعة القنابل القذرة، وهو عملياً سيناريو هجوم إرهابي.  وتسمى هذه القنبلة، وفقاً للمصطلحات الفنية، بجهاز التوزيع الإشعاعي. وإذا قمت بتثبيت هذه المصادر المشعة على قنبلة وقمت بتفجيرها، فسوف تؤدي إلى تلويث مساحة كبيرة بالمواد المشعة. وحالياً، توجد الكثير من هذه السيناريوهات قيد الدراسة.  

كيف تتم مراقبة محطات التوليد النووية في أوكرانيا حالياً؟ 

لقد تم تركيب شبكات مراقبة إشعاعية في كل محطة توليد نووية، ولكنها مفصولة حالياً، ولم يعد الأوكرانيون، وحتى الوكالات الدولية، قادرين على تلقي بياناتها في الزمن الحقيقي. ولم تعد الحكومة والسلطات الأوكرانية قادرة على الوصول إلى هذه الشبكة، والتي كانت فائقة التعقيد والفعالية قبل الحرب.  

هناك أيضاً شبكة مراقبة عن بعد بتوزيع يشمل البلاد لكشف الإشعاع. وأعتقد أن النقاط الأقرب إلى المحطات تم تعطيلها أيضاً، أو على الأقل تم فصلها عن هذه الشبكة العامة. وإذا حدث شيء مريع، فسوف تلتقطه نقاط المراقبة الأبعد. ولكن هذا الشكل من التحكم لا يحدث في الزمن الحقيقي، فقد تمر عدة ساعات قبل ملاحظة أي شيء. إلا إذا تم الإبلاغ عن المشكلة من قبل الأشخاص في نطاق سيطرة الروس. 

هل حدثت أي مشاكل حتى الآن؟ 

تقول التقارير الرسمية إن وتيرة الجرعة الإشعاعية في موقع تشيرنوبل شهدت زيادة بقدر خمسة أضعاف تقريباً، وذلك بعد الحرب بفترة قصيرة، وقبل قطع شبكات الاتصال. أما التفسير الأكثر ترجيحاً لهذا فهو أن الدبابات أحدثت اضطراباً في المواد المشعة على الأرض.  

إن منطقة الاستبعاد في تشيرنوبل ما زالت منطقة مغلقة. وقد سمحت السلطات ببعض النشاطات السياحية هناك، كما أن التواجد هناك آمن للغاية في حال اتباع القواعد بدقة، ولكنها ما زالت خطيرة على أي حال. ولكنهم قاموا بتحريك الدبابات جيئة وذهاباً خارج الطريق. لقد تعرضت هذه المنطقة إلى تلوث شديد بسبب الحادثة الشهيرة في 1986، وقد تمت تغطية بعض المناطق الأكثر تلوثاً بالتربة والنباتات، وذلك لمنع المواد المشعة من التطاير مرة أخرى. 

ومن المحتمل أن الدبابات تسببت على الفور بقلقلة كبيرة في هذه الطبقات الترابية الملوثة بشدة. ولا تقتصر أفعال هؤلاء الجنود الروس على تجاهل القانون، بل تصل أيضاً إلى تجاهل أي قواعد معقولة للسلامة الإشعاعية. والآن، وبعد استنشاق هذا الغبار، أصبح الإشعاع داخل أجسادهم. إنه غباء محض من وجهة نظر بيئية، ومن وجهة نظر عالمية أيضاً. أما على المستوى المحلي، فهو أمر في غاية الغباء والخطورة. ويمكن لهذه الزيادة البالغة خمسة أضعاف أن تمثل مشكلة على المستوى المحلي. 

اقرأ أيضاً: ما هو المفاعل التجريبي الحراري النووي الدولي؟

كيف يمكن قياس التلوث لدى الأشخاص على فرض وقوع حادث ما الآن؟ 

هناك نوعان أو ثلاثة من الأجهزة المهمة للغاية عند وقوع الحوادث. ولكن الكثير من الأجهزة الموجودة لدينا في أوكرانيا أصبحت عديمة الفائدة. 

فبعد حادثة تشيرنوبل، وما بين 1987 و1991 تقريباً، مررنا بفترة ركزنا فيها على تعزيز قدرتنا على مراقبة الإشعاع. ومنذ ذلك الحين، تراجع الاهتمام بتشيرنوبل إلى حد كبير. ولهذا، فإن الكثير من أدوات قياس الجرعة الإشعاعية تعود إلى 1991 أو 1992 بأفضل الأحوال. إن العمر التشغيلي لهذه الأنواع من التجهيزات يبلغ 10 سنوات. والآن، تجاوز عمرها الثلاثين عاماً. أما الأدوات التي ما زالت قادرة على العمل فهي ليست بحال جيدة. ولهذا، فنحن بحاجة إلى تجهيزات جديدة. لقد قدمنا بعض الطلبات الرسمية للحصول على هذه التجهيزات، كما أنني قدمت بعض الطلبات إلى الزملاء في الولايات المتحدة.  

ما هي الأجهزة التي تحتاجون إليها؟ 

يُدعى أحد أنواع هذه الأجهزة بمقياس المسح. وهذه الأجهزة مقاييس إشعاعية، مثل أنبوب غايغر- مولر. وهي مزودة بشاشة تبين لك مستوى الجرعة، وذلك لتمييز المناطق الخطيرة عن غير الخطيرة. وهناك أيضاً مقاييس خاصة لقياس الجرعة، وهي مفيدة لقياس مستوى التلوث في الملابس والشعر والسطوح بعد التعرض لحالة طارئة إشعاعية.  

أما الأجهزة المسماة بأجهزة المراقبة الكاملة للجسم فقد تمت معايرتها بصورة خاصة لقياس التلوث الداخلي، على سبيل المثال، في الأشخاص الذين يشربون الحليب المُنتَج محلياً أو يستنشقون الهواء الملوث. أيضاً، هناك أجهزة شخصية لقياس الجرعة الإشعاعية بشكل شارات. وهي أجهزة صغيرة يبلغ وزنها نحو 10 غرامات، ويتم تثبيتها على الملابس من الخارج. ويتم إرسالها إلى المختبرات لتحديد الجرعة التي تعرض إليها الشخص. 

اقرأ أيضاً: هل تستأنف الصين نشاطها النووي؟

هل هناك دروس مستقاة من تشيرنوبل؟ 

ليس فعلياً. فبعد كارثة تشيرنوبل، كان كل شيء تحت السيطرة بالكامل. وكان من الممكن تحريك واستجلاب 1,000 باص لإخلاء السكان. وكان الوضع مختلفاً بالكامل.  

أما الآن، فهناك معارك محتدمة، وهناك مناطق خارج السيطرة، ومناطق أخرى تحت القصف. ولا أستطيع أن أتخيل إمكانية تنفيذ عملية إخلاء مشابهة. فليس لدينا الوسائل اللازمة لهذه العملية، ولا نستطيع حتى تحديد وجهة لهذا الإخلاء. فقد تتعرض مسارات الإخلاء إلى الهجمات أو القصف، كما حدث في ماريوبول. 

ولهذا، وعند حدوث حالة طارئة، أنصح بالاحتماء لأطول وقت ممكن قبل تلقي أوامر خاصة من السلطات. لا تتحركوا. ولا تحاولوا الهرب. احتموا ببساطة. وليس من الضروري الاحتماء تحت الأرض، فحتى تجمعات الشقق السكنية تؤمن ما يكفي من الحماية من الإشعاع بشرط الابتعاد عن النوافذ.  

لقد تركت كييف. أين تقيم حالياً؟ 

أنا قريب من كييف، على بعد نحو 25 كيلومتراً في منزل ريفي. ومن حسن الحظ أن هذه المنطقة آمنة إلى حد ما، وتتيح لي إمكانية التواصل مع كييف. وأنا أبعد عن كييف مسافة رحلة ساعة واحدة بالسيارة، بحيث أستطيع الذهاب إلى هناك عند الحاجة. وسأبقى في حالة الاستعداد إلى أن تصبح هناك حاجة إلى خبرتي أو عملي، وعندها سأعود إلى مكان عملي. هذا هو السبب الذي جعلنا نقرر عدم الفرار.  

فأنا أشعر بالتفاؤل إزاء نجاح الجيش الأوكراني في التصدي للروس. وببساطة، لن يستطيعوا إخضاع أوكرانيا. وليس الاستسلام بالخيار الوارد. 

يوجد لدى أولادنا طفلتين بعمر أربع سنوات، ولهذا فقد نقلناهم إلى مكان آمن. ولكن كبار السن لم يغادروا. وأنا مسنّ بما يكفي للتضحية بحياتي عند الضرورة.